مقالات

بعد مذبحة عدرا:: هل ثمة اسلام معتدل واسلام متطرف

في توقيت متزامن مع اجتماع حكام مشيخات النفط والغاز ” قادة مجلس التعاون الخليجى كما يجري تصنيفهم زورا وبهتانا ” ،ارتكبت العصابات الوهابية في ضاحية عدرا العمالية الواقعة في ريف دمشق ، مذبحة ذهب ضحيتها اكثر من مئة مدني وعسكري سوري ، اكثرهم من المسيحيين والعلويين ، ولقد تعمدت هذه العصابات ذبحهم حسبما كانوا يرددون في تكبيراتهم ” لانهم من الكفرة العلويين والمشركين النصارى ” ، وتاكيدا من جانبهم بان الجهاد في سبيل الله ولرفع راية الاسلام لا يمكن ان تتجسد على ارض الواقع بالموعظة الحسنة ، وانما بذبح الكفرة وتعليق رؤوسهم على الاعمدة ، كما ان المذبحة تثبت مرة اخرى ان العصابات الوهابية الاجرامية تستخدم هذا الاسلوب الوحشي الهمجي ، بغية اثارة الرعب في قلوب سكان اية مدينة يستهدفونها بغزواتهم الجهادية ، ومن ثم تحقيق اهدافهم الاجرامية المتمثلة باخلاء المدن والقرى من سكانها، وبسط سيطرتهم عليها، وسرقة ممتلكات المواطنين او ” الحصول على الغنائم ، كما هو الحال مع كل الغزوات الجهادية التي كان يخوضها المجاهدون في فتوحاتهم لديار الشرك والكفر، وحيث كان الفقها ء لا يعتبرون الاستيلاء على اموال الكفار سرقة واغتصاب لاموال الغير ، بل يعتبرونها غنائم او عملا مشروعا اقره الله جزاء لكفرهم ، والتحصن في مبانيها وازقتها كى يتسنى لهم فيما بعد التصدي للجيش العربي السوري والحاق افدح الخسائر به ، كما يمكن القول ان اسلوب الذبح الذي استخدم في هذه العملية ‘ هو اعادة انتاج للمجازر التي ارتكبها ال سعود ضد خصومهم من ال رشيد وال هاشم ،وضد المعارضين السعوديين كانجع وسيلة للقضاء على خصومهم وبسط سيطرتهم على نجد والحجاز والاستئثار بالحكم وبثروات هذين البلدين من نفط وغاز وذهب وعوائد السياحة الدينية للاماكن المقدسة فيها 

 ومن توقيت هذه العملية يبدو جليا : ان هذه العصابات قد نفذتها للتاكيد امام مشغليهم وممولي عملياتهم الاجرامية بانهم قادرون على ذبح اكبر عدد من المشركين والكفار، وانهم ايضا مازالوا بحاجة لضخ المزيد من البترودولار من عوائد مشيخات ال سعود وال خليفة بغية تغيير موازين القوى العسكرية على الارض لصالحهم قبيل انعقاد مؤتمر جنيف 2 . وفي التفاصيل المتعلقة بهذه الغزوة التي اقترفتها عناصر مسلحة تنتمي للجماعات السلفية الجهادية ولجماعة الاخوان المسلمين ، روى مدنيون من سكان عدرا نجوا من الذبح الذي احله الله جزاء لكل مخلوق ارتد عن الاسلام او اعتنق عقيد ة دينية ولادينية اخرى ، ان ما يناهز 1500 مسلح من مسلحي الجبهة الاسلامية وجبهة النصرة، قد اقتحموا خلال ساعات الليل الضاحية العمالية في عدرا ، بعد ان خاضوا معركة ضارية مع عناصر الشرطة والجيش كانت محصلتها : مقتل معظم القوة العسكرية المدافعة عن المدينة الاقل عددا وتسليحا من المهاجمين 

 وذكر احد الناجين بصوت مرتجف من شدة الذعر: كنت اغط في نوم عميق وفجأ ة استيقظت على لعلعة رصاص اختلطت بصيحات ” تكبير ، الله اكبر ، ما رميت انما الله رمى” ،الى اخر معزوفة الهتافات الوهابية ، في هذه اللحظة اطليت من شرفة المنزل فشاهدت العشرات من سيارات الدفع الرباعى المزودة برشاشات دوشكا تتحرك في شوارع الضاحية وفوقها مسلحون ملتحون طوقوا رؤوسهم بعصبات كتب عليها عبارات ورفعوا رايات سوداء ، كتلك التي يرفعها الارهابيون التابعون لجبهة النصرة وداعش ، وكان بعض المسلحين ينشدون نشيدهم الاممي الوهابي مرددين باصوات نشاز ” جئناكم بالذبح يا نصيرية ويا نصارى ” ! ولقد رايت بام عيني ثلاث من المسلحين يقتادون مجموعة من النساء والشباب والاطفال والجنود المقيدين بالحبال باتجاه الساحة العامة، وهناك تناوبوا على ذبحهم الواحد تلو الاخر، وجز رؤؤسهم وتعلبقها على الاعمدة ، وكأن الذين يذبحونهم ليسوا بشرا ابرياء ولا ناقة ولا جمل لهم في هذه المذبحة التي تسفح فيها دماء السوريين منذ اكثر من سنتين. كان المسلحون يمارسون الذبح وبجزون الرؤوس بدم بارد ولم تحد من جرائمهم استغاثات النساء الداعية الى الشفقة بهم ، واطلاق سراحهم ولا بكاء الاظفال

  وهناك رواية اخرى لاحد شهود العيان اكد فيها : ان عددا من الاطباء والممرضات المناوبين في مستوصف عدرا لم يسلموا من المذبحة، بل جزت رؤؤسهم عن بكرة ابيها وسط تهليل وتكبير المسلحين. وبهذه المناسبة الجهادية سارع الاعلام الرسمي السوري الى استنكار هذه الجريمة ، والتنديد بهذه المذبحة البشعة منهيا البيان الرسمي بعبارته التقليدية : بان الاسلام براء منها ، وتلطيفا للاجواء الطائفية المحتقنة نتيجة استهداف العصابات الوهابية للاقليات الدينية والمذهبية ، سارع بدورهم بعض رجال الدين الاسلامي وتحديدا الممثلين منهم للطائفة السنية الى اصدار بيان تنديد وشجب للمذبحة ، مؤكدين في ختامه بان جزاء القتلة حين يمثلون امام الله لمحاسبتهم على افعالهم بميزان الحسنات والسيئات لن تكون اقل ان يلقى بهم في جهنم الحمراء ، ويجعل منهم وجبات شهية لنيرانها التي لا تنطفىْ، لان الاسلام هو دين التسامح والمحبة بين شعوب الارض قاطبة 

  وينسى هؤلاء الشيوخ ان الارهابيين حين اقترفوا هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي اقترفوها على الساحتين السورية والعراقية ضد الاقليات الدينية ، وضد بيوت عبادتهم ، كانوا في واقع الامر يتجاوبون مع عمليات الشحن وغسل الادمغة التى يمارسها هؤلاء الشيوخ ضد المشركين والكفار سواء في صلواتهم اليومية وفي خطب الجمعة وحيث لا تخلو اي خطبة منها بالدعاء الى الله بان بنصر المسلمين على ا لكفار! وردا على بيانات الشجب والتنديد بهذه المذبحة اصدر ت الجبهة الاسلامية بدورها بيانا بررت فيه جريمتها بالقول بان ما قامت به هو مجرد غزوة جهادية تستوجبها تعاليم ديننا الحنيف ضد المشركين من النصارى وضد المرتدين والخارجين عن ملة الاسلام من النصيريين والدروز ، ولم نكن نمارس الذبح ضد هؤلاء الكفرة لو اعلن النصارى اسلامهم او دفعوا الجزية لبيت مال المسلمين وهم صاغرين ، ولو اعلن العلويون توبتهم وتخلوا عن مذهبهم المخالف لتعاليم الاسلام والسنة النبوية ، ولكنهم تمسكوا بمعتقداتهم فنالوا ما ناله النصارى اثناء الفتوحات الاسلامية لديار الكفر وما ناله المرتدون عن الاسلام في حروب الردة جزاء لكفرهم وعدم رضوخهم للمسلمين الاعلون” !

 ومن كل هذا اللغط والبروباغندا الدينية لا ادري اين يكمن الاسلام المعتدل : هل يكمن في الايات والاحاديث الدينية التي تروج لثقافة الجهاد ضد المشركين والكفار والمرتدين ، ام تكمن في الايات التي تدعو الى سبيل الله بالموعظة الحسنة؟ واخيرا هل كنا سنشهد كل هذا التذابح بين السنة والشيعة، ى وهل كان سينهمك المسلمون في هدر دمائهم وتدمير مدنهم وقراهم كما هو الحال الذي نراه في سوريا والعراق حيث لا تتورع الجماعات الاسلامية المسلحة في غزواتها الجهادية عن نهب ممتلكات الاقليات الدينية والمذهبية ، وتدمير المرافق العامة : كالافران ىومحطات تكرير النفط و المصانع مع نهب الالاتها واجهزتها وبيعها للاتراك ، ثم تبرير افعالهم الاجرامية بانها قد تمت نصرة للاسلام ، ولاهل الجماعة وتطبيقا للشريعة ، هل كنا سنشهد كل هذا التخلف الفكري والحضاري والعودة بسوريا والعراق الى العصر البدائي واغراق البلدين في بحيرات من الدماء؟ وهل كنا سنرى هذا الانحطاط الفكري وهذا التمزق في النسيج الاجتماعي لو تم تحجيم الموسسة الدينية وحصر نشاطها فقط في بيوت العبادة، كما هو الحال في الدول العلمانية المتقدمة كالدول الاوروبية وروسيا والصين واليابان حيث لا يسمح لرجال الدين سواء كانوا بوذيين او مسيحيين اومن اية ديانة اخرى بالترويج لثقافة كراهية الاخر، وخوض غزوات جهادية ضده ، بينما لا زالت المؤسسة الدينية الاسلامية في العالم العربي دولة داخل دولة تتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الحياة العامة بغية التاثير على عقول المواطنين ، بالترويج للثقافة الجهادية وكراهية المخالفين في العقيدة والمذهب والاستعلاء عليهم ، كون المسلمين بنظر الله هم الاعلون على اتباع اية عقيدة اخرى، وتحقيرهم باطلاق اوصاف تتعارض مع مفهوم المواطنة والاخوة الانسانية ، كوصفهم باحفاد القردة والخنازير وبالكفرة والمشركين ؟!

     في الدول التي تم فيها تحجيم المؤسسة الدينيية استطاعت هذه الدول ان تحافظ على وحدتها الوطنية وان تحقق التعايش والسلم بين مختلف الشرائح والاطياف الاجتماعية ، وان تحرز نجاحات باهرة في مختلف حقول المعرفة مما جعلها تتبوأ مرتبة متقدمة على السلم الحضاري ، واستنادا لهذه الحقيقة لا يمكن للشعوب العربية ان تحقق الحد الادنى من التراكم الحضاري : ما لم تتحرر من الثقافة الغيبية التي تروج لها المؤسسة الدينية وتجعل منها قضية مركزية ينبغى على كل مواطن ان يجاهد بالمال والانفس دفاعا عنها ، ولوكان ذلك على حساب العمل المنتج ، وبالتالي لا يمكن لسوريا ومثلها العراق ان تتجاوز ازمتها عبر توجيه ضربات عسكرية للجماعات الاسلامية المتشددة . السلاح لوحده لا يكفي لاستئصال نبتها الشيطاني من اي ارض عربية ابتليت بهم ، وهل ثمة امكانية استئصال شافتهم وهناك مؤسسة دينية ما زالت قادرة على التلاعب بعقول الناس وشحنها بثقافة كراهية الاخر وبالتالي رفد هذه الجماعات بالمزيد من المجاهدين المعركة اذا معركة فكرية وحضارية بالدرجة الاولي ولا احسب ان اي شريحة مؤهلة لخوضها وقيادة دفتها وتحديدا ضد المؤسسة الدينية الاكثر تاثيرا وتلاعبا بعقول الناس سوى النخب التنويرية والعلمانية . فهل يجرؤ نظام بشار الاسد او نظام المالكي عل اقامة منابر لهم لمعالجة عقول الناس وتطهيرها من الفكر الغيبي ومن ثم اخراجها من كهوف الماضي والزج بها في الواقع الملموس ؟ عندما يتم تحجيم المؤسسة الدينية ، مع توسيع هامش التعبير للنخب التنويرية والعلمانية وزيادة عدد منابرهم الخطابية ، عندئذ ستضمحل ظاهرة الارهاب الديني والعنف الطائفي ، وستتهيأ في كلا البلدين الظروف المناسبة للجماعات التنويرية كي تمارس دورها بلا خوف او وجل من المؤسسة الدينية في التاثير على عقول المواطنين ، بتطهيرها من ملوثات الاساطير والغيبيات ، من مخلفات الفكر الرعوي البدائي الظلامي ، وان تحقق في المحصلة تراكمات كمية ونوعية في كافة مجالات التطور الحضاري، شانها في ذلك شان الدول الاوروبية والصين واليابان وغيرها من الدول المتقدمة التي لم تتمكن من تحقيق اي نقلة نوعية في تطورها الحضاري الا بعدانحسار الفكر المثالي الغيبي ، وبعد ان اخذت شعوب هذه الدول تشخص مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وتعالجها بعقول تعتمد المنهج المادي وبغير هذا المنهج الذي تتصدى له المؤسسة الدينية وتحاربه بنشر الفكر المثالي الغيبي وترسيخه في عقول المواطنين ، ستظل سوريا والعراق وغيرها من الدول العربية تدور في حلقة مفرغة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى