الإعدام بالاعدام…والبادي اظلم
الإعدام بالاعدام…والبادي اظلم
كبريال مراد
لا يلام أهالي العسكريين المخطوفين لدى الجماعات الإرهابية. فهم يموتون مع أبنائهم في كل دقيقة وكل ثانية. باتوا يعيشون على المهدئات…وفسحة الأمل التي تتركها “خبرية” عن إيجابية ما على صعيد الملف المستمر منذ 5 اشهر، من بينها شهران في ساحة رياض الصلح.
من يجول في ما بينهم، قد يعجز أحياناً عن النظر في عين أم تبكي حسرة والماً، آخذة من احدى زوايا الساحة بقعة لانتظارها الذي طال، وهي لا تعلم ما اذا كانت ستستقبل ابنها العائد لتحضنه وتقبله وتهنئه على سلامة العودة من الجلجلة الطويلة، ام انها ستسير خلف نعشه.
مؤلم هو المشهد في ساحة رياض الصلح. فبعيداً من التصريحات الإعلامية والوجوه التي اعتادت الظهور امام العدسات، هناك حزن يفضّل ان يبقى صامتاً، على رغم أنه يبكي الف مرة ومرة في كل لحظة وكل يوم.
هكذا، بات الأهالي امام سندان جماعات إرهابية شطبت الإنسانية من قاموسها، ومطرقة الحكومة المتراخية في الحل. اليوم، بات الملف رهينة تداعيات اليوم الأول، واسير اللحظة التي سمح فيها للإرهابيين بالخروج من عرسال برفقة العسكريين. بين الأهالي تسمع السؤال التالي: كان على من يرفض المقايضة اليوم، او يتأخّر في طرح البدائل، الا يسمح بفك الحصار عن المسلحين ليخرجوا الى عرسال. فلحظة خروجهم باتوا اقوى من الحكومة، لأنهم يستطيعون ابتزازها في كل ثانية ودقيقة…وهو ما يحصل.
ما هو المطلوب اذا؟ الخروج من المياعة والمماطلة والتأخير في اتخاذ الخطوات الكفيلة بفك اسر لبنان، لا تحرير العسكريين فقط. فحتى الساعة، تتصرف الحكومة كشاب طائش لم يبلغ سن الرشد، فتبدو غير مسؤولة في تعاملها مع الملف. يتحدّث المعنيون عن أوراق ضغط في أيديهم، ولسان اهل الأهالي والمتابعين لماذا لم تستخدم بعد؟ وهل ينتظرون زف جميع الاسرى شهداء للتحرّك؟
في مكان ما، دخلت المزايدات على ملف العسكريين المخطوفين، ولم يظهر التعاطي الرسمي موحّداً في هذا الصدد. وزير يصعّد، وآخر يسهّل إيصال المال والمؤن…مسؤول يرحّب بإلقاء القبض على إرهابيين لمقايضتهم، ووزير يستنكر توقيف النساء والأولاد. هكذا، أدخل بعض “المسؤولين” الملف في بازار التثمير السياسي والطائفي…ظهر الانقسام، فاسترسل الخاطفون في ابتزازهم ولعبهم على التناقضات.
اليوم، هناك من يتحدّث عن المنطق التالي: لا للتأخير بعد الآن، فالإعدام يجب ان يواجه بالإعدام…والبادي اظلم. الأكيد انه لا يمكن للحكومة ان تتعامل بمنطق قطاع الطرق، ولكن احكاماً قضائية صادرة في حق إرهابيين، يجب ان تنفّذ بلا تأخير. بشكل او بآخر، من المفترض على الحكومة والسلطات المعنية ان يكشروا عن انيابهم بالأمن والقضاء، والاّ سيستمر البكاء على الشهداء الواحد تلو الآخر…
اما بعد، فمن الضروري ان لا يمر الملف بلا محاسبة، لا على التداعيات المحزنة فقط، بل على المسببين والضالعين والمغطين، والدافعين الى عدم اتخاذ القرار، والسامحين في آب الماضي لمجموعة إرهابية اعتدت عل الأراضي اللبنانية، بالتواجد فيها اولاً، وبالانسحاب الى جرودها ثانية مع اسرى كان بالإمكان انقاذهم لو تعاطت الجهات المعنية بحزم وحسم عندما دعت الحاجة…بدل التراخي والمماطلة والنظر الى ملف بحم الوطن، بنظرة حسابات الربح والخسارة في ميزان السياسة والطائفة.