عاجل

عائلات تركية مرعوبة من اختفاء أبنائها القسري “خرج ولم يعد”

بعد نحو 100 يوم من الاحتجاز بتهمة الانتماء إلى “جماعة إرهابية”، استعاد مصطفى يلماظ حياته الطبيعية في أنقرة إلى جانب زوجته وابنته، ولكنه اختفى في 19 فبراير(شباط) الماضي، عند توجهه إلى عمله.

وكان ذلك بعد أقل من شهرين على الإفراج عنه، وتشتبه زوجته سمية في تورط أحد أجهزة الدولة، وقالت في صالون منزلهما الذي كانا يتشاركانه منذ زواجهما قبل 3 أعوام: “تخطر أسئلة كثيرة على بالي، لماذا لا يُفرج عنه؟ ماذا سيفعلون به؟ الأسوأ، هل هو على قيد الحياة؟”.

وفي صور حصلت عليها من كاميرا مراقبة في محل بقالة مجاور، رأت زوجها يتعرض إلى الضرب من رجل في أسفل العمارة أين يسكنان، قبل أن يحمله آخران، وتمر بعد لحظات عربة سوداء، وفي البداية، كانت ابنتها ذات العامين، تسأل عن والدها وتطالب به، ولم يعد الأمر كذلك،  تقول بصوت مضطرب: “إنها تنسى”.

وأحد نواب حزب الشعوب الديموقراطي، عمر فاروق غرغرلي أوغلو، يعدد 28 حالة تحت خانة ما يصفه بـ”الاختفاء القسري” المتواصلة منذ محاولة الانقلاب في يوليو(تموز) 2016 على الرئيس رجب طيب أردوغان، وعثر على 25 شخصاً من أصل العدد الإجمالي وكلهم على قيد الحياة، ولكن بعضهم وجِد في قلب الجبال، وآخرين وجِدوا أمام مراكز شرطة.

وغادر عدد منهم البلاد وفقاً لغرغرلي أوغلو، بينما عاد آخرون إلى السجون للاشتباه في صلاتهم بالانقلاب الفاشل، وينقل عن البعض أنهم احتُجزوا وتعرضوا للتعذيب.

وأطلقت الحكومة التركية حملة تطهير واسعة بعد محاولة الانقلاب، استهدفت خاصة من يشتبه في مناصرتهم للداعية فتح الله غولن، المتهم بأنه العقل المدبّر لمحاولة الانقلاب.

يلماظ، معالج فيزيائي، أوقف في 1 أكتوبر(تشرين الأول) 2018، لاتهامه بالانتماء إلى جماعة غولن، وحكم عليه بالسجن 6 أعوام و3 أشهر، ولكن أفرج عنه في الاستئناف الذي لا يزال مستمراً.

واختفى رفقة 5 آخرون في فبراير(شباط) الماضي، وأبلغت السلطات العائلات في 28 يوليو(تموز) الماضي بالعثور على 4 من بينهم، وبوضعهم قيد الاحتجاز فوراً في أنقرة، دون إعطاء التفاصيل.

وتتحدث منظمات على غرار “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية بدورها عن “اختفاء قسري”، ودعتا السلطات التركية إلى التحرك للعثور على يلماظ، وغوخان توركمان، المختفيين من بين الستة الذين أوقفوا في فبراير(شباط) الماضي.

وتمكن المحتجزون الأربعة من لقاء عائلاتهم لوقت قصير، ولكن لم يقابلوا محامين، وهو حظر نددت به نقابة المحامين في أنقرة، غير أن النائب عمر فاروق غرغرلي أوغلو، يقول إن “امرأة قالت لي إنها عجزت عن التعرف على زوجها، خسر الوزن، كان مختلفاً وشاحباً للغاية”، وأضاف أن “أياً من الأربعة رغب في الإعلان عن مكان اختفائه في 6 أشهر”.

وعلق رئيس الجمعية التركية لحقوق الإنسان أوزتورك تورك دوغان قائلاً: “بالطبع الطرف الرئيسي الذي نشتبه به هو الدولة”، مستنداً أيضاً إلى سوابق في التاريخ التركي، وأبدى أسفه مضيفاً “في كل مرّة تتم الأمور على نفس المنوال”، مشيراً إلى أن الاختفاءات في السنوات الأخيرة تقترن غالباً بوجود عربة سوداء، بالاستناد إلى صور كاميرات مراقبة، أو إفادات شهود.

وتساءل “هل توجد في تركيا منظمة إجرامية فريدة من نوعها، لا نعرفها؟”، ويشير تورك دوغان إلى أنّه يصدق وزارة الداخلية حين تنفي تورطها، ويلفت إلى أنه يشتبه في وجود وحدة ضمن الأجهزة الأمنية تعمل على بث الذعر في أوساط أنصار غولن.

ولم يحصل على أي تعليق من النيابة العامة في أنقرة أو من الشرطة، ولم تستجب وزارة الداخلية لطلبات التعليق.

وتتهم سمية الشرطة بأنها لم تتحرك للعثور على زوجها، ولكنها تقول “لم يفت الأوان بعد، ربما لا يزال على قيد الحياة، لم أفقد الأمل”، ولا يعرف الأستاذ المتقاعد مصطفى تونتش، أي جديد عن نجله يوسف منذ 6 أغسطس(آب) الماضي، عند عودته من العمل إلى المنزل.

وشرح أن ابنه “صدرت ضده مذكرة توقيف، غير أن المحتجزين قيد التحقيق يُحقق معهم ثم يمثلون سريعاً أمام القضاء”، وكان ابنه يعمل في مؤسسة رئاسة الصناعات الدفاعية الحكومية، غير أنه أقيل مع عشرات الآلاف بموجب مرسوم تشريعي، بعد محاولة الانقلاب.

وفي ظل خشيته من الملاحقة أو التوقيف، كان يوسف يتجنب التواصل مع زوجته عبر الهاتف نهاراً، وكان يشرح لها كل صباح ماذا سيفعل، وفي أي ساعة سيعود، ومرة أيقظها ليقول لها إنه سيعود “بين 20:00 و20:30″، ولم يعد، فأبلغت زوجته عن الاختفاء، وبعد 4 أيام عثر أهل زوجها على سيارة يوسف مركونة في زقاق، واتصلوا بالشرطة فوراً، غير أن الشرطي اكتفى بترجيح فرار الزوج.

وتتساءل الزوجة “لنفترض أنّ ثمة مشكلة بيننا، لماذا لا يقول شيئاً لأهله؟”، وتشرح أنها تقول لأولادهما 10 أعوام، 6 أعوام، وعامان إنّ والدهم ذهب في عمل بالخارج، وسيعود، وينكسر صوتها حين تقول إنّ “الشك، هو الأكثر إيلاماً، الخوف يتملكنا”.

وتقدّمت الزوجتان، وعائلات أخرى، بشكوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وإلى الأمم المتحدة، غير أن سمية تقول: “حين أُوقف زوجي في 1 أكتوبر(تشرين الأول) كنت أبكي لأنه قيد الاحتجاز، ولكني الآن أصلي ليكون محتجزاً، حتى لو لم يرتكب أي جريمة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى