الأقتصاد

سر انتقاد الاعلام المصرى لصندوق النقد؟

الصندوق يريد المزيد من الشفافية والمزيد من الحوكمة وإطلاق يد القطاع الخاص

وجه إعلاميون مصريون انتقادات لصندوق النقد الدولي وبرنامجه الذي يطبقه في مصر منذ العام 2022، وذلك بعد دعوة الحكومه إلى مراجعة اتفاقها مع المؤسسة الدولية إذا أضر بالمصريين، وهي الأحداث التي تسبق ترتيبات قدوم رئيسة الصندوق كريستالينا جورجييفا، للقاهرة في زيارة متوقعة.

وخلال “المؤتمر العالمي للسكان والصحة” المنعقد في مصر، الأحد الماضي، دعا الرئيس السيسي الحكومه إلى مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي إذ أدى البرنامج إلى ضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، وهو ما تبعته انتقادات إعلامية للصندوق.

  • قال الإعلامي سيد علي عبر فضائية “الحدث اليوم” المحلية إن “صندوق النقد يضع روشتة ثابتة يُطبقها على أي دولة بغض النظر عن ظروف الشعب وأوضاعه”، مضيفا أن الصندوق “لا يفعل أي إصلاحات في أي دولة يدخل فيها”.
  • وعبر برنامجه اليومي بفضائية “صدى البلد” المحلية انتقد الإعلامي أحمد موسى برنامج الصندوق الحالي، مؤكدا أنه صنع مشاكل كبيرة جدا.

وأكد الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة،، أن مصر يمكنها الانسحاب من برنامج الصندوق، وأن أغلبية مطالب الصندوق ضغوط سياسية وليست اقتصادية، وأن اقتصاد مصر لن يتوقف على 8 مليارات دولار من الصندوق.

وألمح بدرة إلى أنه قد تكون الإدارة الأمريكية القادمة مطلع العام الجديد لديها توجه جديد ومحدد لمساندة الدولة المصرية رسميا، دون الضغوط السياسية على الدولة.

“تفاصيل دراماتيكية”
وفي آذار/ مارس الماضي، رفع صندوق النقد الدولي قيمة تمويل طلبته القاهرة، في 2022، من 3 إلى 8 مليارات دولار، ما اعتبرته حينها الحكومة المصرية شهادة ثقة ومصداقية تعزز من جاذبية مصر للاستثمار الأجنبي رغم ما أحدثه البرنامج من ضغوط كبيرة على أكثر من 106 ملايين مصري.

وفي إطار قرض الصندوق اتخذت مصر قرارات تقشف وتقليص للدعم ورفع للأسعار، سبقها في آذار/ مارس الماضي، تحرير سعر صرف الجنيه، ليتراجع أمام الدولار من 31 إلى 48.5 جنيها رسميا.

ورفعت القاهرة سعر الوقود 3 مرات، في الشهر ذاته ثم في تموز/ يوليو، والجمعة الماضية، بنسب بين 10 بالمئة للقرار الأول، و17.4 بالمئة للقرار الأخير.

وفي الأثناء، جرى رفع سعر الخبز المدعم 300 بالمئة من 5 قروش إلى 20 قرشا للرغيف، مع رفع أسعار المواصلات وتذاكر المترو، والعديد من خدمات الإنترنت والاتصالات في يوليو/ تموز الماضي، فيما صعد التضخم السنوي في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى 26 بالمئة، للشهر الثاني على التوالي.

ورغم إجراء المراجعة الثالثة لما تم تنفيذه من برنامج الصندوق في تموز/ يوليو الماضي، أعلن الصندوق مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ودون إبداء الأسباب إرجاء إجراء المراجعة الرابعة التي كانت مقررا لها تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

وبينما يتبقى 4 مراجعات مقررة في ربيع وخريف 2025 و2026، كان يتبع اكتمال المراجعة الرابعة حصول القاهرة على 1.3 مليار دولار، إلا أن ذلك الإرجاء يؤجل تسليم الشرائح الجديدة من قرض بقيمة 8 مليارات دولار، وذلك على غير رغبة الحكومة التي تعاني من عجز شديد في التمويل.

“الصندوق وشركات الجيش”
وفي مقابل انتقادات إعلاميين مصريين لبرنامج الصندوق، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي “هاشتاغ” يحمل اسم “شركات الجيش”، أكد من خلاله معلقون أن هذا الهجوم وما سبقه يعني أن الصندوق وصل لنقطة بيع شركات الجيش، كإحدى توجيهات المؤسسة الدولية والتي لم تنفذها مصر.

وفي تقريره بشأن المراجعة الثالثة لاقتصاد مصر في إطار قرض المليارات الثمانية، والتي اكتملت في 29 تموز/ يوليو الماضي، شدد الصندوق على ضرورة تسريع برنامج التخارج من شركات مملوكة للدولة وفقا لوثيقة “ملكية الدولة” الصادرة عام 2022، لكنه لم يذكر صراحة الشركات التابعة للجيش في تلك الحزمة من التعليمات، رغم تأكيده في مرات سابقة على ضرورة تخارج المؤسسة العسكرية من بعض الأنشطة.

وبرغم عرض الجيش لاثنتين من شركاته للبيع أو الطرح أمام مستثمرين استراتيجيين، وهما “وطنية”، و”صافي”، قبل سنوات تنفيذا لمطلب الصندوق، إلا أن هذا الملف لم يتم اتخاذ أية خطوات فعلية فيه على الأرض.

ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصدر في صندوق النقد الدولي قوله إنه “تبقى من الإصلاحات التي لم يتم إكمالها بعد، رفع الدعم كاملا عن الوقود، ورفع الدعم عن الكهرباء لبعض الشرائح الاستهلاكية، وتخارج الدولة من عشرات الشركات”.

وتحدث خبيران اقتصاديان عن توقعاتهم لسر الانتقاد الإعلامي لصندوق النقد وبرنامجه والتقليل من أهميته بعكس ما قدمته الحكومة من مبررات سابقة حول أهمية القرض للحصول على شهادات دولية وجذب الاستثمار الخارجي، فيما اعتبر أحدها أن الأمر يخص ملف اقتصاد الجيش، ورأى الآخر أن الأمر له علاقة بملف الحرب في غزة.

“رسائل سامسونغ”
وفي قراءته الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مصطفى يوسف: “الإعلام المصري موجه وغير مستقل، وتم شراء القنوات المستقلة والخاصة وبناء عليه فهي رسائل (إعلام السامسونج) كما يقال في مصر”.

الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، في حديثه، أكد أن “صندوق الدولي ليس هو أفضل شيء… لكن لو أنه لديك استقلال للقرار السياسي وسيادة وطنية يمكنك الاستفادة من قروض الصندوق الذي يهمه فتح الاقتصاد كونه وكيلا للدائنين، وهي الدول الغربية التي تبيع ولديها صادرات من مكن ومعدات، والصندوق هنا يشجع التجارة العالمية ويضمن حقوق الدول الدائنة”.

وتابع: “لكن في الحقيقة تم القضاء على المنافسة بالاستيلاء على بعض الشركات من أصحابها، وينتج دون تكلفة عبر  عمالة مجندين بأقل من 10 بالمئة من تكلفة العمالة، ولا يدفع ضرائب وجمارك، لذا الاستثمار الأجنبي لن يأتي والمحلي يموت”.

ولفت إلى أن “المؤسسة العسكرية كانت تمتلك حوالي 20 بالمئة من الاقتصاد، والآن أكثر من 77 بالمئة طبقا لشهادة الباحث يزيد صايغ ومعهد كارنيغي للسلام، وتم القضاء على القطاع الخاص والمنافسة”.

وأضاف: “ودور مصر مع موقعها الجغرافي يعمل على الحدود الشمالية كبواب لجنوب البحر المتوسط ولأوروبا بمواجهة الهجرة غير النظامية، لذا أوروبا تعطيه الأموال وإلا سيترك المهاجرين السودانيين وغيرهم نحو أوروبا، وهناك يمين متطرف كاره للاجئين”.

ويرى يوسف أن “الأزمة في أن الصندوق يريد المزيد من الشفافية، والمزيد من الحوكمة، ويطالب ببيع شركات من الجيش، وتقليص حصته في الاقتصاد، وإطلاق يد القطاع الخاص، وذلك عن طريق تشريعات وقوانين حتى تتأتى الاستثمارات الأجنبية المباشرة”.

ويختم قائلا: “وليس أن تأتي دولة مثل الإمارات أو دولة مثل السعودية يدخل لضخ أموال، وكنا نتكلم أيام مبارك أن هناك استثمارات لأنه كانت هناك منافسة من القطاع الخاص، حتى لو كانت برجال أعمال تابعين للنظام، لكن كانت هناك مساحة لرجال أعمال آخرين”.

وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي “في 2023، ترك الصندوق مصر وأخر عدة مراجعات للاقتصاد وتم حل الموقف، وسافر وزير المالية السابق محمد معيط في كانون الأول/ يناير الماضي، إلى واشنطن لمقابلة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، وتم الإعلان عن موافقة الصندوق والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي على منح مصر القروض والمنح والمساعدات، بجانب صفقة رأس الحكمة مع الإمارات”.

“سيطرة وأوامر أمريكية”
وأشار إلى سيطرة أمريكا على الصندوق بطريقة ذكية، مبينا أنها “تسهم بالنصيب الأكبر في الصندوق بنحو 17.6 بالمئة من إجمالي الحصص، ما يجعلك تظن أنه يمكن للدول الأخرى المشاركة في الصندوق إمكانية اتخاذ القرار بحرية فيه؛ ولكن التصويت فيه يشترط أغلبية 85 بالمئة، وهنا لو اعترضت واشنطن على أي قرار لن يمر، وذلك بهدوء ودون اللجوء لتصويت دول صديقة من أوروبا وغيرها”.

ولفت إلى أنه “مثلا في كانون الثاني/ يناير 2023، وعدت مصر بأن يكون هناك إفصاح وعمل موازنات للهيئات الخاصة ولكن عندما خرجت بيانات الصندوق لم تعلن عن شيء من هذا على الإطلاق رغم أنه في العام الماضي أكد الصندوق عليها، وأخذ توقيتات من الحكومة، وقال وزير المالية في الربع الأول من 2013، ستخرج هذه البيانات والميزانيات وطرح شركات الجيش، ولم يحدث وتم تمرير المراجعة .

وأوضح أنه “لو نظرنا لموقف الدولار والموارد وغيرها من المؤشرات والأوضاع الاقتصادية قبل المراجعة الرابعة للصندوق، فإن النظام لا يعطي أهمية لهذا الكلام بالمرة، لأنه لا ينفذ اشتراطاته كاملة، ولا الصندوق نفسه يلتزم بالروشتة التي يصدرها”.

وألمح إلى أن “هناك العديد من الأمور التي لم تلتزم بها الحكومة، ولم يذكر الصندوق ذلك في التقرير الأخير، بل إن نص الاتفاق يخالف التطبيق، حتى الإفصاح الذي قدمته وزارة المالية عن ميزانيات الشركات القابضة، جاء ببيانات مقتضبة قليلة، ورغم أن تنفيذ روشتة الصندوق ضئيلة جدا إلا أن الحكومة تعرف أنها ستحصل على ما تريد؛ طالما مرضي عنها”.

وختم حديثه بالقول: “المسألة ليست في الاقتراض من الصندوق ولكن الاهتمام بالإنتاج الزراعي والصناعي فهو الأساس الذي يضبط سعر الدولار بالسوق المحلي، ولكن الحكومة لا تسمع وتركز على البيع، وبعد أموال رأس الحكمة تبحث عن غيرها”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى