قرارات الرئيس التونسي… تصحيح لمسار الثورة أم انقلاب على الدستور والشرعية؟
فجّرت القرارات التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد جدلا واسعا وحالة من الترقب داخل البلاد بعد إقراره تجميد نشاط البرلمان لمدة شهر ورفع الحصانة عن جميع النواب وتولي رئاسة النيابة العمومية.
كما قرر سعيد إثر إشرافه على اجتماع طارئ للقيادات العسكرية والأمنية في ليلة الاحتفال بعيد الجمهورية إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، مؤكدا توليه زمام السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد يعينه بنفسه.
وقال سعيد إن الهدف من هذه القرارات هو “حفظ كيان الوطن وأمن البلاد وضمان السير العادي لدواليب الدولة”، مؤكدا أنه استشار فيها رئيس الحكومة الذي قابله في قصر قرطاج ورئيس البرلمان الذي أعلمه بها هاتفيا.
وبينما قوبلت هذه القرارات بفرح واسع من الجماهير الشعبية التونسية التي تجاوزت إجراء حظر التجول وخرجت إلى الشوارع معبرة عن فرحتها برحيل المنظومة الحاكمة، اختلفت المواقف السياسية بشأن قرارات رئيس الجمهورية، حيث تجمع أحزاب الائتلاف الحاكم وحتى أحزاب من المعارضة على أن الرئيس خالف أحكام الدستور واصفين ما قام به بالانقلاب على الشرعية الانتخابية والدستورية.
في حين اعتبرت أطراف أخرى ومنها حركة الشعب أن ما أتاه رئيس الجمهورية كان لصالح الشعب وأنه يندرج ضمن إجراءات تصحيح مسار الثورة الذي ابتعد عن مبتغى التونسيين الذين ثاروا على منظومة الاستبداد والتهميش والتفقير.
تصحيح للمسار الثورة
وفي هذا الصدد، يرى القيادي في حركة الشعب أسامة عويدات في حديثه لـ “سبوتنيك” أن القرارات التي اتخذها الرئيس هي في صالح الشعب التونسي الذي يجب أن يتولى زمام الأمور وأن يستعيد السلطة مرة أخرى، وفقا لقوله.
وأضاف أن “قرارات رئيس الجمهورية أوقفت حالة العبث التي تعيشها البلاد جراء حكومة فشلت في إدارة دواليب الدولة وبرلمان استغل صلاحياته لخدمة مصالح اللوبيات والأصدقاء والمقربين من الائتلاف الحكام، ناهيك عن الوضع الصحي المنخرم وارتفاع عدد ضحايا فيروس كورونا”.
وأكد عويدات أن حركة الشعب ستساند بقوة قرارات الرئيس التي اعتبرها متأخرة، قائلا إن الهدف منها هو “تصحيح مسار الثورة الذي أفسدته حركة النهضة منذ سنة 2011 إلى اليوم والتي وظفت الثورة لخدمة أجنداتها الضيقة وتقوية نفوذها”.
وتعليقا على قرار قيس سعيد برفع الحصانة عن جميع النواب قال عويدات “لا يخاف من هذا الإجراء إلا اللصوص، لأن النظيف لن يتستر بالحصانة”.
وحول وصف قرارات الرئيس بالانقلاب، علّق عويدات بالقول “إن من انقلب على الثورة وغدر بدماء الشهداء وقام بكل الفضاعات من تطبيع مع منظومة مستبدة وتستر على الفاسدين وصمت عن ضحايا الفقر والكوفيد19 وابتز الشعب لا يمكنه أن يتحدث اليوم عن الانقلابات وعن تطبيق الدستور”.
ويتوقع عويدات أن تحظى تونس بانطلاقة جديدة، داعيا التونسيين إلى مواصلة التظاهر بشكل سلمي دون المس بالمصالح العامة والخاصة للناس، محذرا من مغبة الانسياق خلف الدعوات المبطنة للعنف التي “تقودها أطراف ترغب في بث الفوضى سعيا منها إلى مزيد التمكن في مفاصل الدولة والبقاء في الحكم”.
واعتبر القيادي في حركة الشعب أن قدوم رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى مبنى البرمان وحشد أنصاره ومحاولته الدخول بالقوة إلى هناك صحبة عدد من النواب هي “دعوة مبطنة للاقتتال وبث الفتنة في صفوف التونسيين”.
ويذكر أن رئيس البرلمان توجه فجر اليوم صحبة النائب الأولى للبرلمان سميرة الشواشي (قلب تونس) وعدد من نواب حركة النهضة وائتلاف الكرامة إلى مبنى البرلمان الذي وقع غلقه بالسلاسل الحديدة وإحاطته بقوات الجيش التي منعت دخول أي نائب للمبنى.
مساندة مشروطة
وفي تصريح قال النائب عن الكتلة الوطنية مبروك كرشيد إن القرارات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية كانت متوقعة وهي نتيجة طبيعية لمنظومة فاشلة استمرت في الحكم طيلة عشر سنوات وعبر الشعب بقوة عن رغبته في رحيلها.
وأضاف “هذه القرارات ليست قانونية أو دستورية ولا يمكن أن تكون مطابقة للفصل 80 من الدستور، بل هي قرارات سياسية جاءت استجابة لوضع سياسي معين، بمعنى أنها تقيّم من الناحية السياسية وليست القانونية”.
ويرى كرشيد أن الشعب التونسي في حاجة إلى قرار سياسي، قائلا إن الكتلة الوطنية تتفق في كثير من النقاط مع رئيس الجمهورية ومنها مسألة تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب التي اعتبرها عملية منطقية ومقبولة لمنع تستر الفاسدين خلف غطاء الحصانة.
وشدد كرشيد على أن مساندتهم لرئيس الجمهورية هي مساندة مشروطة، مطالبا إياه بتقديم خارطة طريق مستقبلية لتونس وطرحها ضمن نقاش موسع خاصة وأن العديد من النقاط بقيت مبهمة، متسائلا “كيف سنتفاعل مع الدستور الموجود؟ هل سنعارض الدستور؟ هل سنذهب إلى أحكام عرفية؟ هل سنجري انتخابات جديدة في ظرف ثلاثة أشهر؟ هل سنعرض مشروع دستور جديد على التونسيين؟”.
ولفت كرشيد إلى خطورة وضع رئيس الجمهورية يده على النيابة العمومية، قائلا إنه لا يمكن أن يكون الشخص المتقدم بالشكوى هو ذاته صاحب الحكم فيها، معتبرا أن هذا القرار يمس من استقلالية القضاء الذي هو مكسب وطني لا يجب التفريط فيه.
ودعا كرشيد رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى تحديد موقفه في علاقة بمسألة حرية التعبير.
الدعوة إلى احترام الشرعية الانتخابية
من جهتها شددت النائب عن كتلة قلب تونس شيراز الشابي (من الائتلاف الحاكم) على ضرورة التمسك بالشرعية الانتخابية واحترام المؤسسات التي انتخبها الشعب وعلى رأسها البرلمان.
ودعت الشابي في تصريح لـ “سبوتنيك” رئيس الجمهورية إلى احترام الدستور وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية الذي يمثل الركيزة الأساسية للديمقراطيات في العالم.
وقالت النائب عن كتلة قلب تونس إنه لا يمكن قبول تمرير السلطة بالقوة دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي ستصاحب هذا التمشي، محذرة من خطورة تجميع السلطات بيد شخص واحد.
وأشارت إلى أن قرار رئيس الجمهورية مخالف للدستور، مستدلة بخبراء القانون الدستوري الذي أجمع معظمهم على عدم مطابقة الاجراءات المتخذة من قبل الرئيس مع أحكام الفصل 80 من الدستور.
ودعت الشابي رئيس الجمهورية إلى إحكام مبدأ الحوار والتعقل والتروي والأخذ بعين الاعتبار الأزمة الشائكة التي تمر بها تونس على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصحي، قائلة “مهما بلغ مستوى التصادم بين مؤسسات الدولة فإن الحل يجب أن يكون بالذهاب نحو طاولة الحوار”.
وحول المطالب الشعبية برحيل المنظومة الحالية، قالت الشابي إن حزب قلب تونس لا يعارض فكرة تنظيم انتخابات مبكرة بشرط أن تكون ضمن نطاق احترام الدستور.
وشهدت شوارع تونس اليوم وخاصة محيط البرلمان صدامات بين أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد وأنصار حركة النهضة والائتلاف البرلماني الداعم لحكومة هشام المشيشي، حيث تراشق الطرفان بالحجارة وقوارير المياه بينما حدت قوات الأمن إلى الفصل بين الجهتين تجنبا لحدوث إصابات.
وكانت معظم محافظات الجمهورية قد شهدت أمس سلسلة من الاحتجاجات تخللتها أعمال عنف وشغب وحرق للمتلكات ومنها مقرات حركة النهضة، مطالبين برحيل المنظومة الحاكمة وحل البرلمان.