الأقتصاد

مغامرة ومخاطر جمة.. رجال أعمال أمريكيون يخوضون في “المياه العكرة” لتجارة النفط السوري

قبل عامين اثنين، عبر ثلاثة رجال أعمال أمريكيين (دبلوماسي وعميل خاص سابقان ومسؤول في مجال الطاقة) جسراً غارقاً في شمال شرق سوريا، بهدف إجراء محادثات حول النفط وتجارته المشبوهة في منطقة بالغة التعقيد. 

وبينما لعبت شركات النفط الغربية الكبرى منذ زمن بعيد دوراً مهماً في ضخ النفط الخام من الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق المجاور، كُلّفت هذه الشركة المجهولة بمهمة مختلفة، شملت التنقيب عن النفط وتكريره وتصديره من المنطقة الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا التي مزقتها الحرب. 

وصرح جيمس كاين، أحد المؤسسين الثلاثة لشركة “دلتا كريسنت للطاقة” والسفير الأمريكي السابق في الدنمارك لصحيفة “فاينانشال تايمز”، أن “شركات مثل إكسون وشيفرون لا تمارس مثل هذه الأنشطة…فهي سابقة لأوانها، ومغامرة جدًا…بل قد يقول بعضهم إنها تواجه مخاطر جمة…”. وعلى الرغم من رغبة الإدارة التي يهيمن عليها الكرد بالمنطقة في الانخراط بأعمال تجارية مع الشركات الأمريكية، ما يجنبها العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة ويتيح لها المشاركة في تجارة النفط السوري، فإن شركة “دلتا كريسنت للطاقة” تواجه عقبات هائلة. 

مؤسسو شركة دلتا كريسنت للطاقة: جيمس كاين وجيمس ريس وجون دورييه 
تحافظ المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا على علاقات شائكة وبالغة الحساسية مع كل من واشنطن و”نظام دمشق”. كما وفرت الميليشيات المحلية التي يهيمن عليها الكرد قوات على الأرض للمعركة المدعومة من التحالف ضد تنظيم داعش المتطرف. ولا تزال المنطقة معرضة لخطر هجوم محتمل من تركيا أو “الجهاديين”، حال دونه انتشار 900 جندي أمريكي. بينما يزعم نظام بشار الأسد ملكيته لحقول النفط، وأن الكرد لا يملكون حقا قانونيا في النفط. وعلى هذه الخلفية الخطرة، تبدو أنشطة “دلتا كريسنت للطاقة مغامرة ومحفوفة بالخطر”، كما يقول ديفيد باتر، الباحث المشارك في معهد تشاتام هاوس.

استغل الكرد الانتفاضة ضد النظام السوري في عام 2011 لاقتطاع نحو ثلث الأراضي السورية التي تضم معظم احتياطات النفط وفرض حكمهم عليها، وذلك بعد عقود من المعاملة القاسية والمجحفة التي تعرضوا لها من نظام أسد الحاكم. ومع إنتاج لا يتجاوز 30 ألف برميل يوميا حسب التقديرات، تعد هذه “موارد زهيدة”، على حد تعبير باتر.   

إلا أن النفط الخام يحظى بقيمة ثمينة لدى المهربين الذين ينقلونه إلى سوريا وشمال العراق، ودمشق التي منحت عقود تطوير حقول النفط لشركات روسية مكافأة لحليفتها العسكرية موسكو. بينما لا تسمح الإدارة الكردية للروس أو النظام بالوصول المباشر إلى الحقول.

تعرف جميس ريس، أحد مؤسسي شركة “دلتا كريسنت للطاقة”، والمقاتل السابق في قوات دلتا، على القيادة الكردية- “قوات سوريا الديمقراطية”- عبر الشركة الأمنية التي أسسها، “تايغر سوان”. وحين أدرك فرص تطوير حقول النفط الواقعة تحت سيطرة الكرد، جنّد كلًا من جيمس كاين محامي الشركات، وجون دورييه المدير السابق لشركة النفط الصغيرة، “غالف ساند”، المدرجة في لندن التي أدارت الحقول في شمال شرق سوريا قبل أن توقف العقوبات عملياتها في عام 2011. ثم أسس الثلاثة شركة “دلتا كريسنت للطاقة”، التي يشمل عقدها مساحة أكبر من تلك التي أدراتها “غالف ساند”، بحسب جون كاين.

منحت الخزانة الأمريكية، في أبريل من العام الماضي، رخصة نادرة تسمح بموجبها لشركة “دلتا كريسنت للطاقة” بتفادي العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة على قطاع النفط السوري. كما قدم كل من جيمس كاين (الجمهوري)، وجون دورييه تبرعات مالية لمرشحين جمهوريين. إلا أن الشركة تنفي استخدام أي نفوذ سياسي بهدف الحصول على الرخصة. 

وقال جويل ريبورن، المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا: “إن موافقة المسؤولين الأمريكيين أتت نتيجة دعمنا لمحاولة إنعاش اقتصاد شمال شرق سوريا.”

وهدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من الشمال الشرقي مرتين، لكنه تراجع عن قراره بعد ردة فعل عنيفة في واشنطن، وقال في وقت سابق إن القوات الأمريكية لا تزال موجودة هناك “من أجل النفط فقط”. ومع ذلك كله، يهرب بعض نفط المنطقة إلى نظام أسد الخاضع للعقوبات الأمريكية.

وصرحت جيسيكا مكنولتي، المتحدثة باسم البنتاغون، بأن وزارة الدفاع لا تتحمل مسؤولية حماية “شركة دلتا كريسنت للطاقة أو أي شركة خاصة أخرى”… تسعى لتنمية موارد نفطية في شمال شرق سوريا.

ضافة إلى ذلك كله، ستعمل الشركة في سوق مضطربة، حتى مع موافقة الولايات المتحدة. إذ تكرر آلاف البراميل من خام المنطقة الشمالية الشرقية في الوقت الحالي، عبر مصاف مؤقتة خطرة، أو تنقل بواسطة الشاحنات غربا إلى مصفاة حمص، إحدى المصفاتين اللتين يسيطر عليهما النظام السوري. وتباع بسعر منخفض في السوق السوداء، لتجلب دخلا يصل إلى 3 ملايين دولار يوميا، وذلك قبل انخفاض أسعار النفط في عام 2020، وفقا لوزارة الدفاع الأمريكية.

وقال عبد الله الغداوي، الصحفي من شمال شرق سوريا إن قسد وبسبب بعد الحقول جغرافيا، “لا تملك من خيار” سوى البيع لسماسرة النظام أو التجار المجهولين في شمال العراق. ووفقا لأحد المطلعين على مقاربة الولايات المتحدة تجاه سوريا فإن الولايات المتحدة “تغض الطرف، مع أنها تفضل تجارة النفط مع مكان آخر لكنها لم تعارض بقوة”.

“لكل السوريين الحق في موارد شمال شرق سوريا. [نحن] نقدم لهم أكبر قدر ممكن منها”، كما قالت بريفان خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا. 

وعلى الرغم من استعداد شركة “دلتا كريسنت للطاقة” للتوسط في مبيعات النفط في السوق العالمية، لكن ” الولايات المتحدة لا تقدم هدية لقسد حين تمنحها من جانب واحد الحق القانوني في النفط الخام المصدر بشكل مستقل من الأراضي السورية”، على حد تعبير باتريك أوسغود، كبير المحللين في الشركة الأمنية “كونترول ريسكس ميدل إيست”. بينما اعتبرت حكومة أسد أن بيع النفط من قبل شركة “دلتا كريسنت للطاقة” دون ترخيص منها يعد “سرقة موصوفة”. 

وأكد جيمس كاين أن حقيقة “إشارة وزارة الخزانة الأمريكية، عبر منح الترخيص، إلى أن مشروعنا يتماشى مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة” يجب أن تطمئن المتاجرين بالنفط.

لكن استعادة “الإنتاج بشكل كامل سيكلف مئات الملايين من الدولارات. وبالطبع، فإننا سنحتاج إلى استثمارات إضافية”، كما أضاف. 

وأوضحت شركة “دلتا كريسنت للطاقة” أن المؤسسين الثلاثة هم المستثمرون الوحيدون إلى الآن وليس للشركة غيرهم من المالكين. ومع أن الخطة قد تبدو مجازفة محفوفة بالخطر، إن لم تكن متهورة وحمقاء أصلا، فإن محاولة تقديم يد العون لقسد تستحق المجازفة. لقد “قاتلوا إلى جانب الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش…وهم يستحقون حياة أفضل”، كما يقول كاين. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى