الغارات الجوية الأمريكية تبرز القيود على التدخل الخارجي في ليبيا
في الوقت الذي تقصف فيه مقاتلات أمريكية وطائرات أخرى من دون طيار مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة سرت الليبية فإن القوى الغربية لن توسع على الأرجح مشاركتها العسكرية سريعا حرصا منها على تجنب تعميق الانقسامات بين الفصائل الليبية بينما تسعى الحكومة التي تدعمها تلك القوى جاهدة لترسيخ مكانتها.
وبدأت الولايات المتحدة تنفيذ الغارات الجوية في الأول من أغسطس آب بناء على طلب من الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة لكن الحكومة لم تتقدم بعد بطلب طال انتظاره لمساعدة أمنية أوسع – تشمل تخفيف محتمل لحظر دولي للسلاح على الفصائل التي برزت أثناء الإطاحة بمعمر القذافي وبعدها.
وقال مصدر دبلوماسي غربي “يعرفون أن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة في التدريب وتقديم المشورة لكن لم تظهر طلبات محددة بعد.”
وتقاتل منذ أسابيع قوات متحالفة مع حكومة الوفاق الوطني والتي شكلت في طرابلس قبل أربعة أشهر لطرد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من سرت وهي معقل الجماعة الجهادية السابق في شمال أفريقيا.
والآن تستهدف (عملية برق الأوديسا) الدبابات والشاحنات الخفيفة المسلحة ومواقع القتال في المنطقة التي تتقلص مساحتها ببطء من سرت والتي لا يزال التنظيم المتشدد يسيطر عليها مما يسهل المرور للقوات البرية الليبية.
لكن مسؤولين ليبيين وغربيين قالوا إن حكومة الوفاق الوطني تتقدم ببطء في تشكيل استراتيجيتها الأمنية وفي طلب المزيد من الدعم الخارجي إذ تعوقها الانقسامات السياسية الداخلية ونقص القدرات والحساسية تجاه النقد الذي يمكن أن يوجه لها بأنها تعتمد على الدعم الخارجي.
ولم يسفر النقاش حول تشكيل مهمة حفظ سلام تتألف من خمسة آلاف جندي وتقودها إيطاليا عن أي نجاح واقتصر التدخل البري الأجنبي على نشر قوات خاصة على نطاق محدود.
ويجري حاليا وضع خطط لتدريب قوات خفر السواحل لكن البرامج التي تستهدف تدريب وتجهيز قوات الأمن الوطني والشرطة لم تعد بعد.
ومن المتوقع أن يصدر عاجلا أو آجلا طلب بشأن الإعفاء من حظر الأمم المتحدة للسلاح.
وقالت القوى العالمية في مايو أيار إنها مستعدة لدراسة ذلك لمساعدة حكومة الوفاق الوطني على محاربة الدولة الإسلامية لكنها ترى أن الأمر يتوقف بشكل كبير على قدرة الحكومة في إظهار أن الأسلحة لن ينتهي بها المطاف في أيدي متشددين.
ومن بين المتلقين المحتملين (للأسلحة) مقاتلون من مدينة مصراتة التي تقع في منتصف الطريق بين طرابلس وسرت.
ويدعم هؤلاء المقاتلون حكومة الوفاق الوطني ويوفرون الأمن في طرابلس ويقودون المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سرت مسقط رأس القذافي.
غير أن ولاء الفصائل الليبية المسلحة لم يستقر على حال في الماضي ولم تشكل حكومة الوفاق الوطني أو المجلس الرئاسي حتى الآن هيكلا لقيادة عسكرية موحدة.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر لرويترز “يجب القبول بالمجلس الرئاسي كقائد أعلى للجيش. والسؤال هل هو يسيطر في حقيقة الأمر على قوات مصراتة؟ ربما نعم وربما لا.”
* معارضة علنية
تقول كتائب مصراتة إنها ستعود إلى مواقعها بعد تأمين سرت من تنظيم الدولة الإسلامية.
ومع ذلك يرى البعض مخاطر من احتمال تجدد الصراع بين تحالفات فضفاضة من الجماعات المسلحة التي قاتلت للسيطرة على طرابلس في 2014. والخوف هو أن ينتهي المطاف بكتائب مصراتة إلى قتال قوات موالية للفريق خليفة حفتر المتمركز في شرق البلاد.
ويعارض حفتر وحلفاؤه علنا حكومة الوفاق الوطني حتى الآن وتجازف القوى الأجنبية المتدخلة في ليبيا بأن ينظر إليها بأنها تنحاز إلى فصيل محلي دون الآخر.
وقال ماتيو توالدو الخبير في شؤون ليبيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “قتال تنظيم الدولة الإسلامية سيظل دائما التحدي أمام الغرب كلما لم يستلزم ذلك الانجرار في الحرب الأهلية في ليبيا.”
وتباينت مشاعر السكان المحليين تجاه التدخل الأجنبي المحدود فبينما يتم الترحيب بالولايات المتحدة وبريطانيا في المناطق المحيطة بمصراتة لا تلقى فرنسا أي تأييد هناك.
وتعمل قوات خاصة فرنسية منذ أشهر في مدينة بنغازي بشرق ليبيا حيث تخوض القوات الموالية لحفتر قتالا ضد معارضين بينهم تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في تحطم طائرة هليكوبتر جنوبي بنغازي الشهر الماضي مما أكد على تواجد قوات فرنسية اندلعت احتجاجات في مصراتة وطرابلس واستدعت حكومة الوفاق الوطني السفير الفرنسي.
لكن الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية في سرت ومدينة صبراتة بالغرب في فبراير شباط لم تسفر سوى عن احتجاجات محدودة.
وساعد مقاتلون ليبيون عادوا من الحرب الأهلية في سوريا في ترسيخ وجود الدولة الإسلامية في ليبيا عام 2014 لكن التنظيم يواجه صعوبات للحصول على الدعم له أو في الاحتفاظ بالأراضي التي يستولى عليها حيث أن معظم السكان المحلييين ينظرون إليه على أنه استيراد خبيث يعتمد على مقاتلين أجانب.
وتتساءل القوات التي تدعمها حكومة الوفاق عن السبب في عدم تنفيذ الضربات الأمريكية قبل ذلك. وقال أحد القادة على جبهة سرت “نرغب فقط في انتهاء هذا القتال سنقبل أي مساعدة يمكن أن نحصل عليها.”
لكن هذا الانفتاح لا يصل إلى قبول فكرة نشر قوات على الأرض أو جهود موسعة لإنهاء الفراغ الأمني الذي أتاح لتنظيم الدولة الإسلامية الحصول على موطئ قدم.
وقال المصدر الدبلوماسي الغربي “الحاجة لمساعدة خارجية في التدريب معترف بها بالتأكيد على مستوى سياسي كبير” لكنه أضاف أن الموقف الليبي كان واضحا للغاية في المناقشات التي جرت بشأن نشر قوة لحفظ السلام وذلك برفض القبول بأي شيء أشبه بالمنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد.