ثأر قديم في نفس أردوغان.. أكاذيب تركية في المسألة المصرية
هل يمكن لمصر أن تثق ولو لطرفة عين في أي حديث يخرج عن أنقرة؟
علامة الاستفهام المتقدمة رسمتها التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والتي أطلقها في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي، وأشار فيها إلى أن بلاده ومصر تسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية. مشيراً إلى ما أطلق عليه التواصل الاستخباراتي الثنائي بين البلدين.
أوغلو يتمادى إلى أبعد من ذلك، ويحلق في أجواء الأوهام الأردوغانية نفسها بحديثه عما أسماه الحوار القائم على مستوى وزارتَي الخارجية، مؤكداً أن هناك تنسيقاً للتحرك وفق مبدأ عدم التضارب في المحافل الدولية.
هل يُرتجى من الشوك عنب، أو يُجنى من الحسك تين؟
الجواب ربما يأخذنا إلى دائرة الأحقاد التاريخية للدولة العثمانية التي
يحاول أردوغان إعادة إحيائها في الآونة الأخيرة عبر المؤامرات والدسائس
تارة، ومن خلال تجنيد المرتزقة والإرهابيين تارة أخرى، وهو لا يدرك أن
التاريخ لا يعود إلى الوراء، ويفوته أن الإمبراطوريات تُبنى بالجهود
الحقيقية، وليس بالعداوات الإقليمية والدولية.
ظلامية العثمانلي
منذ عهد محمد علي مؤسس الدولة العلوية، وباني نهضة مصر الحديثة، الرجل الذي خلصها بشكل كبير من ظلام الدولة العثمانية، بل وشارك كثيراً في تقليص حضورها شرق أوسطياً، والأتراك لا يحملون لمصر أي خير.
ولاحقاً ومع ثورة يوليو 1952، بدت مصر وقد خلعت عنها أي بقية من الثوب العثمانلي الذي نشر الظلامية، عبر الدروب ذاتها التي يسير عليها أردوغان عينه، أي سرقة ونهب كنوز الشعوب، بل وعقولهم، وإرسالها إلى الأستانه، بالضبط كما يفعل الآن السلطان المنحول في ليبيا.
ولعل الكذب التركي البواح يتضح بشكل كبير في أحداث الأسبوعين الماضيين، ففيما كان أوغلو يتشدق بالعبارات الوهمية، ويرسم خيوطاً كخيوط العنكبوت، كانت أنقرة مستمرة في إرسال شحنات من الأسلحة عبر رحلات طائرات الشحن العسكرية «سي 130» إلى الغرب الليبي.
الحقيقة المتقدمة أشارت إليها مواقع عسكرية واستخباراتية متعددة في أكثر من دولة عربية وإفريقية وأوروبية، وبدا أن هناك طائرات محملة، سواء بأعداد من المرتزقة السوريين، أو بالأسلحة لدعم ميليشيات طرابلس، بعض من تلك الطائرات هبطت في قاعدة الوطية غربي ليبيا، في مؤشر على استمرار أنقرة في دعم المرتزقة.
تضرب أنقرة عرض الحائط بالقرارات الدولية التي تحظر إدخال الأسلحة إلى
ليبيا، وتعتمد في سياساتها الخارجية على بث الفتن وضرب العلاقات بين
الأشقاء العرب منذ عام 2011 حتى يومنا هذا.
نوايا خبيثة
قبل أن ينصرم العام الماضي بأيام قليلة، رأينا مشهداً عنترياً لوزير الحرب التركي، خلوصي أكار، في طرابلس، وهناك أخذ في التهديد والوعيد ضد قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ومن يدعمه، بحسب تصريحاته، الأمر الذي يُفهم منه مصر بشكل خاص.
طويلاً جداً روج الأتراك أكاذيبهم في محاولة للوقيعة بين الأطراف العربية الداعمة للشعب الليبي، ووحدة أراضيه، وسلامة ترابه الوطني، غير أن حقيقة الرياء التركي، جعلت الجميع يدرك النوايا الخبيثة القائمة والقادمة من وراء تلك الأكاذيب، ومنها محاولتهم الترويج للعلاقات المصرية التركية من الناحية الاقتصادية، وتفضيلها على الانشغال بما يحدث في ليبيا.
الجنون التركي المنفلت يسعى إلى قدره المحتوم بالدخول في معركة «ليبانت» أخرى، مثل تلك التي تكسرت فيها هيمنة إسطنبول عام 1517، وهم يعلمون تمام العلم أن مصر قادرة على ذلك تمام المقدرة. هل جاءك حديث المناورات المصرية البحرية الأخيرة، ومحاولة قطعة تركية الاقتراب من مياه المتوسط، وكيف أنها فرت مذعورة من أمام قطع الأسطول البحري المصري كالفأر من مواجهة الصياد.
لماذا لا تنساق مصر وراء الأكاذيب التركية؟
باختصار غير مخل، لأنها تدرك إدراكاً واعياً أن هناك ثأراً دفيناً في نفس أردوغان، وجرحاً غائراً في قلبه، يجعل رأسه ساخناً طوال الوقت، منذ الـ30 من يونيو 2013 حتى الساعة، حين خرج ملايين المصريين رافضين حكم المرشد، أي سطوة جماعة الإسلام السياسي على مقدرات الشعب المصري، والتي كانت تحلم بأن تدور في فلك الخليفة الذي فقد حلمه في مصر، وها هو ذا يعاود التجربة في ليبيا، بكل ما أوتي من ألاعيب وحيل لا تنطلي على أحد.
تدرك مصر أن الأحقاد التركية تجاهها قد زادت وتيرتها في الأعوام
الأخيرة، بعد أن تفجرت ينابيع الغاز في مياه المتوسط وأمام السواحل المصرية
بالغاز، تلك السلعة الاستراتيجية الأهم في العقود القادمة، ومما لا شك فيه
أن ليبيا بدورها لها نصيب وافر من الغاز المكتشف، وبما فيها من نفط
تاريخي، ومع الأخذ بعين الاعتبار الجدب والفقر الشديدين في حظوظ تركيا في
مياهها الإقليمية التي لا توجد فيها أي من السلعتين الاستراتيجيتين، يمكن
للمرء أن يفهم أن التحركات العسكرية التركية جهة سواحل المتوسط، إنما تهدف
إلى محاولة استنقاذ تركيا المنهارة اقتصادياً جراء مغامرات السلطان
المتهافت، حتى وإن جرى ذلك من خلال محاولة السطو على ثروات الليبيين.
الاحتجاجات تفضح الأغا
لا يمكن لجموع المصريين أن تصدق أوغلو وهي تستمع إلى حديثه عن مبدأ عدم التضارب، وفي الوقت ذاته يجمع الإرهابيين من كل صوب وحدب ويرسلهم إلى ليبيا، وتسجيلاتهم الصوتية والمرئية تتحدث عن حلمهم المكذوب في الانتهاء من ليبيا، ثم التوجه إلى مصر وإشاعة الفوضى والفساد فيها تحت راية الخلافة المزعومة.
قبل أيام كانت تظاهرات المرتزقة الليبيين في طرابلس تفضح الأغا ومن لف لفه، وتؤكد للعالم أن الجريمة لا تفيد، والمؤامرة لا يمكن أن تحاك على الشعوب الواعية، ذات الرصيد التاريخي، والمؤسسات المركزية القوية، والجيش التاسع على مستوى العالم بحسب التصنيفات الدولية.
لماذا يحاول أردوغان السعي إلى التصالح مع مصر، ومن قبل مع إسرائيل؟
ببساطة لأنه يدرك الغضب الساطع من واشنطن نحوه، وهذه قصة أخرى. إلى قراءة مقبلة بإذن الله.