برعاية تركية.. إثيوبيا تعمق الخلاف مع السودان وتتجاهل الاتحاد الأفريقي
أكد خبراء، أن طلب السلطات الإثيوبية وساطة تركيا في الأزمة الحدودية مع السودان، تأتي في إطار بحث كل من أديس أبابا وأنقرة عن مصالح مشتركة على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة. ومساعي تركيا لتطويق مصر من الغرب و الجنوب، كرد على العلاقات المتميزة التي تربط القاهرة بقبرص واليونان على الحدود مع تركيا.
وطلبت وزارة الخارجية الإثيوبية بشكل رسمي وساطة تركيا لحل النزاع الحدودي مع السودان، الذي استدعى سفيره في أديس أبابا للتشاور بشأن تطورات أزمة الحدود المتصاعدة بين البلدين.
وقال متحدث وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، إن بلاده لا تفكر في الحرب في الوقت الحالي، وإن هناك إمكانية لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية. واتهمت الخرطوم، أديس أبابا بممارسة ما يشبه الاستيطان عبر تعديها على الأراضي السودانية بمنطقة الفشقة الحدودية.
وتثير منطقة الفشقة التوتر بين البلدين منذ سنوات، وتتاخم إقليم تيغراي الإثيوبي الذي يشهد قتالاً ومعارك ضد الحكومة المركزية الإثيوبية منذ نوفمبر الماضي.
وأدى هذا القتال إلى فرار أكثر من 60 ألف لاجئ إثيوبي إلى السودان.
مناكفة مصر
وتزامن ارتفاع وتيرة التوتر مع خلافات بين البلدين إضافة إلى مصر حول سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق ويمثل بعض المخاطر بالنسبة للقاهرة والخرطوم.
وقال أستاذ العلوم السياسية المصري الدكتور طارق فهمي، إن اختيار إثيوبيا لدولة غير عربية في الوساطة مع السودان ربما يكون مبرراً بخوف الجانب الإثيوبي من عدم حياد العرب أشقاء السودان في هذه القضية الحساسة، تخوفاً من الانحياز القومي للخرطوم.
وأضاف فهمي لـ«الرؤية»، أن هذا الأمر يأتي بشكل أو بآخر في إطار مناكفة مصر، واستدعاء الدور التركي في ملف يخص السودان هو محاولة لتطويق مصر من الغرب حيث ليبيا ومن الجنوب حيث إثيوبيا والسودان، محذراً من التحرك في هذا الاتجاه، لما يمثله من مخاطر مستقبلية إذا تواجدت تركيا في الجنوب.
وتوقّع أستاذ العلوم السياسية أن يكون طلب الوساطة بإيعاز من الجانب التركي بالأساس، كرد على العلاقات المتميزة التي تربط مصر بقبرص واليونان على الحدود مع تركيا، وهذا الأمر يمثل خطورة على الأمن القومي المصري والسوداني مستقبلاً، خصوصاً إذا عززت تركيا من وجودها الاستراتيجي والعسكري بتعاون إثيوبي.
وأشار إلى أن إقصاء تركيا من المشهد في منطقة شرق المتوسط وعدم ضمها لمنتدى غاز شرق المتوسط أو المنظمة الإقليمية للغاز، يدفع الأتراك للبحث عن أوراق ضغط أمام مصر، في رسالة رد على التدريبات العسكرية التي أجرتها مصر في البحر الأسود مؤخراً، وحالة الوفاق مع اليونان وقبرص.
وقال عضو مجلس الشيوخ المصري عمرو عزت، إن الجانب الإثيوبي يتعمد طول الوقت استفزاز مصر، حتى لو كان الأمر متعلقاً بالسودان، فهو يحقق للجانب التركي فرصة التواجد جنوب الحدود المصرية بعد فشل إقامة قاعدة عسكرية تركية في سواكن السودانية.
تجاهل الاتحاد الأفريقي
وأضاف عزت، وهو باحث متخصص في الشؤون الأفريقية لـ«الرؤية»، أن على أديس أبابا أن تحترم الاتحاد الأفريقي ولا تتجاهله في مسألة تخص الأمن والاستقرار في القارة السمراء، أو تطلب وساطة جامعة الدول العربية باعتبار السودان جزءاً منها، دون اللجوء لدولة لديها مطامع توسعية على حساب سيادة الدول العربية.
وأشار إلى أن إثيوبيا تعلم أن أي وساطة محايدة في الأزمة الحدودية مع السودان ستنصف الجانب السوداني صاحب الحق المعتدى عليه، وأن الخرطوم حاولت مراراً تسوية هذا الملف بشكل دبلوماسي، وهو ما تجلى في زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لإثيوبيا نهاية العام الفائت، لكن دون جدوى.
ويرى الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور كرم سعيد، أن سعي إثيوبيا لوساطة تركية في النزاع الحدودي مع السودان يحمل عدة دلالات، أهمها مرتبط بمحاولة تركيا استعادة نفوذها في السودان بعد الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير، الحليف القوي لأنقرة.
تلاقي المصالح
وقال سعيد إن الرئيس التركي يوعز إلى قطر بضخ الاستثمارات في السودان ليكسب موضع قدم في المستقبل، وفي نفس الوقت يقف إلى جانب إثيوبيا للحصول على موطئ قدم في منطقة القرن الأفريقي، لمناوئة بعض القوى الدولية والإقليمية في هذه المنطقة.
وتابع بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يترك منطقة مأزومة إلا ويتواجد فيها، على أمل امتلاك أوراق ضاغطة على القوى الدولية أو الأطراف الإقليمية في هذه المناطق، ويضع عينه على مناطق جديدة تعوض خسائر الاقتصاد التركي المتدهور، وتتلاقى رغبته مع إثيوبيا التي تبحث عن حليف يقوي موقفها في معركة سد النهضة مع القاهرة.