من الانتداب إلى انفجار مرفأ بيروت .. لبنان.. قرن من المحاصصة الطائفية
شهد لبنان، البلد القائم على المحاصصة الطائفية بسبب تركيبته التي تجعله عرضة لتدخلات من جهات شتى، خلال عام واحد سلسلة من الأزمات آخرها انفجار ضخم في مرفأ بيروت.
تعدد طائفي
على مساحة 10452 كيلومتراً مربعاً، يعيش نحو ستة ملايين نسمة، بينهم 4,5 ملايين لبناني، أكثر من نصفهم من المسلمين.
ويقوم نظام لبنان على المحاصصة بين طوائفه المتعددة، مع 18 مذهباً معترفا بها (2012): اثنتا عشرة طائفة مسيحية وخمس إسلامية وأقلية يهودية لم تعد موجودة.
وتتوزع الرئاسات الثلاث الأولى في لبنان على قاعدة مذهبية: رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة. كذلك، توزع وظائف الفئة الاولى على أساس طائفي.
لبنان جمهورية برلمانية. في 1990، وبموجب اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية (1975-1990)، عُدل الدستور، فأصبح عدد أعضاء المجلس النيابي 128 موزعين مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بعدما كان عدد المقاعد المسيحية قبل ذلك أكبر.
كذلك عُدلت صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي وأعطيت صلاحيات أكبر لـ”مجلس الوزراء مجتمعا”.
تاريخ من الحروب والأزمات
خضع لبنان للانتداب الفرنسي اعتبارا من 1920 بعدما كان تحت سيطرة السلطنة العثمانية. ونال استقلاله العام 1943.
اندلعت حرب أهلية العام 1975 بين المسيحيين من جهة والفلسطينيين الذين كانوا يحتفظون بترسانة ضخمة من السلاح لمحاربة اسرائيل انطلاقا من الأراضي اللبنانية، ومدعومين من القوى اليسارية والإسلامية التي كانت تأخذ على المسيحيين هيمنتهم على السلطة.
استمرت الحرب حتى 1990، ودخل على خطها الإسرائيليون الذين نفذوا اجتياحات مدمرة وصلوا خلال أحدها في 1982 إلى بيروت. كذلك، تدخل فيها السوريون اعتبارا من سنتها الثانية، وتمركز جنودهم في لبنان، وباتوا في التسعينات يتحكمون بكل مفاصل الحياة السياسية.
وأدت الحرب إلى سقوط 150 ألف قتيل.
في 1982، انسحبت منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتمتع بثقل عسكري وسياسي في الحياة اللبنانية من الجنوب وبيروت إلى طرابلس (شمال)، لتعود فتنسحب من عاصمة الشمال في 1983.
في 25 أيار/مايو 2000، انسحبت إسرائيل من الجنوب تحت ضغط العمليات العسكرية التي نفذها حزب الله خصوصا.
وفي العام 2006، شهد لبنان حرباً دامية بين إسرائيل وحزب الله استمرت 33 يوماً وقتل خلالها 1200 لبناني معظمهم مدنيون و160 إسرائيلياً معظمهم جنود.
من الوصاية السورية إلى النزاع
في العام 2005، انسحبت القوات السورية من لبنان بعد وجود استمر 29 عاما مارست خلاله نفوذا واسعا في الحياة السياسية، وجاء ذلك تحت ضغط الشارع والمجتمع الدولي إثر اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، وتوجيه أصابع الاتهام حينها إلى دمشق.
واتهمت بعدها المحكمة الدولية الخاصة أربعة أعضاء في حزب الله بتنفيذ عملية الاغتيال، وأعلنت في 18 آب/أغسطس 2020 حكمها بإدانة واحد من المتهمين الأربعة.
وشهد لبنان منذ 2005 أزمات سياسية وأمنية متلاحقة تضمنت عمليات اغتيال طالت بشكل أساسي المعارضين لدمشق.
وضاعف النزاع في سوريا المجاورة بدءاً من العام 2011 الانقسام بين القوى السياسية ومنها المؤيد للنظام السوري، لا سيما حزب الله وحلفاؤه، وأخرى معارضة بشدة، لا سيما تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري.
وتسبب تدخل حزب الله العلني في العام 2013 إلى جانب قوات النظام في سوريا بجدل كبير وتوتر سياسي. ونتيجة الخلافات الحادة، لم تجر أي انتخابات نيابية اعتبارا من العام 2009، بل مدد المجلس النيابي لنفسه ثلاث مرات حتى العام 2018.
في الفترة ذاتها، استهدفت سلسلة تفجيرات مناطق لبنانية عدة بينها الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله قرب بيروت، تبنتها تنظيمات جهادية في سوريا.
ويستضيف لبنان نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وفق تقديرات حكومية، ما يشكل عبئا اقتصاديا ضخما عليه.
كذلك يعيش في لبنان 174 ألف لاجئ فلسطيني، وفق أرقام حكومية فيما تتحدث تقديرات غير رسمية عن 500 ألف لاجئ.
اقتصاد هش وفساد
النظام اللبناني ليبرالي حر، وسجل معدل النمو الاقتصادي في لبنان انخفاضاً منذ العام 2011، ومنذ صيف العام 2019، شهد لبنان انهياراً اقتصادياً متسارعاً.
وأمام تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع الاحتياطي الأجنبي، أعلنت الحكومة اللبنانية في آذار/مارس “التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار”، في وقت كان يرزح لبنان تحت عبء دين عام يبلغ 92 مليار دولار، أي 170 في المئة من قيمة إجمالي الناتج المحلي.
ووضعت خطة انعاش اقتصادي وطلبت مساعدة صندوق النقد الدولي. وبعد 17 جلسة، عُلقت المفاوضات بين الطرفين.
وخلال عام انهارت الليرة اللبنانية، إذ خسرت أكثر من 70 في المئة من قيمتها أمام الدولار.
وحذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) من أن نسبة الفقراء من السكان تضاعفت لتصل إلى 55 في المئة في العام 2020 مقارنة مع 28 في المئة العام 2019، وارتفعت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع ثلاثة أضعاف من ثمانية إلى 23 في المئة.
ويشترط المجتمع الدولي على لبنان إجراء إصلاحات ضرورية للحصول على تمويل دولي يخرجه من دوامة الانهيار الاقتصادي، بينها 11 مليار دولار تعهد بها في العام 2018 خلال مؤتمر دولي برعاية فرنسية.
انفجار
في الرابع من آب/أغسطس، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت تبين أنه ناتج عن كميات ضخمة من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ سنوات من دون اتخاذ إجراءات الوقاية الكافية.
وأسفرت الكارثة عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين، وألحق أضراراً جسيمة في أحياء عدة في بيروت.