أمل هباني تكتب في أيام مناهضة العنف ضد المرأة: لن يحميك رجل
كثيرات منا (نحن النساء ) قد يكن مررن بتجربة البحث عن حماية الرجل ، تحت مسمى فارس الأحلام ،حامي الحمى وغيرها من المفردات التي ربانا المجتمع عى أنها حقائق ومسلمات ..ومع مرور الزمن وخبرة الحياة اكتشفنا أنها (أوهام ) مرهقة ومكلفة و قد لا تتحقق أبدا .
بل بالعكس قد يؤذيك الرجل تحت راية الحماية …ليس هناك أب أوأخ أو زوج مصمم في تكوينه )البيولوجي)على حماية المرأة ابنة ،أخت أو زوجة ،لكن هناك رجل من الوعي والانسانية والشهامة ما يجعله يعينك ويدعمك على حماية نفسك …أبوك الذي يصر ويشقى ويكدح من أجل اكمالك تعليمك ..لتحملي شهادة جامعية تعينك في حياتك …أخوك الذي لا يضع نفسه وصيا عليك بقدرماهو داعم لك لتتلمسي طريقك في الحياة .. زوجك الذي يحترم عملك وعقلك ووجودك..حبك للقراءة ..شغفك بالأفلام الأجنبية ..أو غيرها من الهوايات التي تحبينها كإنسانة لها الحق في ممارسة جزء من حياتها بصورة شخصية فيها مساحة من الخصوصية غيرمسموح لغيرك باختراقها ….
فالحماية تأتي من تطوير الذات أولا ، أما الرجل الذي يعتقد هو أو تعتقدي أنتي أنه يحميك بقائمة الأوامر والممنوعات .ألبسي هذا لاتلبسي ذاك ..تحدثي مع هذا ولا تتحدثي مع ذاك ..لماذا فعلتي ؟ لماذا لم تفعلي ؟ …فهذه مجرد علاقة إذعان بين مالك ومملوكة .يكون قوامها في الغالب الحوجة المادية للرجل .
وفي الحقيقة الحوجة المادية لأي انسان تجعلك في مقام الإذعان و( سمعان الكلام ) لأنها علاقة (اليد العليا ) باليد ( السفلى) ، وللأسف مع ظروف السودان الإقتصادية السيئة ،انتشرت مثل هذه العلاقات حتى بين الرجال أو النساء كعلاقة الموظف برب العمل متى ما كانت هذه العلاقة لا تحكمها الحقوق التعاقدية الواضحة بالقوانين واللوائح …علاقات العمل و(البزنس ) ايضا تنتشر فيها مثل هذه العلاقات (اليد العليا ) (باليد السفلى ) خاصة في ظل الحكم الفاسد وغياب العدالة الإجتماعية .لكن دعونا نحصرها بين الرجل والمرأة اتساقا في هذا المقال .
حبيبتي ..لا تفعلي هذا
أن اسوأ اشكال هذه العلاقة المملوكية هي التي تأتي باسم الحب وعشم الزواج من الرجل للمرأة . قائمة أوامر الرجل ( الحبيب) أو (الخطيب) حبيبتي لاتلبسي هذا لأني أغار عليك فهو يظهر جسدك الجميل ومفاتنك التي يجب الا تظهريها لرجل سواي ..
حبيبتي .لا تضعي صورتك (بروفايل ) على الفيس بوك لانه مليء بالرجال السيئين الذين يتصيدون الجميلات ..ولا تتحدثي في الخاص مع أحدهم فالذي يدخل لك في الخاص رجل سيء النوايا ويستدرجك لهذا السوء .. امسحي الواتساب من تلفونك ..امسحي الايمو لان فيه كثير من المتحرشين والسيئين ..اقطعي علاقتك بصديقتك هذه لانها (بتاعة أولاد.. وتعرض نفسها على أي رجل ) ..
والوصايةهنا (مغلفة بالغطاء السكري) كما يقول أهل الإعلام ؛ أسألي نفسك سؤال ما الذي يجعله يمتلك هذا الكم الهائل من المعلومات التي تجعله مثل الدليل الاستكشافي الذي يحدد لك (لا تمشي في هذا الطريق لأن فيه لغم ..ولا تمشي في هذا الطريق فهو ينتهي بواد سحيق .)دون اعطاءك حق التعلم والتصحيح عبر ممارسة هذه الأخطاء التي جربها هو ورفعته لدور الوصاية والحماية عليك .
غيري هذه الملابس قبل أن (اكسر وجهك) :
فهذا نمط الحماية الأخوية وهو الاشد عنفا الآن . لا لطف فيه ولا تقدير ؛ فهو كثير الكارات مع بقية (أخوات الرجال ) من أمثاله ولا يريد لرجل أن يقترب من مضارب ( عرضه ) و( شرفه) . أو هو متشدد دينيا لا يقترب من النساء لانهن رجس من عمل الشيطان ..ويجب عليه أن يحمي أخواته بأن يحبسهن في زنزانة عقله وفكره … وهذا النموذج يبدأ ب (لن تذهبي الجامعة بهذا الزي ) ولن تذهبي الحفلة (وحدك ) ..وينتهي ب( من هذا الذي ارسل لك هذه الرسالة الفاضحة في الفيس بوك ) .. بعد أن فتش الموبايل واطلع على الصور والفيديوهات … وهذا هو الذي يمتلك تفويضا مفتوحا للعنف من ضرب الكف والشلوت الى القتل بالضرب بآلة حادة اوبالعنف المنهي للحياة ،كما حدث لطفلتي دار السلام قبل أشهر قليلة ( احداهن توفيت نتيجة ضرب ابن العم والأخرى مازالت بالمستشفى نتيجة ضرب الإخوة وابناء العمومة ) .
وغيرها وغيرها من نماذج وانماط فرض الوصاية الفاشلة والمفضية إلى العنف والإذلال من الرجل الأقرب في حياتك ..لن تنتهي مالم تتحول العلاقة لاحترام ومحبة وتكافؤ بين المرأة والرجل، وحتى الحوجة للرجل تتحول لحوجة عاطفية وانسانية يكمل كل من الرجل والمرأة سموهما لا سقوطهما الإنساني بها . وذلك لا يتم الا بتغيير كامل في منظومة ( الفرد /المجتمع/الدولة ) .
الدولة هي الأساس :
لكن الأساس في ذلك هو عقلية الدولة وتوجهاتها تجاه النساء .بالالتزام بالتشريعات والقوانين التي تدعم حماية المرأة بالقوانين . وكما هو بائن بيان شمس الضحى أن دولتنا أبعد ما تكون عن ذلك بل أن حكومتنا غير الرشيدة هي اكبر مكرس ومفرخ للعنف ضد المرأة من خلال قانون النظام العام الذي صمم على عقلية الرجل الاكثرتخلفا وتهجسا وكرها للنساء في المجتمع .وقانون الأحوال الشخصية الذي شرع بحيث يكون الرجل هو ( ربكم الأعلى ) في المجتمع ؛ يطلق ويتزوج كما يحلو له ، يسافر بالأطفال ويمنع الزوجة من السفر بهم بدون إذنه كما يحلو له .متخذا من الإسلام فزاعة للبسطاء ،يخرس بها كل من يرتفع صوته رافضا لهذا القهر والإذلال الممنهج .
المجتمع والفرد :
نحن كأفراد نساء كنا أم رجالا نتلقى معظم معرفتنا ووعينا من تجاربنا الشخصية مما تجود به الحياة ،وقليل جدا من تشكل وعيه خاصة في قضية حقوق المرأة بصورة ممنهجة ومقصودة من خلال التربية الأسرية أو التعليم فالتعليم العام كما يقول بروفسير محمد الأمين التوم منذ بداياته متحيز ضدالمرأة والريف والفقر ومن بداياته يقوم على فكرة (ليس للبنت في السعادة حظ ..إن تناء الحياء عنها وولى ) . أما المجتمع فقد قام بتوزيع انماط وأشكال للعلاقات بين المرأة والرجل حسب رؤيته العشائرية أو القبلية البسيطة وكلها تقوم على وصاية الرجل حتى لوكانت هي من تصرف عليه من مالها كما يحدث في مناطق كثيرة في السودان , ورغم ذلك فالقيم العامة للمجتمع تكرم المرأة متى ماالتزمت وحفظت النظام الإجتماعي .وتعتبر مارقة وساقطة لوفارقت هذه القيم التقليدية .وقد تعاقب باقسى وأشد العقوبات العنيفة .
مع كل مايحدث فأن هناك وعيا يتنامى وحراكا ملحوظا ومؤثرا يمضي في قضية حقوق المرأة . سواء عبر العمل المدني واذرعه من تنظيمات ومؤسسات نسوية . أو عبربحث النساء أنفسهن عن حقوقهن و تحقيق ذاتهن ونديتهن التي ترفض النظر لهن ككائنات أقل مقدرة وأهلية وتحتاج الوصايا والحماية طوال الوقت . ومناهضتهن للظلم والتمييز سواء كان من الدولة أومن المجتمع . أو حتى من الافراد ، ابتداء من البوح وكسر حاجز الصمت عن ما يتعرضن له من عنف وقهر والذي كان حتى وقت قريب قبل انتشار التعليم وثورة المعلوماتية وظهور وسائل التواصل الإجتماعي جريمة كبرى تتحاشاها المرأة وتخافها .
نحن نتغير ..ووعينا يتغير نحو الأفضل كنساء وكمجتمع رغم كل الظروف القبيحة والقاهرة التي نمر بها على كافة المستويات الدولة ،المجتمع ، الفرد . ومهما كان التغيير بطيئا فأنه سينتصر حينما تهزم قيم الحقوق والمساواة والمواطنة دولة الظلم والفساد والعنصرية تجاه النساء والجميع . حينها سيحمي المرأة نظام متكامل للعدالة الإجتماعية لا يسمح بتمرير قيم العنف والقهر تجاهها ويزينها ويجملها تحت مسميات الحماية والوصاية . وسنعبر كما عبرت مجتمعات كثيرة مرت بنفس محنتنا من قبل .