السياسة

أميركا: التشدّد مع إيران.. ونتنياهو يسنّ سلاحه

توافق الحزبان الأميركيان، الجمهوري والديمقراطي، على محاصرة وزارة خارجية إدارة الرئيس جو بايدن، ومنعها من تقديم تنازلات أمام إيران، لمُجرّد موافقتها على الدّعوة الأوروبيّة إلى الحوار مع الولايات المُتحدّة.

وبحسب الاتفاق، وهو رسالة وقّع عليها مناصفةً 70 نائبًا من كلّ طرف، وسبقت جلسة الاستماع لوزير الخارجيّة الأميركية أنتوني بلينكن أمام لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النّوّاب، فإنّه “لا اتفاق مع إيران إلّا إذا كان مربوطًا ببرنامجها الصّاروخي وأنشطتها المُزعزعة للاستقرار في اليمن والعراق وسوريا ولبنان”.

وبالتالي فإنّ البرنامج الصاروخي، ومعه نفوذ إيران في الدول العربية، بات مسلّمًا تسليمًا لا عودةَ عنه، بأنّه سيكون جزءًا من أي مفاوضات أميركية – إيرانية، وبالتالي من أيّ اتفاق ينتج عن هذه المفاوضات.

وانحصر الخلاف بين الحزبين على مشروع قانون تعدّه الأقلية الجمهورية، يجبر إدارة بايدن على طرح أيّ اتفاق مع إيران على التصويت أمام مجلس الشيوخ. إذا رفضت الأكثرية الديمقراطية القانون، واعتبرته “تكبيلًا” لأيدي إدارة بايدن، بعد خسارة الجمهوريين الأكثرية في مجلسي البرنامج الصاروخي، ومعه نفوذ إيران في الدول العربية، بات مسلّمًا تسليمًا لا عودةَ عنه، بأنّه سيكون جزءًا من أي مفاوضات أميركية – إيرانية، وبالتالي من أيّ اتفاق ينتج عن هذه المفاوضات

هكذا استطاع النوّاب الموقّعون على الرّسالة أن يحاصِروا الوزير الذي شارك في فريق باراك أوباما لإبرام اتفاق 2015 مع إيران. وبات بلينكن مجبرًا على عدم مخالفة إجماع مُشرّعي الحزبين، فتعهّد في جلسة الاستماع، بعدم تقديم أيّ تنازل.

وزير الخارجيّة المُتحمّس هو وإدارته لتنفيذ وعد بايدن الانتخابي بالعودة إلى الاتفاق مع إيران، وجد في جلسة الاستماع فرصةً ليرمي جزرةً من تحت قبّة المؤسسة التشريعيّة الأميركيّة إلى طهران. فعلى الرغم من تعهّده بعدم تقديم تنازلٍ لإيران في حال وافقت على الحوار، لمّح بلينكن إلى إمكان الإفراج عن مليارات الدّولارات من الأموال المُجمّدة للنّظام الإيراني في كوريا الجنوبيّة والعراق، فور عودة طهران إلى “التزاماتها في الاتفاق النّووي”.

يقف الأميركيّون والإيرانيّون كلٌّ في مكانه، بانتظار من سيُقدِم على الخطوة الأولى منهما. لكنّ الانتظار الأميركي لطهران يبدو أنّه سيكون مُكلفًا. فإيران التي تستغلّ انشغال الأميركيين بكورونا والصّين وروسيا، تسعى جاهدة للملمة ما تستطيع من أوراق للتفاوض، قبل ذهابها نحو الانتخابات الرّئاسيّة مطلع الصّيف المُقبل. أوراق لا تبدأ في اليمن ولا تنتهي في سوريا ولبنان والعراق.

الانتخابات التي ستشهدها إيران بات واضحًا أنّها ستنحصر بين أبناء البيت الواحد من التيّار المُتشدّد. إذ من المُتوقّع أن يخوض غمارها رئيس البرلمان السّابق علي لاريجاني، بوجه رئيس البرلمان الحالي محمّد باقر قاليباف، وبوجه رئيس القضاء إبراهيم رئيسي، الذي نافَس في الانتخابات الأخيرة الرئيس الحالي حسن روحاني.

طهران أرسلت “موجاتٍ” إيجابيّة في المقابلة التي قدّمها الرئيس السّابق محمود أحمدي نجاد على قناة “الجديد” اللبنانية، وأعلن احتمال ترشّحه بناءً على “خطاب السلام”، إلّا أنّ مسألة ترشيحه تحتاج إلى موافقة من المرشد علي خامنئي الذي وضع في السّابق فيتو على اسمه.

التّشدّد الإيراني بعد روحاني لن يكون أقلّ حدّةً ممّا هو عليه اليوم. المُرشّحون المُحتَمَلون المُحافظون الثلاثة، يُجمِعون على “عدم العودة للاتفاق قبل عودة الولايات المُتحدة إليه، ورفع جميع العقوبات الأميركيّة عن إيران”. وفي هذه الحالة، قد لا يجد وزير الخارجيّة الأميركية من يلتقط “جزرة المليارات المُجمّدة”.

الانتخابات التي ستشهدها إيران بات واضحًا أنّها ستنحصر بين أبناء البيت الواحد من التيّار المُتشدّد. إذ من المُتوقّع أن يخوض غمارها رئيس البرلمان السّابق علي لاريجاني

بلينكن لم يقف عند حدّ التلويح بالإفراج عن مليارات طهران. بل أكّد أمام لجنة العلاقات الخارجيّة، أنّ “الدّبلوماسيّة” هي الحل الأكثر استدامةً لمسألة إيران النّوويّة، كاشفًا في الوقت عينه أنّ واشنطن وافقت على حضور اجتماع الدول الأعضاء في الاتفاق النووي، لكنّ‎ إيران هي التي رفضت. هكذا قذف الكرة إلى ملعب إيران، لكشف جديّتها في التجاوب.

جلسة الاستماع إلى سياسة بلينكن الخارجيّة عقدت بعد أن أبلغت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” الدّول الأعضاء فيها أنّ إيران بدأت في حقن غاز UF6  (سادس فلوريد اليورانيوم) في مجوعة ثالثة من سلسلة 174 وحدة من أجهزة الطرد المركزي IR-2- M في منشأة نطنز للطاقة تحت الأرض.

وفي حين كان بلينكن والإدارة الدّيمقراطيّة يسيران في طريق “الدّبلوماسيّة” مع إيران، كان وزير الدّفاع الإسرائيلي بيني غانتس يُطلّ على شاشة “فوكس نيوز” ذات الميول الجمهوريّة، والتي تُعبّر عن التيّار المُحافظ في الولايات المُتحدّة، ليكشف عن أنّ الجيش الإسرائيلي يقوم بتحديث خططه لضرب المواقع النووية الإيرانية، وأنّه مستعدّ للعمل بشكل مستقلّ. وقال غانتس لـ”فوكس نيوز”: “في حال أوقف العالم الإيرانيين قبل صنع القنبلة النّوويّة سيكون هذا الأمر جيدًا جدًّا. لكن إذا لم يجرِ الأمر على هذا النحو، فينبغي أن نوقفه بشكلٍ مُستقلّ وأن نُدافع عن أنفسنا”.

المنطقة بأسرها باتت أسيرة التسابق بين مسارين لحلّ قضيّة الاتفاق النّووي: إمّا دبلوماسيّة بايدن، وهذه تبدو حتّى السّاعة بعيدة الجدوى بسبب التعنّت الإيراني والانتخابات الرئاسية التي تنتظرها، أو أن تتحرّك تل أبيب عسكريًّا من جانبٍ واحد، وتكسر أساسات الطّاولة التي يجلس بايدن عليها وحيدًا بانتظار أن يجلس في مُقابله الإيرانيّون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى