جعفر العلوجي يكتب : بغداد بين زمن الاهمال ونهضة السوداني

حين تسقط المدن لا تسقط حجارتها فقط ، بل تتهاوى أرواحها أيضا وهذا ما شهدته بغداد منذ سقوط النظام السابق عام 2003 بقيت العاصمة التي كانت يوما زهرة المدائن تعيش على أنقاض مجدها صامتة ، وكأن صوتها مكتوم غائبة عن الأعمار رغم أن الحكومات المتعاقبة كلها أدارت العراق من قلبها النابض ، لكن دون أن تعير هذا القلب ذاته أي التفاتة جادة .

مرت السنون والدولاب يدور وكلما جاء عهد سياسي جديد ، ازدادت بغداد شيبا فوق شيبها ، فالشوارع مهملة والجسور شاهدة على ازدحام لا ينتهي ، والمستشفيات بين متهالكة وباهتة , بينما الأحياء تغرق في بحر من العشوائية , بغداد التي كانت يوما تصدر النور أصبحت تبحث عمن يشعل شمعة وسط هذا الظلام ,
لكن الأقدار شاءت أن يأتي رجل لا يحمل عصا سحرية ، لكن يحمل إرادة تحرك الصخر ، فكان محمد شياع السوداني لم يأتِ ليكتفي بخطابات رنانة أو وعود جوفاء بل قرأ بغداد بعيون من يعرف أنها ليست مدينة عادية وإنما عنوان لدولة وهوية شعب .
السوداني لم يتوقف عند التشخيص ، بل بدأ العلاج طرقات بغداد لم تعد شاهدة على أزمات المرور فحسب بل أصبحت ساحات لورش العمل ، الجسور ترمم وتبنى والشوارع والأزقة تعبد ، وكأن المدينة تستعيد شيئا من وجهها المشرق ، أما القطاع الصحي الذي ظل يعاني لسنوات فقد شهد دفعة جادة من ترميم المنشآت القديمة إلى افتتاح الحديثة ، ليشعر المواطن أن بغداد بدأت تتنفس بعد اختناق طويل .
ليس غريبا أن يتجاهل بعض الإعلاميين والصحفيين والمحللين هذه الإنجازات ، فقد اعتاد البعض أن يرفعوا من لا يستحق ويسقطوا من يعمل مادامت البوصلة مرتبطة بالمال والنفوذ ، لكن الحقيقة تظل حقيقة رغم أنف الجميع .
أنا لا أدافع عن السوداني كشخص فالرجل في النهاية مسؤول يحاسب على ما يقدم وما يقصّر لكنني أدافع عن منجزاته ، لأن بغداد تستحق أن نرى الأمل فيها حتى لو كان الأمل وليد خطوات بسيطة لكنه كاف ليعيد لبغداد صوتها الذي كتم لسنوات .
بغداد اليوم ليست كما كانت قبل سنوات ، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة ، ويبدو أن السوداني قد بدأ هذه الرحلة وما علينا سوى أن نبقى شهودا لا لنمدحه بل لنحاسبه على كل خطوة سواء تقدمت للأمام أو عادت للخلف .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى