السياسة

حالات التعذيب في تونس تتفاقم ومئات الضحايا يتحولون إلى متهمين

 تحدّث والد “حاتم الحمايدي” عن مرارة الحياة منذ أن فقد ابنه الذي توفي في ظروف غامضة أثناء توقيفه من قبل أعوان الأمن قبل 6 سنوات.والحمايدي هو واحد من مئات الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب في تونس دون أن يطال العقاب الجناة، ودون أن يحصلوا حتى على الحقيقة التي تختفي في كثير من الأحيان في رفوف المحاكم، خاصة إذا كان المتهم في القضية من أعوان الأمن.حقيقة غائبةلم تكن آثار التعذيب الواضحة ولا تقرير الطب الشرعي كافييْن لإدانة من أوصل حاتم الحمايدي إلى الوفاة.

فحتى اليوم تنتظر عائلته محاسبة الجناة ومعرفة الحقيقة التي بقيت مجهولة منذ وفاته سنة 2017.يقول والد حاتم ، إنه منذ ذلك الوقت لم يترك بابا إلا وطرقه، ولكن الإجابة الوحيدة والقاتلة التي كانت تصله هي “اصبر وانتظر”.وتابع “وكأنهم يتحدثون عن حيوان.. إنه إنسان .. كيف يموت بشر قتلا ولا ينال حقه؟”.

ويشير الحمايدي إلى أن مراكز الأمن والقضاء والمستشفى الذي جرى فيه التشريح تقاذفوه مثل الكرة، ولم يزودوه بأي معلومة عن حيثيات وفاة ابنه، قائلا إن هذا الأمر أشعره بالاحتقار والخذلان.حوّل غياب الحقيقة والعدالة حياة عائلة الحمايدي إلى معاناة يومية مستمرة، فزوجته وابنته أصيبتا بالصرع بسبب الآثار النفسية الحادة التي خلفتها الواقعة.ويؤكد الرجل الستيني أنه ورغم مرور نحو ست سنوات على فراق ابنه، فإن تفاصيل موته لم تغادر مخيلته وكأن حدث الوفاة قد حصل الآن

قضايا دون أحكامسنة 1988، صادقت الدولة التونسية على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي تُلزمها بإجراء تحقيقات محايدة وشاملة وسريعة في جميع ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة. ولكن الوقائع بعيدة عما تسطّره التشريعات، حسب تأكيد المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.تُدير “نجلاء الطالبي” برنامج “سند” التابع للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب الذي يعنى بالمساندة المباشرة لضحايا التعذيب أو سوء المعاملة بتونس.

الضحايا يواجهون صعوبات حقيقية في الحصول على حقوقهم.وأوضحت: “رفعت المنظمة أكثر من 220 قضية تعذيب أمام المحاكم التونسية بعد الثورة، لم تصدر فيها أحكام قضائية باستثناء قضية واحدة تم تكييف التهمة على أنها سوء معاملة أو عنف مسلط من طرف موظف عمومي رغم أن الانتهاكات التي وقعت ترتقي إلى جريمة تعذيب”.

وقالت الطالبي إن ضحايا التعذيب في تونس مهمشون ليس اقتصاديا واجتماعيا فقط وإنما حتى نفسيا، مضيفة “يجد الضحايا أنفسهم داخل مسار قضائي طويل جدا يمتد أحيانا على أكثر من 10 سنوات دون القيام بأي عمل جدي في اتجاه تحقيق العدالة”.وأشارت إلى بطء التحقيقات التي تقتصر في أحيان كثيرة على عدد قليل من جلسات الاستماع إلى جانب الفحص الطبي الذي يتم اعتماده بشكل متأخر بعد اختفاء آثار التعذيب والعنف، وندرة اعتماد التوثيق النفسي في قضايا التعذيب.

ضحايا يتحولون إلى متهمينوعندما يتعلق الأمر برجال الشرطة، عادة ما تنقلب الأمور على الضحايا الذين يتحولون بسرعة البرق إلى متهمين، كما يقول الحقوقي التونسي ونائب رئيس المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب مختار الطريفي لـ “سبوتنيك”.ويؤكد الطريفي أن مصير أغلب قضايا التعذيب المرفوعة ضد أعوان الأمن يكون القبر، بل الأدهى من ذلك فإن أكثر من 70 بالمائة مــن ضحايــا العنــف البوليـسـي أو الشــاهدين عليــه توجه لهم تهمة “هضم جانب موظف عمومي” أو تهما كيدية مشابهة وتسلط عليهم أحكام تصل إلى السجن.ولفت إلى أن جرائم التعذيب وسوء المعاملة تشهد منحى تصاعديا في تونس بسبب تواصل الافلات من العقاب، مضيفا “كثيرا ما تبقى شكاوى الضحايا في الرفوف، في المقابل يقع تسريع النظر في الشكاوى التي يتقدم بها أعوان الشرطة ضد المتضررين من التعذيب على أساس هضم جانب موظف عمومي وتعطيله عن القيام بمهامه”.وأشار الطريفي إلى أن شكاوى الضحايا تبقى بالسنوات دون النظر فيها، بينما تصدر أحكام قضائية في شكاوى الجناة في مدة لا تتجاوز شهرين أو ثلاثة، قائلا “وكأن تعذيب شخص وإهانته والتعدي على كرامته لا يكفي حتى تضاف إليه أحكام سجنية جائرة، فقط لأن رجال الشرطة منزهون”.

ولفت إلى أن الافلات من العقاب يغذي جريمة التعذيب، مشيرا إلى أن أعدادا كبيرة من الأشخاص الذين يمارسون التعذيب يواصلون عملهم حتى لو كانوا محكومين بالسجن.واستحضرا قضية المناضلة الحقوقية التونسية لينا بن مهني التي تعرضت سنة 2014 إلى التعذيب على يد عونيْ أمن حُكم عليهما بالإدانة، مضيفا “إلى اليوم يواصل هؤلاء عملهما بعد أن رفضا لسنوات المثول أمام القضاء”.وقال “كلما تواصل صمت مؤسسات الدولة عن هذه الجرائم كلما تكاثرت أكثر.. على القضاء أن يتحمل مسؤوليته، لأن بطء القضاء في إعطاء الحقوق لأصحابها يدفع بالجناة إلى مزيد من ارتكاب جرائم التعذيب وسوء المعاملة”.وإلى جانب هذه العقبات، يؤكد الطريفي أن معركة الحصول على العدالة لا تتوقف عند صدور الأحكام القضائية، فضحايا التعذيب يواجهون إشكالا كبيرا في الحصول على التعويض خاصة إن كان الطرف المعتدي من الأعوان العموميين.ومن المنتظر أن تمثل تونس العام القادم أمام لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لتقديم تقريرها الدوري بشأن الاصلاحات التي تعهدت بها على مستوى المنظومة التشريعية للحد من ظاهرة التعذيب. وتشير المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إلى أن الفرصة مازالت متاحة أمام تونس لتعديل بوصلتها في اتجاه وقف نزيف التعذيب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى