معلومات عامه

ما وراء المؤامرة 3 لتصفية انطون سعاده؟

وتهمة التعامل مع اسرائيل؟!!

اعداد د. ضياء حسان

يذكر الرفيق انطوان بطرس: بعد عدم العثور على اية وثائق تدين الحزب بتهمة المؤامرة المسلحة لقلب نظام الحكم، خرجت الحكومة اللبنانية بتهمة ثالثة جديدة واشد خطورة. فقد صرح رئيس الحكومة رياض الصلح الى مجلة “كل شيء” بأن الحزب القومي “كان على اتصال باليهود وان هناك وثائق تثبت هذا الاتصال”. وفي العشرين من حزيران 1949، وجه النائب العام الاستئنافي، يوسف شربل إلى الحزب تهمة التعاون مع اليهود. وكانت خلاصة التهمة ما يلي:
“إن الحزب أو بالأحرى رئيسه يستعين بأجنبي وان هذا الأجنبي هو الآن إسرائيل”.
“ليست [الغاية من الاستعانة بإسرائيل] إجراء انقلاب في لبنان واستلام الحكم فيه فحسب بل كذلك لمناوأة الدولة السورية بشخص رئيسها حسني الزعيم بسبب ما يظهره من التصلب تجاه الصهيونيين”.
أما “الأدلة” التي ساقها المدعي العام يوسف شربل على هذا الاتهام فهي لم تتعد كون الحزب منظمة شبه عسكرية، وان لقب زعيم الحزب يشبه لقب :”الفوهرر”، وان له تحية خاصة ونظام مكالمة وحراسة، وان للحزب مجالس إدارية وكأنه دولة ضمن دولة ويدفع رواتب توازي رواتب الدولة. هذا بالإضافة إلى “العثور على تقارير تدعو إلى جمع السلاح والتمرن عليه، وخرائط لبيروت لتسهيل الاستيلاء عليها”.
أما اتصال سعاده باليهود فتم، حسب المدعي العام، بواسطة منفذ عكا وإن الاتصالات أسفرت عن شبه معاهدة “ترمي إلى تقديم إسرائيل المعونة اللازمة للحزب من مال وسلاح ليقوم في لبنان بانقلاب عاجل ولأجل العمل على شل حركة حسني الزعيم”.
إضافة إلى ذلك فقد شملت التهمة الإستحصال على تقارير عن سير المعارك وحركة الجيوش العربية “لخدمة القوات الإسرائيلية”. أما مصادر المعلومات فقال النائب العام أنها شهود ووثائق هي في حوزته، وان الشهود عززوا كلامهم بوثيقة تحمل تاريخ 13 أيار 1949 قالوا ان منفذ عكا رفعها إلى سعاده.
ما هي خلفية هذه التهمة؟
ذكر الرفيق انطوان بطرس في كتابه ” قصة محاكمة انطون سعاده واعدامه”:
في أول تشرين الأول 1921 كتب شاب لبناني لم يكن يتجاوز السابعة عشرة من عمره في جريدة “الجريدة” البرازيلية مقالا بعنوان ” السوريون والاستقلال”. في هذا المقال تحدث هذا الشاب عن الخطر المحيط بوطنه، وعن الحركة الصهيونية والصهيونيين. وقد وصف الصهيونيين بأنهم “جمعيات وفروع في جميع أقطار المسكونة تعمل يدا واحدة لغاية واحدة وهي الاستيلاء على فلسطين وطرد سكانها السوريين منها”. ولم يكتف بذلك بل نبه الرأي العام من “العواقب الوخيمة التي تحل بسوريا، والأخطار التي تهدد البلاد فيما لو نجح الصهيونيون في مشروعهم”. لم يكن هذا الشاب الطري العود الحاد البصيرة سوى انطون سعاده.
وفي 8 تشرين الثاني من العام ذاته، أي بعد مقال سعاده بحوالي شهر، كان سياسي لبناني في السابعة والعشرين من عمره منفيا من بلاده من قبل سلطات الانتداب الفرنسي، يدخل منزل جيمس ده روتشيلد ليحضر اجتماعا سريا ضم الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان. في هذا الاجتماع بحث المجتمعون “مسودة ورقة عمل لوفاق عربي – يهودي”. هذا السياسي الشاب كان يدعى رياض الصلح.
وكانت الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية و “الييشوف” (اليهود القادمون للاستيطان في فلسطين لإقامة دولة يهودية فيها) تعمل على المحاور الدولية والإقليمية والمحلية. وعلى هذا الأساس كثفت اتصالاتها بالساسة والمفكرين والقياديين العرب علها تحظى منهم بالموافقة على تأسيس المشروع الصهيوني بإقامة دولة إسرائيل في فلسطين.
وشاءت سخرية القدر انه بعد 28 عاما من نشر مقال سعاده واجتماع الصلح باليهود، المشار إليهما، وعام واحد على إنشاء دولة إسرائيل، يَتّهم رياض الصلح، وقد اصبح زعيما سياسيا ورئيسا لأول حكومة في عهد الاستقلال في لبنان، يتهم انطون سعاده، وقد اصبح زعيما لحزب نخبوي كبير وشخصية تعدت في حضورها السياسي والفكري الحدود الجغرافية، بالتعامل مع إسرائيل.
رد سعاده فورا وفي اليوم التالي على هذا الاتهام من دمشق ببيان لجريدة “العلم” بعد ان اضطر لمغادرة لبنان بسبب حملة الاعتقالات التي استهدفته شخصيا. تحدى سعاده رياض الصلح رئيس الحكومة اللبنانية شخصيا بنشر الوثائق التي يقول انها بحوزته. قال: “إنني أتحدى رئيس الحكومة المتهادنة مع اليهود ان يعطي للنشر الوثائق المزعومة. فإذا كانت لدى الحكومة وثائق في صدد الاتصال باليهود فإنها ولا شك وثائق مشرفة للحزب ومخزية للمتحكمين في رقاب الشعب اللبناني والطائفيين الذين نملك وثائق عديدة عن اتصالاتهم واتصالات جميع الرجعيين والنفعيين باليهود من بيع أراض إلى بيع مصالح إلى بيع خطط سياسية في الحكم تسهل الانتشار اليهودي”. وكرر سعاده تحديه بالقول “إنني أتحدى السيد رياض الصلح ان يبرز الوثيقة التي يزعم أنها موجودة لديه ولدى المحكمة العسكرية وأنها تثبت ما يمس شرف الغاية التي تحملها الحركة القومية الاجتماعية. إن الوثائق التي في حوزة الحزب تخول الحزب استبدال التهمة باتهام المتحكمين.. بالتعامل مع اليهود وبمساعدة الأهداف اليهودية ضد مصلحة لبنان ومصلحة الأمة السورية”.
يقول الدكتور حسان حلاق في كتابه التيارات السياسية في لبنان: “ان حقيقة اتهامات الدولة اللبنانية العلنية للحزب القومي بالتعامل مع إسرائيل ما هي الا لتأليب الرأي العام اللبناني والعربي ضده وتأليب حسني الزعيم ضده أيضا لا سيما وان انطون سعاده فر في هذا الوقت الى سوريا هربا من اعتقال السلطات اللبنانية له”.
هذا يتفق مع ما أورده الأمير عادل ارسلان، وزير خارجية سوريا آنذاك، في مذكراته في هذا المجال حيث يذكر: ” ان الحكومة اللبنانية أبلغت الحكومة السورية على اثر حادث الجميزة ان انطون سعاده خائن وجاسوس لليهود وانه يحاول القيام بانقلاب في سوريا ولبنان معا لمصلحة اليهود… واعترف باني لم أجد في ذلك برهانا مقنعا فاليهود يريدون لبنان صغيرا وسعاده وحزبه يريدون توحيد سوريا ولبنان وفلسطين والأردن … ” واضاف “عندما أبلغتني الخارجية اللبنانية طلبها القبض على انطون سعاده بتهمة الجاسوسية لليهود ومحاولة انقلاب في سوريا ولبنان حذرت حسني الزعيم ان يوقع سورية في ورطة، وأوضحت له أسباب شكي في صحة التهم”. أضاف ارسلان “ان كان انطون سعاده بريئا من خدمة الصهيونية فهو قد قتل لسبب آخر ولا استبعد ان تكون المؤامرة من انصار فرنسا.”
يقول الامين الدكتور عبدالله سعاده، وكان موقوفا في السجن آنذاك، مع معظم قادة الحزب بعد حادث الجميزة والثورة، ان قاضي التحقيق اديب عفيش فاجأه واطلعه على رسالة المنفذ العام محمد جميل يونس قائلا له “إنها تثبت ان من تسميه زعيمك يتعاون مع إسرائيل”. وقد كتب الدكتور سعاده فيما بعد واصفا شعوره آنذاك، قال:اني، وبمعرفتي الوطيدة بالزعيم وبموقفه القومي الجذري ضد إسرائيل والهجرة اليهودية أساسا، لم استطع ان أتصور ان هذه الرسالة يمكن ان تكون صحيحة. فقلت بعد قراءتها هذه رسالة مزورة”.
وكان الرفيق محمد جميل يونس موقوفا ايضا في إحدى زنزانات السجن فمر به الدكتور سعاده وسأله عن أمر الرسالة، فأجابه “اعرفها عن ظهر قلبي ويمكنني ان اكتبها كما هي”. ويضيف الدكتورعبدالله سعاده انه بالفعل سلمه في اليوم التالي النص الاصلي كما كان قد كتبه، فوجد الدكتور سعاده ان الرسالة تتحدث عن “اتصال المطران مبارك والكتائب اللبنانية بالعدو الإسرائيلي والتعاون معه. وان رسل المطران والكتائب كانوا يحملون جوازات سفر إسرائيلية… وقد ذكرت ان الزعيم قد كلف المنفذ العام الحصول على بعض هذه الجوازات كدليل عليهم. فأخذ رجال الحكم في لبنان الرسالة وصوروها واقتطعوا منها ما شاءوا وأعادوا جمعها وصوروها ثانية بحيث اصبح المضمون ان الزعيم يطلب جوازات مرور اسرائيلية”.
سقوط الإتهام رسميا
وتابع الدكتور سعاده انه اطلع المحامين ومن بينهم المحامي اميل لحود، على الرسالة الاصلية وأسلوب تزويرها. وحينما وجه رئيس المحكمة سؤالا للدكتور عبدالله سعاده أثناء المحاكمة حول الوثيقة “التي تؤكد ان زعيمك عميل إسرائيلي”، وقبل ان يتمكن سعاده من الرد، وضع المحامي اميل لحود يده على كتف الدكتور سعاده يسكته و”صاح بصوته الجهوري: سيدي الرئيس هذه وثيقة لا إله. نريد أن نطّلع على وثيقة لا إله إلا الله… نطالب بإلحاح إبراز الوثيقة الأصلية المكتوبة بخط اليد”. فطلب الرئيس من المدعي العام يوسف شربل أن يبرز الوثيقة الأصلية ويقرأها. “وبيد مرتجفة وبصوت متهدج قرأ يوسف شربل الرسالة الاصلية كما كانت”. واختتم الدكتور عبدالله سعاده بالقول”… وكان تصفيق حاد في المحكمة وسقطت الوثيقة وسقط الاتهام رسميا وفي محكمة رسمية.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى