الادب والثقافة

قراءة نقدية لديوان “فسيفساء الروح ” للشاعرة كلثوم أيت أزوبير..

الأديب بشير إرگي*

حسب ما هو ملاحظ في المشهد الثقافي الأدبي المغربي أن للكتابة النسائية مكانة نوعية جد متميزة. لقد فرضت المرأة نفسها، وبصمت بصمتها بشموخ وقوة، بعدما اكتسبت تجارب جد متفردة. فأصبحت حاضرة في كل المحافل الإبداعية لا تكف عن المشاركة إلى جانب إخوانها الشعراء، موظفة قلمها الناعم بما يغرق الجوانح والكيان نشوة وغناء بأروع التغريدات الدالة والمترجمة لدواخلها.

وأنا أتصفح قصائد ديوان “فسيفساء الروح ” لشاعرتنا “كلثوم أيت أزوبير”، أثار انتباهي نص التأطير ضهر غلاف الديوان دعوة متفردة للشاعرة، يكمن التفرد في دعوتها للقارئ في محاولة امتطاء صهوة رحلتها الجامحة في برازخ الجمال، أهي دعوة بريئة من الشاعرة للقارئ، أم استفزاز منها، أم تحدي من الشاعرة الجامعة بين الغوص في تضاريس ومتاهات الشعر وقضايا السوسيولوجيا وعلم الاجتماع. لعل في الأمر دعوة القارئ ليتُوهَ بين منعرجات ومنحدرات جغرافية شاعرية منيعة عصية على الفهم.

إن الشاعرة كلثوم ايت أزوبير في دعوتها، تحث القارئ على البحث معها في معارج ومدارج “الأضمومة .. أحالني توجيه الشاعرة للقراء، على معادلة تستهويني، وأرددها دوما في مختلف اللقاءات، ” القراءة حياة، والكتابة خُلود” فبقدر تعدد قراءاتنا، نَحْيَى حيوَات عديدة، وبقدر ما نكتب، يتم تخليدنا من طرف القراء”…
ديوان “فسيفساء الروح” يتكون من واحد وخمسين (نصا) موزعين بترتيب أنيق بدءا بنص “قيل لي” مرورا ب”ماهية الشعر” و”همس الحروف” وانتهاء بآخر نص “لن أنكسر” ليؤلف شكلا نموذجيا بِنَاءً على تصميم هندسي بديع.

أدركت أن اهتمام “شاعرتنا” بجمالية اللغة و بمواقفها من الذات والوجود والإنسان… استهواني ما للشاعرة من رؤية فنية شعرية، وذائقة لغوية متينة…فصممت في قراءتي على التنقيب والبحث عن تجليات الذائقة الفنية والذائقة الفكرية لكلثوم أزوبير الشاعرة عبر منظومة القيم والمشاعر المتضمنة في قصائد “فسيفساء الروح”.
تهت مع الشاعرة في ” جمال فسيفسائها”
ستكون قراءتي هذه قراءة انطباعية عاشقة، في ضوء الجدليات التالية:
اليقين/اللايقين؛
الروح / والجمال،

كل ذلك على نغمات الاهتمام بجمالية اللغة المعتمدة في بسط الشاعرة لرؤية شعرية واضحة المعالم.

في رحاب ديوان “فسيفساء الروح”:
يتكون الديوان من 117 صفحة، الطبعة الثانية 2023، عن “دار خطوة للنشر”
صورة الغلاف لوحة تشكيلية تجريدية .
مفتتح الكلام ص 06؛
إهداء الى روح الوالد وإلى الزوج والأبناء ص 07؛
متبوعا باستهلال في مدح النبي ص 09؛
51 قصيدة من ص 11إلى ص 115؛
ورقة تعريفية بالشاعرة وكلمة موجهة للقارئ على الغلاف الخلفي للديوان
العتبات النصية المعتمدة في هذه القراءة.

أ- العنوان:
حين أتأمل في ترسيم عنوان الديوان ونوعية الخط المعتمد فضلا عن بنط الكتابة، ومفردات العنوان، نجده مكونا من كلمتين “فسيفساء الروح” ينتمي من حيث الدلالة للحقل الصوفي والجمالي بما للروح من دلالة السمو والنقاء وذلك في نظري ليس نغمة نشاز، في اختيار العنوان للنصوص الشعرية لشاعرتنا” بل هي في صلب الموضوع ، على اعتبار المشترك ما بين مجال الشعر و مجال التصوف والفن من عناصر التناغم.

ب – صورة الغلاف:
بالنظر لعناصر الارتباط والتناغم بين “العنوان” و”صورة الغلاف” وبتأمل دلالي للمفردتين (فسيفساء/ الروح) ، وتأسيسا على ربط العنوان بما رسمته ريشة الفنان على مدى لوحة الغلاف، أمكننا استنتاج ما يلي:
حين نتأمل صورة الغلاف في شكلها العام على الصفحة الأولى للديوان ، يثير انتباه المتأمل، ما يشبه انفجارا من نقطة ارتكاز بؤرية، من الوسط في شكل مجرة حلزونية لولبية صوفية، يحكم هذا الانفجار، قوة تشظي الألوان والأشكال في كل اتجاه بشكل منفرج نحو الأعلى، وكأن لوحة الغلاف هَمَسَت في آذاننا بما عبرت عنه الشاعرة، في “قصيدة نغمات العشق” ص 104:
” في دِثَارِ من الشوق
تلامس أشجاني
تحطم أشلائي
تغرد سمفونية الولهان
المتيم حد الهذيان
بمحبوب ماله من ثان
على نغمات الخلود
أسافر
أغادر هذا الوجود
إلى رحاب غير الرحاب ”

حضور ألوان متميزة بدلالاتها في صورة الغلاف، لون رمادي فاتح، لون أرجواني ولون أصفر، هي في نظري ثلاث ألوان أينما اجتمعت وتمازجت تكون دلالات “التيه” و”العتمة” بادية ومع ذلك نلاحظ في صورة الغلاف دوائر حلزونية منتشرة عبر فضاء اللون، لتُبْقِي على بريق من الأمل في التغلب على “التيه” بمختلف تجلياته في جغرافية تعتبرها الشاعرة منيعة عصية… وُظِّفَ هنا أيضا اللون الأبيض، ويرمز به لبريق من الأمل والبحث عن موطئ قدم…سندرك هذا المبتغى في نص “بحث عنك” ص 89:
” بحثت عنك
في دوران العشاق
و أشعار المتيمين
بحثت عنك
بين حبات السُبٓح
وفي مواجيد الذاكرين
بحثت عنك
في رقصات الدروايش
وكرامات الأولياء
بحثت وبحثت
ثم بحثت فيك
في دقة أكوانك”

ذاك الأمل هو ما تركز عليه الشاعرة ، ” علَّهُ يُشْعل شموعًا صغيرة مضيئة على ضفاف دروب العشق في أبهى تجلياته.
” على مسافة مفردات المثلث القيمي (العشق/الوجود/الإنسان) وذلك في ضوء جدلية:
الجمال/ الروح
اليقين/اللايقين

هي جدلية تؤطرها شاعرتنا كلثوم أيت أزوبير، في مستهل ديوان “فسيفساء الروح”:
“ألملم أحلامي المبعثرة
وسبحة للذكر تغنيني
عن كل عوالم الثرثرة
تسبيحة منها تكفيني ” من قصيدة “سافرت فيك” ص 16.
تضيف شاعرتنا في نفس النص ص 18:
“عقبات استصغرتها
بيقين وثبات
حتى تمكنت كل ورودي
من أن تصبح ذات يوم
مزهرة”

باحثة عن اليقين واللايقين في أحلامها وآمالها وآلامها وهواجسها ولحظاتها الهاربة، متسلحة في مواجهتها بذائقتها اللغوية والفنية لامتلاكها ناصية الحرف المطواع….

باسطة عبرها رؤيتها للذات والشر والعالم. ومن هنا أضلاع المثلث الذي شغل شاعرتنا على طول 51 نصا شعريا (الذات/الإنسان/الوجود) …

1 ـ الذات: نجدها حاضرة في قصيدة ” سافرت فيك” ص 16
” حاملة كل ندوبي
وحقائبي المثقلة
ببقايا وحطام امرأة
تذمرت فتمردت
خرجت – في عرفهم-
عن السيطرة
فقررت المغادرة”

2 ـ تيمة الإنسان: أيضا فرضت نفسها في نصوص كثيرة من الديوان، تقول شاعرتنا:
” نعيد صنع الإنسان
حتى يعود إنسانا
يتقن فن العطاء” قصيدة سأكتب بلغة الورد ص 19.

3 ـ تيمة الوجود:
” هي الحياة
هي النجاة
وهي الهواء المحظور
هي الوطن
وما دونها مجرد كفن
لغتي هويتي”

تلكم في نظري هي سمة الإشكالات المتحدث عنها في “فسيفساء الروح”، تيه ورد ذكره في أكثر من صفحة في الديوان وبتوصيفات مختلفة.
من خلال رصدنا لعلاقة التكامل بين تيمات نصوص الديوان الذات/الانسان/الوجود،
استهوتني الشاعرة، في عدم الوقوف عند عتبة التشخيص، بل طرحت على القارئ المالك لشفرة فكِّ الرموز، قصيدة مساءات مبعثرة ص 37:
يا روح ارحلي
وترفعي عن كل قاع
يتيه بك
في غيابات جب
مُحالُ منها النجاة

  •  الأديب بشير إرگي *:

– فنان مسرحي، قاص وسينوغراف؛ من مواليد مدينة الصويرة.
– متوج بالملتقى الثاني للكتاب العرب الشباب بالشارقة / الامارات العربية المتحدة صنف المسرح
– من مؤلفاته سفر ( عراءات)، افتح ياسمسم وهو نص مسرحي عن دائرة الثقافة والإعلام الشارقة
– رسائل إلى إدريس الخوري ك
تاب مشترك ـ
– كورطاج قيد الطبع

ازول بريس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى