تعميق العلاقات الاقتصادية الصينية الإسرائیلیة وتداعياتها على إيران
قدم الباحث الاستراتيجي وعضو مجموعة الدراسات الفلسطينية الإسرائيلية “محسن کشوریان آزاد”، في مقال له نشره مركز “الشرق الأوسط للأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية”، شرحا مفصلاً عن موضوع تعميق العلاقات الاقتصادية الصينية الإسرائيلية وتداعياتها على إيران، حیث قام بدراسة أبعاد التعاون الاقتصادي بين الصين والكيان الإسرائيلي بمختلف المجالات التجارة والخدمات الفکریة والاستثمار والبنی التحتیة والتکنولوجیا وقلق إدارة الأمریکیة في هذا الشأن. واستنتج کشوریان آزادزا بانه نظرًا لقلق الولايات المتحدة العميق بشأن توسيع العلاقات التجارية بين الطرفين اللاعبین (أي الصین والكيان)، تستعمل الولايات المتحدة في المستقبل على تقليص العلاقات التجارية بين الجانبين وإنشاء آلية لمراقبة العلاقات التجارية بينهما ومن جهة أخری قد يشكل توسيع العلاقات بينهما تهديدات تجارية واقتصادية لإيران، حيث من اللازم مراقبة العلاقات الصينية الإسرائيلية وتأثيرها على إيران عن کثب، ويجب على إيران الانخراط في الدبلوماسية مع الصين في هذا الصدد.
فيما يلي النص الكامل للمقال:
بدأت العلاقات الثنائية الصينية الإسرائيلية في الخمسينيات من القرن الماضي، وأصبحت أكثر جدية في التسعينيات، وتوسعت بسرعة في أوائل الألفية الثالثة علی صعید الدبلوماسية والتجارة والاستثمار والبنية التحتية والتعاون التعليمي والسياحة حیث زادت العلاقات التجارية الثنائية بين بكين وتل أبيب من 50 مليون دولار في عام 1992 إلى 13.1 مليار دولار في عام 2017.
تظهر النتائج أنه على الرغم من الضغط الأمريكي، فإن العلاقات الاقتصادية الصينية الإسرائيلية علی طريق التوسع في مجالات التجارة (صادرات وواردات السلع)، وخدمات الملكية الفكرية، والاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا، والتعاون في إطار المشروع الصیني “الحزام والطريق الجديد” وهذا الأمر بإمکانه أن يؤثر على مستقبل العلاقات الإيرانية الصينية.
أبعاد التعاون الاقتصادي بين الصين والكيان الإسرائيلي
تتوسع أبعاد التعاون الاقتصادي بين الطرفين في مجالات الصادرات والواردات من السلع والخدمات والملكية الفكرية وبراءات الاختراع والاستثمارات والاتفاقيات التجارية الثنائية.
وفقاً للتقارير الصینیة، فیما یخص القطاع التجاري، بلغت الصادرات الصينية إلى اسرائیل 8 مليارات دولار في عام 2016، بينما کانت في عام 1992، 12.8 مليون دولار. وفي النصف الأول من عام 2018، بلغت واردات الصين من الكيان 2.77 مليار، بزيادة قدرها 47٪ مقارنة الفترة الزمینه نفسها عام 2017.
في المجموع، وفقًا للإحصاءات، ازدادت التجارة (الصادرات والواردات السلعية بينهما)، بحيث بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين عام 2014، 10 مليارات دولار، وارتفع عام 2018 إلى 15 مليار دولار.
براءات اختراع
ازداد الطلب الإسرائيلي بموضوع براءات الاختراع، في الصين، خلال العقدين الماضيين. هذا في الوقت الذي كان طلب براءة اختراع الصيني في الكيان ثابتًا من عام 1994 إلى 2019. طیلة هذه الفترة، بلغ متوسط طلبات براءات الاختراع في الصين 21 طلبًا سنويًا في الكيان، بينما يوجد في المتوسط، 283 طلب براءة اختراع إسرائیلیاً في الصين.
وفقًا للإحصاءات، فإن الطلبات والحقوق الحصریة لبراءات الاختراع الإسرائیلة في الصين کان دائماً في طور النمو والارتفاع منذ أواخر التسعينيات، بینما الطلبات والحقوق الحصریة لبراءات اختراع الصينية في الكيان الاسرائيلي کان ثابتًا ولم يرتفع. وهذا يدل على أن الصين في حاجة ماسة إلى الابتكار والتكنولوجيا الإسرائيليين، وأن التجارة بينهما ستتوسع في المستقبل في إطار الملكية الفكرية.
وبناءً علیه، أصبحت عملیات التصدير والاستيراد على صعيد العلاقات بین الطرفين، خارج نطاق السلع التقلیدیة مثل المواد الغذائية والماس ووجدت الکثیر من التنوع والتمايز. على سبيل المثال، صدّر الکیان المنتجات الإلكترونية والخدمات والمنتجات الزراعية الإسرائيلية إلى الصين.
الاستثمار
عامل الاستثمار آخدٌ في التوسع بين الطرفين بين عامي 2011 و2018، بحیث أبرمت الصین، 92 صفقة تجارية في إطار 87 مشروعًا استثماريًا و5 مشاريع بناء.
كان لقطاع التكنولوجيا الصيني بين عامي 2011 و2018، من أكبر الاستثمارات في الكيان الاسرائيلي، من حيث القيمة (5.7 مليار) ومن حیث العدد (54 من 87).
فی إطار هذا الإستثمار، سيزداد حجم التجارة الصينية- الإسرائيلية بشكل كبير في المستقبل، حیث يمكن للعلاقات التجارية بين الجانبين أن تدخل مرحلة جديدة. هناك أربعة مشاريع إسرائيلية كبرى في الصين قید الإکمال حیث يمكن أن تضاعف علاقاتهم التجارية في المستقبل:
- تطوير ميناء أشدود
- بناء قسم من محطة الجديدة لميناء حيفا مع حق التشغيل لمدة 25 عامًا،
- إنشاء وتشغيل خط سكة حديد تل أبيب (الذي تشارك فيه شركتان صينيتان)
- حفر نفق الكرمل.
One Belt and One Way”، سیتم تعمیق العلاقات التجاریة بین الجانبین. حيث يسعى الإسرائيليون إلى ضم ميناء حيفا وخط سكة الحديد المرتبط به، إلی مشروع صيني كبير كجزء من مشروع طريق الحرير.
كما أجرى الطرفان سبع جولات من المفاوضات لإبرام اتفاقية التجارة الحرة من عام 2016 إلى نهاية عام 2019، ورکز الطرفان على قضايا مثل التجارة السلع، أنظمة المنشأ، الإجراءات الجمركية، التسهيلات التجارية، الإجراءات الصحية والعلاجیة، حقوق الملكية الفكرية والمقررات الحكومة وما شابه، حیث تمكنوا من الوصول إلی نتائج إيجابية.
وبالمحصلة، وعلی صعید التجارة في السلع، تحتاج “إسرائيل” إلى السوق المتنامي الصيني، لتنويع تجارتها الخارجية لذا فهي تميل إلى العمل مع قوة الصين المتنامية.
من جانب آخر، تسعى إلى توسيع ابتكاراتها في العالم من خلال تسجيل براءات اختراع ضمن مفهوم الملكية الفكرية، وتحتاج الصين في المقابل إلى الابتكار الإسرائيلي وبراءات اختراع.
بالتالي، في هذا السياق، فإن الجانبين على استعداد للتعاون في مناقشة توسيع التجارة لكن هذا التعاون يمكن أن يتأثر بمكونات أخرى، بما في ذلك الدور الحاسم للولايات المتحدة في العلاقات الثنائية.
یجب ملاحظة أن “إسرائيل” قد بحثت من قبل تداعیات توسيع علاقاتها التجارية مع الصين وهي مصممة على توسيع العلاقات التجارية مع الصين.
تداعيات تعميق العلاقات الصينية الإسرائيلية على إيران
تعد إيران متغيرًا رئيسيًا في العلاقات الصينية الإسرائيلية، وغالبًا ما تتأثر بمواقف الصين وأولوياتها في الشرق الأوسط في المجالات المتعلقة بإيران والكيان. بالتالي فيما تعمقت العلاقات التجارية والاستثمارية والتكنولوجية بين الكيان والصين، فمن المحتمل أن تفضل الصين، “إسرائيل” على إيران في بعض المجالات. كما أن نفوذ “إسرائيل” في قطاع التكنولوجيا والملكية الفكرية يمكن أن يلقي بظلاله على علاقة الشركات الصينية في هذا المجال بإيران. في هذا السیاق العديد من الشركات الصينية العاملة في قطاع البنية التحتية أو الاستثمار الصيني نشطة أيضًا في قطاع التجارة الإيرانية. هناك خطر يتمثل في أن الصين تستخدم نفس الشركات في الأعمال التجارية الإيرانية والإسرائيلية، وبالتالي تكون قادرة على استخدامها كرافعات سياسية على المدى الطويل.
من بين 33 شركة صينية فعالة في التجارة الإسرائيلية حیث شملها استطلاع معهد راند في عام 2020، شرکة ZTE ومجموعة China Railway Tunnel Group نشطة أیضاً في مجال التجارة الإيرانية. والأنشطة التجارية لهذه الشركات في “إسرائيل” یمکن أن یؤثر على تواجدها في مجال التجارة الإيرانية في المستقبل. على سبيل المثال، انتهكت شركة ZTE العقوبات الأمريكية في عام 2010 حیث باعت شبكة جهاز المراقبة لإيران مقابل 130.6 مليون دولار.
في حال تم الارتباط العميق لهذه الشركات مع “إسرائيل”، فهذه الشرکات سوف تتأقلم بسهولة أکثر مع العقوبات الأمريكية ومن المرجح أن تغادر الأسواق الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، سيتضاءل دور سكة حديد إيران – العراق – سوريا بشكل كبير إذا تم إطلاق “إسرائيل”، كلاعب رئيسي في الطريق التجاري لمشروع الحزام والطريق الجديد، وخط سكة حديد حيفا – الخليج الفارسي.
في هذا الصدد يمكن للصين أن تستخدم إيران كورقة لعب في العلاقات الصينية – الإسرائيلية، لا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة.
الاستنتاج:
يمكن استنتاج عدة نقاط من هذا التقرير:
أولاً وقبل كل شيء؛ على الرغم من المخاوف الأمريكية، فقد تعمق توسع العلاقات التجارية الصينية الإسرائيلية، وازداد نفوذ الصين في الصادرات والاستثمار إلى “إسرائيل”، وبسطت الأخيرة نفوذها في الصين في مجال مفهوم الملكية الفكرية (نقل التكنولوجيا والتجارة والخدمات).
ثانيًا، نظرًا لقلق الولايات المتحدة العميق بشأن توسيع العلاقات التجارية بين الطرفين اللآعبین (أي الصین والكيان)، تستعمل الولايات المتحدة في المستقبل على تقليص العلاقات التجارية بين الجانبين وإنشاء آلية لمراقبة العلاقات التجارية بينهما.
ثالثًا، قد يشكل توسيع العلاقات التجارية بين الجانبين تهديدات تجارية واقتصادية لإيران، حيث من اللازم مراقبة العلاقات الصينية الإسرائيلية وتأثيرها على إيران عن کثب، ويجب على إيران الانخراط في الدبلوماسية مع الصين في هذا الصدد.