السياسة

الأخوة الإنسانية في يومها العالمي: بلسم الوحدة والتضامن لمداواة جراح البشرية

يحتفل العالم نهار الرابع من فبراير باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، والذي كرسته الأمم المتحدة مؤخراً، ونادت به في ذكرى توقيع وثيقة هي الأولى من نوعها، جرت بها المقادير على أرض الإمارات العربية المتحدة قبل نحو عامين، حين التقى رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، البابا فرانسيس، مع قبلة العالم السني، شيخ الجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيب، وثيقة الأخوة الإنسانية، والتي رسمت دروباً مضيئة ومليئة بالمودات الأخوية، في عالم بات الفراق ديدنه وأضحى التنائي بديلاً عن تدانينا، وناب عن طيب لقيانا تجافينا.

يتعين لنا أن نتساءل مخلصين، وأن نبحث عن الجواب: هل جاءت هذه الوثيقة لتفتح طاقات من الأمل للإنسانية في أزمنة صعبة قولاً وفعلاً؟

حكماً لقد صيغ الإنسان بطريقة لا تسمح له بأن يحقق ذاته أو يتطور، إلا ببذل ذاته دون مقابل للآخرين، حتى إنه لا يدرك تماماً حقيقته الخاصة إلا عبر لقائه بالآخرين.

عالم مليء بالحواجز

يبدو العالم في أوقاتنا المعاصرة مليئاً بالحواجز والسدود، التي تمنع فرحة اللقاء مع الآخر، ولهذا تطفو الأنانيات غير المستنيرة على السطح، فالمرء في واقع الحال لا يمكنه التواصل مع نفسه إلا بقدر تواصله مع الآخر، وهذا يفسر سبب عدم قدرة أي شخص على اختبار قيمة الحياة بدون وجوه ملموسة يحبها.

الأخوة الإنسانية هي سر الوجود الإنساني الحقيقي، لأن الحياة موجودة حيث يوجد رابط وشركة وأخوة، وهي أقوى من الموت، عندما تكون مبنية على علاقات حقيقية وعلى روابط الأمانة.

على العكس من ذلك، لا توجد حياة يدعي فيها البعض أنهم ينتمون إلى أنفسهم فقط ويعيشون في العزلة، ففي مثل هذه المواقف يسود الموت.

في اليوم العالمي للأخوة الإنسانية سوف يجدد بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر مواقفهما ورؤيتهما من فكر الأخوة الإنسانية، عبر لقاء مشترك، ينضم فيه إليهما أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، وشخصيات أخرى عالمية.

دعم إماراتي

وفرت الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كل الدعم اللوجيستي والفكري، لكي تخرج هذه الوثيقة على المستوى اللائق، والذي يكفل تغييراً جذرياً في حياة الناس، لا سيما والعالم على عتبات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وقد كان ولا شك لهذا الدعم، الأثر البالغ والمتميز، في بلورة رؤية إنسانية إيمانية هي الأولى من نوعها بعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والذي انعقد في روما عام 1962 حتى عام 1965، ودارت فيه مناقشات على مدى 4 أعوام، وصدرت عنه وثيقة «في حاضرات أيامنا»، تلك التي كانت الأساس الفكري والروحي، لكل تقارب مسيحي إسلامي منذ 1500 عام خلت.

زيارة تاريخية للبابا إلى الإمارات. (أرشيفية)

في هذه المناسبة، وجه رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، الكاردينال ميغيل أنجيل أيوزو غيكسوت، رسالة مسجلة لكل المحتفلين بهذا اليوم المتميز، أشار فيها إلى أن العالم يمر بمرحلة مظلمة للغاية، تتطلب استجابات وحلولاً مناسبة، لمشاكل حياتنا الوجودية، لذلك من المهم أن يحتفل كل عام، باليوم العالمي للأخوة الإنسانية.

طرحت جائحة كورونا التي ضربت البشرية خلال العام الماضي، أسئلة عميقة على أذهان البشر، فمن يمكنه أن يعيش وحيداً في عالم يهتز من أدناه إلى أقصاه، من جراء الجائحة التي أصابت الجميع.

قيمة الأخوة

من هذا المنطلق يحدثنا رجل الحوار الكاردينال أيوزو عن أن أحداً لم يعد قادراً على أن يخلص بمفرده، وقد بات من الضروري أن يسأل العالم نفسه حول قيمة الأخوة، فيما السؤال الأهم يدور في فلك الحاجة الحقيقية، لأن تتحد العائلة البشرية، بروح موحدة وصداقة حقيقية، من أجل تقديم إجابات على مشاكل مشتركة، وبشكل خاص، يجب على القادة الدينين أن يكونوا بمثابة عدوى للرجاء، وأن يقدموا شهادة للمجتمعات التي تعيش الوحدة والتضامن والأخوة.

حين صدرت وثيقة الأخوة الإنسانية، كانت إرادة جديدة للعمل من أجل ثقافة الحوار والجوار تولد حول العالم، وبهدف إفشاء السلام حول الكرة الأرضية، ومع انتهاء جائحة كورونا، ستجد الخليقة نفسها مدعوة لخلق فضاءات متجددة، وفسحات واسعة وشاسعة، من الأخوة والتضامن.

ألهمت وثيقة الأخوة الحبر الأعظم للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، لكي يكتب رسالته البابوية الأخيرة والشهيرة، تلك التي جاءت تحت عنوان: «كلنا أخوة»، والتي يستنهض فيها المسؤوليات الفردية والجماعية، في مواجهة النزعات والمتطلبات الجديدة على الساحة الدولية.

يحدثنا فرانسيس في رسالته المشار إليها عن الفردية التي لا تجعلنا أكثر حرية، وأكثر مساواة، وأكثر أخوة، وعنده إن مجرد مجموع المصالح الفردية ليس قادراً على إنشاء عالم أفضل للبشرية جمعاء، لا يمكنه حتى أن يحمينا من الشرور العديدة التي أصبحت أكثر فأكثر عالمية.

الوحدة والتضامن

في نص القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والخاص باعتبار الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، نجد أمنية غير مسبوقة، عند القائمين على الهيئة الأممية، إزاء أزمة لا سابق لها يواجهها العالم بسبب فيروس كورونا، بأن يتم البحث عن «تجاوب عالمي يرتكز إلى الوحدة والتضامن والتعاون المتجدد المتعدد الأطراف».

مراسم توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية. (أرشيفية)

تبقى إذن الدعوة للاحتفال كل عام بيوم الأخوة دعوة لإنارة الحياة الشخصية، وحياة الجماعات التي نعيش فيها، بروح تنبع من الوثيقة حول الأخوة.. بهذه الطريقة يمكننا أن نعمل معاً لكي نتغلب على التحديات التي تواجهها البشرية.

في هذا الإطار الأقرب إلى الدعوة اليوتوبية، يجب تشجيع الجماعات والأشخاص في جميع أنحاء العالم على البحث فقط، عن الخير العام والكرامة، لكل شخص بشري، والعمل لكي يتمكن بلسم الأخوة في الوحدة والتضامن من مداواة جراح البشرية.

جائزة زايد

نهار الخميس الرابع من فبراير، سيتم توزيع جائزة زايد للأخوة الإنسانية، تلك التي انطلقت من سويداء قلب وثيقة الأخوة، لتشجع أي وكل مبادرة إنسانية حقيقية، في أي بقعة أو رقعة حول الكرة الأرضية، تقرب ولا تبعد، تجمع ولا تفرق، في طريق السلام الأخوي، والتعايش الإنساني الواحد.

الأخوة الإنسانية ظل الأيادي الإماراتية الخلاقة على مسار التاريخ المعاصر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى