مقالات
هلوسة الدراما وظاهرة التحرش – كتب – أحمد سلهوب
حالة من الاستياء تسود المجتمع المصري لانتشار ظاهرة التحرش وانتهاك خصوصية الأخر “فتاة المول نموذج”، وقبل الخوض في تفاصيل استفحال آفة التحرش التي أضحت عادة سيئة تلوث سمعة مصر، خاصة بعد صدور تقرير لوكالة رويترز يفيد بأن القاهرة أخطر مدينة على النساء، نشير إلى أن اختفاء الذوق العام في الشارع المصري بكل بصماته، وتدهور حالة الضمير، وحل محله الأنانية الفتاكة، حتى الأرياف المصرية التي نشأنا في أحضانه انتقلت له العدوى، وأضحت ظاهرة السرقة وعدم إبداء التعاطف مع المظلوم ومساعدة المحتاج العنوان الأبرز للحياة الراهنة، كلها أسباب كفيلة لنمو التحرش فأول الغيث قطرة من الماء.
وفي اعتقادي أن ظاهرة التحرش أيضا مرتبط بمنظومة الفن المصري بكافة أجنحته سواء كان المسرح أو الإذاعة أو السينما، فلو أمعنا النظر بدقة متناهية الصغر، سنرى أن أفلام السينما في غالبيتها وحتى المسلسلات ساهمت من خلال المشاهد الساخنة والألفاظ الخادشة للحياء التي تتنافى مع القيم الأصيلة للمصريين في تفشي التحرش بشكل غير مسبوق، كما لم يكن هناك وازع ديني لدى القائمين على المسلسلات في شهر رمضان الكريم، حيث كانت الدراما قائمة على الترويج للمخدرات أيضا.
وحل على الساحة الفنية المصرية ظاهرة أغاني المهرجانات التي سلبت عقول الشباب المغلوب على أمره أيضا لأسباب سياسية تكمن في تسطيح الفكر والعلم والمعرفة، لأغراض لايعلمها إلا الحاكم وحده وأجهزة الدولة السيادية، وإلا لماذا تتمادى ظاهرة القبح في المهرجانات والفن الرديء، بدون كبح جماحها.
الفن في الدول المتقدمة يستخدم كقوى ناعمة لتصدير ثقافتها للأخر، وليس رسم صورة سلبية راسخة في الأذهان، في وقتنا المعاصر يعرض على بعض الشاشات العربية مسلسل قيامة أرطغل، حيث يناقش مراحل تأسيس الدولة العثمانية باحترافية عالية، يفهم منه بأنهم يسعون لترسيخ وتثبيت دعائم التاريخ التركى لدى الشعوب الأخرى.
ونشير هنا أيضا إلى أن أفلام الأكشن الأمريكية التي نشاهدها نحن العرب، ليست قائمة فقد على حركات بهلوانية أو خدع بصرية مبتذلة من أجل تصفيق حار، بل هناك ما أبعد من ذلك، ولاسيما إن كان دور الفيلم يتمحور حول الجيش أو الشرطة الأمريكية أو تصدير الديمقراطية، والمبتغى من ذلك هو إيصال رسالة سياسية أو لتعزيز ثقافة الخوف لدى الشعوب المتلقية أو لتلميع دور الجيوش مثلما حدث في فيلم إنزال النورماندي على سواحل فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية،حيث حرصت السينما الأمريكية على توثيقة وتصديره.
وانصافا للحقائق حتى لا أجمل صورة العالم المتقدم بشكل لافت عن الحد، هناك فن مبتذل في الدول الأوروربية كالإباحية وغيرها، ولكن هناك الفن الأقوى والأكثر نضوجا وقوة وحضورا ودعما وتحليقا في أجواء الدول الأخرى كالدول العربية وغيرها.
لانعرف بالضبط ماذا حدث للفن المصري وللسينما المصرية من هبوط مدوي، مقارنة بزمن الفن الجميل خاصة جيل الرواد، وهل من روشتة علاج لانتشال الفن المصري الهابط الآن من وحل السفسطة والابتذال وتصدير العرى وواحة البحث عن نجومية زائفة، في اعتقادي لا، لكون حالة التراخي متجذرة حتى الآن، ويكفي أن نقول في هذه الجزئية جملة قالها الإعلامي المصري عمر بطيشة: ” معظم مذيعات الفضائيات مسجلات آداب”.
الظاهرة الصحية في المجتمعات تقول إن للفن رسالة واضحة هي نشر الوعي الحرص على عادات وتقاليد المجتمع، مجابهة الثقافات الخارجية التي تخالف معتقداتنا، الحفاظ على التاريخ وتوثيقة، الحرص على إصدار محتوى فني جيد يكون مؤهلا للمشاركة في المهرجانات الدولية على غرار مهرجان كان أو لندن السينمائيين، ومن هنا ترسم الصورة الذهنية الجيدة عن المنتج إن فاز.