هل دفع بريغوجين ثمن “خيانته”؟
لا يزال الغموض يلف ملابسات مقتل زعيم مجموعة فاغنر العسكرية، يفغيني بريغوجين، إثر تحطم طائرة خاصة كان على متنها برفقة 9 أشخاص آخرين وبينهم ساعده الأيمن، ديميتري أوتكين، في مقاطعة تفير شمال العاصمة الروسية موسكو.
بوتين لا يتساهل مع الخيانة
وأضافت الصحيفة أن “الرئيس بوتين، لا يتساهل في التعامل مع الخيانة، فمن المعروف أنه يقسم معارضيه إلى فئتين: أعداء وخونة. ولا شك أن انتفاضة بريغوجين وضعته في الفئة الثانية”.
وترك رد فعل بوتين الأولي على التمرد، الكثيرين في حيرة من أمرهم، وفق التقرير، فعلى الرغم من وعده “بتصفية الخائن” في خطاب متلفز للأمة، سمح بوتين لبريغوجين بإبرام صفقة مع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو ومغادرة روسيا إلى المنفى.
وعلى نحو غير معتاد، بعد أسابيع من التمرد، قال الكرملين إن بوتين عقد اجتماعاً لمدة 3 ساعات مع قادة مجموعتي بريغوجين وفاغنر بعد أيام من التمرد.
كما اعترف بوتين بشكل لافت بأنه سعى خلال الاجتماع إلى استبدال بريغوجين كقائد لمقاتلي فاغنر في أوكرانيا وفشل في ذلك.
تحركات أمير الحرب
وبعد انتهاء التمرد، غادر بريغوجين في البداية إلى بيلاروسيا، حيث أقامت قوات فاغنر معسكراً ودربت قوات الأمن المحلية، وشوهد بريغوجين يتحرك بحرية ذهاباً وإياباً بين موسكو ومسقط رأسه سان بطرسبرغ، وبحسب الصحيفة، كان يذهب لجمع النقود وسبائك الذهب التي كان يحتفظ بها في قصوره الفخمة”، وبعد ذلك بوقت قصير، شوهد بريغوجين على هامش قمة روسية أفريقية كبرى في سان بطرسبرغ، حيث التقى بمسؤولين أفارقة في فندق يملكه.
وفي آخر ظهور له قبل أن يلقى حتفه، شوهد بريغوجين، في مقطع فيديو نشره على قناته في “تليغرام”، الإثنين الماضي، ملمحاً فيه إلى أنه موجود في إفريقيا.
وكان بريغوجين يرتدي في الفيديو زي “فاغنر” العسكري، ويحمل بندقية “كلاشينكوف”، وفي الخلفية منطقة جرداء وبدا من بعيد عدد من عناصر المجموعة و3 مركبات.
ولم يتفاجأ أولئك الذين يعرفون بريغوجين، إذ اعتقدوا أن أمير الحرب في مرحلة ما ربما يدفع ثمن دخوله في السياسة الثورية.
وترى الصحيفة، أن بريغوجين، صاحب سلسلة مطاعم والذي تحول من إلى زعيم أشهر مرتزقة في العالم، كان متهوراً دائماً، ولم يكن من الأشخاص الذين يجلسون في المنفى في بيلاروسيا أثناء تفكيك قواته.
دور بوتين
وبحسب الصحيفة، قال المحللون، في محاولة لتفسير سلوك بوتين الخجول، إن “الزعيم الروسي، الذي لم يواجه من قبل معارضة من الجناح القومي المتطرف، كان يتطلع إلى تهدئة حليفه السابق بدلاً من تدميره”.
ولكن سلوك بريغوجين “الوقح” ترك الكثيرين في النخبة يتساءلون عما إذا كان بوتين لا يزال يسيطر على البلاد، وفقاً لمسؤولين غربيين.
وفي وقت سابق، قال مصدر لصحيفة “الغادريان” وصفته بالمقرب من الكرملين، في مقابلة: “لا أعتقد أنه سيكون من السهل أن يغفر بوتين له(…)ربما ليس على الفور، ولكن في وقت ما، ومن المحتمل أن يتم تسميمه بغاز الأعصاب (نوفيتشوك)، كما فعلوا مع زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني، لذا عليه الحذر حتى من أقرب الأشياء إليه”.
ومع تزايد التكهنات حول دور بوتين في الحادث، فإن مقتل أمير الحرب سيزيد بالتأكيد التوترات داخل الجيش الروسي
شخصية شعبية
وبينما أدانت القوات المسلحة الروسية، تمرد بريغوجين إلى حد كبير، فقد ظلت شخصية زعيم فاغنر الراحل شعبية بين عناصر القوات الذين تعاطفوا مع انتقاداته للمؤسسة العسكرية الروسية والحرب المتعثرة في أوكرانيا.
وبعد فترة قصيرة من انتشار الأنباء عن مقتل بريغوجين، كتب إيغور غوزينكو، وهو جندي روسي، على منصة إكس (تويتر سابقاً): “إذا كان ميتًا حقًا، فسأقوم بجمع أغراضي، فنحن لسنا بحاجة إلى هذه الحرب “. .
وبدوره، كتب المدون الشهير والمستشار السابق للكرملين، سيرغي ماركوف: “يجب أن نقتل أعداءنا، وليس أن نقتل أنفسنا”، مضيفاً “جميع أعدائنا الآن يحتفلون … مقتل بريغوجين هو أكبر إنجاز لأوكرانيا هذا العام”.
وختمت الصحيفة تقريها قائلة: “يبدو أن بوتين كان يعمل وفق تسلسل زمني سريع، ومن المؤكد أن النخبة السياسية في روسيا سوف تتعلم درساً قاسياً في هذا الصيف المضطرب”.
إسقاط الطائرة
ومساء أمس، اتهمت منصة إعلامية تابعة لبريغوجين، جهات روسية بإسقاط طائرة كان بريغوجين على متنها، ما أدى لمقتله وتسعة أشخاص كانوا برفقته.
وذكرت قناة بريغوجين على تطبيق تليغرام أن طائرة رئيس مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، التي أشارت تقارير إلى أنه لقي حتفه لدى تحطمها، تم إسقاطها في سماء روسيا، من خلال ضربة موجهة
من هو بريغوجين؟
كان بريغوجين (62 عاماً) ، ثرياً، حيث نسج علاقات شخصية مع الرئيس، الذي منحه ثقة لم يمنحها لكثيرين، حيث فاز بعقود مغرية، لتقديم الطعام ومشاريع البناء مع الحكومة الروسية، وذلك قبيل القيام بتأسيس مجموعته التي قاتل عناصرها في أوكرانيا، ودول أخرى؟
ولد بريغوجين في 1961، عندما كان يطلق على سانت بطرسبرغ اسم لينينغراد، (حقبة الاتحاد السوفييتي) وأودع السجن، في 1981، بتهمة السرقة وجرائم أخرى.
شارك في العديد من عمليات السطو مع هذه المجموعة، في سان بطرسبرغ على مدى عدة أشهر، قبل أن يتم القبض عليه، ويتم الحُكم عليه بالسجن 13 عاماً، وبعد خروجه من السجن في 1990، بينما كان الاتحاد السوفيتي يلفظ أنفاسه الأخيرة، بدأ في بيع النقانق والعمل في مجال المطاعم.
ويُعتقد أنه اجتمع حينذاك ببوتين الذي كان أحد كبار مساعدي رئيس بلدية سان بطرسبرغ، بحسب رويترز.
ويعرف بريغوجين، بوتين منذ التسعينيات قبل أن يصبح ثرياً من خلال الفوز بعقود تقديم الطعام المربحة مع الكرملين، مما أكسبه لقب “طباخ بوتين”.
وزادت هذه العقود من ولائه لبوتين، لذلك، انتقل التعامل بينهما، في 2014، من المال إلى مجالات أخرى مرتبطة بأنشطة غير معلنة. وأوكل إليه بوتين عدة مهمات غير رسمية، وكان وفياً للرئيس عدة سنوات.
وخلال اجتماع مجموعة من كبار المسؤولين الروس في مقر وزارة الدفاع، مع بريغوجين، طلب الأخير مساحة أرض من وزارة الدفاع ليستخدمها لتدريب “متطوعين” لا تربطهم صلات رسمية بالجيش الروسي، للاستعانة بهم في خوض حروب روسيا.
وعقب قرار الكرملين الهجوم على أوكرانيا، في 2022، قاد مقاتلو “فاغنر”، ومن بينهم آلاف المدانين الذين جندهم من السجون، الهجوم الروسي على مدينة باخموت في أطول المعارك أمداً وأكثرها دموية في الحرب. واستخدم بريغوجين وسائل التواصل الاجتماعي لبث نجاحات فاغنر، بحسب رويترز.
في الأشهر الأخيرة، خلق بريغوجين معضلة لبوتين عندما أصبح منتقداً صريحاً لقادة روسيا العسكريين، ففي مايو (أيار) أعلن أن قواته ستنسحب من مدينة باخموت الشرقية المحاصرة – بعد أن اشتكى لأكثر من شهر من عدم تلقي الدعم الكافي من الكرملين في القتال الشاق بالمدينة.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، دبر تمرداً على موسكو واستطاع احتلال مقاطعة روستوف، ووصف بوتين ذلك بأنه عمل من أعمال الخيانة التي ستقابل برد قاس. وانتهى التمرد في صفقة قال الكرملين إنها تستهدف حقن الدماء. وقضت الصفقة بأن يغادر بريغوجين وبعض قوات فاغنر إلى بيلاروسيا، شريطة إسقاط القضية الجنائية المرفوعة ضده لاتهامه بالتمرد المسلح.