نكشف حقيقة تحالف الاخوان مع نظام الملالي الشيعي في إيران
الخمينى هذه وصيتى : عندما تنتهى الحرب مع العراق علينا ان نبدا حربا اخرى .. احلم ان يرفرف علمنا فوق عمان والرياض ودمشق والقاهرة
قرار الإخوان المسلمين بتأييد الثورة الإسلامية في إيران كان قراراً ينسجم تماماً مع شعارات الجماعة وتصورها الإسلامي ومرتكزاتها الحركية والتنظيمية”
من المهم جداً توضيح حقيقة العلاقة الاستراتيجية الغريبة والمتذبذبة بين جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام ونظام الملالي الشيعي الحاكم في إيران، والتي بدأت تتوطد فعلياً بعد إنقلاب الثورة الإسلامية بقيادة الخميني[1] بتاريخ 11/02/1979، وفي شهر آذار/مارس 1979 نشرت مجلة “الدعوة”، التي كانت تعتبر المنبر الإعلامي الرئيسي لجماعة الإخوان في مصر، صورة الخميني على غلافها في الشهر الثاني لتوليه السلطة في إيران تحت عنوان عريض (خوميني.. بين آمال المسلمين ومؤامرات الصليبية والشيوعية).
وكانت الطائرة التي سُمح لها بالهبوط في مطار طهران استثنائياً، حيث كان مطار طهران مغلقاً أمام حركة الملاحة الجوية، تحمل وفداً من كبار قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وصدر بيان رسمي[2] من الجماعة بتاريخ 25/02/1979 قال فيه: “دعا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين قيادات الحركة الإسلامية بالإضافة إلى تنظيمات الإخوان المحلية في العالم العربي وأوروبا وأمريكا إلى إجتماع أسفر عن تكوين وفد توجه إلى طهران على طائرة خاصة وقابل الخميني لتأكيد تضامن الحركات الإسلامية الممثلة في الوفد كافة”، وقام ذلك الوفد بتقديم التهنئة للخميني بمناسبة إنتصار الثورة الإسلامية في إيران على نظام الشاه وتأكيد تضامن الحركات الإسلامية الممثلة في الوفد وهي: جماعة الإخوان المسلمين، حزب السلامة التركي بزعامة نجم الدين أربكان، الجماعة الإسلامية في باكستان بزعامة أبو الأعلى المودودي، الجماعة الإسلامية في الهند، جماعة حزب ماسومي في إندونيسيا، جماعة شباب الإسلام في ماليزيا، والجماعة الإسلامية في الفلبين.
وقد ذكر عبدلله النفيسي تلك الزيارة[3]: “فور حدوث الثورة الإيرانية بادرت أمانة سر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بالاتصال بالمسؤولين الإيرانيين بغية تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران والتهنئة بالثورة وتدارس سبل التعاون”.
وأصدر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بياناً يعبر عن موقفهم من الثورة الإيرانية قالوا فيه: “إن قرار الإخوان المسلمين بتأييد الثورة الإسلامية في إيران كان قراراً ينسجم تماماً مع شعارات الجماعة وتصورها الإسلامي الصافي ومرتكزاتها الحركية والتنظيمية”، وقال البيان أيضاً “كان من أولويات طموحات إمامنا الشهيد حسن البنَّا رحمه الله أن يتجاوز المسلمون خلافاتهم الفقهية والمذهبية، ولقد بذل رحمه الله جهوداً دؤوبة للتقريب بين السنة والشيعة تمهيداً لإلغاء جميع مظاهر الاختلاف بينهما، ولقد كان له في هذا السبيل صلات وثيقة بكثير من رجالات الشيعة الموثوقين كالإمام آية الله كاشاني والشهيد الثائر نواب صفوي والإمام كاشف الغطاء في العراق وغيرهم، ولقد رأى الإخوان المسلمون أن قيام الثورة الإسلامية في إيران يفتح الباب مجدداً لاستكمال ما بداه الإمام الشهيد حسن البنَّا رضي الله عنه في محاولة تحقيق تغيير جذري في العلاقة بين السنة و الشيعة”.
أما إتحاد الطلبة في جامعة الكويت – الذي كان يسيطر عليه تنظيم الإخوان الكويتي – فقد كتبوا مقالاً حماسياً في مجلة (الإتحاد) العدد الرابع، وكان عنوان الإفتتاحية (الثورة الإيرانية في مواجهة الإمبريالية الأمريكية) قالوا فيه: “إن على شعوب العالم الثالث وبالأخص الشعوب الإسلامية واجب الوقوف مع الثورة في جمهورية إيران الإسلامية في مواجهتها مع الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم الغربي.. ولهذا نؤكد أن الوقوف مع جمهورية إيران الإسلامية بداية التحرر من الإستعمار الأمريكي في أثوابه الجديدة.. نطالب الحكومة بالاستعداد رسمياً وشعبياً للوقوف بجانب إيران في حالة تعرضها لحصار إقتصادي أو غزو عسكري، فإن إنتصار إيران هو إنتصار للكويت وإنهزامها هو إنهزام للكويت”.
وبتاريخ 14/05/1979 عينت إيران ضابطا للإتصال بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان لدراسة القرارات في شأن العلاقة بإيران واتخذت بعض القرارات السريعة منها: إصدار كتيب خاص عن الثورة الإيرانية لإبراز الإيجابيات الصادرة عن الثورة وقيادتها من أقوال ومواقف، بناء صلات تنظيمية مع حركة الطلبة المسلمين في إيران عن طريق الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين وتنشيط عملية الترجمة من وإلى الفارسية خاصة فيما يتعلق بكتابات الإخوان، تزويد إيران بالفاعليات الإعلامية للاستعانة بها في المؤسسات الإعلامية للثورة في إيران.
وقررت الجماعة تشكيل وفد من قيادات الإخوان لزيارة إيران وتقديم التهاني بمناسبة نجاح الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه وقد تشكل الوفد من: عبدالرحمن خليفة مراقب الإخوان المسلمين في الأردن، جابر رزق ممثلا عن الإخوان المسلمين في مصر، سعيد حوى ممثلا عن جماعة الإخوان (فرع سورية)، غالب همَّت من جماعة الإخوان (التنظيم الدولي)، عبدالله سليمان العقيل ممثلاً عن الإخوان في السعودية. وتمت الزيارة في شهر حزيران/يونيو 1979 ونشرت أخبارها في الصحف الإيرانية الناطقة بالعربية ومعها صور لأعضاء الوفد وهم يزورون القيادة الإيرانية. وكانت تلك الزيارة بتنسيق شخصي مباشر من يوسف ندا الزعيم الإخواني الكبير المقيم في لوجانو السويسرية والمشرف آنذاك على أموال الجماعة (رئيس مجلس إدارة بنك التقوى) وعلى قسم الاتصال بالعالم الخارجي الذي قال في مقابلة له مع قناة الجزيرة في برنامج شاهد على العصر[4] الحلقة الثانية: “الوفد تكون من ماليزيا، إندونيسيا، السودان، مصر، الأردن، السعودية، تركيا، العراق، والوفد كان يرأسه غالب (همَّت)، وذهب غالب في إسلام آباد وبدأوا ييجوا له كلهم هناك، وأنا كنت مسؤول عن التنسيق بينهم وبين إبراهيم يزدي”. مع العلم بأن إبراهيم يزدي كان قد شغل منصب وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة بعد سقوط نظام الشاه عام 1979 لكنه قدم استقالته من وزارة الخارجية في نوفمبر من نفس العام على خلفية أزمة الرهائن في إيران، وبتاريخ 28/12/2011 أصدرت المحكمة الثورية الإيرانية حكما بالسجن ثمانية أعوام عليه بعد إدانته بتهديد الأمن القومي الإيراني.
وعرض ذلك الوفد على الخميني مبايعته “خليفة للمسلمين” مقابل إعلانه أن الخلاف بين الصحابة حول الخلافة والإمامة كان سياسياً ولم يكن دينياً[5]، وقد جاملهم الخميني حينها واستمهلهم في الرد عليهم، لكن رده الصاعق لهم كان فيما بعد واضحاً عبر إقرار دستور جمهورية إيران الإسلامية[6] الذي نص في المادة 12: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”. ورغم رفض الخميني لذلك العرض إلا أن جماعة الإخوان استمروا بتأييد حكمه الدكتاتوري القمعي ونظموا مظاهرات كبرى ضد إستضافة الرئيس الراحل أنور السادات لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي في مصر، وأقاموا نصباً تذكارياً “للشهداء الإيرانيين” الذين سقطوا برصاص قوات الأمن والجيش الإمبراطوري أثناء ثورة الخميني!
ويقول عبدالمنعم أبوالفتوح – العضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين في مصر – وهو يذكر بعض الأجواء التى عاشتها الحركة الإسلامية إبان الثورة الاسلامية الإيرانية[7]: “في نهاية السبعينيات بدأت نذر الثورة الإسلامية في إيران، وقتها كنّا شبابا نفيض حيوية وتسيطر علينا روح ثورية ورغبة في التغيير واقتلاع أنظمة الجور والاستبداد والعمالة للأجنبي وتعطيل شرع الله، وكان شاه إيران بالنسبة لنا أحد طواغيت هذه الأنظمة ورموزها التي لم تعد تستحي من إعلان الاستبداد والعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت الثورة؛ ثورة شعبية إسلامية تريد اقتلاع طاغية من طواغيت العصر، وكان هذا كافيا للتعاطف مع هذه الثورة بل الإعجاب بها وتقديرها، فهي نموذج لثورة الشعوب على الظلم والاستبداد والفساد، وكنّا نرى فيها أملا لنا كقادة لحركات إسلامية تعيش إحساس الاضطهاد من قبل أنظمة ظالمة فاسدة. والحقيقة أن موقفنا من الثورة الإسلامية في إيران كان جد معقد، فنحن أيدناها ورحبنا بها ورأينا فيها نموذجا يحتذى لكن كونها ثورة شيعية كان سببا في الحد من الانفتاح عليها والتفكير في الاقتراب منها والتأثر المباشر بها، كانت السلفية الوهابية حاضرة بقوة في تكويننا الفكري وقتها فأقامت حاجزا بيننا وبين هذه الثورة وهو الحاجز الذي صار جدارا شاهقا بسبب ما أحدثته هذه الثورة من خوف وهلع لدى الأنظمة العربية الحاكمة التي فعلت الكثير للتخويف منها خشية أن تقوم الدولة “الشيعية” الجديدة بتصدير الثورة إليها. ورغم تأثرنا بالفكر السلفي ووقوعنا في دائرة الدعاية الرسمية المضادة فقد استقبلنا الثورة الإسلامية في إيران بحماس شديد، واعتبرناها نصرا للمشروع الإسلامي وأعلنا رفضنا للموقف الرسمي المناهض لها وانتقدنا موقف الرئيس السادات واستقباله للشاه المخلوع في القاهرة وإيوائه في مصر بعد أن رفضت دول كثيرة بما فيها حليفته أمريكا استقباله، فقد كان الشاه في نظرنا حاكما ظالما مستبدًا يستحق من شعبه أن يثور عليه ويخلعه ورأينا في سلوك السادات إساءة للثورة الإسلامية بل وطعنا فيها، وأذكر أننا حركنا المظاهرات المناهضة لموقف السادات واستقبال الشاه في مصر والمؤيدة للثورة في إيران. كان مسؤول الاتصال بين الإخوان وقيادة الثورة الإيرانية إلى هذا الوقت الأستاذ يوسف ندا رجل الأعمال المصري المقيم في سويسرا، وكان يوسف ندا مصدر المعلومات الرئيسي للإخوان عن الثورة ورؤيتها وأدائها وكل ما يتعلق بها من تفاصيل. وزار وفد من قيادات الإخوان خارج مصر إيران للتهنئة بالثورة وكان على رأس الوفد الأستاذ عبدالرحمن خليفة المراقب العام للإخوان في الأردن الذي كان وقتها نائبا عن المرشد العام، وتم ذلك بناءً على اقتراح من يوسف ندا قبله الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام. لكن حماسنا للثورة بدا يخفت تدريجيا خاصة بعدما بدرت منها روح طائفية في بعض المواقف والتي استغلت للتشهير بها وتقديمها على أنها دولة صفوية جديدة تكن العداء لأهل السنة، ثم جاءت الحرب بينها وبين العراق لتزيد من فتور مشاعر التضامن معها”.
وتواصلت علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع نظام الخميني في إيران في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، حيث اتفق الطرفان في معاداتهما لنظام مبارك ووصفه بأنه حليف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وكذلك رفضهما إتفاقية السلام مع إسرائيل، ودعم إيران لحركة حماس التي تعتبر فرع الإخوان الفلسطيني في قطاع غزة. لكن بتاريخ 18/02/2011 أعلن المتحدث الإعلامي[8] بإسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر سعد الكتاتني، أن الجماعة تحترم جميع المعاهدات الموقعة بين مصر وإسرائيل، موضحاً أن إعادة النظر فيها يرجع للشعب والأطراف التي وقعتها، إذا ما رأت أنها تحقق الهدف من إبرامها. وقال الكتاتني إن “الجماعة عارضت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حينما كانت تناقش، ولكن عندما تم توقيعها وأقرت أصبحت واقعاً ومعاهدة يجب احترامها”، مشدداً على أن “الجماعة تحترم جميع المعاهدات الدولية التي وقعتها مصر”.
وأثناء أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران وجه التنظيم الدولي للجماعة الإخوان المسلمين بياناً إلى المسؤولين عن الحركات الإسلامية في كافة أنحاء العالم[9] جاء فيه: “ولو كان الأمر يخص إيران وحدها لقبلت حلاً وسطاً بعد أن تبينت ما حولها ولكنه الإسلام وشعوبه في كل مكان وقد أصبحت أمانة في عنق الحكم الإسلامي الوحيد في العالم الذي فرض نفسه بدماء شعبه في القرن العشرين لتثبيت حكم الله فوق حكم الحكام وفوق حكم الاستعمار والصهيونية العالمية” ويشير البيان إلى رؤية الثورة الإيرانية لمن يحاول أن يفت في عضدها على أنه واحد من أربعة: “إما مسلم لم يستطع أن يستوعب عصر الطوفان الإسلامي وما زال يعيش في زمن الإستسلام فعليه أن يستغفر الله ويحاول أن يستكمل فهمه بمعاني الجهاد والعزة في الإسلام والله تعالى يقول {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، وأما عميل يتوسط لمصلحة أعداء الإسلام على حساب الإسلام متشدقاً بالأخوة والحرص عليها كما في قوله تعالى {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}، وإما مسلم إمعة يحركه غيره بلا رأي له ولا إرادة والله يقول {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}، وإما منافق يداهن بين هؤلاء وهؤلاء”.
وبعد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات إقتصادية دولية على إيران بسبب أزمة إحتجاز الرهائن وحصلت بسبب ذلك الحصار أزمات غذائية ومصاعب بتوريد الحديد إلى إيران، تمكن يوسف ندا القيادي في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين من التحايل على العقوبات الأمريكية وقام بشحن 100 ألف طن حديد إلى إيران بالقطارات من هامبورج في ألمانيا إلى فنلندا ثم روسيا ووصلت 3300 عربة قطار إلى ميناء جولفا على بحر قزوين، وقام أيضاً بتهريب 150 ألف طن شعير في ثلاث بواخر إلى إيران، ودخل في شراكة مع الإيرانيين لبناء مصنع نسيج ضخم لكنه فشل في ذلك المشروع وتحمل خسائر مالية. وقال في برنامج شاهد على العصر:[10] “أنا قابلت السيد (علي الخامنئي) وقابلته في بيته وحتى يعني من أيام الأستاذ الخميني، الله يرحمه، وقابلت كمان آية الله منتظري وحتى أهداني الكتاب بتاعه وأفخر بالإهداء اللي كتبه، قابلت.. قابلت كتير.. كثير.. ما أعتقد ما فيه حد مسؤول ما شفته”.
وقد فتحت العلاقات الوثيقة بين تنظيم الإخوان ونظام الملالي الحاكم عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران إلى تأسيس جماعة الدعوة والإصلاح في إيران التي تمثل جماعة الإخوان المسلمين في بلاد فارس، وتأسس فرع تلك الجماعة على يد مجموعةٍ من الدعاة المتأثرين بالثورة الإسلامية في إيران في أوساط أهل السُّنَة والجماعة وعلى رأسهم الشيخ ناصر سبحاني والشيخ أحمد مفتي زاده، لكن أعدمت المخابرات الإيرانية الأول عام 1990 فيما قُتل الثاني مسموما في 1993م بعد إطلاق سراحه من السجون الإيرانية الذي قضى فيها نحو عشر سنوات، وكان يصل عدد فروع الجماعة إلى 12 محافظة بإيران أغلبها محافظات سُنية، وتمارس نشاطاتها بشكل شبه رسمي ملتزمة بمنهج الوسطية بعيدة عن التطرف وإثارة الخلافات بین المسلمین، لكن مع ذلك استمر نظام الخميني بملاحقة إخوان إيران وإعتقالهم والتنكيل بهم باعتبارهم جزءً من السُّنَة في إيران الذين ترفض الحكومة الإيرانية بناء مساجد لهم في طهران، أو مساواتهم بغيرهم من مواطني إيران[11].
ويعود التعاون التاريخي الوثيق بين نظام الملالي الشيعي الفارسي في إيران وجماعة الإخوان المسلمين من السُّنة العرب إلى عام 1938 عندما قام روح الله مصطفى الموسوي الخميني، الذي أصبح لقبه فيما بعد الإمام آية الله الخميني قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، بزيارة المقر العام لجماعة الإخوان في مصر واجتمع مع المرشد الأول للجماعة حسن البنَّا. وفي عام 1947 التقى حسن البنَّا مع محمد تقي القمِّي وهو أحد مشائخ الشيعة الإمامية الاثنا عشرية في إيران الذي وفد إلى القاهرة ومعه إقتراح تأسيس “دار التقريب بين المذاهب” التي اجتمعت لجنتها التأسيسية بتاريخ 1 ربيع الأول 1366هـ وكان من بين الحضور حسن البنَّا نفسه الذي قابل أيضاً المرجع الشيعى آية الله أبو القاسم الكاشاني أثناء الحج عام 1948 وحدث بينهما تفاهم حول العديد من القضايا وخاصة حملات التأييد والدعم للقضية الفلسطينية وعقد الندوات لحشد الطاقات ضد العدوان الصهيوني[12].
ثم قام مجتبى نواب صفوي[13] بزيارة إلى مصر تلبية لدعوة سيد قطب[14] للإلتقاء بقادة الإخوان حينذاك، ويقول سالم البهنساوي – أحد كبار مفكري الإخوان المسلمين – عن التقارب الإخواني/الشيعي[15]: “منذ أن تكوَّنت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية والتي أسهم فيها الإمام البنَّا والإمام القمي والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة، قام الإمام الشهيد حسن البنَّا بجهد ضخم على هذا الطريق، وقد أدَّى ذلك إلى زيارة الإمام نواب صفوي سنة 1954 للقاهرة.. ولا غرو في ذلك فمناهج الجماعتين تُؤدِّي إلى هذا التعاون”.
ويؤكد ذلك التعاون الوثيق ما يرويه إسحاق موسى الحسيني – أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين – بأن بعض الطلاب الشيعة الذين كانوا يدرسون في مصر قد انضموا إلى جماعة الإخوان[16].
وقام طلاب الإخوان المسلمين بجامعة القاهرة بتنظيم حفلًا خطابياً جماهيرياً وكان سيتحدث فيه نواب صفوي زعيم فدائيان إسلام الإيراني، والذي كان يقف في وجه استبداد شاه إيران رضا بهلوي، فقام الشباب التابعون لهيئة التحرير بمهاجمة ذلك الحفل ومحاولة إفشاله بالقوة، فما كان من طلبة الإخوان إلا أن تصدوا لهم وأوسعوهم ضربا فارتد شباب الهيئة مقهورين. وعن تلك الحادثة يقول عبداللطيف البغدادي[17] في مذكراته: “إجتمع مجلس قيادة الثورة في استراحة وزارة الأوقاف بمنطقة الأهرامات يوم 18/12/1953م وناقش بعض الموضوعات والتي من أهمها كيفية القضاء ومقاومة الإخوان المسلمين كما ناقشنا الطريقة المثلى لحل جمعيتهم، وأن نستفيد من الانشقاقات الموجودة داخل الإخوان بعضهم البعض ونغذيها لإضعافهم، كما ناقشنا أن حل جمعيتهم الآن سيزيد العطف عليهم وتمسك الشعب بهم، غير أن عبدالناصر بحكم أنه وزير الداخلية تعجل وأصدر قرارًا بحل الإخوان في 17/1/1954م واعتقال قادتهم، وذلك بسبب صدام طلبة الإخوان مع طلبة هيئة التحرير، كما قام بفصل طلبة الإخوان والضباط والموظفين المنتمين لهم”.
وقد آمن نواب صفوي مثل المؤسسين الأوائل للتيار الإسلامي الإصلاحي، بأنه لمحاربة هيمنة الغرب على المسلمين لابد من تنحي الخلافات السنُية الشيعية جانباً وأن تُنشأ جبهة إسلامية موحدة، وتحت تأثير جماعة الإخوان المسلمين أصبح نواب صفوي أكثر إهتماما بالقضية الفلسطينية التي كان من النادر حتى ذلك الوقت أن يشار إليها في المجتمع الإيراني وفي أوساط رجال الدين والمفكرين اليساريين والناشطين الإيرانيين، وبعد عودته إلى إيران بدأ صفوي حملة شعبية لدعيم قضية فلسطين فجمع ما يقرب من خمسة آلاف متطوع للجهاد في فلسطين ومحاربة اليهود الغاصبين للأراضي الفلسطينية المحتلة. وقبل ذلك بعقد من الزمان كان صفوي قد أسس في عام 1941 تنظيماً شيعياً مسلحاً يدعى “فدائيان إسلام” الذي لعب دورا محوريا في الربط بين الأصولية الشيعية في إيران مع الحركات الأصولية في البلاد الإسلامية الأخرى، والذي تبنى مسؤولية إغتيال عدة شخصيات إيرانية بالإضافة لمحاولة إغتيال فاشلة للملك الإيراني محمد رضا بهلوي ووزيري خارجيته بالتوالي حسين فاطمي وحسين علاء، لكن بعد محاولة إغتيال الأخير في عام 1954 ألقي القبض على قائد التنظيم نواب صفوي وأعدم سنة 1955. ومن المعروف أن الكثير من أتباع الخميني الذين أصبحوا من كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانوا ينتمون لهذا التنظيم الشيعي المسلح الذي كان على علاقات وطيدة بالإخوان المسلمين منذ بداية تأسيسه، وقد سبق أن ذكر المرشد الأعلى الإيراني علي خامئني في سيرته الذاتية كيف أنه أصبح مهتماً بالأنشطة السياسية بعد مقابلته نواب صفوي في مدينة مشهد بإيران وأصبح أحد تلاميذه[18].
مع العلم بأنه بعد نفي الخميني من قبل شاه إيران إلى العراق ثم إلى فرنسا، قرأ الخميني كتب حسن البنَّا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وكتب سيد قطب والتي من خلالها أسس الخميني أول نجاح عملي بتطبيق أفكار حسن البنَّا وسيد قطب في إيران وساعده على ذلك تعاليم المذهب الشيعي وقوة رجال الدين وحضوره في المشهد الثوري ضد شاه إيران، فقد قام الخميني بتأسيس الحرس الثوري وهو الفكرة الجوهرية لحسن البنَّا وسيد قطب، حيث أن حماية الدولة يأتي من خلال تأسيس حرس ثوري مبني على عقيدة إسلامية بديلاً للجيش النظامي الأساسي من أجل ضمان إستمرار الدولة الإسلامية وفقا لرؤية البنَّا وقطب. وقام الخميني بترجمة بعض كتب سيد قطب إلى اللغة الفارسية التي كان لها أثر كبير في تشكيل البنية الأساسية للدولة الإيرانية التي أُسست بعد تولي الخميني مقاليد الأمور فيها، وقد بدا واضحاً تأثر الخميني بنظريات سيد قطب وخاصة فكرة “الحاكمية” من خلال تأليفه لكتاب (الحكومة الإسلامية) وهو عبارةٌ عن ثلاث عشرة محاضرة ألقاها على طلّاب العلوم الدينيّة في النجف عام 1969 وذلك تحت عنوان “ولاية الفقيه”، والتي جاءت مستوحاة وفقاً لرؤية سيد قطب للحكم الإسلامي.
وإذا نظرنا إلى البنية الأساسية لنظام الحكم في إيران عقب الإطاحة بالشاه سنة 1979 نجدها جائت وفقاً لرؤية الدولة في مؤلفات حسن البنَّا، فمن الممكن الاستنتاج بأن الجمهورية الإسلامية في إيران هي دولة البنَّا بإمتياز من خلال المرشد الأعلى الذي يُعتبر هو الحاكم الفعلي للبلاد، فالمرشد الأعلى في مفهوم دولة “الخميني/البنَّا” هو من بيده قرار الحرب وإقالة رئيس الجمهورية، ويوجد مجلس خبراء القيادة الإيرانية الذي يعتبر الهيئة الأساسية في النظام الإيراني ويعهد إليه الدستور صلاحيات تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في إيران، ويتألف هذا المجلس من 86 عضواً وهو يأتي مثل مجلس الشورى في جماعة الإخوان الذي يبلغ عددهم 109 عضواً، ومجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يشبه دوره بدور مكتب الإرشاد الذي يقدم النصيحة للمرشد العام، فنظام الحكم في ايران وتسلسله تماماً يشبه تسلسل أركان نظام جماعة الإخوان، وهو الأمر نفسه الذي كانت بدايته وإرهاصاته موجودة في مصر خلال حكم الرئيس (الإخواني) محمد مرسي الذي كان على وشك تطبيق هذه الهيكلية على أنقاض نظام حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.
وقد قام أيضاً علي خامنئي الذي أصبح المرشد الأعلى في إيران بعد وفاة الخميني بترجمة كتابين لـ سيد قطب إلى اللغة الفارسية عام 1966 هما (المستقبل لهذا الدين) و(الإسلام ومشكلات الحضارة)، وكَتب مقدمة لترجمته يصف فيها قطب بـ “المفكر المجاهد” الذي أثبت في كتابه “أن العالم سيتَّجه نحو رسالتنا، وأن المستقبل لهذا الدين”. ولا يمكن عزل منهجية “ولاية الفقيه” و”الحكومة الإسلامية” عند الخميني عن فكرة “الحاكمية” عند سيد قطب الذي أوضح في كتابه (معالم في الطريق[20]) الأسس اللازمة لاستعادة الحاكمية لله، وهو يُعرّف أن توحيد الألوهية وإفراد الله بها معناه نزع السلطان الذي يزاوله الكهان ومشيخة القبائل والملوك والأمراء والحكام وردّه كله إلى الله، وأن شهادة التوحيد “لا إله إلا الله” هي ثورة على السلطان الأرضي الذي يغتصب أولى خصائص الألوهية، وثورة على الأوضاع التي تقوم على قاعدة من هذا الإغتصاب، وخروج على السلطات التي تحكم بشريعة من عندها لم يأذن بها الله. وفي عهد خامنئي الذي أصبح المرشد الأعلى في إيران بعد وفاة الخميني أصبحت نظريات سيد قطب تُدَرَّس في كليات الإعداد العقائدي للحرس الثوري الإيراني، كما برز نفوذ كبير لمرجعيات دينية مثل آية الله مصباح يزدي وهو الأستاذ الروحي لأحمدي نجاد، وهو الذي لا يُخفي إعجابه الشديد بسيد قطب وتأثره به!
ومن المهم ملاحظة هذا الإعجاب الجارف من الخميني والخامنئي وأتباعهم من نظام الملالي الصفوي الشيعي في إيران بأفكار سيد قطب الذي كان من أهم كتَّاب مجلة “التاج المصري” المعروفة بأنها كانت لسان حال المحفل الأكبر الوطني المصري آنذاك وهو محفل ماسوني مشهور قبل أن يقوم بإغلاقه جمال عبدالناصر بعد ثورة 23 يوليو 1952[21]، ومن كتاباته الشهيرة المنسوبة له هو المقال الافتتاحي في تلك المجلة[22] بتاريخ 23/04/1943 بعنوان “لماذا صرت ماسونياً؟”، طرح فيه سيد قطب السؤال على نفسه وحاول الإجابة عليه: كثيراً ما تمر على المرء سويعات يحلو له فيها أن يخلو إلى نفسه، إما مسترسلاً في الذكرى أو تائهاً في بيداء الفكر، لا يكاد يبدأ من ناحية ما حتى ينتهي إلى أخرى، وهكذا دواليك يظل متجولاً بفكره بين جنبات الماضي، متطلعاً إلى ميادين المستقل، فإما حسرة وأسى على ما ولى وانقضى، وإما ابتسامة رضى وقنوع بما فات وانصرم، ويلتقي هذا وذاك مع نظرة إلى المستقبل الغامض فيها أمل ورجاء لكن دون إسراف أو مبالغة. كان ذلك منذ أيام حين تجاذبتني هذه العوامل وغمرتني لجة تلك الأحاسيس فكان أول سؤال قفز أمام عيني، وتجسم حتى طغى على من دونه، ذلك السؤال “لماذا صرت ماسونياً”، حاولت من هذا السؤال خلاصاً بل من هذا الأمر فكاكاً، إذ لست ابن بجدتها ولست فارس ذلك الميدان، ولكن ذهبت محاولاتي أدراج الرياح فتوقفت لحظة بل لحظات حتى نسيت نفسي ونسيت أن هناك إجابة معلقة علي أن أؤديها، ثم لم ألبث حتى عجبت من أمر نفسي وساءلتها لم هذه الحيرة وهذا التردد؟ فأجابتني السؤال سهل وميسور والجواب من القلب للقلب، فعرفت عندئذ أني صرت ماسونياً لأنني أحسست أن الماسونية بلسماً لجراح الإنسانية، طرقت أبواب الماسونية لأغذي الروح الظمأى بالمزيد من الفلسفة والحكمة، ولأقتبس من النور شعلة بل شعلات تضيء لي طريق الحياة المظلم، ولأستمد قوة أحطم بها ما في الطريق من عراقيل وأشواك، ثم لكي أكون مجاهداً مع المجاهدين وعاملاً مع العاملين. لقد صرت ماسونياً، لأنني كنت ماسونياً، ولكن في حاجة إلى صقل وتهذيب، فاخترت هذا الطريق السوي، لأترك ليد البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل، فنعمت اليد ونعم البنائين الأحرار. عرفت أن الماسونية ليست مبدأ أو مذهب يعتنق، وإنما هي الرجولة والإنسانية التي تدفع بالإنسان إلى عمل الخير دون وازع ألا وازع من وجدانه وضميره، هي روح عالية نبيلة تسمو بالإنسان عن الصغائر وتنزهه عن الترهات والسفاسف، هي المثل الأعلى لكل من ينشد كمالاً أو يبغي رفعة ومجداً، هي الفضيلة التي تنطوي على أسمى المعاني وأشرف المقاصد وأنبلها، هي مبدأ الكمال ومنتهاه. ليس الماسوني من أجريت له المراسيم بذلك واكتسب هذه الصفة في هذا الطريق، وإنما الماسوني من يعمل ولكن في صمت دون ضجة أو إعلان، هو من يفتح قلبه للجميع يتساوى لديه في ذلك الصغير والكبير، هو من يواسي ذلك الذي تجهم لهم له الدهر وعبس، ويمد يده لمن تنكب له الزمان وقسا، هو من يذرف الدمع على البؤس والبؤساء ويبكي على الأشقياء والشقاء، هو من يعمل الواجب لأنه واجب، والخير لدواعي الخير، دون أن يبغي من وراء ذلك جزاء أو يطمح لنيل مطمح، هو من ليس له حق وإنما عليه واجب. الماسونية هي الوحدة التي تجمع بين مختلف الأديان ولا تعرف للتحزب معنى، ولن تجد لكلمة التعصب مكاناً في شرعها، هي التعويذة السحرية التي تؤلف بين القلوب جميعها في أقصى الشرق أو أدنى الغرب، هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الجميع، الصغير منهم والكبير أن يتصافحوا مصافحة الأخ لأخيه، ويجلسوا جنباً إلى جنب، دون نظر إلى فارق اجتماعي أو مركز أدبي، ولا غرو في ذلك إذ أن دعائمها وأسسها مشيدة على الحرية والإخاء والمساواة، فما أعظمها دعائم وما أقواها من أسس وما أبذلها من مبادئ. وأخيراً لقد اطمأن قلبي بعض الشيء، وهدأت نفسي عن ذي قبل، وارتاح ضميري، ولكنني ما زلت أشعر لأني ما زلت المقصر المذنب في حق أنبل وأسمى مبدأ إنساني واجتماعي، ولكن عذري في ذلك واضح ملموس، ما زلت في مبدأ الطريق وسأترك للأيام والأيام وحدها أن تحقق أمنيتي فأنعم بأداء الواجب كاملاً غير منقوص، ولعلي أكون بهذا قد أرضيت نفسي، فعرفت لماذا صرت ماسونياً”.
وعن تلك المقالة الخطيرة قال علي جمعة[23] مفتي مصر السابق خلال برنامج (والله أعلم) على قناة سي بي سي المصرية، بأن سيد قطب العضو السابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين: ” كل ما يتكلم يقول لا إله إلا الله، ولم يذكر مرة واحدة محمد رسول الله، إحنا في بلوة”. وأضاف أن سيد قطب كتب في مجلة “التاج المصري” عام 1943 مقالا بعنوان “لماذا صرت ماسونيًا”. مشيرًا إلى أنه قال[24] إن الخوارج هم المسلمون الحقيقيون عبر التاريخ وأفضل من الصحابة، وإن المسلمين تركوا الإسلام من قرون.
وينقل المحامي ثروت الخرباوي – الذي كان أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر وإنشق عنهم بعد أن إكتشف حقيقتهم – عن الشيخ محمد الغزالي قوله[25]: “إن سيد قطب إنحرف عن طريق البنا وأنه لم يشعر أحد بفراغ الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الأول من الجماعة المسماة الإخوان المسلمين إلا يوم قتل حسن البنا في الأربعين من عمره، لقد بدا الأقزام على حقيقتهم بعد أن ولىّ الرجل الذي طالما سدَّ عجزهم، وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة، ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حَلَّو الأزمة، أو حُلَّت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلا غريبا عنها ليتولى قيادتها، وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت، ولقد سمعنا كلاماً كثيراً عن إنتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان ولكنني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته؟ وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة”.. ثم يعقب ثروت الخرباوي: “هل قال التاريخ إن حسن الهضيبي وحده هو الذي كان ماسونيا؟ أو إن سيد قطب ارتبط معهم بصلاتٍ وكتب في صحفهم؟ لا، مصطفى السباعي مراقب الإخوان في سوريا كان ماسونيا هو الآخر، الموضوع جدُّ خطير لاشك في ذلك، لا يجوز الدخول فيه بمجرد تخمينات أو شكوك، حتى إنني قررت حقيقة أن لا أخوض في هذا الموضوع، ولكن أأترك أمراً في مثل هذه الخطورة دون أن أفحصه وأتبين حقيقته؟ قد تكون نتيجة البحث في غير صالح الإخوان، وقد تكون النتيجة في صالحهم، وفي كلتا الحالتين يجب أن يستكشف التاريخ هذه الفرضية، ما علاقة الإخوان بالماسونية؟”.
ومن غير المدهش ملاحظة أن جذور العلاقة المشبوهة بين جماعة الإخوان المسلمين السنية وملالي الشيعة في إيران، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، تلتقي في الكثير من نقاط الالتقاء والمشتركات الفكرية “الماسونية” بينهما التي أنتجت تقاطعات وتحالفات سياسية ظهرت وصمدت طوال ثلث قرن من الزمن على الرغم من أن هذا التقارب يتناقض مع حركة معاكسة استمرت لاثني عشر قرناً في مسار إنفصاليٍّ متناقض متناحر بين السُّنَة والشيعة في مجالي الفكر الإسلامي والسياسة. وقد شجع حسن البنَّا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين دعوة التقريب مع الشيعة في مصر بعكس صديقه وأستاذه محب الدين الخطيب الذي كان من أوائل المدركين للخطر الشيعي وألف كتابه (الخطوط العريضة لمذهب الشيعة)، ويُعتبر حسن البنَّا عموماً من رموز النهضة الإسلامية الحديثة التي كان من روادها جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا، حيث كان ثلاثتهم متأثرين بفكرة إحياء قوة المسلمين أمام الهجمة الغربية عليهم، وهم يُعتبرون من رواد حركة الإصلاح الإسلامي وتجديد الفقه الإسلامي بهدف القضاء على الجمود الفكري والحضاري وإعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر، رغم أن الأفغاني كان شيعي، ومحمد عبده كان سُنّي شافعي ويميل للتربية الإسلامية بعد فشله السياسي وقام وهو مفتي الديار المصرية بـشرح كتاب (نهج البلاغة) الذي ألفه الشريف الرضي وجمع فيه المختار من كلام الإمام علي بن أبي طالب في الخطب والمواعظ والحِكَم والذي يعتبر أحد أهم الكتب المرجعية في العقيدة الشيعية.
وتؤكد زينب الغزالي على التقارب الإخواني/الشيعي – وهي من القيادات النسائية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر –[26]: “ولي أنا شخصياً تجربة في هذه المسألة فقبل عام 1958م كانت هناك جماعة التقريب بين المذاهب والتي كان يشرف عليها الشيخ محمود شلتوت والشيخ القمي وقد شاركت في عمل تلك الجماعة وبمباركة الإمام الشهيد حسن البنا الذي كان يرى أن المسلمين سنة وشيعة أمة واحدة وأن الخلاف المذهبي لا يفرق وحدة الأمة وكان كل الإخوان متعاونين مع هذه الجماعة”.
ويقول الشيخ محمد الغزالي مدافعاً عن الشيعة[27]: “إنني آسف لأن بعض من يرسلون الكلام على عواهنه، لا، بل بعض ممن يسوقون التهم جزافا غير مبالين بعواقبها دخلوا في ميدان الفكر الإسلامي بهذه الأخلاق المعلولة فأساؤا إلى الإسلام وأمته شر، إساءة. سمعت واحدا من هؤلاء يقول في مجلس علم: إن للشيعة قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف. فقلت له: أين هذا القرآن؟ إن العالم الإسلامي الذي امتدت رقعته في ثلاث قارات ظل من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بعد أن سلخ من عمر الزمن أربعة عشر قرنا لا يعرف إلا مصحفا واحدا مضبوط البداية والنهاية معدود السور والآيات والألفاظ فأين هذا القرآن الآخر؟ ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق هذا الافتراء؟ ولحساب من تفتعل هذه الإشاعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنهم بإخوانهم وقد يسوء ظنهم بكتابهم. إن المصحف واحد يطبع في القاهرة فيقدسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخه بين أيديهم وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شئ بتة إلا توقير الكتاب ومنزله – جل شأنه – ومبلغه (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم الكذب على الناس وعلى الوحي. ومن هؤلاء الأفاكين من روج أن الشيعة أتباع علي وأن السنيين أتباع محمد وأن الشيعة يرون عليا أحق بالرسالة، أو أنها أخطأته إلى غيره؟ وهذا لغو قبيح وتزوير شائن. إن الشيعة يؤمنون برسالة محمد ويرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول وفي استمساكه بسنته. وهم كسائر المسلمين لا يرون بشرا في الأولين والآخرين أعظم من الصادق الأمين ولا أحق منه بالاتباع، فكيف ينسب لهم هذا الهذر؟ الواقع إن الذين يرغبون في تقسيم الأمة طوائف متعادية لما لم يجدوا لهذا التقسيم سببا معقولا لجأوا إلى افتعال أسباب الفرقة، فاتسع لهم ميدان الكذب حين ضاق أمامهم ميدان الصدق”. والعجيب أن الشيخ محمد الغزالي في دفاعه عن هؤلاء الشيعة الرافضة فهو يتغاضى عن تكفيرهم للصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم وطعنهم للنبي ﷺ في عرضه وفي زوجاته الشريفات، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾[28]، فإذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها برأي هؤلاء الرافضة “خبيثة” فهل يكون النبي ﷺ “خبيث”؟!! هذا بالإضافة لقولهم بتحريف القرآن الكريم وإنكارهم السُّنة المطهرة بالكامل واضفاؤهم صفات الألوهية على أئمتهم الإثنى عشرية وغيرها من أفكار الزندقة والهرطقة والكُفر البواح والممارسات الطائفية العنصرية البغيضة والعمليات الإجرامية الإرهابية التي لا يمكن القبول بها أو التقارب معها أبداً[29].
قال شيخ الإسلام إبن تيمية: “الرافضة أكذب طوائف الأمة على الإطلاق، وهم أعظم الطوائف المدّعية للإسلام غلوا وشركاً” (مجموع الفتاوى175/27)، وقال: “وليس المنافقون في طائفة أكثر منهم في الرافضة، حتى أنه ليس في الروافض إلا من فيه شعبة من شعب النفاق” (منهاج السنة 3/374)، وقال: “قال القاضي: ومن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه كَفر بلا خلاف” (الصارم المسلول 1066/03)، وقال: “الرافضة حمير اليهود يركبون عليهم في كل فتنة”(منهاج السنة 20/ 21-1)، وقال: “وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة قال: سمعت الشافعي يقول : لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة” (منهاج السنة 60/1)، وقال: “النصارى الذين قاتلهم المسلمون بالشام كانت الرافضة من أعظم أعوانهم” (المنهاج 378/3)، وقال: “الرافضة من أجهل الناس وأضلهم كما أن النصارى من أجهل الناس. والرافضة من أخبث الناس كما أن اليهود من أخبث الناس ففيهم نوع من ضلال النصارى ونوع من خبث اليهود” (منهاج السنة 2/65)، وقال: “الرافضة… أعظم عباداتهم عندهم: لعن المسلمين من أولياء الله مستقدمهم ومستأخرهم” (مجموع الفتاوى 28/488)، وقال: “رؤوس الرافضة والجهمية كانوا منافقين زنادقة وأول من ابتدع الرفض كان منافقاً وكذلك التجهم أصله زندقة ونفاق” (الفتاوى 3/353)، وقال: “الرافضة أمة مخذولة ليس لها عقل صحيح، ولا نقل صريح ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة” (إقتضاء الصراط المستقيم 439)، وقال أيضاً: “وهذا الحسن والجمال الذي يكون عن الأعمال الصالحة في القلب يسري إلى الوجه والقبح والشين الذي يكون عن الأعمال الفاسدة في القلب يسري إلى الوجه كما تقدم ثم إن ذلك يقوى بقوة الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة فكلما كثر البر والتقوى قوى الحسن والجمال وكلما قوى الإثم والعدوان قوى القبح والشين حتى ينسخ ذلك ما كان للصورة من حسن وقبح فكم ممن لم تكن صورته حسنة ولكن من الأعمال الصالحة ما عظم به جماله وبهاؤه حتى ظهر ذلك على صورته ولهذا ظهر ذلك ظهوراً بينا عند الإصرار على القبائح في آخر العمر عند قرب الموت فنرى وجوه أهل السنة والطاعة كلما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها حتى يكون أحدهم في كبره أحسن واجمل منه في صغره ونجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها حتى لا يستطيع النظر إليها من كان منبهرا بها في حال الصغر لجمال صورتها وهذا ظاهر لكل احد فيمن يعظم بدعته وفجوره مثل الرافضة وأهل المظالم والفواحش من الترك ونحوهم فإن الرافضي كلما كبر قبح وجهه وعظم شينه حتى يقوى شبهه بالخنزير وربما مُسخ خنزيرا وقردا كما قد تواتر ذلك عنهم ونجد المردان من الترك ونحوهم قد يكون أحدهم في صغره من أحسن الناس صورة ثم إن الذين يكثرون الفاحشة تجدهم في الكبر أقبح الناس وجوها حتى إن الصنف الذي يكثر ذلك فيهم من الترك ونحوهم يكون أحدهم أحسن الناس صورة في صغره وأقبح الناس صورة في كبره وليس سبب ذلك أمرا يعود إلى طبيعة الجسم بل العادة المستقيمة تناسب الأمر في ذلك بل سببه ما يغلب على أحدهم من الفاحشة والظلم فيكون مُخنثا ولوطياً وظالماً وعوناً للظلمة فيكسوه ذلك قبح الوجه وشينه” (كتاب الاستقامة لابن تيمية 1/ 364).
وقال الشيخ إبن القيم: “قال بعض أهل العلم: إذا اتصف القلب بالمكر والخديعة والفسق، وانصبغ بذلك صبغة تامة، صار صاحبه على خلق الحيوان الموصوف بذلك من القردة والخنازير وغيرهما، ثم لا يزال يتزايد ذلك الوصف فيه، حتى يبدو على صفحات وجهه بُدُوّا خفيا، ثم يقوى ويتزايد، حتى يصير ظاهراً على الوجه، ثم يقوى حتى يقلب الصورة الظاهرة كما قلب الهيئة الباطنة! ومن له فراسة تامة يرى على صور الناس مسخاً من صور الحيوانات التي تخلقوا بأخلاقها في الباطن، فقلَّ أن ترى محتالاً مكاراً مخادعاً ختاراً إلا وعلى وجهه مسخة قرد!! وقل أن ترى رافضياً إلا وعلى وجهه مسخة خنزير!! وقل أن ترى شرهاً نهما نفسه نفس كلبية، إلا وعلى وجهه مسخة كلب، فالظاهر مرتبط بالباطن أتم ارتباط؛ فإذا استحكمت الصفات المذمومة في النفس، قويت على قلب الصورة الظاهرة، ولهذا خوف النبي صلى الله عليه وسلم من سابق الإمام في الصلاة، بأن يجعل الله صورته صورة حمار؛ لمشابهته للحمار في الباطن، فإنه لم يستفد بمسابقة الإمام إلا فساد صلاته وبطلان أجره، فإنه لا يسَلّم قبله، فهو شبيه بالحمار في البلادة وعدم الفطنة”. (إغاثة اللهفان 1/476)، وقال أيضاً: “واقرأ نسخة الخنازير من صور أشبهاهم ولا سيما أعداء خيار خلق الله بعد الرسل وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن هذه النسخة ظاهرة على وجوه الرافضة يقرأها كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهي تظهر وتخفى بحسب خنزيرية القلب وخبثه فإن الخنزير أخبث الحيوانات وأردؤها طباعاً ومن خاصيته أنه يدع الطيبات فلا يأكلها ويقوم الإنسان عن رجيعة فيبادر إليه فتأمل مطابقة هذا الوصف لأعداء الصحابة كيف تجده منطبقاً عليهم فإنهم عمدوا إلى أطيب خلق الله وأطهرهم فعادوهم وتبرؤوا منهم ثم والوا كل عدو لهم من النصارى واليهود والمشركين فاستعانوا في كل زمان على حرب المؤمنين الموالين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين والكفار وصرحوا بأنهم خير منهم فأي شبه ومناسبة أولى بهذا الضرب من الخنازير فإن لم تقرأ هذه النسخة من وجوههم فلست من المتوسمين وأما الأخبار التي تكاد تبلغ حد التواتر بمسخ من مسخ منهم عند الموت خنزيرا فأكثر من أن تذكر هاهنا وقد أفرد لها الحافظ بن عبدالواحد المقدسي كتابا…” (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة 1/ 254)، وقال: “الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمَّة؛ والأمة، وأشدهم بعداً عن جماعة المسلمين” (مفتاح دار السعادة 1-73)، وقال: “ولقد أصبح هؤلاء الشيعة عاراً على بني آدم يسخر منهم كل عاقل” (المنار المنيف ص152).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: “ليست الرافضة من الإسلام في شيء” (طبقات الحنابلة 1/32)، وقال: “من شتم أصحاب النبي ﷺ لا نأمن أن يكون قد مرق عن الدين” (السنة للخلال 779). وقال الامام مالك: “الذي يشتم أصحاب رسول الله ﷺ ليس له سهم – أو قال نصيب – في الإسلام”. (الإبانة الصغرى 123). وقال أشهب: “سُئل مالك عن الرافضة فقال : ﻻ تكلمهم ولا تروِ عنهم فإنهم يكذبون”. (منهاج السنة 60/1). وقال إسحاق بن موسى بن يزيد الكندي، عن شريك، عن الأجلح بن عبدالله بن حجية الكندي قال: “سمعنا أنه ما سبَّ أبا بكر وعمر أحد.. إلا مات قتلاً أو فقراً” (تهذيب الكمال 2/279).
ويؤكد صالح الورداني – الذي كان أحد المتحمسين للتقريب بين المذاهب – بأن التقارب السني/الشيعي كان برعاية ودعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فيقول[30]: “بدأت دعوة التقريب في مصر عام 1946 وقد دعمتها جماعة الإخوان في ذلك الوقت بقيادة حسن البنا وتبناها الكثير من رجال الأزهر الذين ارتبطوا بعلاقات حميمة مع كثير من علماء الشيعة طوال تلك الفترة وحتى أواخرا السبعيات ومن علماء الأزهر ورجاله البارزين الذين ارتبطوا بتلك الدعوة الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبدالمجيد سليم والشيخ الشرباصي والشيخ الفحام والشيخ محمد المدني الذي تولى منصب السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية. ومن علماء الشيعة الذين ساهموا في هذه الجماعة وارتبطوا بعلاقات مع رجال الأزهر والدعاة البارزين في حقل الدعوة بمصر الشيخ محمد تقي القمي صاحب الدعوة وراعيها في مصر وهو من إيران. والشيخ محمد جواد مغنية إمام القضاء الشرعي الجعفري في لبنان والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء من علماء العراق والسيد مرتضى الرضوي الذي التقى بمعظم رجالات الفكر في القاهرة والسيد طالب الحسيني الرفاعي مؤسس جميعة آل البيت في مصر وهو من علماء العراق. ولم يكن من هدف هذه الدعوة أن يترك السني مذهبه أو يترك الشيعي مذهبه، كما يعبر الشيخ المدني، وإنما كانت تهدف إلى أن يتحد الجميع حول الأصول المتفق عليها ويعذر بعضهم بعضا فيما وراء ذلك مما ليس شرطا من شروط الأيمان ولا ركنا من أركان الإسلام ولا إنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة”. وهو يقول في مقدمة كتابه بأنه محاولة للتعرف على حقيقة هامة وهي أن التشيع في مصر هو الأصل والتسنن وافد!!
ومن الجدير بالذكر أن صالح الورداني هذا قد إنقلب فجأة على المذهب الشيعي بعد حوالي 20 عاما من إعتناقه له[31]، وأكد أنه إنتهى من إعداد مذكرات شخصية له تحوي مراجعاته الفكرية حول هذه الفترة والتي ينتقد فيها المرجعيات والأخماس، وقال أنه يدعو بعض المثقفين لتأسيس جماعة بإسم “الخطاب الجديد” تخلو من التقسيم المذهبي وتتبنى “الإسلام الواحد”. ويعتبر الورداني من أبرز قادة التيار الشيعي في مصر وأكثر مفكريهم تأثيراً وله كتب كثيرة منشورة تدعو إلى التشيع وحافلة بالهجوم على المذهب السني[32]. وتُطلق عليه بعض الدوائر الإعلامية صفة “فيلسوف التشيع المصري”، “ومفكر التشيع”، وهو كان الناطق الرسمي بإسم الشيعة المصريين، وقد إرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران حيث قام بزيارتها عدة مرات، وجلب معه كتباً شيعية كثيرة قام بتوزيعها في مصر، مما عرضه لإتهامات بحصوله على دعم مالي إيراني مع متشيعين بارزين آخرين، وهي إتهامات كانت مجال صراع محموم داخل الأوساط الشيعية المصرية نفسها. مع العلم بأن الورداني هذا كان أحد مؤسسي الجماعات الإسلامية في مطلع السبعينيات، قبل ظهور قيادات الجماعة الإسلامية المصرية وتنظيم الجهاد الذي إنضوى تحته فيما بعد وكان من أشهر القياديين فيه، لكن بعد دخوله المعتقل بعدة سنوات أعلن في عام 1985 تحوله إلى المذهب الشيعي!!
وفي بداية شهر نيسان/أبريل 2016 انتشرت أخبار بأن مصباح الرديني – أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه يوسف القرضاوي – قد زار مرقد كربلاء في العراق وأعلن تحوّله للمذهب الشيعي وألقى خطبة في إحدى الحوزات الشيعية وجّه خلالها انتقادات لاذعة لأهل السُنَّة والجماعة!! وأكدت بعض المصادر بأن المتشيع مصباح الرديني هذا كان يعتبر “الأب الروحي” للرئيس الإخواني المصري المعزول محمد مرسي، وأنه من أهم القيادات الإخوانية المؤيدة لحركة حماس الفلسطينية[33].
وقد أكد عز الدين إبراهيم – أحد قيادات الإخوان المسلمين ومؤسس تنظيمها في ليبيا بعد هروبه من مصر – على حقيقة التقارب التاريخي الحميم بين جماعة الإخوان والشيعة الإيرانيين عموماً[34]: “قام الإمام الشهيد حسن البنا بجهد ضخم على هذا الطريق، يؤكد ذلك ما يرويه الدكتور إسحاق موسى الحسيني في كتابه ”الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية الحديثة ” من أن بعض الطلاب الشيعة الذين كانوا يدرسون في مصر قد انضموا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومن المعروف أن صفوف الإخوان المسلمين في العراق كانت تضم الكثير من الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، وعندما زار نواب صفوي سوريا وقابل الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين اشتكى إليه الأخير أن بعض شباب الشيعة ينضمون إلى الحركات العلمانية والقومية، فصعد نواب إلى أحد المنابر وقال أمام حشد من الشبان الشيعة والسنة: من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين، ولكن من هو نواب صفوي زعيم منظمة فدائيان إسلام الإسلامية الشيعية؟”.
ولعل أوضح رأي لجماعة الإخوان المسلمين عن الشيعة عموماً هو ماقاله محمود عبدالحليم عضو اللجنة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين[35]: “إذا كنا قد اعتبرنا المنتسبين للتصوف والداعين إلى الرجوع إلى السنة ومحاربة البدعة طائفتين دب بينهما خلاف، فإنهما في الحقيقة بالنسبة للطوائف على مستوى العالم الإسلامي ينتميان إلى طائفة واحدة هي طائفة أهل السنة حيث الطائفة الأخرى على هذا المستوى العام هي طائفة الشيعة. ولما كان المجال العملي لحسن البنا حين قام بدعوته هو مصر، فلما عالجه أخذ في توسيع دائرة عمله فاتجه إلى معالجة الطوائف على مستوى العالم الإسلامي، حيث تنتشر طائفة الشيعة في الشام والعراق وإيران وتركيا وغيرها. كانت هذه الطائفة – على كثرتها – تعيش في عزلة تامة عن طائفة أهل السنة كأنهما من دينين مختلفين، مع أن هذه الطائفة تضم أقواما من أكرم العناصر المسلمة ذات التاريخ المجيد والغيرة على الإسلام والذود عن حياضه.. ووجه الخلاف بينهم وبين أهل السنة ينحصر في أنهم يتغالون في حب أهل البيت رضوان الله عليهم.. وإذا كان فيهم من تطرف فإن من المنتسبين إلى أهل السنة من تطرف.. ولكن هل تظل هذه القطيعة قائمة بين طائفتي المسلحين والإسلام في أمس الحاجة إلى جهد كل فرد منتسب إليه للوقوف في وجه الغارة المطبقة عليه؟ رأي حسن البنا أن الوقت قد حان لتوجيه الدعوة إلى طائفة الشيعة، فمد يده إليهم أن هلموا إلينا فأنتم إخواننا في الإسلام. وهيا نتعاون معا على إقامة صرحه واستعادة مجده… وقد وجدت دعوته هذه من الشيعة أذنا صاغية، إذ أسعدهم لأول مرة منذ مئات السنين صوتا ينضح بالحب ويدعو إلى الأخوة الإسلامية.. فقدم إلى مصر شيخ من كبار مشايخهم في إيران هو الشيخ محمد تقي قمي، والتقى بحسن البنا وحسن التفاهم بينهما.. وثمرة لهذا التفاهم أنشئت في القاهرة دار ترمز إلى هذه المعاني السامية اسمها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية وقامت هذه الدار بجهد مشكور في سبيل هذا الهدف. ولو كانت الظروف قد أمهلت حسن البنا لتم مزج هذه الطائفة بالطوائف السنية مزجا عاد على البلاد الإسلامية بأعظم الخيرات – مع ذلك فقد وضع أساس التقارب وأنجز شيء منه، إذ زالت القطيعة إلى حد ما، وتوحد الصوت في المطالبة في مختلف البلاد الإسلامية بالرجوع إلى الحكم الإسلامي. والذي أعلمه أن هذه الدار (دار التقريب) لا تزال موجودة بالقاهرة لكنها فقدت العنصر الفعال والرجل الذي كان قادرا على حسن توجيهها والإفادة منها لخير العالم الإسلامي أعظم إفادة.. ولكن حسب حسن البنا أنه اقتحم الباب المغلق، وأرسي أساس التقارب والاتصال”.
ويقول يوسف ندا، المفوض العام للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين (التنظيم الدولي) [36]: “أنا حرصي على موضوع الوحدة الإسلامية وعلى ردم الفجوة اللي بين الشيعة والسنة، ودي يعني سياسة إخوانية ما هياش سياستي أنا من عندي لوحدي، يعني أنا سياستي بصفتي من الإخوان، لكن دي سياسة الإخوان وأنا بأطبقها، ردم الفجوة اللي بين الشيعة والسنة حتى تحدث الوحدة بين المسلمين في كل أنحاء العالم…” وعندما سأله المذيع: هل نجحت أنك تحقق شيء منها؟ فقال: “أوه، كتير الحمد لله”.
وفي كانون الثاني/يناير 1982 صرح عمر التلمساني المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين لمجلة المصور المصرية الأسبوعية: “إننا أيدنا الخميني سياسياً لأن الثورة ساعدت شعباً مقموعاً على التخلص من حاكم مستبد واسترداد حريتهم، ولكن من وجهة النظر الفقهية فإن المذهب السني شيء والمذهب الشيعي شيء آخر”. وبتاريخ 16/12/1984 قال لمجلة إسلامية في كندا: “لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران”، وكتب مقالاً بمجلة الدعوة العدد 105 في شهر تموز/يوليو 1985 بعنوان “شيعة وسنة” قال فيه: “التقريب بين الشيعة والسُّنَة واجب الفقهاء الآن.. الإتصالات بين الإخوان المسلمين ورجال الدين الإيرانيين لم يكن الهدف منها أن يعتنق الشيعيون المذهب السني ولكن الهدف الأساسي الإلتزام برسالة الإسلام في توحيد الفرق الإسلامية والتقريب بينها بقدر المستطاع.. ولم تفتر علاقة الإخوان بزعماء الشيعة فاتصلوا بآية الله الكاشاني واستضافوا في مصر نواب صفوي، كل هذا فعله الإخوان لا ليحملوا الشيعة على ترك مذهبهم ولكنهم فعلوه لغرض نبيل يدعو إليه إسلامهم وهو محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى أقرب حد ممكن.. وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين.. إن فقهاء الطائفتين يعتبرون مقصرين في واجبهم الديني إذا لم يعملوا على تحقيق هذا التقريب الذي يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها.. فعلى فقهائنا أن يبذروا فكرة التقريب إعداداً لمستقبل المسلمين”، وقد كانت آراء وتصريحات هذا المرشد العام للإخوان المسلمين في عام 1985 أي بعد أن مضى ستة أعوام على قيام الثورة الخمينية، وهذه الفترة كافية لأن تقوم إيران بتحقيق وعودها وشعاراتها بالوحدة الإسلامية، ولكن ذلك لم زلن يحدث أبداً!
وقال راشد الغنوشي فى مجلة المعرفة الناطقة بإسم حركة الإتجاه الإسلامي والتى تعرف الآن بإسم “حركة النهضة” في مقال بعنوان (الرسول ينتخب إيران للقيادة) قال فيه: “إن إيران اليوم بقيادة آية الله الخمينى القائد العظيم والمسلم المقدام هى المنتدبة لحمل راية الإسلام.. وبنجاح الثورة فى إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة”. وقال في كتابه (الحركة الإسلامية والتحدي): الاتجاه الإسلامي الحديث تبلور وأخذ شكلاً واضحاً على يد الإمام البنَّا والمودودي وقطب والخميني ممثلي أهم الاتجاهات الإسلامية في الحركة الإسلامية المعاصرة”، وهو يعتبر في الصفحة 17 من نفس الكتاب أنه “بنجاح الثورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة” ثم يقول تحت عنوان ماذا نعني بمصطلح الحركة الإسلامية: “ولكن الذي عنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الإسلام الشامل، وهذا المفهوم ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية بباكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران”، وفي الصفحة 24 يقول: “لقد بدأت إيران عملية لعلها من أهم ما يمكن أن يطرأ في مسيرة حركات التحرر في المنطقة كلها وهي تحرر الإسلام من هيمنة السلطات العاملة على استخدام في وجه المد الثوري في المنطقة”. وفي مقالة أخرى له بمجلة الطليعة الإسلامية الصادرة في شهر آذار/مارس 1985 يعتبر أن “الصراع بين السنة والشيعة من المشكلات الوهمية التي تظهر مع سيادة التقليد ويستعاض بها عن المشاكل الحقيقية الواقعية بعد أن تختفي الفكر ويختفي الإبداع!!
وفي لبنان نشرت مجلة الحركة الإسلامية “الأمان” قصيدة بقلم يوسف العظم من جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وهو يُلقب “شاعر القدس” وشاعر الأقصى” دعا فيها إلى مبايعة الخميني إماماً للمسملين فقال: بالخميني زعيماً وإمـــــام… هدَّ صرح الظلم لا يخشى الحمــامقد منحناه وشاحاً ووســـام… من دمانا ومضيـنا للأمــــامندمر الشرك ونجتاح الظــلام … ليعود الكون نوراً وســـــلام
وللتأكيد على عمق العلاقة الفكرية المتطابقة والتحالفات السياسية الوثيقة بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام الولي الفقيه الخميني في إيران يجب الإطلاع على التصريحات المذهلة لمُنَظري الجماعة ومنهم فتحي يَكَن – الذي يُعتبر من كبار مُنظري جماعة الاخوان المسلمين – في كتابه (المتغيرات الدولية) وقال فيه: “تنحصر المدارس التي تتلقى منها الصحوة الإسلامية عقيدتها وعلمها ومفاهيمها في ثلاث مدارس.. مدرسة حسن البنَّا ومدرسة سيد قطب ومدرسة الإمام الخميني”، وقال أيضاً في كتابه (الموسوعة الحركية): “إن قيام الثورة الإيرانية تحقق ما وعد الله به إذ قال ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾”، وله أيضاً تصريحات في مجلة الشهاب التابعة للاخوان المسلمين قال فيها: “قلة قليلة من مجددي الإسلام في هذا العصر الذين طرحوا الإسلام كبديل عالمي.. والإمام الخميني من هؤلاء”!! وقال وهو يستعرض مؤامرات الاستعمار والقوى الدولية ضد الإسلام[37]: “وفي التاريخ القريب شاهد على ما نقول ألا وهو تجربة الثورة الإسلامية في إيران، هذه التجربة التي هبت لمحاربتها وإجهاضها كل قوى الأرض الكافرة ولا تزال بسبب أنها إسلامية وأنها لا شرقية ولا غربية”!!
وجاء في مجلة (الدعوة) المهاجرة التي كان يصدرها الإخوان في أوروبا العدد 72 شهر مايو/ أيار 1982 صفحة 20 ضمن مقال بعنوان (الوعى السياسى عند المسلمين): “وفي العالم اليوم اليقظة الإسلامية التي كان من آثارها الثورة الإسلامية في إيران التي استطاعت ورغم عثراتها..إن تقوض أكبر الإمبراطوريات عراقة وأشدها عتواً وعداءً للإسلام والمسلمين”.
وقال أبو الأعلى المودودي أحد رموز الجماعة الإسلامية في باكستان لمجلة “الدعوة” في شهر آب/أغسطس 1979 رداً على سؤال حول الثورة الخمينية في إيران: “وثورة الخميني ثورة إسلامية والقائمون عليها هم جماعة إسلامية وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها في جميع المجالات”.
وقال القيادى الإخوانى عصام العريان لجريدة الشرق الأوسط: “إن جماعة الإخوان المسلمين أيدت الثورة الإسلامية فى إيران منذ اندلاعها عام 1979 لأنها قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوى الذى كان منحازا للعدو الصهيوني”.
وقال إسماعيل الشطي وهو أحد رموز الإخوان ورئيس تحرير مجلة المجتمع الكويتية[38]: “وبما أن الشيعة الإمامية من الأمة المسلمة والملة المحمدية فمناصرتهم وتأييدهم واجب إن كان عدوهم الخارجي من الأمم الكافرة والملل الجاهلية.. فالشيعة الإمامية ترفع لواء الأمة الإسلامية والشاه يرفع لواء المجوسية المبطن بالحقد النصراني اليهودي.. فليس من الحق أن يؤيد لواء المجوسية النصرانية اليهودية ويترك لواء الأمة الإسلامية.. ويرى هذا الصوت أن محاولة تأسيس مؤسسات إسلامية في إيران تجربة تستحق الرصد كما تستحق التأييد لأنها ستكون رصيداً لأي دولة إسلامية تقوم في المنطقة إن شاء الله.. وما ذلك على الله ببعيد”.
وفي شهر كانون الثاني/يناير 1981 كتبت مجلة الإعتصام[39] على غلافها تحت عنوان (الثورة التي أعادت الحسابات وغيرت الموازين) وفي الصفحة 39 تساءلت المجلة: “لماذا تعتبر الثورة الإيرانية أعظم ثورة في العصر الحديث” وفي نهاية المقال الذي كُتب بمناسبة الذكرى الثانية لانتصار الثورة الإيرانية جاء فيه: “ومع ذلك انتصرت الثورة الإيرانية بعد أن سقط آلاف الشهداء وكانت بذلك أعظم ثورة في التاريخ الحديث بفعاليتها ونتائجها الإيجابية وآثارها التي أعادت الحسابات وغيرت الموازين”.
وبتاريخ 28/01/1982 صرح محمد مهدي عاكف الذي أصبح فيما بعد مرشداً عاماً للإخوان لوكالة الأنباء الإيرانية[40]: “إن الإخوان المسلمين يؤيدون أفكار ومفاهيم الجمهورية الاسلامية.. إن أفكار آية الله الخميني خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هي إمتداد لتوجه الإخوان نحو مكافحة الإحتلال”.
وبتاريخ 17/02/1982 نشرت صحيفة الصباح الجديد – وهي دورية أسبوعية سودانية يصدرها مكتب صحافة الإتجاة الإسلامي بجامعة الخرطوم التابع لجماعة الإخوان المسلمين في السودان – مقال قالت فيه[41]: “مع تباشير النصر مشائخ الخليج يستصدرون الفتاوى البترودولارية ضد الخميني.. إسلام الريالات أم إسلام القيم؟؟ أن يقف الإعلام الغربي ضد الحكومة الإسلامية في إيران فهذا شيء مألوف وأن يعارضها الشيوعيون فهذا شيء طبيعي.. ولكن لماذا يعاديها شيوخ الخليج وتحت مظلة الدين؟؟ أو بعبارة أخرى (الإسلام ضد الإسلام) ولكنه إسلام (الركون) ضد إسلام الجهاد، وإسلام العجز ضد إسلام الإستشهاد، وإسلام (الريال) ضد إسلام القيم، وإسلام (أعوان الظلمة) ضد إسلام جند الله المجاهدين، على أنهم يتمنون من أعماق قلوبهم أن تكون هذه الثورة باطلاً، وأن يكون شيوخ الخليج على درب الإسلام الصحيح، لأن إسلام الدجاج الفرنسي الشهير (المذبوح وفقاً للتعاليم الإسلامية) أفضل وأجمل وأمتع من إسلام الحرب والخندق”.
وقد كانت حرب الخليج الأولى أو “الحرب العراقية الإيرانية” التي استمرت ثماني سنوات من أيلول/سبتمبر 1980 حتى آب/أغسطس 1988 هي أول محطة إختبار رئيسية لبيان المواقف الحقيقية المؤيدة من جماعة الإخوان تجاه نظام الخميني الجديد، فقد إندلعت تلك الحرب بعد عدة شهور فقط من قيام الثورة الإسلامية في إيران، وكان للإخوان المسلمين عموماً موقف مناهض لتلك الحرب التى رأت أنها تستنزف طاقات ومقدرات البلدين الإسلاميين وطالبت بضرورة وقف الحرب وتدخل العقلاء من الجانبين لوقف المزيد من الدماء والدمار التى أصابت البلدين.
وأصدر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بياناً وجهه إلى الشعب العراقي هاجم فيه حزب البعث “الملحد الكافر” على حد تعبير البيان الذي قال فيه: “إن هذه الحرب أيضاً ليست حرب تحرير للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، فشعب إيران المسلم قد حرر نفسه من الظلم والإستعمار الأمريكي الصهيوني في جهاد بطولي خارق وبثورة إسلامية عارمة فريدة من نوعها في التاريخ البشري وتحت قيادة إمام مسلم هو دون شك فخر للإسلام والمسلمين”، ثم يتكلم البيان عن أهداف “العدوان الصدَّامي” قائلاً أنه: “لضرب الحركة الإسلامية وإطفاء شعلة التحرير الإسلامية التي انبعثت من إيران”، وفي نهاية ذلك البيان يقول مخاطباً الشعب العراقي: “اقتلوا جلاَّديكم فقد حانت الفرصة التي ما بعدها فرصة، ألقوا أسلحتكم وانضموا إلى معسكر الثورة، الثورة الإسلامية ثورتكم”[42].
وقد أيدت جماعة الإخوان المسلمين نظام الخميني في حربه ضد العراق عبر منشوراتها الإعلامية في مجلاتها وجرائدها ومنها الدعوة والإعتصام والمختار الإسلامي التي وقفت إلى جانب نظام الخميني ومدافعة عنه! وكتبت مجلة الإعتصام عنوان عريض على غلاف عددها المطبوع في تشرين الأول/أكتوبر 1980 “الرفيق التكريتي.. تلميذ ميشيل عفلق الذي يريد أن يصنع قادسية جديدة في إيران المسلمة”، وفي نفس العدد كتبت مجلة الإعتصام تحت عنوان “الخوف من انتشار الثورة الإسلامية في العراق” قالت فيه: “ورأى صدام حسين إن فترة الإنتقال التي يمر بها جيش إيران وتحوله من جيش إمبراطوري إلى جيش إسلامي هي فرصة ذهبية لا تكرر للقضاء على هذا الجيش قبل أن يتحول إلى قـوة لا تقهر بفضل العقيدة الإسلامية في نفوس ضباطه وجنوده”.
وفي كانون الأول/ديسمبر 1980 كتب جابر رزق أحد أبرز صحفيي الإخوان المسلمين في مجلة الإعتصام معللاً أسباب الحرب فقال: “إن الوقت الذي اندلعت فيه هذه الحرب هو ذات الوقت الذي فشلت فيه كل الخطط الأمريكية التآمرية على ثورة الشعب الإيراني المسلم.. وقد نسي صدام حسين أنه سيقاتل شعباً تعداده أربعة أضعاف الشعب العراقي وهذا الشعب هو الشعب المسلم الوحيد الذي استطاع أن يتمرد على الإمبريالية الصليبية اليهودية.. والشعب الإيراني بكامل هيئاته ومنظماته مصمم على مواصلة الحرب حتى النصر وحتى إسقاط البعث الدموي، كما أن التعبئة الروحية والنفسية بين كل أفراد الشعب الإيراني لم يسبق لها مثيل والرغبة في الاستشهاد تأخذ صورة التسابق والإقدام، وأثق تماماً أن النصر في النهاية سيكون للثورة الإيرانية المسلمة” ثم يشرح أن هدف الإستعمار من الحرب إسقاط الثورة فيقول: “وبسقوط النظام الثوري الإيراني يزول الخطر الذي يتهدد هذا النوع من الطواغيت الذين يرتجفون من تصورهم احتمال ثورة شعوبهم ضدهم واسقاطهم مثلما فعل الشعب الإيراني المسلم ضد الشاه العميل”، وفي نهاية المقال يقول “ولكن حزب الله غالب.. ولكن لابد من الجهاد والإستشهاد ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”.
كما صدر بيان من التنظيم العالمى للإخوان المسلمين بتاريخ 15/01/1981 جاء فيه: “إزاء الإستمرار فى الحرب العراقية الإيرانية يذكر الإخوان المسلمون بأنه لايجوز التفريط بالطاقات الإسلامية فى معارك جانبيه تهدر فيها دماء المسلمين وتبدد ثرواتهم، والإخوان المسلمون يدعون إلى وضع حد للحرب من أجل صرف جهود المسلمين إلى ميدان الصراع الحقيقى مع اليهودية العالمية ومواجهة خطرها على الإسلام والمسلمين فى كل مكان”.
وقد قامت إسرائيل أثناء تلك الحرب بضرب المفاعل النووي العراقي بتاريخ 07/06/1981 وزودت إيران بالسلاح سراً سنة 1985 تلك الفضيحة التي أصبحت تعرف بإسم “إيران كونترا” والتي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إتفاقاً سرياً مع إيران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجة إيران الماسة لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق وذلك لقاء إطلاق سراح بعض المواطنين الأمريكيين الذين كانوا مختطفين لدى فصائل مسلحة شيعية في لبنان، وقد عقد جورج بوش الأب عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي آنذاك هذا الاتفاق عند إجتماعه برئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر في باريس، وحضر ذلك اللقاء أيضاً “آري بن ميناشيا” المندوب عن المخابرات الإسرائيلية “الموساد” الذي كان له دور رئيسي في نقل تلك الأسلحة مباشرة من إسرائيل إلى إيران.
لكن مع إنتهاء المرحلة الأولى من الحرب وظهور تطورات جديدة في ميادين القتال لمصلحة العراق، تحول الإخوان عن موقفهم السابق واتخذوا موقفا آخر يتناسب مع المرحلة الجديدة التي دخلتها الحرب فقد نشطوا في دعوة الدول الإسلامية للتوسط بين الطرفين ووقف الحرب بينهما، وفي لقاء أجرته صحيفة كيهان الإيرانية مع إسماعيل الشطي وهو أحد قيادات الإخوان المسلمين في الكويت وهو يرد على إستنكار المراسل الإيراني لعدم وقوفه الصريح إلى جانب إيران في حربها مع العراق فيقول: “كنا في الأساس نعارض الحرب ونعتقد أن استمرار الحرب سيبدد الثورات ويهد دماء الكثير من المسلمين ونرى النظام الحاكم في العراق نظاماً كافراً إلا أننا كنا في الوقت نفسه نعارض إحتلال إيران للعراق وهذا هو موقفنا طوال الحرب بين العراق وإيران”.
ويقول الباحث مهدي خلجي[43] الذي تركز كتاباته على دور السياسة في التوجه الشيعي في إيران والعراق: “هناك مراحل تعاونت فيها جماعة الإخوان المسلمين مع طهران بشكل أكثر صراحة، مشيرًا إلى أنه في عام 1988 وبعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية وبناءً على طلب من أحد قيادات الجماعة الشيخ محمد الغزالي وافقت إيران من جانب واحد على إطلاق سراح الأسرى المصريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش العراقي ضد إيران”.
وقد كان موقف جماعة الإخوان المسلمين من الغزو العراقي للكويت بتاريخ 02/08/1990 متذبذباً ومتناقضاً، وقال الوزير الكويتي وسفير الكويت في واشنطن أثناء الغزو العراقي في الكويت الشيخ سعود الناصر الصباح، في تصريحات له نشرت في جريدة الشرق الأوسط في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2001 تحدث فيها عن مقابلة له حصلت أثناء الغزو العراقي للكويت عندما جاء وفد من الإخوان الكويتيين الى أميركا بغرض إقناعه بعدم جواز الإستعانة بالأميركان من أجل تحرير الكويت وأن البديل لذلك هو قوات إسلامية[44]، وطلبوا منه خمسين مليون دولار من أجل تمويل حملتهم “الهيئة العالمية لمناصرة الكويت”، وذكر أسماء منهم إسماعيل الشطي ثم عندما نشر مذكراته لاحقاً في جريدة القبس الكويتية أضاف أسماء طارق السويدان وعبدالله العتيقي، والثلاثة هم من قيادات الإخوان الكويتيين، ويقول سعود الناصر عن تلك المقابلة: “تلك الحادثة التي لا يمكنني أن أنساها.. وأذكر أنني سألتهما عن البديل المناسب في رأيهما للقوات الاجنبية، فقالا يجب أن نستبدل بها قوات إسلامية، فابتسمت لهذا الهراء”. كما تحدث الناصر كذلك عن دور خطير قام به إتحاد الطلبة الكويتيين في أميركا الذي يسيطر جماعة الإخوان المسلمين أثناء الغزو العراقي، حينما سعى أعضاؤه لعرقلة قيام السفارة الكويتية في واشنطن بتوفير مترجمين مرافقين لقوات تحرير الكويت عن طريق وزارة الدفاع الأميركية، حيث استطاعت السفارة توظيف 600 مترجم من الطلبة الكويتيين في أميركا لموافقة الجيش الأميركي، لكن تربص أعضاء إتحاد الطلبة بالدفعة الأولى من مواطنيهم المترجمين، وحثوهم على “عدم التطوع مع النصارى واليهود” تحت حجة إفهام الطلبة لأمور دينهم. وكشف الشيخ سعود بذلك اللقاء عن وجود صفقة بين الإخوان المسلمين الكويتين والنظام العراقي حينما قابل الوفد الكويتي ممثلاً بطارق السويدان[45] ومعه يوسف ندا من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين مع صدام حسين أثناء الغزو العراقي لإبرام صفقه بتسليم الاخوان زمام الحكم مقابل خضوع الكويت لأوامر صدام!
وكشفت صحيفة “الطليعة” الكويتية عن حدثين شهدهما الغزو العراقي على الكويت عام 1990 من زاوية جماعة الإخوان المسلمين في الكويت[46]، الذي اعتبرت مواقفه سلبية تقاطعت مع الموقفين الرسمي والشعبي الكويتي تجاه الغزو، الأول: إجتماع وفد من جماعة الإخوان المسلمين بالكويت مع أحد مساعدي وزير الخارجية الأميركية عام 1990، حيث عبروا عن رفضهم للتدخل الأميركي في طرد الجيش العراقي المحتل من الكويت، أما الحادثة الأخرى فإنها تمثلت في الوفد الذي شكلته جماعة الإخوان المسلمين بالكويت بمشاركة ناصر الصانع وطارق السويدان لحضور أحد المؤتمرات الإسلامية في لاهور في باكستان أثناء الغزو حيث وقعوا على البيان الختامي للمؤتمر الذي يدين تدخل الولايات المتحدة في طرد الجيش العراقي من الكويت. لكن تحت ضغوط شعبية ورسمية قرر فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت تجميد عضويته سنة 1990 في التنظيم الدولي للجماعة رداً على موقفه المؤيد للغزو العراقي للكويت، لكن تبين أن ذلك القرار كان شكلياً فقط. حيث أنه بعد تجميد العضوية بالتنظيم الدولي أرسل إخوان الكويت ممثلهم عبدالواحد أمان للمشاركة في مؤتمر باكستان الدولي للإخوان المسلمين، ومن المهم ملاحظة أن الفرع الكويتي كان قد جمّد عضويته ولم يلغها نهائياً لأنه عاد إلى تنشيط عضويته في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عام 2004.
وفي مقابلة صحيفة السياسة الكويتية[47] بتاريخ 25/11/2002 مع الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي قال: “عندما حصل غزو العراق للكويت جاءنا علماء كثيرون على رأسهم عبدالرحمن خليفة ومعهم الغنوشي ومعهم الترابي والزنداني ومعهم أربكان وآخرون، أول ما وصلوا اجتمعوا بالملك وبولي العهد وقلنا لهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة؟ هل الكويت تهدد العراق؟ قالوا والله نحن أتينا فقط لنسمع ونأخذ الآراء بعد ذلك وصلوا العراق ونفاجأ بهم يصدرون بيانا يؤيد الغزو العراقي للكويت، هل هذا ما يجب فعله وهل هذا الموقف يرتضي به العقل؟ ما هو مبرر أن دولة تغزو دولة أخرى وتطرد شعبها من أرضه وبلده وتحاول قتل شرعيته؟ بعد أن تولى أربكان الوزارة في تركيا جاءنا مرة ثانية قلت له يا دولة الرئيس المفروض أن تؤيدوا الكويت وتنصحوا صدام بالإنسحاب وكان ذلك قبل وقوع الحرب، وأعتقد أن أشياء كثيرة مثل هذه قد مرت عليكم في الكويت وأنا ما أزال آمل من الله سبحانه وتعالى أن يعود الاخوان المسلمون عن خطئهم لانه لا معنى أن أكون في السلطة وأتعامل بهذا الشكل أي أتعامل بما لا يجوز، خذ التكفير والهجرة من لا يأتي معهم يقولون هذا كافر طلقوه من زوجته، إن من يطلب الوصول الى القيادة السياسية يطلبها طبعا بالطريق المشروع وليس بالقتل والتدمير وإرهاب الناس وذبحهم كالخراف هذا لا يرضي الله ولا رسوله”.
وقد كشفت وثيقة سرية نشرها موقع ويكيليكس[48] عن بيان لجماعة “الإخوان المسلمين” الذي يدعو لإنسحاب القوات الأجنبية من الخليج، وحُررت تلك هذه الوثيقة بتاريخ 28/03/1991 لكن تم نشرها فيما بعد بتاريخ 30/08/2011 وهذا نصها الحرفي:نظرة البيان للأحداث في العراقأولا: تعرب جماعة الإخوان المسلمين عن أسفها لما حدث في الكويت نتيجة للغزو العراقي وما صاحب ذلك من دمار وخراب واذلال للشعب الكويتي، ويؤلمها أيضا الحال الذي وصل إليه الجيش العراقي الشقيق وما آلت إليه المرافق الحيوية بالبلاد وما يتعرض إليه العراقيون على أيدي الأمريكان والقوات الأجنبية، كما يشجب البيان المؤامرة الشرسة للقضاء على ما تبقى من تماسك الشعب العراقي وتقسيم العراق إلى دويلات ضعيفة. في حين ان كل هذه الأمور كان يمكن تجنبها إذا حكمت العراق وفقا لما يقضيه مجلس الشورى الإسلامي. كما أن ديكتاتور العراق لن يكون في استطاعته تدمير شعبه وأرضه قبل وأثناء وبعد الحرب.إن لوجود القوات الأمريكية والأجنبية في العراق والخليج دور خبيث يهدف إلى تدمير منطقتنا العربية. وأكدت جماعة الإخوان المسلمين إنه من أجل الحفاظ على حقوق الإنسان، واستقلال واستقرار وتقدم الدول (العربية)، لابد من رحيل هذه القوات. كذلك ناشد البيان الرجل العربي بالعودة إلى الإسلام والتزام الطريق المستقيم كي تتمكن الأمة من مواجهة خداع ومكر الماكرين. وترى جماعة الإخوان المسلمين أن التخلي عن تعاليم الشريعة الإسلامية وراء ما حدث وما يحدث الآن في الكويت والعراق، (وكذلك) ما سيحدث في المستقبل.إن الخلاص من كل هذه المشكلات والأزمات يكمن في الإنابة إلى الله تعالي والعودة إلى شرعه الحنيف.محمد حامد أبو النصرالمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين10 رمضان 1411 هجرية، الموافق 26 مارس 1991 ميلادي
وعند وفاة الخميني بتاريخ 04/06/1989 أصدر حامد أبو النصر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين نعياً رسمياً نشرته مجلة “الغرباء” عدد ٧ التي كانت تصدر في بريطانيا بإسم الإخوان المسلمين قال فيه: “الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني، القائد الذي فجَّر الثورة الإسلامية ضد الطغاة، ويسألون الله له المغفرة والرحمة ويقدمون خالص العزاء لحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والشعب الإيراني الكريم، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
والجدير بالذكر أن الرئيس حافظ أسد كان قد كتب بتاريخ 07/06/1989 كلمة خاصة في سجل التعازي في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق معزياً بوفاة الإمام آية الله الخميني قال فيها: “في هذا اليوم من أيام الحزن والحداد وبشعور الأسى العميق على الفقيه المغفور له آية الله الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أجدد الإعراب باسم الشعب العربي السوري وبإسمي عن تعازينا القلبية للشعب المسلم في إيران ولأسرة الإمام الجليل وللقيادة الإسلامية في إيران وللمسلمين قاطبة، لقد عاش الإمام الخميني عظيماً وفارق الحياة الدنيا إلى دار الخلود عظيماً بعد أن ضرب المثل الأسمى في الإيمان والزهد ودافع دفاعاً مجيداً عن قيم الإسلام وبعد أن حمل الرسالة فاستجابت الملايين وجاهد في سبيل الإسلام ومبادئه وعزته فكان في جهاده قائد ثورة باقية الأثر والتأثير في أرجاء العالم، إن ثقتنا أكيدة أن الثورة الإسلامية في إيران مستمرة وأنها ستتابع النجاح في حمل الرسالة”.
وقد إعتبر يوسف القرضاوي – وهو أحد رموز جماعة الإخوان – أن إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية من ثمرات الصحوة الإسلامية، حيث يقول في كتابه (أمتنا بين قرنين): “لقد أقام الخميني دولة للإسلام في إيران، وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية في العالم، وانبعاث الأمل فيها بالنصر”، وقال أيضاً: “وفي إيران إنطلقت حركة الإمام الخميني… وقامت الجمهورية الإسلامية التي كانت قذى في عين إسرائيل وأمريكا”.
وبتاريخ 19/03/2009 قال محمد مهدى عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان في حوار له مع جريدة المصرى اليوم: “إيران دولة شيعية، والشيعة ليست مذهبا دينيا، بل سياسي، ومن ثم نتعامل معها على أنَها دولة سياسية لا مذهبية”. وقال محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد بالجماعة في مقال له بعنوان (مرة أخرى نحن والشيعة): “أما موقفنا من إيران وما يصدر عنها فينبغى أن نُفرِق فيه بين أمرين: المواقف السياسية، والمذهب الشيعى.. فالمواقف السياسية ينبغى أن نقيسها على قيم الحرية والحق والعدل.. أما موقفنا من المذهب الشيعى فنحن نميل إلى عدم التعرض له بالقدح أو المدح”.
وأذاعت وكالة “مهر” للأنباء الإيرانية[49] خبر عن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تعتبر الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين أثناء زيارته إلى إيران في شهر شباط/فبراير 2009 فقالت: “أكد في هذا اللقاء الذي تم اليوم الاربعاء بعد وضعه إكليلاً من الزهور على المرقد الطاهر للإمام الخميني قدس سره الشريف على الدور الذي أداه مؤسس الجمهوريه الإسلامية الإيرانية في يقظه وصحوه الشعوب الاسلاميه” ونقلت عنه تصريحات يقول فيها: “إن حماس الإبن الروحي للخميني” وأنه قال: “هذا عرفاناً منا بالدور الذي أداه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في يقظة وصحوة الشعوب الإسلامية” وقال: “نشكر إيران على دعمها لحركة حماس وإن سكان غزه دائماً يقدرون الدعم السياسي والروحي الذي يقدمه لهم قادة إيران وشعبها”.
وقد كان علماء دين ومفكرون من حركة حماس (الإخوانية) يحاولون دائماً باستمرار التقريب بين المذاهب السُنِّية والشيعية، وفي عام 2010 نشر أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء في حكومة حماس (الإخوانية) دراسة[50] خاصة يهدف من خلاله التوفيق بين رؤى حسن البنَّا والخميني. وقال في مؤتمر صحفي[51] “ما العيب أن تكون شيعياً؟! فالشيعة هم عز هذا الزمان و فلسطين تسكن كل بيت في إيران.. وإذا تعاطينا بصدق وتجرد وإخلاص مع مواقف إخواننا الشيعة في لبنان، لاستوجب الأمر منا إظهار كل معاني الحب والتقدير لهم فبفضل مروءتهم ودفاعهم عن المخيمات لم يجرؤ أحدٌ على التعرض لهم بشكل عام في لبنان، ويشهد على ذلك إخواننا في مخيم برج البراجنة، وإذا نظرنا إلى التغطيات الإعلامية لتلفزيون المنار خلنا أنه لفلسطين.. لقد وقف الشيعة في لبنان خلف القضية وحملوها، وعلى رأسهم سماحة الأمين العام حسن نصر الله، الرجل الذي يمثل بمواقفه وزن أمة، والذي جعل من القدس والمسجد الأقصى عنوانًا للتضحية والفداء.. لن ينسى شعبنا ذلك الاستقبال الحافل لمبعدي مرج الزهور، والاحتضان المعبر لقضيتهم ومعاناتهم منذ اليوم الأول للمحنة.. لن أنسى ما حييت تلك الكلمات التي همس بها أحد كوادر حزب الله الذي رافقني وأنا في طريقي للقاء سماحة الأمين العام حسن نصر الله، حيث قال: نحن تربيتا على حب فلسطين، ندافع عن لبنان، ولكنَّ عيوننا ترنو إلى المسجد الأقصى، أما قلوبنا فمسكونة بالقدس وأكنافها، وهذه التضحيات هي فداءٌ لها.. هذه الكلمات وروحها سمعتها أيضا من سماحة العلامة محمد حسين فضل الله عندما التقيت به في مكتبه بالضاحية الجنوبية عام 2001.. إن فلسطين والمسجد الأقصى هما عنوانٌ لكل ما تقدمه إيران وحزب الله لشعبنا وقضيته”.
وقد تم رصد تواجد إيراني وشيعي ضخم ومبالغ فيه كثيراً في ملتقى القدس الدولي[52] الذي عقد في مدينة إسطنبول بتاريخ 15/11/2007 والذي نظمته مؤسسة القدس الدولية التي يرأس مجلس أمنائها يوسف القرضاوي، وقد شارك بذلك المؤتمر أربعة من كبار المسؤولين الإيرانيين منهم علي أكبر محتشمي مستشار الرئيس الايراني ونائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية، محمد علي سبحاني رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية الإيرانية، محمد علي التسخيري مستشار مرشد الثورة الإسلامية في إيران، مير حسين موسوي رئيس حكومة سابق في إيران. ويقول أحد المشاركين الفلسطينيين في ذلك المؤتمر بأنه: “في لقاء له بالقاهرة مع أحد صحفيي جماعة الإخوان المسلمين من الذين حضروا هذا المؤتمر أكد له استياءه من الممارسات الإيرانية المستفزة في المؤتمر والتي شعر معها أن هناك نية لدى الشيعة لسرقة جهود أهل السنة في قضية فلسطين ببعض الملصقات والبوسترات والأوراق الملونة، ولكن في مواقف النصرة والمساعدة الحقيقية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني لن تجد إيران والشيعة”.
وقد تكرر الحضور المكثف الشيعي الإيراني في (المؤتمر الوطني الفلسطيني)[53] الذي دعت له حماس في دمشق بتاريخ 26/01/2008 وبعيداً عن تسييس المؤتمر وخضوعه لأجندة النظام البعثي/الأسدي في سورية عبر إلغاء المؤتمر ثم عقده فيما بعد بسبب المناكفة السياسية آنذاك مع المملكة العربية السعودية حول الملف اللبناني، فقد شهد ذلك المؤتمر إعطاء إيران والشيعة حجماً كبيراً بفضل جهود حركة حماس (الإخوانية) التي كانت تُضخم وتُلمع حجم الدور الإيراني في دعم القضية الفلسطينية.
ويقول الباحث مهدي خلجي[54]: “زاد الهاجس المصري بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فخلال هذا العدوان زاد الدعم الإيراني للحركة، بجانب تزايد الانتقاد الإيراني “للتخاذل المصري”، وهو ما دفع رئيس المكتب السياسي للحركة “خالد مشعل” إلى أن يثني على إيران لدعمها الحركة في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، قائلا: إن للحكومة الإيرانية والشعب الإيراني كبير الدور في نصر الحركة في قطاع غزة.
وبتاريخ 31/05/2012 حصلت جريدة الراي الكويتية[55] على تسريبات من إجتماع سري لوزير داخلية حركة حماس فتحي حماد عقده في غزه قال فيه: “عندما يسيطر الإخوان على مصر رح تتغير معالم الدنيا كلها… إحنا رح نحكم العالم العربي لأن الأجانب بدهم إلنا.. الأهم هنا أن الذي رفع حماس والإخوان هي مقاومتنا، وهي تبقى الأساس، وكلمتنا هي الأصل، المصريون (هُبلان) مش عارفين يديروا حالهم… بيشتغلوا بناء على رؤيتنا إحنا… وراح يرتبطوا بإيران، ويسمحوا بكل الممنوع في أيام حسني مبارك، لأن اليوم زمنَّا إحنا وزمن الإخوان، ومن سيقف في طريقنا راح ندوسه بلا رجعة، ومصر بوابة المقاومة إلنا… لهيك كل شيء مباح إلنا”.
ومازالت تتواصل الجهود الإيرانية العلنية لنشر مذهب التشيع في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس (الإخوانية)، ومن ذلك توزيع العديد من الكتب الدعائية للفكر الشيعي مثل كتاب (لأكون مع الصادقين) للتيجاني وكتاب (ليالي بيشاور) وكتاب (ولاية الفقيه) وكتاب (مختارات من أقوال الخميني) كما تم توزيع نشرة بعنوان (عاشوراء مدرسة البطولة والفداء) في يوم عاشوراء.
وبتاريخ 22/01/2015 أرسلت قيادات من حركة حماس الإخوانية برقيات تعزية بقتلى مرتزقة حزب الله وإيران في سورية وكان من المُعزين محمد الضيف قائد كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) وإسماعيل هنية رئيس وزراء السلطة الفلسطينية السابق في غزة.
وحين تم في العاصمة السورية دمشق إغتيال المجرم الإرهابي عماد مغنية المسؤول الأمني في حزب الله، تسابق قادة حماس على رثائه وتأبينه وأقاموا له حفل تكريم في غزة، رغم أنه كان العقل المدبر للعديد من الجرائم الإرهابية في السعودية والكويت ولبنان والعراق (كان زعيم عصابة خطف الطائرة الكويتية سنة 1988) وهو كان منسق دعم ورعاية إيران لجيش المهدى التابع لمقتدى الصدر الجزار الطائفي الذي شارك في قتل المسلمين من أهل السنة في العراق إضافة إلى الفلسطينيين هناك! وقد نشر المكتب الإعلامي لحركة حماس بيان نعي رسمي له بتاريخ 13/02/2008 قال فيه[56]: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا)، ببالغ الحزب والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خبر استشهاد القائد الكبير في حزب الله/ عماد مغنية في جريمة استهدفته مساء أمس، بعد تعقّب وملاحقة طويلة من قبل الأجهزة الاستخبارية المعادية وفي مقدمتها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد). إننا في حركة حماس ندين جريمة اغتيال الشهيد مغنية، ونرى فيها حلقة جديدة في مسلسل الجرائم الدموية التي ينفّذها الاحتلال الصهيوني بحق شرفاء هذه الأمة ومقاوميها ومجاهديها، وإننا على يقين بأن اغتيال الشهيد مغنية لن يزيد المقاومة الإسلامية في لبنان إلا ثباتاً على طريق المقاومة وصموداً في مواجهة العدوان الصهيوني. رحم الله الشهيد رحمة واسعة، سائلين المولى عزّ وجلّ له الفردوس الأعلى، ولأهله وإخوانه في حزب الله الصبر والسّلوان، وعوّضه خيراً. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وبتاريخ 20/12/2015 أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اغتيال سمير القنطار القيادي في حزب الله، وقال سامي أبو زهري الناطق باسم “حماس” في تصريح صحفي[57]: “تدين حركة حماس الجريمة الإسرائيلية باغتيال المناضل سمير القنطار، وتدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه هذه العربدة الإسرائيلية”. وللمعلومية، المجرم الإرهابي سمير القنطار كان قد قُتل بعد دخوله إلى سورية مع عصابات المرتزقة لمساندة النظام البعثي/الأسدي الدكتاتوري في قمع وقتل الشعب السوري!
وقد كان لزعماء جماعة الإخوان المسلمين مواقف مشهورة بدعم حزب الله اللبناني “الشيعي” في مقاومته المزعومة ضد إسرائيل، وكانت تصريحاتهم قوية جداً بتأييد زعيم الحزب حسن نصرالله ورفضوا أي نقاش حول حقيقة هذا الحزب الإرهابي الطائفي الموالي لإيران، وشن جماعة الإخوان حملة إعلامية شرسة في شهر تموز/يوليو 2006 على الشيخ عبدالله بن جبرين بسبب فتوى قديمة[58] أصدرها بتاريخ 20/04/2002 الموافق 07/02/1423هـ ضد حزب الله قال فيها: “لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ولا يجوز الإنضواء تحت إمرتهم ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين. ونصيحتنا لأهل السنة أن يتبرأوا منهم وأن يخذلوا من ينضموا إليهم وأن يبينوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنة، فإنّ الرافضة دائما يضمرون العداء لأهل السنة ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنة والطعن فيهم والمكر بهم وإذا كان كذلك فإنّ كل من والاهم دخل في حكمهم لقول الله تعالى ومن يتولهم منكم فإنّه منهم”. وقال الداعية السعودي ناصر العمر إن حزب الله لا يقاتل بإسم المسلمين السنة في فلسطين أو في أي مكان آخر، لكنه أداة في أيدي الحرس الثوري الإيراني.
وإنتشرت فجأة ردود فعل هستيرية مسعورة من جماعة الإخوان على فتوى إبن جبرين، فقد جاء في المقال المنشور بتاريخ 28/07/2006 على موقع الإخوان المسلمين الرسمي على شبكة الإنترنت بقلم محمد أبو داوود من القاهرة يقول فيه: “رفضت جماعة الإخوان المسلمين بمصر فتاوى أصدرها رجال دين سعوديون تحرم مساندة حزب الله اللبناني في حربه مع إسرائيل، وأشار بيان للجماعة المحظورة قانوناً صدر – الأربعاء – بشكل مبهم إلى الفتاوى السعودية قائلا إنّ هناك من يحاول ” إحياء فتنة قديمة وخلافات سبق أن أنهكت عقل الأمة وجسدها وأجمع العقلاء على تجاوزها”. وأضاف البيان: الإخوان المسلمون يحددون رؤيتهم من هذه المواقف المخزية بالقول: إن المقاومة ضد الاحتلال فريضة واجبه، فرضها الإسلام وحق مشروع، مشيراً إلى أن بعض الحكومات تحاول أن تبرر موقفها المتخاذل والمتخلي عن نصرة المقاومة، بل والداعم للعدوان الصهيوني والأمريكي بأن تثير قضايا فرعية بإثارة خلافات بين السنة والشيعة لتبرير التخاذل لدولهم”.
وبتاريخ 25/07/2006 قال محمد مهدى عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان في مقابلة له مع جريدة السفير اللبنانية: بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله “إنسان مبارك وفاضل وثابت على الحق”ـ وأنه يعبر عن نبض الشعب العربي والإسلامي، ونحن معه قلباً وقالباً”. ثم قال في مقابلة له بتاريخ 02/08/2006 مع قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني: “إن من يدَّعون أن هناك شيعة وسنة فهذا جهل مطبق، فالشيعة والسنة أمة واحدة تعبد رباً واحداً وتتبع نبياً واحد وتتبع قرآن واحد”.
وقد أشاد محمد مهدى عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان بزعيم حزب الله حسن نصر الله لوقوفه مع المقاومة ودعمه لها ومساعدته للفلسطينيين، وقال في خاص بيان أن: “بعض الحكومات تحاول إخفاء عجزها عن دعم المقاومة والتغطية على وقوفها إلى جانب العدوان الإسرائيلي والتعنت الأميركي، من خلال إثارة مثل هذه الخلافات بين الشيعة والسنة، ومن خلال القول إن المقاومة اللبنانية تعمل لصالح إيران”. وقال في تصريحات صحفية رداً على فتوى إبن جبرين: “إن أبسط هذه الدعاوى هو أن نسأل من أفتوا بهذه الفتاوى الباطلة: ماذا فعلتم أنتم؟! وأين دوركم تجاه المذابح ونصرة الضعفاء والمسلمين في لبنان وفلسطين؟!، مشيراً إلى أن المقصود بهذا البيان هو مواجهة كل المتخاذلين، ومن يقفون بجانب إسرائيل ويتعاونون معها، سواء بالفتوى أو الدعم الصامت والمباشر”. وقال محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك: “هذه الفتوى في الواقع ليس هذا أوانها وليس هذا وقتها وظرفها. وتصور هذه الفتوى أن هناك خطراً شيعياً يتهدد المنطقة وتدخل الفرقاء على مستوى العالم العربي والإسلامي في اختلاف في وجهات النظر في الوقت الذي يعتبر هذا “القتال” يتطلب موقفاً سياسياً. أما ما يتكلمون فيه فهو موقف فكري يمكن أن نناقشه بعد أن تهدأ الحرب”، وأضاف حبيب “هذه المقاومة لا تزعم أنها تدافع عن الشيعة بقدر ما هي مقاومة وطنية وأنها تدافع عن لبنان – ولبنان فقط – وتعتبر حائط الصد وخط الدفاع الأول في مواجهة المشروع الصهيو- أمريكي الذي يستهدف نشر الفوضى في المنطقة وإعادة رسم خريطتها لحساب العدو الصهيوني”.
وبتاريخ 31/07/2006 تواصلت ردود الفعل[59] على فتوى الشيخ إبن جبرين، ودعت فتوى شرعية صدرت عن إبراهيم زيد الكيلاني رئيس لجنة علماء الشريعة الإسلامية في حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، المسلمين إلى نصرة حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين بالسلاح والمال والنفس. واستنكرت الفتوى ما صدر عن بعض علماء السعودية من فتاوى ترفض الدعوة بالنصر لحزب الله، وجاء فيها: “من المؤسف أن تصدر من بعض المنسوبين على العلم الشرعي فتاوى تخدم أهداف العدو الأميركي واليهودي في تشتيت الأمة وتمزيقها، كهذه الفتوى التي صدرت من بعض شيوخ السعودية يكفر فيها حزب الله ويدعو الأمة لخذلانه في الوقت الذي وقف فيها منتصرا للمجاهدين في فلسطين”. ودعا الداعية الإسلامي عمرو خالد إلى تكاتف إسلامي مع أصحاب الضمائر السليمة في العالم لمواجهة هذا العدوان الإسرائيلي في سفك دماء الأبرياء في لبنان وفلسطين. وحث خالد في بيان له حكام العرب والمسلمين على رد العدوان عن المستضعفين والمدنيين العزل. وفي نفس السياق قال الشيخ عائض القرني إنه يجب على الجميع الوقوف مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية لمواجهة ما سماه الطغيان اليهودي، وأضاف القرني من العار على الأمة أن ترى أن التحرك لإطلاق عشرة آلاف أسير أنه عمل غير مدروس واستفزازي. وطالب الداعية السعودي الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة “الإسلام اليوم” بتوحيد الصف الإسلامي والعربي في مواجهة إسرائيل التي وصفها بالعدو المشترك الذي يدمر كل مقومات الحياة. وأكد العودة في بيان خاص ردا على فتاوى بعض علماء السعودية أن الأزمة التي تعيشها الأمة العربية والمسلمة تحتم على الجميع تأجيل خلافاتهم الداخلية لوقت آخر، “فعدونا الأكبر هم اليهود والصهاينة المجرمون، الذين لم يفرقوا في عدوانهم بين الأطفال والمحاربين. واعتبر أن الأحداث التي تشهدها المنطقة حاليا هي عبارة عن انفجار لأزمات قديمة، وأن قصف لبنان يشيع الذل والمهانة في ظل سيطرة الدول الكبرى على مصالح العالم الإسلامي. ودعا الشيخ يوسف القرضاوي إلى نصرة المقاومة في فلسطين ولبنان، مستنكرا – في حلقة من برنامج الشريعة والحياة عبر قناة الجزيرة – الدعاوى التي تثير النعرات الطائفية في مثل هذه الظروف. كما قال مفتي مصر علي جمعة: إن مقاومة حزب الله للعدوان الإسرائيلي هو دفاع عن لبنان وليس إرهابا، مشيرا إلى أن ما يحدث في لبنان من “اعتداءات وقتل وتدمير من قبل القوات الإسرائيلية هو الظلم بنفسه”.
لكن بتاريخ 29/07/2006 نشر الموقع الرسمي[60] للشيخ إبن جبرين رد على الفتوى الخاصة بنصرة حزب الله اللبناني المنسوبة إليه وفيها توضيحات هامة:هذه الفتوى قديمة صدرت منا في تاريخ 7 / 2 / 1423 هـ، والواجب على الذين نشروها أن يبينوا ما تتعلق به وأن يتثبتوا فيها قبل نشرها وأن يردوها إلى من صدرت منه حتى يبين حكمها ويبين مناسبتها، وهي لا تتعلق بما يسمى حزب الله فقط، فنحن نقول: إن حزب الله هم المفلحون، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: (أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون)، وأما الرافضة في كل مكان فهم ليسوا من حزب الله، وذلك لأنهم يكفرون أهل السنة، ويكفرون الصحابة الذين نقلوا لنا الإسلام ونقلوا لنا القرآن، وكذلك يطعنون في القرآن ويدعون أنه محرف وأنه منقوص منه أكثر من ثلثيه، وذلك لما لم يجدوا فيه شيئاً يتعلق بأهل البيت، كذلك هم يشركون بدعاء أئمتهم الذين هم الأئمة الاثني عشر، هذا هو مضمون تلك الفتوى؛ فإذا وجد حزب لله تعالى ينصرون الله وينصرون الإسلام في لبنان أو غيرها من البلاد الإسلامية، فإننا نحبهم ونشجعهم وندعو لهم بالثبات، وحيث أن الموضوع الآن موضوع فتنة وحرب بين اليهود وبين من يسمون حزب الله، واكتوى بنارها المستضعفون ممن لا حول لهم ولا قوة، فنقول لا شك أن هذه الفتنة التي قام بها اليهود وحاربوا المسلمين في فلسطين وحاربوا أهل لبنان أنها فتنة شيطانية وأن الذين قاموا بها وهم اليهود يريدون بذلك القضاء على الإسلام والمسلمين حتى يستولوا على بلادهم وثرواتهم، وهذا ما يتمنونه ولكن نقول: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) وندعو الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم وأن يبدلهم بعد الخوف أمناً وبعد الذل عزاً وبعد الفقر غنى، وأن يجمع كلمتهم على الحق وأن يرد كيد اليهود والنصارى والرافضة وسائر المخالفين الذين يهاجمون المسلمين في لبنان وفي فلسطين وفي العراق وفي الأفغان وفي سائر البلاد الإسلامية، وأن يقمعهم ويبطل كيد أعداء الله الطامعين في بلاد المسلمين، وندعو الله سبحانه وتعالى للمسلمين أن يردهم الله إلى دينهم الحق، وأن يرزقهم التمسك به وان يثبتهم على ذلك، حتى يعرفوا الحق وحتى ينصرهم تعالى (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز) والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقد استمر تأييد جماعة الإخوان المسلمين لنظام الخميني في إيران الذي يحتل منذ عام 1971 الجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى و طنب الصغرى و أبو موسى) ويقولون عنها أنه مُباعة من حاكم رأس الخيمة لشاه إيران ويعيدون نشر صورة من خبر قديم منشور في جريدة الرأي العام الكويتية ويروجون لتصريحات الكاتب محمد حسنين هيكل الذي قال في حوار مع تلفزيون “سي بي سي” المصري[61] إنه كان حاضرا إبان عهد نظام الرئيس المصري جمال عبدالناصر في المفاوضات بشأن الجزر العربية المتنازع عليها مع إيران بينما كانت فيه دول الخليج العربي تتأهب لنيل استقلالها، وأنه يشهد على أن: “العرب فرطوا حينها في الجزر [الإماراتية] لإيران” وأكد بأن الجزر الإماراتية المحتلة هي تابعة لإيران و”أن خلاف الإمارات العربية المتحدة بشأن سيادة إيران على الجزر غير قائم على أساس والدافع وراءه سياسي”، وأن العاهل السعودي الراحل الملك فيصل كان يقود هذه المفاوضات وأن الدول العربية وافقت بأن تكون البحرين دولة عربية رغم أن أغلبية 70 في المائة من سكانها شيعية، مقابل مبادلتها بالجزر الإماراتية الثلاثة، وأضاف “إنهم أضفوا (الحكام العرب) الشرعية على حكم الأقلية السنية لأغلبية شيعية في البحرين للإعتراف بها كدولة عربية وأنه بدلا من الإصرار على فكرة أن جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى تنتمي للإمارات يجب أن نقبل بتوازن القوى في المنطقة”!!
وتؤيد جماعة الإخوان المسلمين نظام الخميني في إيران الذي يتدخل مباشرة في شؤون مملكة البحرين الداخلية، حيث قال علي لاريجانى رئيس مجلس الشورى الإيراني[62] في معرض إجابته عن مطالبة أحد النواب باتخاذ اجراء دبلوماسي جاد في ما يتعلق بخطة السعودية والبحرين لإقامة إتحاد سياسي أن: “البحرين ليست لقمة سائغة بامكان السعودية ابتلاعها بسهولة والاستفادة منه.. هذه التصرفات البدائية في الظروف الراهنة في المنطقة لها تأثيرات سيئة على هذه الدول التي تتعامل مع هذه القضايا”. وكان النائب حسين علي شهرياري ممثل أهالي مدينة زاهدان قال مخاطباً رئيس مجلس الشورى الإيراني: “كما تعرفون فان البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في ايران حتى عام 1971، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ الصيت لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فان البحرين انفصلت عن ايران”.. إذا كان من المفترض حدوث أمر ما في البحرين، فإن البحرين من حق الجمهورية الإسلامية إيران وليس السعودية.. يجب التصدّي للدسائس التي ينفذها آل خليفة وآل ثاني.. نتوقع من مسؤولي السياسة الخارجية متابعة هذا الموضوع بشكل جاد”.
وتؤيد جماعة الإخوان المسلمين نظام الخميني في إيران الذي يدعم جماعات شيعية إنفصالية إرهابية معارضة ويواصل تحريضهم على العنف في الدول العربية والخليجية وخاصة في العراق وسورية ولبنان واليمن. ولعل أخطر تلك الحوادث الإرهابية التي حصلت بإيعاز وتخطيط من نظام الخميني في إيران هي التفجيرات التي حدثت في مكة المكرمة أثناء موسم حج سنة 1409هـ /1989م وتبين من التحقيقات تورط متهمين كويتيين من الطائفة الشيعية الذين تلقوا تعليمات من قبل أحد المرجعيات الدينية الشيعية لتدبير التفجيرات وقاموا بالتنسيق مع دبلوماسيين إيرانيين باستلام المتفجرات من السفارة الإيرانية بالكويت ونقلوها إلى السعودية حيث قاموا بزرعها وتفجيرها في الطرقات المؤدية للحرم المكي، وقد تأكد دعم إيران المباشر لهذه العمليات الإرهابية عندما استنكر المرشد الأعلى علي خامنئي إعدام المتهمين بتلك التفجيرات! وقام 150 عضو من مجلس الشورى الإيراني بإصدار بيان يستنكرون فيه إعدام المتهمين وطالبوا بتسخير إمكانيات وزارة الخارجية الإيرانية لفضح هذه الجريمة على حد تعبيرهم، وندد مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الإيراني بتصريح له إعدام المتهمين الأبرياء على حد تعبيره، وقام محمد علي الأراكي الذي كان أقرب المقربين للخميني بإصدار بيان شديد اللهجة داعياً فيه لإسقاط نظام آل سعود، واستنكر أحمد الخميني نجل المرشد الخميني قتل المتهمين معتبرا ذلك جزءً من سلسلة خيانات واعتداء آل سعود على المسلمين! واستنكر حزب الله اللبناني إعدام المتهمين متهما نظام آل سعود بالعمالة لأمريكا، وتوعدت جماعة تسمى “حزب الله في الكويت” في ذكرى أربعينية إعدام المتهمين بالإنتقام لهم. ثم تبنت جماعة “الجهاد الإسلامي” اللبنانية محاولة إغتيال دبلوماسي سعودي في أنقرة عبر تفجير سيارته مما أدى إلى بتر ساقيه، وكانت الجماعة قد وصفت ذلك بأنه انتقام للمجزرة السعودية بحق المتهمين بتفجيرات الحرم المكي.
وأيدت جماعة الإخوان المسلمين نظام الخميني في إيران الذي يدعم عصابات إجرامية تورطت بعمليات إرهابية في الكويت منها تفجيرات استهدفت البنية التحتية وسفارات فرنسا وأميركا بتاريخ 12/12/1983 والمحاولة الفاشلة من “حزب الله الكويتي” لإغتيال أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح بتاريخ 25/05/1985 وإختطاف الطائرة الكويتية بتاريخ 04/04/1988 وأسفرت تلك الجرائم الإرهابية عن سقوط عدة قتلى وإصابة عدد من المواطنين الأبرياء.
وأيدت جماعة الإخوان المسلمين مشروع إيران النووي السري الذي يشكل خطراً حقيقاً على الأمن القومي العربي ويعتبر تهديداً مصيرياً لدول الخليج خصوصاً، ورغم ذلك فقد نشرت وسائل إعلامية إخوانية بيانات دعم ومساندة للمشروع تقول فيها: “إن المشروع النووي الإيراني لا يهدد العرب ولا المسلمين، وإن إيران دولة مسلمة ساندت وتساند القضية الفلسطينية منذ إنتصار الثورة الإسلامية في نهاية السبعينات وهي مستمرة في ذلك تدعم حزب الله في لبنان الذي ما زال يجاهد من أجل طرد الإحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، بجانب دعمها للحق السوري في استعادة الجولان وتناصر القضايا العربية والإسلامية رغم الضغوطات التي تعرضت وتتعرض لها حتى الآن”.
ورغم تجاهل الخميني لجماعة الإخوان المسلمين وعدم رده على عرضهم له بمبايعته “خليفة للمسلمين” إلا أنهم كانوا مستمرين بتأييد الخميني وثورته الدموية في إيران، وتحولت مجلة الدعوة الإخوانية إلى منبر إعلامي من منابر الدفاع عن الثورة الإيرانية وقياداتها، وتغاضت جماعة الإخوان عن الإعتقالات التعسفية وأحكام الإعدام الجائرة التي صدرت بحق العشرات من أهل السُّنَة في الأهواز وكردستان إيران، ولم يتألم الإخوان من أجل إخوانهم السُّنَة في إيران ولم يرمش لهم جفن للقمع الدموي الذي حدث لهم، بل إن كافة جرائد ومجلات الإخوان ونشراتهم الإعلامية ودعاتهم ومشائخهم سكتوا عن هذا الأمر وقاموا بتناسيه كلياً وكأن الأمر لا يعنيهم أبداً، وعن ذلك قال الزعيم الإخواني يوسف ندا في برنامج (شاهد على العصر) على قناة الجزيرة بتاريخ 10/01/2005 “إن هذا الأمر المتعلق بالإعتقالات والإعدام مؤلم إلا أنه طبيعي، إذ لكل ثورة أخطاء”!!
وبالرغم من العلاقة الاستراتيجية الطويلة بين الإخوان وإيران إلا أن ذلك لم يبرر أبداً الصمت المريب لنظام الخميني على المجازر الدموية التي ارتكبها حافظ أسد ضد الإخوان المسلمين في سورية في بداية الثمانيات رغم أن وفداً من الإخوان السوريون ذهبوا إلى إيران لطلب المساعدة ضد نظام البعث في سورية الذي يعتبرونه بأنه “علماني كافر” إلا أنهم فوجئوا بالموقف الإيراني المؤيد للنظام السوري وأصابتهم الصدمة من الجواب السلبي ضدهم وخاصة من آية الله صادق خلخالي الذي كان أول مدع عام في إيران بعد إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وعنه يقول الزعيم الإخواني يوسف ندا في برنامج (شاهد على العصر – الحلقة الثانية) بتاريخ 10/01/2005 على قناة الجزيرة[63] “مفتي، قاضي الدماء.. أنا ممكن أسميه هذه التسمية، اللي كان بيقتل بدون وعي.. هذا راح سوريا حتى يتملق إلى سوريا، فاعتبر الإخوان كفرة وعملاء الشيطان، وطبعاً كلمة العمالة دهيَّة الإخوان كان بين الخليج والسعودية والعراق، وكلهم يعتبروهم عملاء إيران، وإيران عندهم بعض الناس يعتبروهم عملاء السعودية ويعتبروهم عملاء الخليج وعملاء..، يعني إحنا كنا بين المطرقة والسندان”.
وهو الأمر الذي تسبب في ردة فعل عنيفة من قبل جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) حيث أصدر “مجلس قيادة الثورة الإسلامية في سورية” آنذاك بياناً مفصلاً هاجم فيه بعنف نظام الخميني الإيراني، وإن كان هذا البيان ليس رسمياً وإنما في كتابات لأحد قيادات الإخوان في سورية هو الشيخ سعيد حوى، وفي المقابل صعَّدت إيران من لهجتها نحو الإخوان المسلمين وصدر تقرير من مكتب حرس الثورة الإسلامية قسم حركات التحرر العالمية في عام 1982 تحت عنوان “الثورة الإسلامية وخط الزعامة في حركة الإخوان المسلمين” جاء فيه بأن: “حركة الإخوان المسلمين كانت إسلامية شعبية مستقلة وذلك عند تأسيسها على يد الإمام حسن البنَّا – الذي وصفه التقرير بأنه شخصية إسلامية يندر وجودها حتى في إيران – ثم أصابها الضعف والانحراف، لأنها لم تستطع أن تحتفظ بالأمانة وتسلمها إلى الجيل الأول، وأدت النظرة الضيقة عند تشكيلات الحركة والعواصف الإجتماعية التي عصفت بها إلى أن تفقد الحركة نقاوتها وقداستها التي كانت عليها إذا ما قورنت بزمن الإمام حسن البنَّا والشهيد سيد قطب”!
ثم قام سعيد حوى – القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) وأحد كبار مُنظريها – بتأليف كتيب صغير سنة 1987 بعنوان (الخمينية.. شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف) يقول فيه: “خلطت الخمينية في منهجها الحركي الفاسد المدمر كل توجهات الحركات السرية الباطنية ومناهجها القائمة على التلقين السري والإعتصام بالتقية والاستمداد من المجوسية لتتحول في الغاية والنهاية، كأخواتها في التاريخ إلى مدرسة ممتاة للغدر والمخاتلة، وإلى منهجية شريرة ذات شعب ثلاثة: إفساد للعقيدة، وطمس لمعالم الإسلام وتشويه لمقاصده النبيلة، ورغبة في السيطرة والهيمنة قد غلفت بشعارات خادعة”.
وقد تغاضى نظام الخميني أيضاً عن المذابح الفظيعة التي ارتكبها النظام البعثي/الأسدي ضد الفلسطينيين في لبنان بالتعاون مع الحركات الشيعية المدعومة من إيران وخاصة حزب الله وحركة أمل، وأيضاً التحالف الإيراني الطائفي بقيادة خامنئي هذه الأيام مع النظام البعثي/الأسدي القمعي الإجرامي في سورية الذي استمر بينهما حتى الآن رغم كل المجازر الوحشية، وهذا يؤكد أن إيران تنظر لعلاقتها “العاطفية” بجماعة الإخوان على أنها وسيلة مرحلية مؤقتة لتحقيق مصالحها العقائدية والسياسية الخاصة بها وليست علاقة تحالف دائم تقوم على أسس الوحدة الإسلامية واحترام المصالح المشتركة كما تتصورها القيادات الساذجة لجماعة الإخوان المسملين التي تصفها بعض الأجهزة الإعلامية الإيرانية بأنها جماعة وهابية، تكفيرية، إرهابية، ناصبية، ومعادية لشيعة آل البيت!
وبتاريخ 27/08/2007 صدر بيان رسمي[64] عن مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) جاء فيه:إنّ جماعتنا تنظرُ بقلقٍ بالغٍ، إلى مسيرة العلاقة مع دولة إيران، وتؤكّد – في هذا السياق -أنّ شعب إيران مكوِّن من مكوّنات الأمة الإسلامية، وهو شريك في التاريخ والجغرافية والجوار، لكنّ سياسات الاستحواذ، ومحاولات التمدّد، وطروحات الكراهية التي تتردد على مسامع شعوبنا ليل نهار.. لممّا يثير قلق العقلاء وتخوّفهم، ويدعو إلى مراجعةٍ ذاتيةٍ، تضع حدّاً لما آلت إليه العلاقة بين الشعوب.إنّ على العقلاء في إيران، أن يحسنوا الاختيار بين مكاسب محدودةٍ يجنيها بعض المتعصّبين هنا وهناك، في إطار حركة تبشيرٍ مذهبيٍ، لدقّ الأسافين في بُنى المجتمعات المسلمة، وبين كينونةٍ مريحةٍ، تحت عباءة أمة الإسلام التي لا تحمل للشعب الإيراني إلاّ الأخوّة والودّ.إنّ مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سورية، يجدّد التعبير عن أسفه وقلقه، من مشروعٍ إيرانيٍ على أرض الشام، ينطلق بأبعادٍ مذهبيةٍ وثقافيةٍ واجتماعيةٍ واقتصادية.. ويتناقض في كثيرٍ من مفرداته مع شرائع الإسلام الأساسية. كما تستنكر جماعتنا مايلقاه هذا المشروع من دعم النظام السوري وقواه الأمنية.
وقد نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتاريخ 12/02/2008 مقال بعنوان “جماعة الإخوان المسلمين في مصر وإيران” للباحث مهدي خلجي[65] الذي تركز كتاباته على دور السياسة في التوجه الشيعي في إيران والعراق، يقول فيها: “على الرغم من إستحالة التقارب بين المذهبين السني والشيعي على طول الخط كما تشير الخبرة التاريخية، إلا أنه من الممكن أن تكون هناك علاقات بين طهران الشيعية والإخوان المسلمين السُّنية.. لأن المذهب الشيعي يلقى قبولاً من التيار السني المصري على عكس كثير من الدول العربية، فضلاً عن استحسان الراديكاليين المصريين.. إن من شأن تلك العلاقة بين إيران الشيعية والإخوان المسلمين السنية زيادة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وأن يكون لطهران كلمة في الدول العربية، ومن ثم التأثير بالسلب على المصالح والدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط”.
وبتاريخ 18/11/2008 قالت جماعة الإخوان المسلمين في مصر[66] أن: جماعة إخوان إيران لم تُجَمِدْ موقفها داخل التنظيم الدولي للإخوان، وأنها لم تحتَّج على أي موقف للجماعة الأم في مصر، وشددت الجماعة على لسان القيادي الإخواني عصام العريان على “أن هذه ليست الوسيلة التي يحدث بها تفاهم داخل الصف الإخواني”. وقال العريان في تصريحات لجريدة الشرق الأوسط: “إن هناك مبالغة كبيرة فيما يتعلق بالتقارير التي تتناول التنظيم الدولي للإخوان، وتتحدث عنه كـ “تنظيم حديدي”، وأشياء من هذا النوع”، موضحاً “أن هذا التنظيم أشبه بإطار تنسيقي”. وقال: “إن الإخوان في كل بلد لديهم مساحة واسعة جداً من حرية الحركة بما يتوافق مع طبيعة الوضع في كل بلد”، وأوضح “أن الذي يجمع الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم هو منهج عام يلزم الإخوان بعدم اللجوء إلى العنف، والمشاركة في الانتخابات العامة، والنضال الدستوري بشكل عام، بالإضافة للبرامج المتشابهة فيما يتعلق بتربية وتكوين النشء”. وقال: “إن أي حديث عن تجميد إخوان إيران داخل التنظيم الدولي غير صحيح جملة وتفصيلاً”، موضحاً “أن جماعة الإخوان المسلمين أيدت الثورة الإسلامية في إيران منذ اندلاعها عام 1979 لأنها قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازاً للعدو الصهيوني”. ونفى أن يكون السُّنة في إيران مضطهدين قائلاً: “لقد تم تخصيص قطعة أرض كبيرة هناك لبناء مسجد كبير لأهل السنة، وهم يجمعون تبرعات حالياً لبنائه”. وشدد على أن الجماعة تدعو دائماً إلى تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية، والقضاء على الفتن حتى تتفرغ الأمة لمواجهة الخطر المشترك الذي يهددها، والمتمثل في العدو الصهيوني. وكانت تقارير صحافية قد ذكرت أن إخوان إيران قد جمدوا عضويتهم في التنظيم الدولي للإخوان وقرروا مقاطعته إحتجاجاً ما اعتبروه “ولاء إخوان مصر للنظام الإيراني على حساب مصالح أهل السنة ومعاناتهم في إيران”. وأشارت التقارير إلى “أن عبدالرحمن بيراني مرشد الإخوان في إيران أبلغ جماعة إخوان مصر استياءه الشديد من مناصرتها للنظام الإيراني، الذي لا يزال يطارد أهل السُّنة”. ومن جهته، قال كمال الهلباوي – المتحدث السابق بإسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب “التنظيم الدولي” ورئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا – في إتصال هاتفي أجرته معه جريدة الشرق الاوسط: “إن الإخوان يقفون مع إيران في المواقف العادلة فقط، ولا يمكن ان نقف مع إيران في موقف غير عادل”. وأوضح “أن الإتهام باطل من أساسه ولا أظن أن إخوان إيران يتعرضون لمشاكل او إضطهاد بسبب إخوانيتهم”. وتساءل “أين الإخوان وباقي الحركات الإسلامية مما يحدث في فلسطين بين حماس وفتح والطرفين من أبناء السنة المحمدية، لذلك يجب على الناس أن تتعايش وتقدم المصلحة العليا ولا تستمع الى أصوات الفتن. أما موقف الإخوان المسلمين كهيئة وتنظيم فهو معروف وهو أننا نساند المظلوم دائما ونقف بجوار الضعيف ونؤمن أن الإسلام واحد والإختلاف ليس في الأصول وإنما في الفروع وهذا شيء موجود في الإسلام منذ بداية الرسالة المحمدية”.
وبتاريخ 21/02/2011 قال كمال الهلباوي – المتحدث السابق بإسم جماعة الإخوان المسلمين في الغرب “التنظيم الدولي” ورئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا – أثناء لقاؤه علي خامني المرشد الأعلى في إيران[67]: “نحن تعلمنا من الإمام الخميني كما تعلمنا من الإمام حسن البنَّا ومن الإمام المودودي والإمام سيد قطب.. نحن أفضل الناس الذين يجب أن يقودوا البشرية إلى مستقبل أعظم ومستقبل أفضل وأنا أتمنى أيضاً أن تكون الجمهورية الإسلامية في إيران نموذج يحتذى به في كل شيء، نموذج يحتذى به في العدل، نموذج يحتذى به في جمع السُّنَة والشيعة، نموذج يحتذى به في مركز الأمة الإسلامية، نموذج يحتذى به في حقوق الإنسان، نموذج يحتذى به في إحترام كل البشرية وقيادتها، وإن شاء الله نشهد هذا بالتعاون مع بقية الأنظمة الإسلامية التي سقوم في عالمنا العربي والإسلامي بعد إنهيار النظم البالية وسقوط الديكتاتوريات واحداً تلو الآخر”. وكان الهلباوي قد قال قبل ذلك “إن مستقبل الشيعة في المنطقة عموماً ودول الربيع العربي خصوصاً سيكون أفضل بوصول الإخوان أو الإسلام السياسي الوسطي إلى الحكم في دول الربيع العربي والمنطقة عموماً، لأننا آنئذ نستطيع أن نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.
ويمكن الاستنتاج بأن الأسس الفكرية المشتركة لجماعة الإخوان المسلمين ونظام الولي الفقيه في إيران هي أقوى بكثير من تحالفاتهم السياسية، وإن العلاقة بينهما لا يمكن أن تكون مبنية على الجانب السياسي فقط لتفسير صمود تحالف استراتيجي بين دولة وتنظيم إسلاميان واجهتهما الكثير من التناقضات والمشاكل والأزمات لكن تجمعهما عناصر إلتقاء تتمثل بالفكر الوحدوي لمواجهة الأخطار الخارجية وموقفهما المشترك من قضية فلسطين. وسبق أن شرح يوسف ندا وهو أحد قادة التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين في مقابلة له قبل عدة سنوات على قناة الجزيرة[68] أسباب إستمرار العلاقة الوطيدة بين إيران والإخوان مستشهداً بمقولة حسن البنَّا الشهيرة: “هناك مبدأ عام في التعاون بين الإسلاميين، نتعاون فيما إتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما إختلفنا فيه”، وقال “الإخوان المسلمين شكلوا وفداً التقى بالخمينى فى باريس قبل عودته إلى إيران لتشجيعه ودعمه، والتنظيم كان على علاقة بأعضاء من مجموعات الخمينى قبل الثورة الإيرانية، وكانت تتم بينهم لقاءات فى أمريكا وأوروبا”.
ويتضح مما ذكر أن العلاقة الاستراتيجية الوطيدة بين جماعة الإخوان ونظام الخميني في إيران ترتكز على تاريخ فكري قديم وجذور إيدولوجية عميقة من التشابه الشديد والتقارب العقائدي بين الإسلام السياسي في نسخته السُنِّية وهم الإخوان المسلمين ونسخته الشيعية وهي ولاية الفقيه في إيران، وهناك تقارب واضح في المنهج والتصور الفكري والعمل الحركي والتنظيم الهيكلي أيضاً، حيث يوجد لدى الإخوان “المرشد العام” ولدى إيران “مرشد أعلى”، ولدى الإخوان وإيران “مجلس الشورى”، ولدى الإخوان “مكتب الإرشاد” وفي إيران “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، ولدى الإخوان مفهوم “التنظيم الدولي” وفي إيران مفهوم “تصدير الثورة” للخارج.
وبتاريخ 11/09/2011 قال على أكبر ولايتي الأمين العام للمجمع العالمى للصحوة الإسلامية ومستشار خامنئي فى مقابلة له مع وكالة أنباء مهر الإيرانية[69]: “طبعا كان لإيران ومصر أثراً متبادلاً، فكما كان للسيد جمال الدين دور في نشوء الصحوة الاسلامية في مصر وبروز شخصيات من قبيل المرحوم الشيخ محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ورشيد رضا، فكذلك ترك الاخوان المسلمون في وقتهم أثراً على الحركات الاسلامية في إيران.. إن سماحة قائد الثورة قام قبل الثورة بترجمة عدد من كتب سيد قطب إلى الفارسية، وبعد الثورة أيضا تمت ترجمة كتاب ولاية الفقيه للإمام الخميني إلى العربية، حيث ترك أثراً هاماً في الصحوة الإسلامية بالعالم العربي وخاصة مصر”.
وبتاريخ 17/11/2011 أعلنت القيادة الثورية الايرانية عن تدشينها لمجلس هو الأول من نوعه وهو (المجلس العالمي للصحوة الإسلامية)، ويضم في عضويته الصوفية والشيعة والسنة ومختلف التيارات من خلال علماء ومفكرين إسلاميين، وأوضح علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي للشئون الخارجية، في مؤتمر صحفي[70] مع الوفد المرافق للوفد الصوفي الذي يزور طهران: “إيران قررت تشكيل الأمانة العامة لمجلس الصحوة الإسلامية بعد الاجتماع الذي عقد بطهران منذ شهرين بمشاركة 700 عالم من مختلف الدول الاسلامية والأجنبية وتم انتخابه من قبل المشاركين في المؤتمر أمينا عاما لمجلس الصحوة الإسلامية على ان يكون مقر الأمانة العامة هو طهران، كما تقرر تشكيل لجنة الشورى العامة التابع للمجلس بمشاركة مختلف الدول.. نأمل استمرار حركة هذا المجلس ليؤثر في الصحوة الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، حيث قال لي أحد المفكرين السودانيين إن إيران بانشاء هذا المجلس نجح في الجهاد الأصغر، وعليها ان تنجح في الجهاد الأكبر والمتمثل في استمرار وصيانة هذا المنهج الذي بدأ في العالم الإسلامي المتمثل في الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي.. إن المجلس يعتبر جهة غير حكومية وغير تابعة للحكومة الإيرانية، وأن الطرق الصوفية هي ممثل للشعب المصري الذي بيده الآن راية الصحوة الإسلامية.. يضم المجلس 21 عالما من مصر من بينهم الكاتب الصحفي فهمي هويدي مجدي احمد حسين، د. محمد عمارة، الشيخ محمود عاشور، د. محمد سليم العوا، السفير محمد رفاعة رافع الطهطاوي، السفير أحمد الغمراوي، الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية كممثل للطرق الصوفية في المجلس، على أن يتم تشكيل مجلس شورى للصحوة الإسلامية في مختلف دول العالم الإسلامي.. خلال الأسبوع القادم سيتم دعوة د. عبدالمنعم أبو الفتوح، د. محمد سليم العوا للمشاركة في جلسة إختيار مجلس شورى الصحوة الإسلامية، وأكد أن أهداف المجلس هي وحدة الأمة الإسلامية والتقريب بين المذاهب وتقوية واستمرار الصحوة الإسلامية، وإدارة الحوارات مع المفكرين والعلماء للتصدي لأي محاولات خارجية لإختراق الصحوة الاسلامية، مؤكدا أنه دون وجود مركز يجمع العلماء من العالم الإسلامي لتحقيق الصحوة الإسلامية، فلن تتحقق وحدة العالم الإسلامي. وأكد أن الصوفية أكثر التيارات اعتدالا، وأن إيران ستدعم تيار الصوفية وسيكون لها دور مركزي في أمانة الصحوة الإسلامية ومندوبها سيكون الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية، وسيتم إصدار كتب لعلماء شيعة من خلال الطريقة العزمية للتعريف بالشيعة وكشف انحراف وزيف “الوهابية” في اتهاماتها للشيعة بالكفر.
وبتاريخ ١٨/٠١/٢٠١٢ قال محمد فاروق طيفور نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) في مقابلة صحفية له[71]: “ما جرى هو أن علاقة تربطني ببعض رجال الأعمال الأتراك، وأحد هؤلاء جاءني وقال إن هناك ثلاثة رجال أعمال إيرانيين مرسلين من قبل مكتب مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي يطلبون لقائي من أجل البحث في الموضوع السوري على أن يبقى الأمر طي الكتمان. حصل هذا الأمر قبل نحو 3 أشهر، وحينها أجبت أننا نعتبر أن إيران مع النظام وأنها تساعده أمنياً وعسكرياً ولوجيستياً، ويقال إن القناصة معظمهم من إيران ومن لبنان أيضاً. وقلنا له إذا عدل الإيرانيون موقفهم فلا مشكلة لدينا في لقائهم وهم دولة لها حضورها ووجودها. بقوا في اسطنبول نحو أسبوع، وخلال ذلك صدرت تصريحات للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أشار فيها إلى ضرورة إنصاف الشعب في سورية، وهم سوقوا ذلك بصفته تغييراً في الموقف الإيراني، واتبعوا ذلك بعرض قدموه لنا يتمثل بحصولنا على أربع وزارات واشترطوا أن نُسقط مطلب تغيير بشار الأسد من شعاراتنا. هذا في المرحلة الأولى. لكن لاحقاً تغير الوضع وقالوا إنهم مستعدون للمفاوضة على كل الحكومة شرط بقاء بشار رئيساً، فأبلغناهم بأننا لا يمكن أن نقبل ببقائه. ثم عادوا واستدعوا رجل الأعمال التركي إلى طهران، وهذا حصل قبل ثلاثة أسابيع وقالوا له إن لا مشكلة في أي شرط من شروطهم عدا مسألة عدم بقاء بشار في السلطة، وهو ما رفضناه طبعاً”.
وبتاريخ 25/01/2012 قال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية حسين أمير عبداللهيان[72] في مؤتمر صحفي عقده أمس بمقر السفارة الإيرانية في الكويت رداً على سؤال علاقة إيران بالإخوان المسلمين أكد وجود مثل هذه العلاقة قديماً وأن بلاده تشعر بالارتياح لنتائج الإنتخابات التي تمت في بعض الدول العربية وتصدر فيها التيار الاسلامي كما حدث في مصر وتونس والمغرب، موضحاً أن وصول مثل هذا التيار إلى اماكن متقدمة في قيادة بعض الدول سوف يساعد على مقاومة الكيان الصهيوني واسناد الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن علاقات ايران مع الإخوان المسلمين مستمرة ومتواصلة دون أن يكون هناك تأثير مباشر على قراراتها.
وبتاريخ ١٦/٠٩/٢٠١٢ قال محمد فاروق طيفور، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) في إجابته على سؤال عن الهدف من زيارة بعض الوفود الإيرانية للجماعة[73]: أن النظام الإيراني أبلغ جماعة الإخوان عرضاً من علي خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، ومن خلال وسيط تركي، يعرضون خلاله على الجماعة أربع وزارات أو حكومة مشتركة، أو تشكيل حكومة يتم التشاور بشأنها، وأن إيران أرسلت في الفترة الأخيرة وفداً سادساً عبر وسيط تركي غير رسمي، وأكّد هذا الوفد على استعداد إيران للتنازل عن مطلبها في استمرار نظام الأسد، مقابل التفاهم على مرحلة ما بعد الأسد، موضحاً أن الجماعة أبلغت الوسيط التركي أنّها بحاجة إلى الوقت الكافي لدراسة هذا العرض من خلال مؤسسساتها.
وبتاريخ 19/09/2012 أكد محمد رياض الشقفة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) في حديث له مع صحيفة (جمهوريت) الشيوعية التركية أن “النظام أقام تحالفاً مع إيران وحزب الله، وشارك الرئيس السوري بشار الأسد حتى في التحالف الشيعي الذي ظهر في العراق بعد سقوط صدام حسين، وشكلوا الهلال الشيعي، وعندما ينهار نظام الأسد سينهار هذا المخطط وسنكسر العمود الفقري للهلال الشيعي”.
وبتاريخ 02/10/2012 قال عبدالرحمن البر مفتي جماعه الإخوان المسلمين في مصر[74] عن إيران:أنا أختلف في تقييم الدولة الإيرانية، والتجربة السياسية يجب أن تفصل دائماً عن التجربة الصناعية والتكنولوجية والتقنية، فيمكن أن يوجد شعب لا دين له وينشئوا حضارة وصناعة فهذه أسباب مادية من أخذ بها تقدم أي كانت عقيدته وأي كانت أيديولوجيته، ولدينا الصين دولة ملحدة تسابق الدول الكبرى وتكاد تكون الدولة الأولى بعد فترة قليلة جداً، إذ أنّ قضية الصناعة والتطور الحضاري هي قضية يجب أن تفصل دائماً وتعزل عند الحديث عن الدور السياسي، وعند الحديث في طبيعة الدول فإنّه ينظر إلى الدور السياسي التي تقوم به، وبالتالي عندما نقول عن إيران بأنّها دولة دينية ونجحت فهذا كلام غير دقيق، وإنّما يجب أن نقول هل إيران تمارس عملاً سياسياً صحيحاً يعطي لكل المواطنين القائمين على أرضها التعبير عن آرائهم بحرية، الأخبار التي تتواتر بأنّ فيها تضيق على أهل السنة، وفيها تضيق على كثير من الحريات، ومن هنا ليس هذا هو النموذج الذي يمكن النظر إليه على أنّه نموذج ناجح، ونقول يجب أن نقتدي به، نحن نرى أنّ الدولة الدينية مفهوم غير موجود في الإسلام، ونقصد بأنّه غير موجود بالإسلام يعني بفهمنا نحن أهل السنة والجماعة، وليس كما هو الحال لدى المذهب الشيعي الذي يعقد العصمة للأئمة ويعطي حق الولاية للفقيه، حيث أنّ مصطلح ولاية الفقيه هو أمر مستحدث في الفقه الشيعي، يجعل الفقيه كلامه لا يقبل النقد ولا يقبل الردّ، وهذا الكلام من وجهة نظرنا مرفوض جملةً وتفصيلاً، الإسلام يرفض العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يرى بأنّ الفقيه معصوم وأنّ كلامه نهائي، إنّما يرى أنّ لكل إنسان أن يجتهد وفي إطار المبادئ الشرعية، وقد يصيب وقد يخطأ، فإنّ أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، هذا مفهومنا الصحيح للإسلام، وبالتالي نحن نرفض فكرة الدولة الدينية القائمة على مفهوم أنّ الحاكم يحكم باسم الله وينفذ إرادة الله برأيه، وكأنّ كلامه هو عن الله، نحن نرى أنّ الحاكم ونظام الحياة بشكل عام هو نظام مدني، لكن الاختلاف هو بالمرجعية، هل مرجعية هذا النظام المدني هي مرجعية علمانية، أم مرجعية ملحدة، أم مرجعية تنكر الإيمان بالله وباليوم الآخر، أم هي مرجعية تنكر الكتاب والسنة، نحن نظامنا المدني مرجعيته هو الإسلام، وبالتالي نحن نأخذ أحكام ومبادئ وقواعد الإسلام كنبراس في حياتنا، ومن هنا إذا جاء حكم يخالف القرآن والسنة نحن نرفضه حتى لو اتفق عليه الناس.
ويقول الكاتب السعودي حسين شبكشي في مقاله بعنوان (الإخوان الفاطميون) المنشور بتاريخ 02/04/2013 عن التحالف الإخواني/الإيراني[75]: “وعند سؤالي لأحد الساسة المصريين المخضرمين محاولا فهم منه موقف الإخوان المسلمين تجاه إيران بالذات، فابتسم الرجل لي وقال لي بدهاء «واحنا مالنا! اثنين مرشدين بيلعبوا مع بعض» ولم أتمالك نفسي من الاحساس بالقلق من القراءة بين السطور في نوايا وأجندات الطرفين وكيف أن الغاية تبرر اي وسيلة وأن هناك «سقوطا» كبيرا يقود الفريقين إلى مستوى بشع وغير مسبوق. إيران تحن إلى مصر الفاطمية وتريد أن تساهم في إعادة إحيائها بأسلوبها وطريقتها وبفكرها وبثقافتها، وهناك الإخوان الراغبون في الاستفادة من نهم إيران «لغزو» مصر الكبرى واحتلال قلب العالم العربي واستغلال هذا النهم لتمويل الكثير من خطط ومشاريع الإخوان الكثيرة في مصر وخارجها.. إنه زواج مريب يتخطى المتعة والمسيار إلى شيء مقزز لم يفتِ به أحد من قبل. هذا «التقارب» غير البريء سينعكس سلبا على سوية العديد من الملفات والعلاقات وسيفاقم أوجه القلق والتوتر والشك والخوف، وهنا أطراف سعيدة جدا بهذا التطور لأنه يحقق غاياتها وطموحاتها التي حلمت طويلا لأجلها، أيام صعبة قادمة والحذر بات جدا مطلوبا”.
وبتاريخ 04/04/2013 قال علي أكبر ولايتي[76] وزير الخارجية الإيراني السابق والمستشار الأعلى لمرشد النظام الإيراني علي خامنئي: “الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية، نحن والإخوان أصدقاء ونقوم بدعمهم، وهم الأقرب إلينا عقائدياً بين كافة الجماعات الإسلامية.. اليوم العالم الإسلامي ليس له إلا إيران، ولا توجد حكومة إسلامية أكثر استقراراً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وبتاريخ 17/06/2013 شن القيادي الإخواني عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري وزعيم الأغلبية بمجلس الشورى، هجوماً عنيفاً على دولة الإمارات العربية المتحدة[77] بسبب قضية المعتقلين المصريين فيها (من جماعة الإخوان)، وطالب السفير علي العشيرى مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين بالخارج والهجرة ضرورة إرسال رسائل إلى الإمارات بأن “صبر المصريين نفذ وأن سلوكهم مشين، ويجب أن يصل اليهم أن مصر لن تتوجع لأنهم صمدوا 60 عاما بلا توجع”. وأشار العريان، خلال إجتماع لجنة الشؤون العربية بمجلس الشورى لمناقشة أزمة المعتقلين المصريين فى الإمارات، الى أن “الإمارتيين ما بيعرفوش يقرأوا صح، ومتخيلين أن هناك تاريخاً معيناً ستتتغير فيه مصر، وللأسف الأساتذة المصريون معرفوش يعلموا الإمارتيين صح”. ومضى العريان مخاطبا السفير العشيري بكل وقاحة وصفاقة قائلا: “ياسيادة السفير، قول لهم إيران النووية قادمة، وأن تسونامى قادم من إيران وليس من مصر، والفرس قادمين، وهتصبحوا عبيد عند الفرس”. وللأسف، فإن هذا هو نموذج للإخونجي الإنتهازي الذي يتسلق على ثورة الشعب ويصل للسلطة فجأة على حساب دماء الضحايا لكنه لا يفقه أبسط قواعد الدبلوماسية وأصول العلاقات السياسية بين الدول، ولذلك ليس مفاجئاً أنه سقط مع جماعته الغوغائية الفاشلة بعد أن استفز بتصريحاته العنصرية الحقيرة دولة عربية شقيقة على حساب علاقة جماعته المشبوهة مع نظام الخميني في إيران. وهل هذه تصريحات رجل دولة؟!!
ولعل العلاقة الوطيدة بين جماعة الإخوان ونظام الولي الفقيه الإيراني تفسر الإستقبال الإيراني الحافل للرئيس (الإخواني) محمد مرسي أثناء مشاركته بقمة عدم الإنحياز في شهر آب/أغسطس 2012 كأول رئيس مصري يزور إيران منذ إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 وأيضاً حفاوة الإستقبال المصري للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في سابقة هي الأولى من نوعها لأول رئيس إيراني يزور القاهرة منذ 34 عام، وقد شكَّلت تلك الزيارات منعطفاً إيجابياً كبيراً في العلاقات بين القاهرة وطهران التي شهدت جموداً بعد سقوط نظام الشاه. وقد كان أحد نتائج ذلك التقارب الكبير بين مصر وإيران هو طرح الرئيس مرسي لمبادرة تشكيل مجموعة إتصال رباعية تضم مصر والسعودية وتركيا وإيران من أجل معالجة “الأزمة” في سورية لكن رفضتها السعودية التي كانت تدرك مسبقاً خطورة إشراك إيران بالتوسط في شأن عربي داخلي وهي أصلاً جزء من المشكلة فيه.
وبتاريخ 06/04/2013 قال محمد فاروق طيفور نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) أثناء مقابلة صحفية معه[78]: “جاءتنا سبعة وفود ايرانية من قبل المرشد الأعلى للتفاوض مع النظام ونحن رفضنا ذلك حتى قبل إعلان إيران موقفها الحقيقي من الثورة في سوريا”، “في الحقيقة نحن نأسف من قيام إخواننا في مصر بإجراء حوار مع الجانب الإيراني، على الرغم من إمكانية أن يكون لديهم ظروفهم كالموقف الخليجي ضدهم، الذي قد يجبرهم إلى اللجوء للحوار مع ايران ولكن بالنسبة إلينا فموقفنا مختلف عنهم ونأمل منهم إدراك خطورة المشروع الايراني”.
وبتاريخ 14/10/2013 قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون (فرع سورية) محمد رياض الشقفة في مقابلة صحفية[79] حول العلاقة مع إيران “موقفنا من إيران موقف محسوم ونحن نرفض الحوار معها، لأننا نعتبرها شريكة للنظام في كل الجرائم التي يقوم بها، وما لم تتراجع ايران عن دعم النظام السوري لن نجري معها أي حوار، وقد حاول الإيرانيون كثيراً وأرسلو لنا وفودا إلى إسطنبول للحوار معنا فرفضنا ذلك، وقلنا لهم أنتم شركاء في الجريمة، اسحبوا أيديكم ودعمكم للنظام السوري ومن ثمّ نتحاور”.
وبتاريخ 06/١١/2013 قال محمد فاروق طيفور نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) في حوار تلفزيوني[80] عن وفد ايراني أُرسل لجماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي وضم ثلاث أشخاص من مستشاري المرشد الشخصيين عبر وسيط تركي غير حكومي نقل للإخوان عرضاً وهو مشاركتهم بتشكيل حكومة من أربع وزارات وقال: “رفضنا لقاء الوفد الإيراني وطالبنا الإيرانيين بالوقوف موقف حيادي لا مع النظام ولا مع المعارضة بعد ذلك نقبل الجلوس والتفاوض معهم”. وأن الإخوان رفضوا اللقاء بسبعة وفود ايرانية كانت تأتي بشكل شهري وكان سقف العروض يرتفع حتى وصل العرض لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات منذ ستة أشهر و دائماً عبر الوسيط التركي نفسه. وعن سبب الرفض أجاب: “رفضنا العرض لأنه يناقض الوضع الوطني ولسنا على استعداد على استلام الحكم السوري بشكل منفرد”. وفي سؤال هل تريد إيران للنظام أن ينتهي؟ أجاب: “نعم إيران تريد أن ينتهي نظام بشار الأسد وكانت معطيات التفاوض تختلف من مرحلة الى أخرى حتى وصلوا ﻵخر مرحلة عندما أخبرونا عن استعدادهم لتغيير بشار الأسد نفسه”. وفي سؤال عن سبب إختيار جماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) تحديداً من قبل الإيرانيين أجاب: “جميع الدول تعلم أن الإخوان المسلمين هم الجهة الوحيدة المنظمة في سوريا ولا يوجد أحزاب سياسية حقيقية على الساحة السورية، مضيفاً أن إيران تعتمد سياسة النفس الطويل في تاريخها التفاوضي”. وأنهى حديثه قائلاً: “إيران صاحبة مشروع خطير جداً على العالم العربي بداية من السيطرة على العراق وتحويل جيشه الى جيش طائفي انتقالا إلى حزب الله وسيطرته على لبنان إضافة إلى إحتلال جزر الإمارات العربية المتحدة (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى) كل ذلك أتى نتيجة انتشار وتوسع الفكر المتطرف الشيعي الذي يحمل فكر ولاية الفقيه”.
وفي مقابلة مع جريدة إيلاف الإلكترونية[81] بتاريخ 07/01/2016 أعلن ملهم الدروبي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين (فرع سورية) أن “طهران حاولت ثماني مرات التواصل مع الجماعة وكان جواب الجماعة اشتراط وقف إيران دعمها بشار الأسد والوقوف مع الثورة أو الحياد… كانت تلك الاتصالات عبر وسطاء.. وأنه لم تتغيّر الأمور منذ أعلنت إيران عن دعمها لبشار ووقوفها معه ضد الثورة السورية، كان موقف الجماعة واضحاً من إيران واعتبارها محتلة لسوريا وشريكة في سفك الدم السوري”.
ومن المؤكد أن التقارب المشبوه بين جماعة الإخوان المسلمين عموماً ونظام الملالي الشيعي في إيران لن يكون في صالح العرب ولا المسلمين بأي حال من الأحوال، في ظل ما تقوم به إيران من أعمال تخريبية ومخططات توسعية مشبوهة في عدة دول عربية، وسعيها الدائم لفرض أطماعها الفارسية وتنفيس أحقادها المجوسية التي تعتبر الإسلام عدوها اللدود بسبب قضائه على الإمبراطورية الفارسية، هذا العداء المحموم والكره المسعور والحقد الدفين الذي ظل الفرس الصفويون يتوارثونه جيلاً إثر جيل بما عرف عنهم من كيد لدين الإسلام الحنيف وتشويههم لتاريخه المجيد، وخاصة في الوطن العربي. ورغم أن إحتمال حدوث تطور بارز في العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين السنية والنظام الشيعي الإيراني هو مستبعد حالياً، إلا أن تحالفاً مرحلياً طارئاً يمكن تصنيفه بأنه “زواج مُتعة” مؤقت بينهما سيكون مدمراً لوحدة الوطن العربي ومصيره الوجودي ككل، حيث أن نظام الولي الفقيه “الشعوبي” في إيران لا يزال يعمل على توسيع نفوذه القوي وهيمنته في دول الخليج العربي وما وراءها في كافة المجالات الحيوية بما فيها العسكرية والأمنية والإقتصادية والثفافية، ومن الواضح أن رغبة النظام الإيراني بتكوين علاقات قوية مع تنظيم الإخوان المسلمين عموماً هي أولوية قصوى حيث يُعتبر ذلك إختراقاً عقائدياً وتحالفاً جيواستراتيجياً وشراكات سياسية سيكون لها تداعيات إقليمية ودولية خطيرة للغاية.
لافتة رفعها متظاهرون إيرانيون مؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين في أحد شوارع طهران
ولعل الإعجاب الحماسي الجارف من معظم قيادات تنظيم الإخوان بنجاح الثورة الخمينية في إيران هو أحد الأسباب الرئيسية لتحولهم المفاجيء السريع من منهجية حسن البنَّا بالتدرج في الوصول للهدف التي تعتبر “التمرحلية” السياسية تكتيكاً أساسياً والاستعاضة عنها باستراتيجية حرق المراحل بعد استلهام التجربة الثورية عند الخميني الذي كان يعتمد الاستراتيجية الإنقلابية العنيفة ولم يكن يؤمن بالتدرج والتمهيد وهو كان يشترك بذلك التوجه مع سيد قطب، وهذا قد يفسر سر تحول جماعة الإخوان للعنف الدموي في صراعاتها الشرسة المحمومة مع الأنظمة الحاكمة في سورية ومصر وتونس والجزائر وليبيا واليمن للإستيلاء على السلطة.