بعد الانتهاكات الخطيرة في ولاية الجزيرة.. هل يتخذ مجلس الأمن موقفا حاسما لحماية المدنيين في السودان؟

لم تعد لدماء المدنيين في السودان “حرمة”، فالقتل والتشريد والتنكيل هو مصير من يقع تحت يد أطراف الحرب، فالموت مصير أهالي القرى والمدن المتهمين بالخيانة أو الولاء لهذا الطرف أو ذاك، وأطراف الصراع لا رادع لهم بعد اكتفاء العالم بالتنديد والشجب في أحسن الأحوال.

هل يتخذ مجلس الأمن الدولي خلال الساعات القادمة إجراءات حاسمة لحماية المدنيين من “مقصلة” آلة الحرب المستعرة بوحشية في ولاية الجزيرة والولايات الأخرى..أم سيتوارى الجميع خلف المقاعد ويكتفون بالاستنكار والتحذير من القادم الذي لن يكون في كل الأحوال أسوأ من الحاضر؟

أكد الدكتور محمد مصطفى، رئيس المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديموقراطية بالسودان، أن الانتهاكات التي تحدث اليوم في ولاية الجزيرة ليست الأولى، الانتهاكات حدثت وتحدث منذ بداية الحرب ولن تكون الجزيرة المحطة الأخيرة لمثل تلك التعديات على المدنيين بهذا الشكل.

الانتهاكات مستمرة

وأضاف: “الانتهاكات التي تمت في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور في بداية حرب 15 أبريل/نيسان 2023 وراح ضحيتها ستة آلاف مواطن وعلى رأسهم والي الولاية، لم تجد سوى بعض الإدانات غير العملية على المستويين الإقليمي والدولي”.

وتابع مصطفى: “توالت الانتهاكات في كل المدن من قتل وتهجير ونهب، كل ذلك لم يحرك ساكنا للمجتمع الدولي والإقليمي، ولم نر سوى بعض الإدانات والعقوبات الشكلية”.

وأشار رئيس المركز العربي، إلى أن “الانتهاكات الجسيمة والمجازر التي وقعت في قرى شرق ولاية الجزيرة، أكدت أن قوات الدعم السريع لم تستفد من تجربتها في مدينة الجنينة والتي جلبت إليها انتقادات وإدانات كبيرة، وللأسف لم تعمل بقوانين ومواثيق الحرب، وكذلك لم تهتم بالمواطن الذي ادعت بأنها تقاتل من أجله ولا بالديمقراطية التي رفعتها شعارٱ تقاتل من أجلها، لأن المواطن الذي يُقتل فقط بسبب انتمائه القبلي أو الجهوي، هو ذلك المواطن الذي تقوم عليه الديمقراطية والسلطة والدولة”.

مجلس الأمن

وعبر مصطفى عن “عدم ثقته بأن مجلس الأمن قد يستطيع حماية مواطني السودان، فالمواثيق التي اعتمدتها الأمم المتحدة هي فقط لتحقيق مصالح الكبار ولا غير”.

ولفت مصطفى إلى أن “حالة المواطن السوداني لا تحتاج لتقارير ولا تقصي حقائق، فهي بينة وجلية يدركها راعي الضأن في أقاصي الدنيا، فأموال خزانة الأمم المتحدة أحق بها المواطن السوداني الذي يعاني الجوع والكوليرا والملاريا وكل أمراض الدنيا”.

مخطط التقسيم

في المقابل تقول السياسية السودانية، لنا مهدي: “إن من يقوم بالانتهاكات في ولاية الجزيرة هم من دعوا إلى تسليح المدنيين لتأجيج الصراعات في الولاية من منطلق إثني عنصري قميء، وهو من أمر بفتح مخازن السلاح التابعة لقوات الشرطة في ولاية الجزيرة للمواطنين ودعاهم لحمل السلاح وحرضهم على القتال، فالحرب الأهلية مخطط خبيث من الإخوان وقياداتهم وأذرعهم في السودان لتفكيك الوطن لدويلات متناحرة”.

وأضافت : “من سلح المستنفرين ونظمهم في كتائب بولاية الجزيرة ومولهم هم قيادات الإخوان وأذرعهم التي تم كشفها وفضحها وباءت مؤامرتها بالفشل الذريع”.

ولاية الجزيرة

وتابعت مهدي: “بالمقابل قيادة الدعم السريع دعت كافة الإدارات الأهلية وزعماء القبائل والعشائر والمواطنين في الولاية لعدم الانجرار وراء خطاب العنف والكراهية وعدم حمل السلاح والالتزام بالبقاء في بيوتهم حفاظاً على أرواحهم، وبالفعل حدثت استجابة واسعة من مواطني قرى ولاية الجزيرة، إذ قامت 8 من القرى بالولاية بتسليم سلاحها إلى قوات الدعم السريع استجابة للنداء منعاً للدخول في اشتباكات عسكرية، والاستفادة من القرار الصادر من الفريق محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع بالعفو عن كل من يسلم سلاحه من المدنيين ووعد بعدم محاسبته، وبهذا ينأى سكان الجزيرة بأنفسهم عن صراع يريد الجيش وقيادته ومرتزقته وكتائب ظله جرهم إليه، ليكونوا قرابين بشرية للطموح الدموي العنصري”.

ولفتت مهدي إلى أن “قوات الدعم السريع كشفت المخطط العنصري في بعض قرى الجزيرة وتصدت له بشجاعة، وما الحديث عن انتهاكات للقوات بالولاية إلا محاولة لذر الرماد في العيون والتغطية على الفشل المستدام للجيش الأيديولوجي الموجود في السودان”.

ساحة حرب

بدورها تقول نضال مهدي، الناشطة في المجال الإنساني والإغاثي بالسودان، “ما يحدث في ولاية الجزيرة وصل حد كارثي، حيث أصبحت قرى الجزيرة في ظرف ثلاثة أيام ساحة حرب، افترست كل المواطنين نزح من نزح وشُرد من شُرد وقتل من قتل من نساء وأطفال وشباب وأمهات وأُسر بأكملها نتيجة الصراع”.

وأضافت في حديثه: “الرصاص لم يُفرق بين الصغير والكبير والمرأة والرجل، علاوة على الانقطاع الكامل للدعم الإنساني، الأمر الذي لاح ضحيته المئات بين قتيل وجريح سواء بالرصاص أو بالحصار القاتل والذي تجسد في أبشع صوره في تلك المناطق لعدم وجود الرادع الإقليمي أو الدولي”.

دروع بشرية

وأشارت مهدي إلى أن “العالم لم يشاهد كثيرا عمليات اتخاذ المواطنين المدنيين المسالمين في المدن دروعا بشرية، يجب اتخاذ مواقف دولية وإقليمية حازمة تجاه ما يحدث ضد المواطنين ويدفعون ثمن الصراع الدائر منذ أكثر من عام ونصف دروعا بشرية يجب أن لا يدفع المدنيين ثمن ما يحدث، كما يجب الحفاظ على الأرواح البريئة التي ليس لها أي أهداف من وراء تلك الحرب ويتطلعون إلى الاستقرار”.

وشددت مهدي على ضرورة أن تكون ساحات المعارك “بعيدا عن المدن والمدنيين، وكفا ما لاقاه أهل السودان من قتل وتشريد وأزمات وحروب، فقد تلون ماء النيل بدماء السودانيين من كل الأطراف، وليعلم الجميع أن المناشدة بوقف الحرب وحقن الدماء من جانب أي طرف لا يعني الضعف، بل هو المسؤولية الحقيقية تجاه هذا الشعب الذي يعاني منذ عقود طويلة”.

أعلن الجيش السوداني، الأحد الماضي، أن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة أبوعاقلة كيكل انحاز للقوات المسلحة برفقة مجموعة من قواته، مؤكدا العفو عنه.

وقال الجيش في بيان إن “كيكل الذي كان يقود قوات الدعم السريع في وسط السودان وتتمركز قواته في ولاية الجزيرة وأجزاء من ولايتي سنار والنيل الأبيض المجاورتين، انحاز لجانب الحق والوطن”.

وأوضحت وسائل إعلام سودانية أن “الخطوة اكتملت بعد تفاوض طويل شاركت فيه عدة أطراف”.

وتأتي هذه الخطوة بعيد انتقال الجيش من مرحلة الدفاع إلى الهجوم منذ 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث حقق المزيد من التقدم العسكري على عدة جبهات.

واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.

وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.

وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني- قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع “الاتفاق الإطاري” المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى