الادب والثقافة

تونس… دعوات لإصلاح المنظومة والمناهج التعليمية

“التلميذ التونسي لا يفكر”… عبارة يتسلح بها مراقبون ومختصون في الشأن التربوي للمطالبة بإصلاح التعليم ومراجعة المناهج، التي يقول البعض إنها لم تثمر عن نتائج مرجوة.وتكشف تقارير محلية ودولية عدة عن انحدار التحصيل العلمي للتلميذ التونسي، فالبنك الدولي يقول في تقرير أصدره في سبتمبر/ أيلول 2020 إن الطفل المولود في تونس يفقد 48 في المائة من قدراته الإنتاجية عندما يكبر.ولفت التقرير إلى أن التلميذ التونسي يتمكن من دراسة 10 سنوات من جملة 14 عاما ممكنة كحد أقصى من سنوات التعليم المتوقعة قبل سن الثامنة عشرة، لكنه لا يستفيد على أرض الواقع إلا لمدة 6 سنوات.

وعلى الرغم من أن تونس تعتبر من الدول الأكثر استثمارا في قطاع التعليم في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إذ تخصص له أكثر من 20 في المئة ميزانيتها العامة، إلا أن المختصين يؤكدون أن هذه الاعتمادات لا تستثمر في إصلاح التعليم والنهوض بالمنظومة التربوية.وتَعتبر أطراف عدة في تونس أن تغيير المناهج التعليمية وإدخال إصلاحات جذرية في مجال التعليم أصبحا مسألة ملحة وعاجلة، بالنظر إلى الواقع الذي أضحت عليه المنظومة من تدني في جودة التعليم وارتفاع معدلات التسرب المدرسي وانتشار العنف والمخدرات.

منظومة تعلم الجهل

وقال رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني إن تغيير المناهج التعليمية هو مطلب رفعته الجمعية طيلة سنوات مضت.واعتبر أن “المنهج الحالي أفضى إلى منظومة تربوية كارثية تعلم الجهل أكثر من المعرفة”، مشيرا إلى أن التقارير المحلية والدولية أثبتت أن ما تلحقه الهيكلة الحالية للمنظومة التربوية بالتلميذ من أضرار يتجاوز حجم الاستفادة.وذكر الزهروني أن التحصيل المعرفي للتلميذ التونسي في مواد العلوم والرياضيات والتعبير متخلفة عن البلدان المتطورة بـ 6 سنوات، مضيفا “معدل التحصيل العلمي لتلميذ الخامسة عشر سنة في تونس يساوي معدل تلميذ عمره تسع سنوات في سنغافورة”

ونس… تحرك طلابي أمام وزارة التعليم العالي

وقال الزهروني إن إصلاح المنظومة التعليمية في تونس يجب أن ينطلق أولا بمراجعة الزمن المدرسي الذي يعتبره التلاميذ والأولياء والمختصون ضاغطا على المتعلم، وفقا لقوله.وأضاف: “مراجعة الزمن المدرسي يتطلب بالضرورة مراجعة محتوى البرنامج التربوية والتركيز على النوع أكثر من الكم”، معتبرا أن البرامج الحالية تتضمن معلومات مكثفة دون منفعة مؤكدة.وشدد الزهروني على أن مراجعة المنهج التعليمي لا يعني النزول بعدد الكتب، وإنما أيضا إعداد مخطط شامل لمختلف المراحل التربوية وملائمتها مع المهن المستقبلية وحاجيات البلاد في مجالات التنمية.

ضعف في التمويل والتكوين

وأكد وزير التعليم الأسبق ناجي جلول أن أزمة التعليم في تونس لا تكمن في البرامج التعليمية أو في عدد المواد التي يتم تدريسها.وأضاف: “الإشكال يتلخص أساسا في ثلاثة نقاط أولها ضعف التمويل، إذ أن 97 بالمائة من ميزانية وزارة التربية توجه نحو خلاص الأجور والثلاثة بالمائة المتبقية للإصلاح، وهي نسبة ضئيلة جدا لا يمكن أن ترجى منها نتيجة”.ولفت جلول إلى أن المعضلة الثانية هي ضعف أجور المعلمين والأساتذة التي قال إنها من بين الأضعف في العالم. أما الثالثة فهي ضعف التكوين عند الإطارات التربوية.تونس تكشف تفاصيل نظام التعليم والامتحانات لهذا العام تحت وطأة كورون

وتابع: “في غالبية دول العالم يخضع المعلمون والأساتذة إلى تكوين خاص، أما في تونس فهم يمرون من الجامعة إلى المدارس والمعاهد مباشرة، لذلك لا يمكن توقع منظومة تربوية أرقى من المكونين أنفسهم”.وأشار جلول إلى التبعات السلبية الناجمة عن قصر السنة الدراسية، قائلا إن العطل الدراسية في تونس هي من بين الأطول في العالم، فالتلميذ التونسي يتوقف عن الدراسة لمدة 4 أشهر في السنة، وهي مدة طويلة تؤدي إلى تآكل 80 بالمائة من معارفه.وقال جلول إن من بين أهم العوائق التي تقف حائلا دون نجاح المناهج التعليمية في تونس هو عدم تعميم السنة التحضيرية وغياب الأنشطة الثقافية والموسيقية والرياضية.ويرى أن “المدرسة التونسية لا تعير أهمية للجانب الإنساني عند التلميذ ولا تعلمه التفكير”، مضيفا: “يقول داروين البقاء ليس للأقوى ولا للأذكى البقاء للأكثر استجابة للتغيير، والمدرسة التونسية لم تتأقلم مع التحولات الكبرى وبقيت مدرسة تقليدية جدا تشبه كتب العصر العباسي”.

مدرسة لا تعلّم التفكير

وتعليقا على هذا الموضوع، قال المختص في المجال التربوي وأستاذ علم الاجتماع، الدكتور محمد محرز هاني، إن الأغلبية الساحقة من الخبراء في المجال التربوي تطالب بمراجعة المنظومة التربوية التونسية.واعتبر أن هذه المنظومة أفرزت نتائج سلبية وخللا سلوكيا لم تعرفه المؤسسات التربوية من قبل، من تقهقر للمستوى التعليمي وانتشار للمخدرات وعجز للنظام الداخلي عن ردع التلميذ.ويرى الأستاذ الجامعي أن المدرسة التونسية تعتمد على “التلقين” الذي من المفترض أن يقطع معه التلميذ منذ دخوله المرحلة الابتدائية، مضيفا: “من بين الأدوار الموكلة إلى المنهاج التعليمي هو إعطاء التلميذ فرصة للتفكير وتمكينه من الآليات التي تسمح له بذلك، وللأسف ليس هذا ما تفعله مدارسنا”.

“مدرسة متحركة على القضبان” تضرب مثالا ملهما للتعليم في ظروف كورونا.

تابع: “المنظومات التربوية العربية بشكل عام هي منظومات تلقينية تجعل من التفكير ضربا من ضروب العقوق، والنتيجة هي استفحال للعنف وارتفاع لمعدلات التسرب المدرسي وانهيار لقيمة التعليم الذي كان ينظر له كمصعد اجتماعي”.ووصف هاني مناهج التعليم في تونس بـ”المتخلفة”، مشددا على ضرورة الشروع في إصلاح تربوي شامل ينطلق من النظر في مكانة المربي على المستوى المادي والمهني، وإصلاح البنية التحتية المتآكلة للمؤسسات التعليمية، ومراجعة عملية التأديب المدرسي، مع تركيز تخصص جديد في الجامعات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى