أستاذ التاريخ تعرض للتهديد قبل قطع رأسه
أفاد النائب العام الفرنسي المكلّف قضايا الإرهاب السبت أن أستاذ التاريخ الذي قُطع رأسه قبل يوم في إحدى ضواحي باريس تلقى تهديدات عبر الإنترنت قبل قتله على خلفية عرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد على تلاميذه في الصف.
وقال النائب العام جان-فرانسوا ريكار في مؤتمر صحافي متلفز إن والد إحدى التلميذات طالب بإقالة المدرّس صامويل باتي (47 عاما) وأطلق دعوة عبر الإنترنت “للتحرّك” ضده بعد الحصة الدراسية التي تناولت حرية التعبير.
وقُطع رأس باتي خارج المدرسة التي يدرّس فيها في كونفلان سانت أونورين، شمال غرب باريس، بينما لقي منفّذ الاعتداء حتفه بعدما هاجمته الشرطة.
وعرّفت السفارة الروسية في باريس المهاجم على أنه عبد الله أنزوروف الذي وصلت عائلته إلى فرنسا عندما كان في السادسة من عمره وطلبت اللجوء.
وذكرت السفارة أن المهاجم البالغ 18 عاما حصل على الإقامة هذا العام ولا صلة له بروسيا.
وتم توقيف تسعة أشخاص بينهم والد الطالبة وإسلامي متشدد كان على قائمة أجهزة الاستخبارات الفرنسية للأفراد الخاضعين إلى الرقابة.
وذكر النائب العام أن المدرسة تلقّت تهديدات بعد الحصة التي جرت مطلع تشرين الأول/أكتوبر، وعرض المدرّس خلالها الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل والتي أظهرت إحداها النبي عارٍ.
واتهم والد التلميذة باتي بنشر “الإباحية”. ورفعت الطالبة ووالدها شكوى جنائية ضد الأستاذ الذي رفع بدوره شكوى عن تعرّضه للتشهير، وفق ريكار.
ونشر الوالد اسم باتي وعنوان المدرسة في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام من عملية القتل التي وصفها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ “الهجوم الإرهابي”.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، نشر تسجيلا مصورا قال فيه إن الإسلام والنبي تعرّضا إلى “الإهانة” في المدرسة.
– “مستوى تهديد إرهابي مرتفع” –
ولم يوضح ريكار إن كان للمهاجم أي صلة بالمدرسة أو التلاميذ أو الأهالي، أم أنه تحرّك بشكل مستقل استجابة للحملة على الإنترنت.
وأفاد شهود عيان أنه شوهد في المدرسة بعد ظهر الجمعة حيث كان يسأل عن مكان وجود باتي.
وعُثر على صورة لباتي ورسالة اعتراف بقتله على هاتف المهاجم النقال.
وأفاد النائب العام أن المهاجم كان يحمل سكينا وبندقية هوائية وذخيرة.
وأطلق النار على الشرطة وحاول طعن العناصر لدى تحرّكهم لمحاصرته قبل أن يطلقوا النار عليه تسع مرّات.
يذكر أن الاعتداء هو الثاني من نوعه منذ بدأت الشهر الماضي جلسات محاكمة شركاء مفترضين لمنفذي الهجوم الذي استهدف في كانون الثاني/يناير 2015 مكاتب مجلة شارلي إيبدو الساخرة، التي كانت نشرت رسوما كاريكاتورية للنبي محمد ما أطلق العنان لموجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي. وأعادت الصحيفة نشر الرسوم في الأوّل من أيلول/سبتمبر مع بداية جلسات المحاكمة.
والشهر الماضي نفذ شاب باكستاني يبلغ 25 عاما هجوما بساطور أمام المقر السابق لمجلة شارلي إيبدو في باريس أسفر عن إصابة شخصين بجروح بالغة.
وأشار ريكار إلى أن عملية قتل باتي تظهر “مستوى التهديد الإرهابي المرتفع للغاية” الذي لا تزال فرنسا تواجهه.
ومن بين الموقوفين أربعة من أفراد عائلة المهاجم المقرّبين وشخصين أفادا الشرطة أنهما كانا على اتصال به، بحسب النائب العام.
كما أوقفت الشرطة أحد أصدقاء والد التلميذة الذي ذهب معه لمقابلة مدير المدرسة والمطالبة بإقالة باتي. وكان الصديق المذكور في الأساس على قائمة أجهزة الاستخبارات الفرنسية للأشخاص الخاضعين للرقابة باعتباره إسلاميا متشددا.
وأشار ريكار إلى وجود مذكرة توقيف بحق أخت والد التلميذة غير الشقيقة، التي انضمت إلى صفوف تنظيم داعش في سوريا.
– “أنا أستاذ” –
لكن النائب العام أوضح أن المهاجم نفسه لم يكن معروفا بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الفرنسية.
وأكد أن التحقيق جار بشأن “عملية قتل على صلة بمنظمة إرهابية”.
وسيتناول التحقيق كذلك تغريدة نشرها حساب أنشأه المهاجم على تويتر وجرى إقفاله لاحقا تظهر صورة لرأس المدرس وتصف ماركون بأنه “زعيم الكفّار”.
وأثار ماكرون هذا الشهر حفيظة المسلمين عندما قال إن الإسلام يواجه “أزمة” بينما كشف عن خطة للدفاع عن قيم فرنسا العلمانية.
وزار الرئيس موقع الجريمة الجمعة وتعهّد بأن “الأمة بكاملها” تقف إلى جانب المدرسين من أجل “حمايتهم والدفاع عنهم” مضيفا “لن تنتصر الظلامية”.
وأعلن مكتبه السبت إقامة مراسم “تأبين وطني” لباتي.
ومن المقرر أن يجتمع الأحد الوزراء الذين يشكلون مجلس الدفاع الفرنسي لمناقشة عملية القتل، بينما يتوقع أن يقام حداد عام الأربعاء.
والسبت، تدفق مئات التلاميذ والأساتذة والآباء إلى مدرسة باتي حيث وضعوا الورود البيضاء.
وحمل بعضهم لافتات كتب عليها “أنا استاذ” و”أنا صامويل”، ما يعيد إلى الذاكرة شعارات “أنا شارلي” التي رفعت حول العالم بعد الهجوم على مقر شارلي إيبدو عام 2015.
– هجوم على مبادئ أساسية –
وقال التلميذ مارسيال البالغ 16 عاما إن باتي كان يحب عمله “كان يريد حقا أن يعلمنا أشياء، أحيانا كنا نجري مناظرات”. وبحسب عدد من الأهالي والمدرسين فإن باتي قال للتلاميذ المسلمين إنّ بإمكانهم المغادرة قبل أن يعرض الرسوم، وبأنه لا يريد جرح مشاعرهم.
وقالت فيرجيني البالغة 15 عاما إن باتي كان يقوم بمثل هذه الخطوة كل عام في إطار نقاش بشأن حرية التعبير عقب الهجوم على مجلة شارلي إيبدو.
وعبرت شارلي إيبدو في تغريدة عن “الشعور بالرعب والاشمئزاز” إزاء هجوم الجمعة.
وقال ريكار “تعرّض أستاذ للاغتيال بسبب العمل الذي يقوم به، لكن حرية الفكر والتعبير والقدرة على تعليم هذه المبادئ الأساسية في مدارسنا تعرّضت كذلك إلى هجوم”.