د. دعاء رضوان / تكتب: إنّ كوكب الأرض الذي يعيش عليه جميع الناس لا يُعدّ ملكًا لأحد منهم، وبالتالي لا يحقّ لأيّ شخص أن يتعدّى على البيئة ويُحدث ضررًا
ومن هنا فقد جاءت دعوات عالميّة كثيرة تُنادي بترشيد استهلاك المصادر الطبيعية في البيئة، وبخاصة ترشيد استهلاك الماء الذي يعد من أبرز موارد البيئة الطبيعية ويعتمد عليه كلّ من الإنسان والحيوان والنبات، فالماء ضرورة من ضرورات الحياة والحياة قائمة بوجوده، وإنّ إهداره أو تلويثه يحتاج الجهد الكبير والوقت المستنزف لأجل إعادته إلى حالته العذبة والنقيّة. إنّ مشكلة تلوث البيئة من الأمور الهامّة التي يجب أن تُؤخذ على محمل الجدّ، نظرًا للآثار السلبيّة التي تُخلّفها على الموارد الطبيعيّة، والتي تعدُّ من الحاجات المطلقة لوجود الحياة على هذا الكوكب؛ كالماء والهواء، وبدونها لا يستطيع الإنسان ولا الحيوان ولا النبات البقاء على قيد الحياة. كما سبق الحديث أنّ أبرز أقسام التلوث هي تلوث الماء والهواء والتربة، وأيّ ضرر يحدث في أحدها سيسبّب انحسارًا في الموارد الطبيعية وسيُحدث ضررًا في توازن الببيئة، فمثلًا يحدث تلوث الهواء نتيجة اختلاطه بمواد ضارّة، قد يكون مصدرها الدخان المنبعث من السيارات والمصانع، أو الدخان المنبعث من عمليات الحرق بأشكالها، فيُسبّب هذا التلوث ضررًا كبيرًا على صحّة الإنسان والحيوان والنبات، بالإضافة إلى تضرّر ثقب الأوزون. أمّا تلوث المياه فينجم عن اختلاط الماء النظيفة والعذبة بالمياه العادمة والمياه الكيميائية وغيرها من مسبّبات تلوث المياه، ممّا يعود بالأذى على الإنسان والحيوان والنبات، والقسم الأخير من أقسام التلوث، هو تلوث التربة، ولعلّ انتشار هذا النوع من التلوث قد زاد وانتشر بعد الحروب، وذلك ناتج عن اختلاط التربة ببعض المواد الكيميائية الضارة ونفايات الحروب كمخلفات الأسلحة والذخائر بالإضافة إلى المشتقّات البتروليّة، والتصحّر والرعي الجائر، وجميع هذه الأسباب أدّت إلى إحداث خلل في النظام البيئي، حيث أصبحت التربة مُتعرّية بشكل كامل من النباتات ممّا أدى إلى انجرافها وصعوبة الزراعة عليها. كيف نحافظ على البيئة؟
======
يتشارك الإنسان كوكب الأرض مع كلّ من الحيوانات والنباتات، ويُعدُّ الإنسان الكائن الوحيد الذي أمدّه الله عزّ وجلّ بنعمة العقل والإدراك، وعلى الرّغم من ذلك كلّه فهو المسبّب الأكبر في إحداث الفساد الأعظم لهذه البيئة، حيث أصبح هذا الكوكب وكأنه مرتع للفاسدين والعابثين الذين يثيرون فضولهم ورغبتهم في تطبيق مخترعاتهم دون الاكتراث إلى حجم الضّرر الذي قد يلحق بالبيئة، وللحفاظ على البيئة من التلوُّث وتحسين جودة الحياة وحتى ينعم أفراد المجتمع بنمط حياة صحّي، يلزم جميع المقيمين فيها التعاون التامّ مع عناصرها ومراعاة سلوكياتهم اليومية، حتى ينعم الجميع ببيئة آمنة وصحيّة. مِن الوسائل التي قد تكون سببًا في المحافظة على البيئة كثيرة، من أهمّها؛ استعمال وسائل النقل التي تعدُّ صديقة للبيئة كالسيّارات الكهربائية أو المركبات الهيدروجينيّة، بالإضافة إلى توفير النقل المشترك للأفراد الذي لا يمنع من حدوث تلوث الهواء، إلّا أنّه يُمكن أن يُقلّل من حدوثه بشكل كبير، ولا زال العالم يعملّ بجدّ على الحدّ من الانبعاث الخطر للغازات والدخان التي تنبعث من السيارات والمصانع وغيرها، وتعمل على تلوث الهواء بشكل مستمر، وذلك من خلال التحكم في عدد المركبات المستعملة وتعزيز النقل العام والمشترك، ويُمكن المحافظة على الهواء من التلوث بالابتعاد عن الوقود الأحفوري واستبداله ببعض المصادر المتجددة التي تعدُّ صديقة للبيئة، كالطاقة الشمسية والحرارية وطاقة الرياح. كما أنّ الوعي وإدراك المشكلة قبل وقوعها يُقلّل بشكلٍ كبير من الضّرر الناتج، وخاصّة أنّ هذا الكوكب الذي تعيش عليه الكائنات الحيّة بأسرها هو مسؤولية تقع على عاتق الأفراد جميعهم، فعليهم الوعي الكامل بأهمية المحافظة على البيئة الطبيعية والتقليل من التلوث، والزرع في الجيل القادم مبادئ حب الطبيعة والحفاظ عليها واطلاعهم على واجباتهم تجاهها ومسؤولياتهم للحد والتقليل من التلوث. فضلًا عن أنّ العثور دائمًا على الخيارات الآمنة هو أبرز ما يجب على الإنسان أن يُدركه، فمن المستلزمات الضروريّة للحفاظ على البيئة في الحي مثلًا هو أن يستبدل الفرد الأكياس المصنوعة من البلاستيك بالأكياس الورقية، واستخدام السماد الطبيعي الذي يدخل في تركيبه الخضار والفواكه عوضًا عن استخدام السماد الصناعي المصنوع من المواد الكيميائية، بالإضافة إلى التّقليل من تدخين السجائر للحدّ من الدّخان المُنبعث منها، وعدم إلقاء النفايات في مياه المجاري، ممّا يُسبّب تدمير المياه الجوفية الصالحة للشرب وتلوثها. ما أهمية الحفاظ على البيئة؟ إنّ حماية هذا النظام البيئي الذي تعيش عليه الكائنات الحية من جميع التغيرات التي تخلّ بتوازنه أمر ضروريّ ويتطلب الإسراع إليه دومًا، فحماية البيئة تحمي حياة الإنسان، كون أنّ التلوث من أهمّ العوامل خطورة على حياته، فالتلوث يؤدي إلى إحداث أضرار صحية وبدنية على حياة الإنسان والكائنات الحيّة الأخرى التي تعتمد في غذائها على طعام ملوث أو مزروع في بيئة ملوّثة، لذا فالحفاظ على البيئة تكمن أهميّتها في الحفاظ على حياة جميع الكائنات الحية الموجودة على كوكب الأرض. تكمُن أهميّة الحفاظ على البيئة في حماية مواطن الكثير من الكائنات الحية ليتحقّق بذلك الاستقرار والتوازن البيئي، كما تساعد المحافظة على البيئة على الحصول على مياه نظيفة وعذبة والتي تعود بالفوائد العديدة على الإنسان والكائنات الأخرى كالحفاظ على تنوع الحيوانات والنباتات. إنّ العيش في بيئة نظيفة خالية من الملوثات يحقق للإنسان سعادة بالغة وراحة نفسية كبيرة من خلال تعامله مع البيئة بشكل جيد فسيرفع ذلك من مستوى رفاهيّته في الحياة، حيث إنّ تدمير البيئة سينعكس أثره سلبًا في تدمير نظام السلسلة الغذائية للكائنات الحية، لذلك فإنّ حماية البيئة يعدّ واجب كل إنسان وفرد في المجتمع، لأنّ المجتمع المُتقدّم هو المجتمع الذي يُحافظ علي بيئته وطبيعته من الملوثات، ويحميها من أي أذى قد يلحق بها، كونه يعتبر جزء منها، ولأنها مقرّ سكنه وفيها مأواه وموطنه وعنوان هويته، ودليل سلوكاته وحضارته التي ينتمي إليها. مثلما يتأثر الفرد ببيئته فإنّ الطبيعة تتأثر به أيضًا، وقد جاءت التوجيهات الدينية تحمل بين طياتها الدعوة المؤكدة للمحافظة على البيئة، سواء أكانت البرية أم الجوية أم البحرية، لأنّها تُشكّل جميعها منظومة واحدة لكيان رئيس واحد، لذلك فقد دعا الاسلام إلى المحافظة على نظافة البيئة وجمالها وسلامتها، ونقاء كلّ ماهو موجود فيها. وممّا لا شكّ فيه أن الله تعالى خلق الإنسان وميزه عن جميع مخلوقاته وجعله خليفة له على الأرض بعد أن أودع فيها كل ما يصبّ في احتياجاته التي تعينه على استمرارية حياته وحياة غيره من الكائنات الحية، فأخذ الإنسان يؤثر بما يحيط به من تلك الموارد الطبيعية، وعلى الرغم من أنّ نتائج الحفاظ على البيئة أمر محقق ومشترك بين الجميع من غير حدود أو قيود، إلا أنّ نظرة الإسلام للبيئة كانت وما زالت تقوم على أساس واضح ألا وهو منع الإفساد فيها وحمايتها دائمًا والمحافظة على مكتسباتها ومنتجاتها لتكون الحياة في حالة مستمرة ومتجددة من البناء والتنمية المستدامة. في الوقت الحاضر أصبحت البيئة وقضاياها تستقطب اهتمام العالم بأسره، إذ أضحت العديد من بلاد العالم تُواجه مشكلات كبيرة وخطيرة أدّت إلى تراجع مدّخراتها من الموارد الطبيعية وأظهرت العديد من مشاكل تلوث البيئة، أضف إلى ذلك خطر الانقراض لبعض من أنواع الكائنات الحية، وبما أنّنا لسنا بمعزل عن العالم ومن المُمكن أن نتأثّر بما حولنا فيجب الاهتمام بالبيئة ومواردها وإدراك علم حماية البيئة وإيجاد توازن بين المتطلبات والاعتبارات الأساسية، بالإضافة إلى وترشيد استخدام الموارد المتاحة وذلك في مختلف المجالات. في نهاية الحديث يجدر القول إنّ وجود البيئة أمر ضروري في المحافظة على توازن كوكب الأرض، لذا فإنّ حمايته هو مسؤولية الأفراد كافّة وتستدعي منهم الوعي التام والاستخدام الأمثل لموارد الطبيعة والحد من الملوثات بقدر الإمكان والبحث دائمًا عن الحلول البديلة الآمنة التي تعد من أهمّ وسائل الحفاظ على البيئة، وذلك لينعم الجميع بحياة آمنة نظيفة خالية من الأمراض والملوثات.