محمد أبو رمان : ماذا يتم طبخة ترامب ونتنياهو

يطرح مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى روبرت ساتلوف، وهو المقرّب من الدوائر الصهيونية في الولايات المتحدة، أسئلة رئيسية مهمة في ما يتعلّق بموقف دونالد ترامب من ملفّات الشرق الأوسط، سواء ما يتعلّق بالموقف من إيران وبرنامجها النووي، أو ما يتعلّق بضمّ الضفة الغربية، وتعزيز التعاون العربي- الإسرائيلي، وهي أسئلة لا خلاف على أنّ الإجابة عنها سترسّم بالفعل معالم السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة والقضية الفلسطينية. لكن، وهذا هو المهم أنّها (هذه الأسئلة) تطرح أسئلة ومعضلات أخرى عديدة تعيدنا جميعاً إلى المربّع الأول في دائرة الصراع والنزاع المغلقة في المنطقة.

محمد أبو رمان

ابتداءً، يتم تحديد الموقف من إيران عبر أحد مسارين رئيسين: الأول، التصعيد والعمل على تحجيم القوة الإقليمية الإيرانية، وإدارة العلاقة معها عبر منطق الصراع والعداء، ما يعني العودة إلى مقاربة التعاون العربي- الإسرائيلي، العسكري، والعمل على تشكيل نظام إقليمي جديد يضع إيران في مربّع الخصم والعدو، ويعزّز فكرة الاستقطاب والتخندق الإقليمي في المنطقة.

وهو أمرٌ إما أن يقف عند حدودٍ دنيا تتمثّل في العقوبات والحصار والعمل على استراتيجية تغيير السلوك الإيراني، وربما الرهان على أزمة الداخل هناك، وقد يصل الحدّ الأعلى إلى حربٍ عسكريةٍ محدودة أو مفتوحة، تخاض مباشرةً أو بالوكالة، أو أن يكون هنالك موقف مختلف مفاجئ لترامب نحو الوصول إلى تفاهمات مع إيران وتخفيض تصعيد التوتر الإقليمي، وهذا يقتضي القبول بالاتفاقية النووية والعودة إلى مسار الحوار والتفاوض، والقبول بإيران قوة إقليمية، مع ضمانات للحدّ الأدنى لأمن إسرائيل أميركياً وإسرائيلياً.

يعيد السؤال الإيراني طرح ملف الترتيبات الإقليمية والتطبيع العربي- الإسرائيلي، وهنا يُطرح سؤال الموقف السعودي، بخاصة أنّ السعودية ربطت بوضوح موقفها من التطبيع بمسار حل الدولتين والتسوية السلمية مرّة أخرى. وتبدو المعضلات هنا أكثر تعقيداً مع الموقف الإسرائيلي العام اليوم الذي انتهى (بعد حرب الإبادة الحالية) إلى المضي خطواتٍ أكبر نحو إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية شكلاً ومضموناً، فهل سيكون في جعبة ترامب شيء ما يقدمه؟ حتى لو افترضنا أنّه سيعيد طرح “صفقة القرن” (آخر ما حرّر من التصورات الأميركية لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني (أو العربي إن كان هنالك لا يزال موقف عربي!)؛ وهو مشروع لم يعد اليوم أقلّ بكثير مما يمكن أن يقبل به الفلسطينيون، بل تجاوزه “الإسرائيليون” بعد التطورات أخيراً، مع الإعلان الواضح عن ضمّ الضفة الغربية ورفض إقامة دولة فلسطينية.

هل سيعدّل ترامب صفقة القرن ويجترح لغة جديدة يمكن أن يقبل بها السعوديون ويوافق عليها الإسرائيليون، تقوم على “ألعاب مفاهيمية” لكسب الوقت وتمرير فكرة التطبيع الإقليمي؟ وماذا عن الموقف الفلسطيني؟ وهل سينجح ترامب في إزالة هذه العقبات والمضي في مشروع “السلام الإقليمي” الذي أصبح بمثابة مبدأ استراتيجي في السياسات الإسرائيلية والأميركية لتحويل الصراع Conflict Transformation، وهو بالمعنى السياسي بمثابة Paradigm Shifting يخرج من دائرة النقاش في الحل النهائي ومركزية القضية الفلسطينية إلى مشروعات الأمن الإقليمي والسلام الاقتصادي والتعاون بين إسرائيل والدول العربية في مشروعاتٍ عملاقة. لكن التلاعب المفاهيمي الجديد قد يكون وضع القضية على مسار “عملية سياسية” من دون تقديم إجابات واضحة وحاسمة!. وكيف يمكن التعامل مع السؤال الأكثر أهمية المتمثل في ضمّ الضفة الغربية، وتنفيذ وعد ترامب (خلال حملته الانتخابية) توسيع رقعة الكيان الإسرائيلي، وهو أمر يعني ترتيبات وخططاً أميركية جديدة، أو تأجيل أي خططٍ إلى أن تقوم إسرائيل بتغيير جديد كبير في الأوضاع في الضفة الغربية.

في خضم ذلك كلّه، السؤال الآخر المهم يتمثل في اليوم التالي في غزّة، بعدما تم فك الارتباط بين وحدة الساحات؛ وبقي القطاع أمام الكارثة، فمن الواضح أنّ هنالك شيئاً ما “يُطبخ” أميركياً وإسرائيلياً يقوم على مرحلة انتقالية تستبعد عودة السلطة الفلسطينية وتخرج حماس من حكم غزّة، ويلبّي الحدّ الأدنى من مطامع إسرائيل بضمانات عسكرية وأمنية، لكن مع استبطان ضمني -على الأقل على المدى القريب- للفصل بين الضفة وغزّة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى