النكسة الأميركيّة في أفغانستان.. وامتدادتها بالشرق الأوسط
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقالاً كتبه مايك بنس، الذي كان نائب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، علّق فيه على التطوّرات الراهنة في أفغانستان التي رافقت الانسحاب الأميركي، وسقوط المناطق الأفغانية في قبضة “حركة طالبان”.
ورأى بنس أنّ ما قام به الرئيس جو بايدن هو بمنزلة “إذلال للسياسة الخارجية لم تشهد واشنطن مثيلاً له منذ أزمة الرهائن في إيران”.
وفيما ذكّر بنس بما أعلنه بايدن، بكلّ ثقة في تموز، من استبعاده “لاحتمال قيام “طالبان” باجتياح كل شيء وامتلاك البلد بكامله”، أوضح أنّ السيناريو الذي استبعده بايدن تحوّل إلى حقيقة مخيفة، إذ رأى العالم المشاهد التي أظهرت مدنيين خائفين يتشبّثون بطائرة عسكرية أميركية في محاولة يائسة للهروب من الفوضى التي تسبّب بها بايدن. وأصبح على الدبلوماسيين الأميركيين أن يتوسّلوا لأعدائهم حتى لا يقتحموا السفارة في العاصمة الأفغانية، في الوقت الذي استولى مقاتلو “طالبان” على مركبات عسكرية وأسلحة ومروحيّات وطائرات بدون طيار أميركية.
ورأى بنس أنّ السياسة الخارجية أحرجت الولايات المتحدة، ودفعت الحلفاء إلى التشكّك في الاعتماد عليها، والخصوم إلى اختبار عزيمة واشنطن. وشكّلت التطوّرات الأخيرة ضرراً لجميع الأميركيين الذين خدموا في أفغانستان خلال العشرين عاماً الماضية، التي قُتِل في خلالها 2400 أميركي، وجُرِح 20 ألفاً آخرون، إضافةً إلى إنفاق أكثر من 2 تريليون دولار، وفقاً لبنس.
من جهتها، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مقالاً كشفت فيه أنّ الاستخبارات الأميركية كانت قد حذّرت من الانهيار العسكري في أفغانستان، وأنّ الحكومة الأفغانية لم تكن مستعدّة لهجوم “طالبان”. وتوقّعت التقارير الاستخبارية أن يحدث انهيار سريع إذا سيطرت الحركة على المناطق، ونبّهت من انهيار قوات الأمن الأفغانية أيضاً.
وفي الإطار عينه، نشر موقع “ستراتفور” مقالاً أشار فيه إلى أنّ “طالبان” تُجري مفاوضات من أجل “الانتقال السلمي” للسلطة من الحكومة الأفغانية المنهارة، بعد هروب الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى أوزبكستان. ولفت الموقع إلى أنّ الرئيس السابق حامد كرزاي، ورئيس مجلس المصالحة عبد الله عبد الله، وزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار، يجرون محادثات مع الحركة لتسهيل المرحلة الانتقالية.
وسأل الموقع عن الدول التي من المحتمل أن تعترف بالحكومة التي تسيطر عليها “طالبان”، وإن كان تواصل الحركة مع بكين وموسكو وطهران والخليج قد مهّد الطريق للاعتراف بها بشكل رسمي أو غير رسمي، مشيراً إلى أنّ الحركة ستُحقّق نصراً كبيراً إذا حظيت باعتراف من بكين وموسكو.
من جانبه، رأى الكاتب رانج علاء الدين في مقال نشره معهد “بروكينغز” أنّ قطر التي لعبت دوراً في تسهيل محادثات السلام، يمكن أن يكون لها تأثير كبير على “طالبان”.
من جهته، قال الباحث دانيال بايمان إنّ ما يثير تساؤلات في الدوائر الأميركية اليوم، هو إمكان أن يستخدم تنظيم “القاعدة” أفغانستان مرّة جديدة كقاعدة لتنفيذ الهجمات الإرهابية، وتكرار السيناريو الذي سبق 11 أيلول 2001، ولا سيّما أنّ “طالبان” لم تفكّ ارتباطها بـ”القاعدة”.
وبحسب الباحثة جيوفانا دي مايو، فإنّ ما جرى في أفغانستان هو إخفاق لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي أيضاً، اللذين كان ينبغي أن يقدّرا التداعيات. ولفتت إلى أنّ الأمر الوحيد الذي يمكن أن تقوم به واشنطن اليوم هو التنسيق مع الاتحاد الأوروبي أو مع حلف الناتو أو الأمم المتحدة، من أجل مساعدة الأفغان وإجراء مفاوضات مع الدول المجاورة لاتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الإرهاب.
في سياق متّصل، أكّد موقع “ذا كونفرسيشن” أنّ أجزاءً كثيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستتأثّر، بشكلٍ ما، بتداعيات الفشل الأميركي في أفغانستان. ونبّه الموقع من خطورة الوضع الأفغاني وتهديده بالفوضى في المنطقة.
ولفت الموقع إلى أنّ الثقة بواشنطن وبقدرتها على الوفاء بالتزاماتها تزعزعت، وأصبح نفوذها محطّ تساؤل في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تحاول فيه تركيا وإيران ملء الفراغ الذي تتركه واشنطن، فيما تختبر الصين وروسيا عزيمة الولايات المتحدة وقوّتها على الساحة العالمية.
وسأل الموقع: كيف ستكون طريقة تصرّف “طالبان”؟ هل تغيِّر أساليبها وتكفّ عن تشكيل تهديد للدول المجاورة لأفغانستان وللمنطقة ككلّ؟ ماذا عن “داعش” و”القاعدة”؟ هل ستُتاح لهما الفرصة لإعادة التأسيس والبروز مع سيطرة “طالبان”؟ هل تعود الحركة إلى المشهد العالمي كجهة راعية للإرهاب؟ وماذا عن تجارة الأفيون في أفغانستان؟
لكنّ واشنطن ترى أنّ انسحابها من أفغانستان يجعل جهودها تنصبّ على الاتفاق النووي، الذي هو في صلب المهامّ التي لم تنجزها بعد في الشرق الأوسط، وذلك “إذا تركنا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني جانباً، لكونه ليس له حلّ الآن”، وفقاً للموقع الذي ذكر أنّ المملكة العربية السعودية تراقب بحذر من التحديثات الأخيرة، إذ إنّ تقويض النفوذ الأميركي في المنطقة لا يصبّ في مصلحة الرياض.أمّا الزحف الطالباني فسيكون له تداعيات كبيرة، ولا سيّما “في العراق وبعض المناطق السورية، حيث تحتفظ واشنطن بوجود عسكري، وسيكون الانسحاب الأميركي مقلقاً”. والمشهد مشابه في لبنان، الدولة التي أصبحت “فاشلة” بجميع المقاييس، حيث ستعزّز الكارثة الأفغانية من ظلاميّة المشهد. وفي المقابل، ستحسب إسرائيل وتدقِّق في تداعيات النكسة الأميركية، ولا سيّما أنّ عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لا يصبّ في مصلحة إسرائيل.