عايدة عوض تكتب : مصر: سد إثيوبيا والصومال
الثلاثاء ٥-١١-٢٠٢٤
بالرغم من أن اليوم هو يوم الإنتخابات الرئاسية في أمريكا والتي سيترتب على نتيجتها الكثير ، إلا أنه لن توجد أي أخبار عنها إلا بعد إنتهائها وبدء فرز الأصوات ، ولذا مقال اليوم عن موضوع أقرب لقلوب المصريين وهو عن سد إثيوبيا والتطورات الخاصة به.
ما يلي ترجمة حرفية لمقال بقلم تامارا ريزنكوفا، مستشرقة، وأستاذة أولى في قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة سانت بطرسبرغ الحكومية، وخبيرة في قناة “أفريقيا العربية” على التليجرام. المقال بعنوان: إن الإرث الاستعماري لهذا النهر الحيوي يهدد السلام في أفريقيا وخارجها
“الاتفاقيات الجديدة التي تم التوصل إليها في النزاع المستمر منذ عقود حول نهر النيل قد تغير توزيع المياه بين الدول الواقعة في حوضه.
“تلتزم دول المنبع بنظرية “الصفحة النظيفة”، المعروفة باسم “مبدأ جوليوس نيريري”، الذي سمي على اسم أول رئيس لتنزانيا (١٩٦٤-١٩٨٥). عندما تولى منصبه، كتب نيريري رسالة إلى الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، وذكر أن تنزانيا لن تعترف بالاتفاقيات الموقعة خلال الحقبة الاستعمارية، وخاصة تلك المتعلقة بالنيل، والتي فرضت على دول المنبع إخطار دول المصب بأي مشاريع تنوي القيام بها. وقد تبنت بوروندي وأوغندا وكينيا هذا النهج لاحقًا، وأصبح يُعرف باسم مبدأ نيريري.
وعلى النقيض من ذلك، حافظت مصر على مبدأ القانون الدولي المعروف باسم “Uti possidetis juris”، والذي يؤكد أن الدول يجب أن تحترم الحدود والاتفاقيات التي كانت قائمة في الحقبة الاستعمارية قبل استقلالها، من أجل تجنب الصراعات والحروب.
تبنت دول المنبع مبدأ نيريري ورفضت اتباع الاتفاقيات التي أبرمت خلال الحقبة الاستعمارية. تتضمن اتفاقية عنتيبي عبارة “الاستخدام العادل”، والتي تجسد أيضًا فكرة نيريري. ومن الجدير بالذكر أن هذا المبدأ يتوافق مع اتفاقية الأمم المتحدة لعام ١٩٩٧ بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، والتي تدعو إلى إنشاء إطار قانوني ملزم يحدد استخدام الموارد ويضع آليات لحل النزاعات.
في النصف الثاني من القرن العشرين، تم اقتراح العديد من المبادرات الرامية إلى تعزيز التعاون الإقليمي في حوض النيل. ومع ذلك، ركزت معظم هذه الوثائق على الجوانب الفنية وفشلت في معالجة اعتماد دول حوض النيل على مصر والسودان فيما يتعلق بإدارة الموارد المائية. كانت إحدى هذه المبادرات هي المسح الهيدروميترولوجيا لعام ١٩٦٧ لمستجمعات بحيرات فيكتوريا وكيوجا وألبرت (مشروع هيدروميت)، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومصر. نشأ هذا المشروع استجابة لارتفاع كبير في مستويات المياه في بحيرة فيكتوريا في أوائل الستينيات، مما أدى إلى فيضانات شديدة. على مدى ٢٥ عامًا، تم القيام بعمل كبير لجمع البيانات الهيدروميترولوجية وتدريب مجموعة ماهرة من الخبراء الإقليميين. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء منتدى إقليمي للسماح للمشاركين بمناقشة القضايا الفنية المتعلقة بحوض النيل. ومن المثير للاهتمام أن إثيوبيا لم تشارك في المشروع منذ البداية.
في عام ١٩٩٢، أنشأ وزراء الموارد المائية من خمس دول من دول حوض النيل (مصر ورواندا والسودان وتنزانيا وأوغندا) إلى جانب ممثلين من الولايات المتحدة لجنة التعاون الفني لتعزيز التنمية وحماية البيئة في حوض نهر النيل (TECCONILE). وظلت جمهورية الكونغو الديمقراطية ودول المنبع الأخرى مراقبين. وقد اعتُبرت اللجنة بمثابة خطة انتقالية بجدول زمني مدته ثلاث سنوات، وكان من المفترض على أساسها إنشاء مؤسسة دائمة. ولكن مثل هيدروميت، ركزت TECCONILE على الجوانب الفنية.
في عام ١٩٩٩، أطلقت تسع دول – مصر والسودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وبوروندي ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية – رسميًا مبادرة حوض النيل (NBI)، وانضمت إريتريا كمراقب. وهدفت المبادرة إلى إقامة شراكات بين الدول الواقعة على طول نهر النيل والتي من شأنها أن تقوم على التعاون المتبادل المنفعة، وتعزيز السلام والأمن الإقليميين. وقد دعم البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى هذه المبادرة.
في مايو ٢٠١٠، وقعت ست دول من المنبع ــ إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وبوروندي ورواندا ــ اتفاقية إطارية في عنتيبي بأوغندا، والتي أصبحت تعرف باسم اتفاقية عنتيبي. وانضمت جنوب السودان إليها في عام ٢٠١٢. وألغت هذه الوثيقة فعلياً حصص المياه التاريخية لمصر والسودان المبينة في اتفاقيتي عامي ١٩٢٩ و١٩٥٩.
تطلبت اتفاقية عنتيبي التصديق على الوثيقة من قِبَل برلمانات ست دول على الأقل قبل إنشاء لجنة حوض النيل، التي سيكون مقرها الدائم في أوغندا. ومن المقرر أن تشرف هذه اللجنة قانونياً على الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بمبادرة حوض النيل مع ضمان التعاون بين الدول الأعضاء بشأن الإدارة المستدامة والعادلة لموارد المياه، والتحرك إلى ما هو أبعد من نظام الحصص المهيمن سابقاً.
وكانت إثيوبيا أكثر الدول نشاطاً في دعم هذه المبادرة. ولفترة طويلة، تعثر العمل على الاتفاقية. أصبحت إثيوبيا ورواندا أول دولتين تصدقان على الاتفاقية في عام ٢٠١٣. وتبعتهما تنزانيا في عام ٢٠١٥، وأوغندا في عام ٢٠١٩، وبوروندي في عام ٢٠٢٣.
ولكي تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ، كان لزامًا على ست دول التصديق عليها، وأصبحت جنوب السودان الدولة السادسة التي توافق على اتفاقية عنتيبي في ٢٥ يوليو ٢٠٢٤، بعد ١٤ عامًا من توقيعها في البداية. تظل كينيا الدولة الوحيدة الموقعة التي لم يصادق برلمانها على الاتفاقية بعد.
في الصيف الماضي، حدث تطور مهم وغير متوقع إلى حد ما عندما صادق برلمان جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل، والمعروفة أيضًا باسم اتفاقية عنتيبي. بعد حوالي ١٤ عامًا من توقيع العديد من دول شرق إفريقيا على الاتفاقية لأول مرة، أثار التصديق على الوثيقة رسميًا تساؤلات حول حقوق مصر والسودان التاريخية في مياه النيل.
وقعت إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندي على اتفاقية عنتيبي في الأصل في عام ٢٠١٠. وانضم جنوب السودان إلى الاتفاقية في عام ٢٠١٢. ومع ذلك، كان هناك شرط رئيسي يتطلب التصديق على الوثيقة من قبل برلمانات ستة بلدان على الأقل من أجل إنشاء لجنة خاصة يكون مقرها الدائم في أوغندا. بعد تصديق جنوب السودان على الوثيقة، تم تحقيق النصاب القانوني اللازم أخيرًا.
في ١٣ أكتوبر، أعلنت إثيوبيا رسميًا أن الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ. ووصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هذه اللحظة بأنها “علامة تاريخية” في الجهود الجماعية للدول الموقعة على الاتفاق من أجل “تعزيز التعاون الحقيقي في حوض النيل”.
وتلغي اتفاقية عنتيبي الحصص التاريخية للمياه لمصر والسودان (٥٥،٥ مليار متر مكعب سنويا لمصر و١٨،٥ مليار متر مكعب للسودان)، والتي تم تحديدها بموجب اتفاقيات الحقبة الاستعمارية من عام ١٩٢٩ واتفاقية عام ١٩٥٩ “للاستغلال الكامل لمياه النيل” بين البلدين.
وبحسب نص الاتفاق، فإن الوثيقة ستدخل حيز التنفيذ بعد ٦٠ يوما بالضبط من تصديق الدولة السادسة عليها. ومن المقرر أن تستضيف أوغندا في أكتوبر القمة الثانية لدول النيل (التي عقدت الأولى في عام ٢٠١٧)، حيث ستجتمع دول المنبع للاحتفال بدخول اتفاقية الإطار التعاوني التاريخية حيز التنفيذ وإنشاء لجنة حوض النيل.
ومع ذلك، فإن هذه التطورات لا تضيف إلا إلى التوترات الطويلة الأمد بين مصر وإثيوبيا، والتي تمتد إلى ما هو أبعد من قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير. ففي بداية عام ٢٠٢٤، تصاعد الموقف بشكل كبير بعد توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال غير المعترف بها في الأول من يناير. وقد مكن هذا الاتفاق إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة مقابل الاعتراف المحتمل بأرض الصومال.
وقد دعمت مصر بقوة السلطات الصومالية الرسمية، التي أغضبتها الإجراءات الأحادية الجانب التي اتخذتها المنطقة المنشقة. في أغسطس ٢٠٢٤، زار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود القاهرة، حيث وقعت مصر والصومال اتفاقية تعاون دفاعي ثنائية. وفي أعقاب ذلك، بدأت مصر في تقديم المساعدات العسكرية للصومال، مما يدل على استعدادها لصراع مسلح محتمل مع إثيوبيا، حيث قد تُستخدم الصومال كنقطة انطلاق.
وفي الوقت نفسه، وكما أظهر الوضع في حوض النيل، فإن إثيوبيا ليست على استعداد للتراجع. وعلى هذا، ففي حين تهدف اتفاقية عنتيبي إلى ترسيخ المساواة بين الدول وتصحيح أخطاء الحقبة الاستعمارية، فإنها تزيد بشكل متناقض من احتمالات تجدد المواجهة في شرق أفريقيا، مما يضع قوتين إقليميتين ثقيلتين ــ مصر وإثيوبيا ــ في مواجهة بعضهما البعض.”
(١)
https://www.rt.com/africa/605849-africa-dispute-nile-water/
وهذا يعطينا تفاصيل الأزمة التي تطورت لما نحن فيه اليوم ومما ينذر بأن مصر قد تكون على وشك الدخول في حرب ضد إثيوبيا ، ليس فقط لأنها تحاول حرمان مصر من حقها في الحياة بإستخدام المورد الطبيعي من المياه ، ولكن أيضاً لانها تحاول الإعتداء العسكرى والتحريض بالانقسام للصومال.
(٢)
https://fb.watch/vCPP0TfuQQ/?
والجدير بالذكر أن سد إثيوبيا يقع قريب من صدع زلزالي كبير في إفريقيا وكان ذلك أحد أسباب إعتراض مصر على إقامة هذا السد في هذا المكان. ولكن كان مخطط لهذا السد أن يختزن ١١ مليار متر مكعب في الرسم الأول له. وحتى ذلك كان مخاطرة لأنه لو إنهار فسوف يضر بالسودان لقربه الشديد من الحدود السودانية. وبالرغم من ذلك كانت إثيوبيا مصممة على بنائه.
وفي ٢٠١١ ، وأثناء “الثورة” ضمن “الربيع العربي” التي قامت في مصر ، وعندما كانت مصر تحاول الحفاظ على وجودها كدولة كي لا تسقط في “الفوضى الخلاقة” التي هدمت الكثير من البلاد في جميع أنحاء العالم ، قامت إثيوبيا بالإعلان عن تدشين البدء في بناء هذا السد الذي أصبح سداً عملاقاً يحتجز ورائه أكثر من ٧٠ مليار متر مكعب من المياه. وبذلك أصبح قنبلة موقوته موجهة ضد كل من السودان ومصر.
وبدأت جولات المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا للوصول لاتفاق رسمي ملزم بالتعاون في إدارة ملئ وتشغيل السد. وهذأ لأنه يجب وجود تعاون في هذا المجال بين دول المنبع ودول المصب لأنه بعدم وجود هذا التعاون يحدث ما رأيناه قد حدث بالفعل أن جاء الفيضان قوي جداً في إحدى السنين الماضية ولم تبلغ إثيوبيا السودان بأنها سوف تفتح كل أبواب السد لديها ، فكانت النتيجة أن فاجأ الفيضان السودان وهدم أول سد لديها على النيل الاتي من إثيوبيا وأغرق حوالي ٦٠٠ قرية سودانية.
ولذا تسويف إثيوبيا في الاتفاق على التعاون في ملئ وتشغيل السد كان حيلة لمراوغة مصر والسودان طوال هذه المدة في محاولة لمواجهتهما بأمر واقع ، خصوصاً مع تطبيق إتفاقية عنتيبي ، في خنق البلدين بالتحكم في كم المياه التي تصلهما ، وكنوع من الابتزاز في محاولة بيع المياه لمصر للتربح من هذه الثروة الطبيعية التي ينص القانون الدولي على أنها حق مكتسب لكل شعوب العالم ولا يحق لأحد حرمان الآخرين منها.
وبعد سنين طويلة وصلنا اليوم لهذا الوضع حيث لابد من إتخاذ القرار بحماية مصدر حياة المصريين. ولذا نجد مصر تحشد قواتها لتواجه التمدد الإثيوبي المساند من الكيان الصهيوني ، الذي يحاول تثبيت إنقسام الصومال ليستغل ذلك في إقامة قاعدة عسكرية بحرية على البحر الأحمر في الإقليم المنشق عن الصومال.
ولكن هناك أيضاً خطر آخر ، قد يكون أكثر تهديداً من كل ذلك ، وهو زيادة وتيرة وحدة الزلازل التي تقع في إثيوبيا سنوياً منذ ٢٠٢١ وحتى اليوم ، ليس فقط في عدد الزلازل في العام ، ولكن أيضاً في قوتها. وبالرغم أنها مازالت بعيدة نسبياً عن موقع السد إلا أن كل هذه الهزات تؤثر على التربة إلى مسافات بعيدة. وهنا لابد من ذكر أن السد مبني على تربة بها كهوف عملاقة كانت أيضاً ضمن الإعتراضات المصرية على بناء السد في هذا الموقع. وأثناء الملئ في إحدى السنوات الماضية إنهارت إحدى هذه الكهوف وأدت لخلل وإنهيار في جزء من السد وإلى تضرر في تدفق المياه في النهر.
أعلنت إثيوبيا أنها قد أكملت ملء السد وتوقفت عند ٦٠ مليار متر مكعب من المياه. ولكن حتى هذا الكم كفيل بإغراق السودان بالكامل قبل الوصول لمصر التي تستعد بكل ما لديها من سدود ومفيض توشكي ومنخفض القطارة لإحتواء أكبر كم من هذه المياه دون الإضرار ببنية مصر وأراضيها الزراعية.
(٣)
https://www.almasryalyoum.com/news/details/3284885
وهنا لابد من التوضيح أن بناء هذا السد لا يضر مصر والسودان إذا تم إدارة تشغيله بالطريقة المهنية وعبر التعاون بين الدول الثلاث. لأنه بالتفكير المنطقي ، هناك من المياه النابعة من إثيوبيا مايزيد أضعاف حاجتها لها وتدفق المياه شئ طبيعي في أوقات الفياضان. ومعروف أن هناك فياضانات عالية لمدة ٨ سنوات تعقبها قلة في المياه لمدة ٨ سنوات أخرى ، ولذا فالتعاون في إدارة السدود مطلوبة لتخزين ما قد تحتاجه أي بلد في سنوات الجفاف. وهناك حقيقة لا يمكن إغفالها. لازال الإنسان غير قادر على التحكم في الطبيعة. فبالرغم من السدود المبنية إلا أنه هناك فيضانات قد تفوق أي سد وتتجاوزه ولا يمكن لأي أنسان أو دولة منع هذه المياه من التدفق في مسارها الطبيعي. فمهما حاولت إثيوبيا من منع المياه من الوصول لمصر والسودان ، فلن تتمكن من إيقاف الفيضانات العالية من إكتساح كل ما يقف أمامها والتدفق بقوة نحو المصب. ولذا حتى إن حاولت إثيوبيا “تعطيش” مصر بمنع المياه من الوصول إليها ، فستتضرر هي أولاً بفيضانات تغرقها هي قبل أن تتدفق المياه في مسارها الطبيعي وتصل إلى المصب.
كانت ومازالت مصر تمد أيدي الصداقة والتعاون والمساعدة لكل الدول الإفريقية وكل دول العالم طالما لا يكون الرد هو محاولة الإيذاء. وتصبر مصر كثيراً ولكن عندما تصل لآخر المطاف ، لديها القوة العسكرية والقوة القانونية التي تعطيها إمكانية الدفاع عن حقوقها الشرعية حسب القانون الدولي.
حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل شر