قطار الركاب .. أمان وأمانة / بقلم / محمود حسن
لا تكاد مصر تظهر على خريطة خطوط السكك الحديدية قياسا بدول كثيرة من دول العالم ‘ فهي لا تمتلك إلا خط يتیم عتيق يشطرها إلى نصفين كخط الطول أو كعاهة مستديمة تشوه وجهها المشرق ‘ورغم أن كفالة اليتيم واجبة إلا أن هذا الخط لا يلقى رعاية تليق بهذا المرفق الحيوي والإستراتيجي الهام الذي لا يختلف إثنان على أنه بمثابة الشريان في الجسد ‘ ولأن الجسد لا يمكنه الإعتماد على شريان واحد لضمان تغذية جميع أنحاءه فلابد من إيجاد حلول أخرى ‘ ولنتصور الحالة الصحية لجسد لا يمتلك سوى شريان واحد مصاب بجميع أمراض الشرايين من تصلب وضيق ورواسب وتهتك ‘ وان القطار الذي يجري عليه هو بمثابة الدم الذي يجري داخل هذا الشريان ليبعث الحياة في الجسد كله .
والواقع أن حال القطار أسوء من حال الخط الذي يحمله ‘ فهو أيضا مصاب بجميع أمراض الدم من تكسير في كرات الدم الحمراء والبيضاء وأرتقاع شديد في الضغط وهبوط حاد في الدورة الدموية والقلب ‘ فالشريان متليف والدم فاسد مما أدى إلى إصابة الجسد بهزال شديد وأنيميا حادة واصبح يحتاج إلى عناية مركزة وإلى غرفة إنعاش ( إن عاش ) ولا يمكن علاج ذلك إلا من خلال حلول جذرية بقرارات قوية وطنية للتخلص اولا من الفساد الإداري داخل الهيئة وفرعها ومنع التناحر والخلافات والتعقيدات ثم القضاء على الفساد الفني ودمار منظومة الحركة والتحكم والإتصالات والمحطات والمزلقانات وأكشاك المتابعة والصيانة الميكانيكية والكهربائية والمقاعد وغيرها ‘ والعمل على إنشاء خط آخر مجاور مهما كانت التكاليف.
فحياة الإنسان يجب أن يهون أمامها أي شيئ ‘كما يجب فصل خط قطارات الركاب عن خط قطارات البضائع التي تحمل آلاف الأطنان ما يؤثر بشكل سلبي ومهلك وسريع في إتلاف قضبان السكك الحديدية وتعطيل الحركة عليها ‘ يا سادة الأمر بالغ الخطورة ‘ فهذا المرفق الحيوي يجب ان يحاط بسياج من الإهتمام والدقة المتناهية في العمل ‘ لأن مقابل الإهمال كارثة ‘ وإستمرار التسيب مصيبة ‘ ذقنا مرارتها عدة مرات في حالات وحوادث وصور مروعة من إنقلاب القطارات أو إصطدامها أو احتراقها ‘وليعش كل منا ولو لحظة واحدة حالة الهلع الشنيعة والذعر الرهيب التي يعيشها ركاب القطار الذي يصطدم أو يحترق وليصف لنا شعوره في تلك اللحظات التي يرى فيها الموث ياتيه من كل جانب ، ويرى لحوم البشر تتناثر أمامه أو تنصهر بجواره وهو يتخيل أن الدور سيأتي عليه ‘ وكان أمله حينما وضع قدمه على سلم هذا القطار أنه سيصل إلى بيته وأبناءه او إلى مكان عمله أو لقاء أحبابه أو قضاء مصالحه ‘ فعلی من تقع مسئولية الرحمة بهذا الراكب الآمن حسن النية الذي سلم نفسه لطوق النجاة وليس لصندوق الموت الأسود وهو مطمئن تماما أنه في ايدي أمينة تعمل على راحته وسلامة وصوله إلى مأربه وهو أيضا على ثقة تامة أنه في قطار ركاب آمن .