حيثيات براءة مبارك والعادلي ومساعديه في ”محاكمة القرن”
أودعت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدي، حيثيات “أسباب” حكمها الصادر ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ومساعديه الستة اللواء أحمد رمزي رئيس قوات الأمن المركزي الأسبق، واللواء عدلي فايد رئيس مصلحة الأمن العام الأسبق، واللواء حسن عبد الرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة الأسبق، واللواء أسامة المراسي مدير أمن الجيزة الأسبق، واللواء عمر فرماوي مدير أمن السادس من أكتوبر السابق.
وكان الحكم تضمن أيضا براءة مبارك في شأن الإتهام المتعلق بتصدير الغاز المصري لإسرائيل بأسعار زهيدة، وانقضاء الدعوى الجنائية في شان الإتهام المتعلق بتلقيه ونجليه علاء وجمال مبارك لرشاوى تتمثل في 5 فيللات من رجل الأعمال حسين سالم نظير استغلال النفوذ الرئاسي لصالحه، وذلك بمضي المدة المسقطة للدعوى الجنائية، وعدم جواز نظر الدعوى الجنائية بحق مبارك في شأن الاتهام المتعلق بالاشتراك في وقائع قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة يناير، لصدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بحقه، وذلك بصدور أمر الإحالة (قرار الاتهام) الأول بإحالة وزير داخليته ومساعديه للمحاكمة قبلها بستين يوما.
واستندت المحكمة في أسباب حكمها بعدم جواز نظر محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك عن تهمة الاشتراك مع وزير داخليته حبيب العادلي، في قتل المتظاهرين المناهضين لحكمه، نظرا لسابقة صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية – إلى أن كافة التحقيقات في البلاغات المتعلقة بقتل المتظاهرين، في هذه الدعوى، قد انتهت يوم 22 مارس 2011 ، وأن النيابة العامة ارتأت عقب انتهاء تحقيقاتها، قصر الاتهام على المتهمين حبيب العادلى وأحمد رمزى وعدلى فايد وحسن عبدالرحمن وإسماعيل الشاعر، وأسندت إليهم بالميادين العامة فى المحافظات الواردة بأمر الإحالة، أفعالا إجرامية مؤثمة لا تقبل التجزئة تمثلت فى الاشتراك بالقتل العمد مع سبق الاصرار المقترن بالاشتراك فى القتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه.
وأضافت المحكمة أنه بصدور أمر الإحالة بالنسبة للعادلي ومساعديه الأربعة المذكورين، فإن النيابة تكون بذلك قد استبعدت من هذا الاتهام المتهم محمد حسنى السيد مبارك رئيس الجمهورية الأسبق، بما يقطع لمحكمة الإعادة، بجزم ويقين وبطريق اللزوم العقلى، بصدور أمر ضمنى فى 23 مارس 2011 من سلطة الاتهام، بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل مبارك عن تلك الأفعال الإجرامية المؤثمة.
وأوضحت المحكمة أن أمر الإحالة (قرار الاتهام) الثاني فى الجناية رقم 3642 لسنة 2011 قصر النيل الصادر فى 25 مايو من ذات العام، لم تشمل وقائع مستجدة بالميادين العامة فى نطاق الجرائم التى لا تقبل التجزئة، بل جاء أمر الإحالة فى هذه التهمة (بالنسبة لمبارك) نقلا كربونيا متطابقا لأمر الإحالة في القضية رقم 1227 لسنة 2011 قصر النيل المتهم فيها العادلي ومساعديه، بما فيه من القيد والوصف للقتل العمد مع سبق الإصرار والشروع فيه، وهو ذات النهج لقائمة أدلة الثبوت إذا جاءت بدورها بمثابة نسخ كامل لقائمة مؤدى أقوال الشهود فى الجناية رقم 1227 لسنة 2011 قصر النيل.
وأكدت المحكمة أن التحقيقات فى الجناية المتهم فيها مبارك لم تتكشف فيها دلائل جديدة تقوى الدليل المطروح فى الأوراق للعدول عن الأمر الضمنى بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم محمد حسنى السيد مبارك، بما تعد معه حجية الأمر الضمنى بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية مازالت قائمة لوحدة الواقعة والأشخاص، ومن ثم يكون الاحتجاج بقرار النسخ أمر يفتقد للقانون والواقع، إذ لم تستظهر محكمة الإعادة من الأوراق ما ينبىء أو يفيد للقانون والواقع ما ينبىء أو يفيد ظهور دلائل جديدة قوية لجرائم بخلاف المرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة والواردة فى أمر إحالة الجناية رقم 1227 لسنة 2011 قصر النيل، تبرر إلغاء الأمر الضمنى ممن يملك إلغائه لتقديم المتهم محمد حسنى السيد مبارك للمحاكمة الجنائية فى الجناية رقم 3642 لسنة 2011 قصر النيل فى مقام الاشتراك فى الاشتراك بالقتل العمد مع سبق الاصرار المقترن بالقتل العمد مع سبق الاصرار والشروع فيه ، الامر الذى يترتب عليه قانونا أن يوصم أمر الاحالة، بأنه باطل بطلانا مطلقا فى شق الاتهام.
كما أكدت المحكمة أن هذا البطلان المطلق يقتصر فقط على ذلك الاتهام للمتهم محمد حسنى السيد مبارك دون ما عداه من اتهامات وردت بأمر الإحالة لذلك المتهم وآخرين، لعدم انسحاب الإمر الضمنى عليها.
وقالت المحكمة: “إنه رغم ما جلا للمحكمة من نقاء المطالب المشروعة للمتظاهرين من الشعب المصرى فجر الثورة الشعبية الاولى فى 25 يناير 2011 والتى نادت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، لما اعترى النظام الحاكم من وهن فى سنواته الاخيرة ومثالب كبطء القرار وفسق فرع منه وتهيأ للاستحواذ على مقاليد الحكم، وغض الطرف عن الموروثات الشرطية التى جلفت الفكر الامنى الخلاق، وتقاتل على ثروات مصر زمرة من المنتفعين واصحاب المصالح والمتسلقين، مع تزييف الارادة الشعبية واندثار التعليم واهدار الصحة وتجريف العقول المستشرقة للغد.. إلا إنه ما كان يتناسب الولوج لمحاكمة جنائية لرئيس الجمهورية الاسبق عملا بكود قانون العقوبات واستبدال الافعال الخاطئة فى نطاق المسئولية السياسية بالجرائم المشار اليها فى منطق الاتهام”.
واستندت المحكمة في تبرئة حبيب العادلي ومساعديه الأربعة (أحمد رمزي وعدلي فايد وحسن عبد الرحمن وإسماعيل الشاعر) من الاتهام بقتل المتظاهرين، إلى ما جاء على لسان الشهود الحضور لاجتماع مجلس الوزراء المصغر بالقرية الذكية يوم 20 يناير 2011 لتدارس التظاهرات المتوقعة يوم 25 من ذات الشهر.. حيث أكد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق أنه حضر الاجتماع بوصفه في ذلك التوقيت رئيسا لجهاز المخابرات العامة، وأن حبيب العادلي قال بالاجتماع انه سيتم التعامل مع تلك المظاهرات بالطرق الاعتيادية عبر تأمين المنشآت الاستراتيجية، والتعامل مع المتظاهرين على نحو ما سبق في كافة المظاهرات المماثلة التي شهدتها البلاد من قبل.
وأضافت المحكمة أن ذات الشهادة قال بها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، والذي ترأس ذلك الاجتماع، والمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق والذي حضر الاجتماع، واللذين قالا أمام المحكمة إن الاجتماع انتهى إلى الاتفاق على فض المظاهرات بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع حال تفاقم التظاهرات ولجوء المتظاهرين للعنف.
وأكدت المحكمة أن حقيقة الاجتماعين اللذين عقدهما حبيب العادلي مع مساعديه يومي 24 و 27 يناير 2011 جاءت – من واقع شهادة الشهود الذين حضروا الاجتماعين – أن الشرطة في المظاهرات ستلتزم أقصى درجات ضبط النفس، وعدم إظهارها لأي وجه للقوة أو الضعف حتى لا يكون مدعاة للاستفزاز.
وقالت المحكمة إن الاجتماعات الثلاثة المشار إليها، لم يتضمن أي منها – من واقع ما شهد به جميع الشهود الذين حضروها – ثمة قرارات شفوية أو كتابية أو أوامر إيجابية أو سلبية أو توجيهات أو تعليمات داخلية أو إشارات صريحة أو ضمنية نشرت للكافة بالشرطة أم اقتصرت على الخاصة، يمكن أن يرتكن إليها أو يستخلص منها أو يستنبط منها دلالات أو علامات في سبيل بزوغ ما يفيد الاشتراك بطريق التحريض لبعض الضباط وأفراد الشرطة المكلفين بتأمين المظاهرات في الميادين بالمحافظات، ليتصدوا للمتظاهرين بالقوة أو العنف بإطلاق أعيرة نارية صوبهم.
وذكرت المحكمة أن أوراق القضية خلت أيضا من ضبط أية اتصالات سلكية أو لاسلكية أو ثمة مكاتبات أو تعليمات مكتوبة أو شفية نابعة من الاجتماعات المشار إليها أو خلافها، تثبت جزما أو قطعا أو يقينا أو تلميحا صدور تحريض من المتهمين فيما بينهم أو مساعدتهم لآخرين من بعض الضباط وأفراد الشرطة، لارتكاب الجرائم موضوع القضية.
وأكدت المحكمة أنها ثبت لديها من واقع شهادة المشير طنطاوي، والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، واللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، واللواء مصطفى عبد النبي رئيس هيئة الأمن القومي، أن حبيب العادلي لم يصدر أوامر بإطلاق الأعيرة النارية على المتظاهرين، وأن تسليح القوات اقتصر على العصي والمياه، وانه لم يتم رصد ثمة تعليمات من العادلي لمساعديه باستخدام القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين.
ولفتت النيابة إلى أن النيابة العامة لم تشر في أمر الإحالة أو المرافعات، القواعد والتعليمات المنظمة لتسليح قوات الشرطة في مثل هذه الأحوال، لتقف المحكمة على وجه المساعدة المجرم بنشاط المتهمين، ثم لتزن من خلال هذا ما يدعم أو يؤيد نشوء الاشتراك بأي من صورتيه من عدمه، خاصة وأن اعتياد الشرطي على حمل أسلحة نارية، ومن بينها الخرطوش أو الطلقات المطاطية، لا يعني استخدامه في غير مقتضاه لما تنظمه نصوص القوانين الوضعية والقرارات الوزارية المنبثقة من ذلك.
وأكدت المحكمة أن ما دون بمحاضر اجتماعي العادلي بمساعديه يومي 24 و 27 يناير، من تعليمات انبثقت عن الاجتماعين، وترجمت في صورة أوامر عمليات أو خدمة أو إشارات بين مرؤوسي المساعدين الأربعة للعادلي – خلت من أية دلائل أو قرائن أو علامات أو إشارات صريحة أو مطوية بتحريضهم لبعض الضباط وأفراد الشرطة من مرؤوسيهم، والذين كان من المقرر اشتراكهم في تأمين المظاهرات، بالتصدي بالقوة والعنف للمتظاهرين بإطلاق أعيرة نارية وصول لقتل بعضهم وترويع الباقين لحملهم على التفرق.
وأضافت المحكمة أن كافة المكاتبات التي اطلعت عليها بين قيادات الأمن المركزي ورؤساء القطاعات ومديري الإدارة العامة، ومن واقع شهادة الشهود، أن تسليح تشكيلات الأمن المركزي، يكون قاصرا على الدروع والعصي وبنادق الفيدرال والخرطوش مزودة بكؤوس الإطلاق، على أن تكون الذخيرة المحملة للأسلحة قاصرة على الطلقات الدافعة “الصوتية” دون اصحاب طلقات الرش الخفيف أو الثقيل أو المطاط، وأن يكون التعامل مع المتظاهرين باستخدام الدرع والعصا ثم سيارات الدفع المائي ثم الغازات المسيلة للدموع، مع التنبيه على القادة بعدم خروج السلاح الآلي صحبة التشكيلات نهائيا أو مع تسليح سيارات الفض، والتنبيه على الضباط بعدم اصطحاب السلاح الناري الشخصي.
وعرضت المحكمة لأقوال كافة الشهود، من قيادات بقطاع الأمن المركزي، وضباط أقسام الشرطة، وكبار القيادات الأمنية بوزارة الداخلية، وأفراد الشرطة، الذين أجمعوا على أن تسليح قوات الأمن المركزي خلا تماما من ثمة ذخيرة حية في التعامل مع المتظاهرين اعتبارا من 25 يناير 2011 وما بعدها، وأن الذخيرة التي استخدمت كانت الطلقات الدافعة فقط، التي تستخدم كمحدث صوتي ودفع قنابل الغاز المسيل للدموع.
وأشارت المحكمة إلى أن جميع مديري الأمن في جميع المحافظات، قضي ببراءتهم بأحكام إما نهائية أو باتة من تهم قتل المتظاهرين وإصابتهم، وهم جميعا مرؤوسون للمتهم عدلي فايد، فأصبحت تلك الأحكام تحوز حجية وغدت تمثل عنوانا للحقيقة.
وذكرت المحكمة أنه فيما يتعلق بالمتهم حسن عبد الرحمن، فقد ثبت أن قطاع مباحث أمن الدولة برئاسة المتهم، ينحصر اختصاصه الوظيفي بشان التظاهرات، في جمع المعلومات ورصد الأحداث وتحليلها من جهة الداخل فقط، مؤكدة أنه لم يثبت للمحكمة من ثمة وثائق أو شهادات شهود، اشتراك أيا من ضباط قطاع مباحث أمن الدولة أو أفراده ميدانيا في تامين أو فض التظاهرات أو حتى في عمليات التأمين الثابتة أو المتحركة لحماية المنشآت والأحداث الحيوية من الممتلكات العامة أو الخاصة.
كما أكدت المحكمة أن لا يوجد ثمة اختصاص وظيفي لحسن عبد الرحمن أو قطاع مباحث أمن الدولة، في شئون تسليح قوات الشرطة المنوط بها التعامل مع المظاهرات، وأن تسليح القوات أمر قصره المشرع على القرارات الوزارية المكملة لقانون هيئة الشرطة، وأنه بمراجعة كافة تلك القرارات فقد تبين أنها جاءت دون أن توكل ثمة دور لرئيس جهاز مباحث أمن الدولة في نطاق تسليح القوات الشرطية.
وأوضحت المحكمة أنه يتعذر عليها أن تستخلص أو تستنبط من شهادات ذوي القتلى أو المصابين بالميادين العامة بالمحافظات العشر، الواردة بالتحقيقات، أي عنصر من عناصر الاشتراك في أي من صورتي التحريض أو المساعدة.
وقالت المحكمة إن التحقيقات والوثائق وشهادات الشهود، أبرزت أنه لم يكن بمقدور رئيس الجمهورية آنذاك أو أحد، إيقاف أحداث العنف والقتل، بحسبانها مخططا دوليا نفذه التنظيم الإخواني، كما لم يكن في قدرات الشرطة مجابهة ما عصف بالبلاد لأول مرة في تاريخها المعاصر، إلى جانب أن مرتكبي جرائم القتل والشروع فيها يستظلون بـ “حالة الشيوع” باعتبار أن من تعامل مع المتظاهرين بالأسلحة النارية والخرطوش بالميادين العامة بالمحافظات المختلفة، كانوا عصبة، بعضها من تلك الحفنة لبعض ضباط وأفراد الشرطة الذين خالفوا تعليمات رؤسائهم، والبعض الآخر من التنظيم الإخواني ومن تحالف معهم، وكذا من انضم إليهم من الغزاة الوافدين بعناصرهم العربية والأجنبية.
وأضافت المحكمة في هذا الصدد ما ورد بشهادات المشير طنطاوي واللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية العسكرية الأسبق واللواء مراد موافي والفريق سامي عنان، من أن المسلحين الذين كانوا يعتلون أسطح العقارات بميدان التحرير يوم 28 يناير، هم من الإخوان المسلمين، وأن جهاز الشرطة لا يمتلك فرص قناصة أو أسلحة قنص موجهة بأشعة الليزر.
وأكدت المحكمة أنه ثبت لديها من واقع شهادة الشهود أن عناصر منظمة من التنظيم الإخواني المتستر خلف عباءة الدين، تعاونها جهات خارجية، استخدمت فئة إجرامية، لتحطيم جراج السفارة الأمريكية يوم 28 يناير 2011 وقاموا بسرقة السيارات الدبلوماسية لتنطلق في ميدان التحرير وتدهس المحتجين وبعض رجال الشرطة، لخلق حالة من الذعر والاحتقان بين المواطنين والشرطة.
وأضافت المحكمة أن الصورة الثانية لوقائع دهس المتظاهرين بمركبات شرطية، والتي اتهمت فيها النيابة المتهمين بالتحريض عليها، فإن المحكمة ترى أنه نسبة إجمالي عدد القتلى والمصابين بالميادين العامة في فترة أمر الإحالة ( 25 – 31 يناير 2011 ) بصفة عامة، وبصنيع الدهس بمركبات الشرطة بصفة خاصة، وبالنظر للملايين المحتشدة، لا يمكن أن يستقرأ منها عقلا أو منطقا بأن هذه منظومة معدة سلفا لنشاط اتخذ صورة المساعدة من أي من المتهمين، وهي لا تعدو أن تكون سوى أفعال فردية فرضتها الظروف المحيطة بالتظاهرات وما حاق بالبلاد من أعمال عنف لم تشهدها من قبل.
وذكرت المحكمة أنه ثبت لديها في ضوء أقوال الشهود، تعذر معرفة أو إدراك مصدر الأعيرة النارية لحظة إطلاقها، نظرا للسرعة الهائلة للمقذوف المنطلق من فوهة تلك الأسلحة، مع تجمع الاف المتظاهرين.. مشيرة إلى أن كثيرا من الشهود، نفوا أن تكون الشرطة هي مطلقة الأعيرة النارية صوب الضحايا.. موضحة أن أقوال الشهود والمستندات توافقت على أن الإطلاق العشوائي لأعيرة نارية، كان لزمرة من الأشخاص تناثروا بين المتظاهرين بالميادين العامة، وتقنعوا بأوجه قبيحة تارة للمسيرين من التنظيم الإخواني، أو المنتمين لجماعات بزعم نصرة الإسلام أو من شايعهم من التيارات السياسية المختلفة التي تتخذ من العنف منهجا وأسلوبا أو الغزاة الوافدين من بعض الدول العربية أو الأجنبية بأسلحتهم المهربة للبلاد عبر الأنفاق السرية وخلافه.
وأوضحت المحكمة في معرض الإيضاح لأسباب براءة العادلي ومساعديه الستة، من تهمة الإهمال في جمع المعلومات وتأمين المنشآت العامة، أن مجمل الأوراق والحقيقة تنطق بان التظاهرات بدأت من 25 يناير، وإن كانت قد استهلت من الشباب الوطني احتجاجا على الأوضاع المتردية، ثم توقدت التظاهرات يوم 28 يناير، لتصبح ثورة شعبية، غير أن التقطها بعد ذلك – بتخطيط محكم وفعاليات معدة – التنظيم الإخواني المتستر خلف عباءة الدين، والمدعم دوليا، حيث انتقلوا بمخططهم وصولا لأهدافهم التي يتقدمها إسقاط الدولة المصرية بأكملها وإهدار مؤسساتها، بدءا من نسف الهيئة الشرطية ونيلا من القائمين على أمورها، لاعتيادهم ضبط أو اعتقال أنفار من هذا الفصيل، فأعانوا البلطجية ومثيري الشغب والخارجين عن القانون ليمارسوا هوايتهم الشيطانية بالقتل والتخريب وسرقة محتويات المباني الحكومية، وترويع الآمنين بالميادين العامة.
وأضافت المحكمة ان تلك العناصر الإجرامية، اقتحمت في توقيت زمني متقارب الأقسام الشرطية والمراكز، في المحافظات المختلفة، واستولوا على أسلحتها وذخائرها، وأتلفوا مستنداتها وأحرازها، وأخرجوا السجناء والموقوفين، وأحرقوا تلك الأماكن.
وذكرت المحكمة أن تلك الأحداث يتعذر تقديرها وتوقع حدوثها، لندرتها، بما استحال معه تأمين كافة الأقسام والمنشآت الشرطية أثناء الهجوم عليها أو الممتلكات العامة والخاصة.. مشيرا إلى أن بعض العوام توهموا أن بمشاركتهم في ذلك سيحظون برضا الرحمن بما يصنعونه حسبما زج في رؤوسهم من سموم ذلك التنظيم الإخواني، فتسابقوا لهدم الوطن.
وفيما يتعلق باتهام مبارك ونجليه بتلقي عطية “رشوة” من حسين سالم، تتمثل في 5 فيللات نظير استغلال النفوذ الرئاسي لدى محافظ جنوب سيناء، فقد اوضحت المحكمة أن جنايتي استعمال النفوذ وتقديم العطية من الجرائم الوقتية، وأن حسين سالم قدم تلك العطية لمبارك ونجليه خلال عامي 1997 و 1998 وتم قبولها في ذلك التاريخ، حيث يبدأ منذ ذلك التاريخ احتساب المدة الموجبة للسقوط بالتقادم، باعتباره تاريخ تمام الجريمة، حيث اكتملت مدة العشر سنوات المسقطة للتقادم لجنايتي مبارك وحسين سالم، لتنتهي مدة التقادم عام 2008 .. إلى جانب 3 سنوات لجنحة علاء وجمال مبارك التي تنتهي بمضي 3 سنوات، أي في عام 2001 .
وأوضحت المحكمة بالنسبة لحكمها بتبرئة مبارك بشان تهمتي الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة مع سامح فهمي وزير البترول الأسبق في تربيح حسين سالم دون وجه حق، والإضرار العمد بالمال العام، والمسندتين له في الواقعة المعروفة بتصدير الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة، فإن أقوال الشهود في القضية جاءت لتؤكد أنها لم يتناه لسمعهم ان مبارك شارك، سواء باتفاق أو مساعدة، مع سامح فهمي على إسناد أمر بينع وتصدير الغاز المصري لإسرائيل عبر الشركة المملوكة لحسين سالم.
وأضافت المحكمة أنه لم يتضح لها أن مبارك قد أبان في أية صورة، كتابة أو شفاهة أو إيماءات أو تمليحات لأحد، بوجوب التعاقد مع شركة حسين سالم من خلال الأمر المباشر أو خلافه، مخالفا الإجراءات القانونية الصحيحة، كما لم يقم (مبارك) بتحديد سعر التعاقد لا يتفق والأسعار العالمية السائدة لجني مؤسس الشركة أموالا أو منفعة دون وجه حق من خلال عمل من أعمال وظيفة رئيس الجمهورية.
وأكدت المحكمة أنه لا توجد أفعال مادية أو أقوال تكشف عن اتجاه إرادة مبارك للاشتراك في الإضرار العمد بالمال العامة في تصدير الغاز، مشيرة إلى أن تقرير اللجنة الرباعية التي شكلتها النيابة، وما تلاه من شهادات، ثبت للمحكمة منها أن تلك اللجنة كانت قد وصلتها معلومات منقوصة بشأن تلك القضية.
وذكرت المحكمة أنها شكلت لجنة ثلاثية، أعدت تقريرا فنيا خلصت فيها إلى ان الثمن الوارد بالتعاقد على بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، والذي تم المحاسبة عليه فعليا، يتماشى مع الثمن الحقيقي للبيع.