الطب الوقائي – بقلم / محمود حسن
” إذهب بنفسك للفحص قبلما يذهبون بك للعلاج ” ماذا لو تحول هذا الشعار إلى واقع عملي تطبيقي ؟ ليصبح ثقافة شعب ومنهج تتولى أمره الدولة من جانبها والمجتمع كله بكافة أطيافه من نفس الجانب ‘ فالأمر جد خطير وجدير بالتفكير وتصحيح المسار ‘ ذلك لأن السائد في مجتمعاتنا هو الطب العلاجي فقط وليس للطب الوقائي وجود فعال ‘ وكان وراء ذلك كثير من الجهات المستفيدة والمستميته في ترسيخ ودعم الطب العلاجي ‘ وأولها ” مافيا ” الأدوية العالمية ومن ورائها ممن يناهضون فكرة الطب الوقائي بل ويعملون على انتشار الأمراض والأوبئة لتسويق منتجاتهم الهائلة من العقاقير ومستلزماتها الطبية.
والواقع أن المنظومة الطبية معكوسة تماما وكأننا نضع العربة أمام الحصان وهذا ما أدى إلى زيادة معدلات الإصابه بالأمراض لاسيما المزمنة والخبيثة وعجز المؤسسات الطبية عن مواجهتها او الحد منها مهما كانت توسعاتها الرأسية والأفقية. ونجد ان ما ترسخ بالأذهان هو عدم زيارة الطبيب إلا بعدما يتفاقم الأمر ويتمكن المرض من الجسد فلا يستطيع أن يصلح العطار ما أفسده الدهر ‘ ولا نبرأ مراكز العلاج من المشاركة في تلك الكارثة بخاصة أصحاب المصلحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه .
وفي متابعة للسيناريو الطبي الذي يحدث بالفعل نجد ان الجهات العلاجية عامة كانت أو خاصة تستقبل الحالة المرضية وأكثرها ميئوس من شفائه ثم تقوم بتحويله إلى جهات الفحص المتمثلة في معامل التحاليل ومراكز الأشعة للقيام بحزمة شاملة من الفحوصات وارسال التقرير إلى الطبيب المعالج ليقوم بدوره بتشخيص الحالة والتعرف على جملة الأمراض التي تراكمت عبر سنوات عمر المريض من الإهمال والتهاون والتقصير في حق نفسه وتقصير المجتمع في حقه وربما يكتشف الطبيب بعد الفحص أن الحالة ليست في نطاق تخصصه فيقوم بتحويله إلى الطبيب المختص .
أما عن المسار الصحيح للمنظومة الطبية فهي تبدأ من مراكز الفحص لتكون قاطرة للعملية الطبية الصحيحة وليست مقطورة وإعادة حقها المسلوب ولا ننسى عند إعادة الحقوق لأصحابها النظر إلى حق الصيدلة ودورها الهام في المنظومة الصحية والذي أهدر وأختزل وتقلص وتقزم الى حد مؤسف وتوقف عند قراءة ما يكتبه الطبيب وتنفيذه حرفيا فأهدرت تلك الكفاءة العلمية التي يمكن الإستفادة منها في أمور شتى علم الدواء وتركيباته وخصائص مواده الفعالة ‘ والأمر يحتاج إلى وعي شديد لفهم المخطط وانتشار ثقافة الطب الوقائي والعمل بالمقولة المحفوظة ” الوقاية خير من العلاج ” بشكل عملي ‘ ولا يتسنى ذلك إلا من خلال اصدار تشريع بضرورة إجراء فحص دوري نصف سنوي أو سنوي على الأكثر بشكل دائم ببطاقة فحص يحملها كل مواطن ولا يتم الموافقة له على أنهاء اي مصلحة إدارية كترخيص السيارة او استخراج اي مستند له إلا بعد النظر إلى بطاقة الفحص الطبي والتأكد من قيامه بعملية الفحص.
والأمر لا يحتاج إلى تكلفة مالية كبيرة على المواطن بل على العكس تماماً فهي سوف توفر له وللدولة الكثير من الفوائد أهمها الإطمئنان الدائم على مستوى الحالة الصحية له ‘ ثانيا التعرف على المرض عند بداية دخوله إلى الجسم ما يسهل التخلص ليصبح كأن لم يكن فمن المعروف أن كثير من الأمراض المستعصية والخبيثة إذا ما تم إكتشافها مبكرا أمكن التخلص والتعافي منها تماما ‘ ثالثا توفير التكاليف الباهظة التي يتكبدها المريض ماديا ومعنويا وجسديا رابعا الحد من التكاليف التي تتحملها ميزانية الدولة من انتاج او إستيراد الأدوية والمستلزمات والأجهزة والأبنية والقوى البشرية .
لذا وجب على الدولة ان تقوم بدورها من خلال أجهزتها المعنية بالأمر والمتمثلة في وزارة الصحة وهيئة التأمين الصحي والمستشفيات الجامعية وكذلك المنظمات المهتمة وذات الصلة في نشر وتطبيق ثقافة الطب الوقائي وفرضه على المجتمع ثقافيا وعمليا من خلال استخراج بطاقات الفحص الدوري برسوم رمزية ‘ وعلى الجانب الآخر يجب على مراكز الفحص الخاصة والمتمثلة في معامل التحاليل ومراكز الأشعة ان تقوم بدورها المجتمعي في هذا الأمر وتسهيل عملية الفحص الدوري للمواطنين برسوم رمزية وعلي تلك الجهات ان تعلم أن في ذلك فائدة عظمى لها لأنه سوف يعيد لها موقعها الحقيقي في مقدمة المنظومة الطبية لتقوم بعملية الفحص وتحويل المريض الى الطبيب المختص في حالة إكتشافها لوجود مرض مذ بدايته ‘ ولا تظل جهات الفحص تحت رحمة الطبيب المعالج والذي يقوم بتحويل المريض إلى أصدقائه من أصحاب مراكز الفحص الخاصة والذي يختار من بينهم من يقوم معه بواجبات الصداقة كما يجب ‘ لقد آن الأوان كي تتبوء كل جهة مكانتها الطبيعية ولتذهب بنفسك وعلى قدميك للفحص قبلما يذهبون بك محمولا إلى العلاج .