الأقتصاد

تعافي الدينار الليبي.. مؤشرات للنمو الاقتصادي وآفاق للاستقرار المالي في البلاد

تشهد ليبيا، في الآونة الأخيرة، استقرارا نسبيا ملحوظا في الجانب الاقتصادي، وذلك بعد ارتفاع قيمة الدينار الليبي أمام الدولار الأمريكي.

هذا الارتفاع جاء نتيجة لعوامل عدة، أبرزها تحسن أسعار النفط العالمية وزيادة إنتاج النفط الليبي، والذي يعد المورد الرئيسي للاقتصاد الليبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك محاولات إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني.

من بين الخطوات المهمة الأخرى التي تم اتخاذها، تعزيز مراقبة السياسة النقدية والعمل على خفض معدلات التضخم، ما أدى إلى تحسن نسبي في القوة الشرائية للمواطنين. هذه الإجراءات بدأت في إظهار نتائج إيجابية، حيث أن استقرار سعر الدينار وتحسن الوضع المالي يسهمان في تحفيز الاستثمار المحلي والخارجي، ويفتح الباب أمام تحسن مستوى المعيشة والاستقرار الاجتماعي.

البحث عن خطط حقيقية

اعتبر المحلل السياسي محمد امطيريد، أن “القيمة الحقيقية للإصلاحات تكمن في القضاء على التدفقات غير الشرعية للحكومات الموازية، التي استنزفت موارد الاقتصاد، هذا هو العامل الذي سيؤدي إلى فشل الدور الاقتصادي والتنموي في الدولة”.

وتابع امطيريد،: “ينبغي اتخاذ خطوات إصلاحية جادة، منها تحديد الهدف من مبيعات النفط غير المستقرة حاليًا، ويجب تخصيص قيمة محددة للاحتياطي، لأن الدين العام سيؤثر سلبًا على قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار، مما يعيق الإصلاحات”.

وشدد على ضرورة “زيادة الشفافية في مبيعات النفط، حيث أن أسعار النفط تتفاوت بمرور الوقت، وسعر البرميل غير مستقر، ويجب الإفصاح عن هذه الفروقات لضمان وضوح الحسابات”.

واعتبر أن “الاستقرار الحالي لن يُعتبر حقيقيًا إلا بتوفير بعض العوامل، منها السيطرة على الأسواق ومراقبة الأسعار، ويجب تحقيق توازن في الأسعار، إذ أن العديد من التجار يتلاعبون بالأسعار لمصالحهم الخاصة دون مراعاة مصلحة المواطن، حتى مع انخفاض قيمة الدولار، لن يكون ذلك كافيًا ما لم تتابع الدولة حركة الأسواق”.

وأكد أن “التحديات التي مرت بها ليبيا، على مر السنوات الماضية، أثّرت على الاقتصاد بشكل ملحوظ، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يرتفع فيها الدينار الليبي، وغياب الرقابة خاصة من وزارة الاقتصاد أدى إلى تأثيرات سلبية على أسعار السلع نتيجة تقلبات أسعار الصرف”.

ويرى امطيريد أن “السياسات الحالية التي ينفذها المصرف المركزي، هي رد فعل مؤقت وليست خطة استراتيجية طويلة الأمد”، وأكد بأن “ليبيا بحاجة لتطوير خطة مدروسة تعمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي بعيدًا عن ردود الأفعال اللحظية”.

وأشار إلى ضرورة “العمل على تعزيز الثقة بين المواطنين والمصرف المركزي من خلال تثقيفهم ماليًا لمواجهة هيمنة التجار، الذين طالما سيطروا على المصرف”.

وقال: “الدول تضع خططًا طويلة الأجل لتعزيز اقتصادها، وقبل عام 2011، كانت هناك خطة خماسية في ليبيا، تهدف إلى الحفاظ على قيمة الدينار والسيطرة على التجار، وحققت نجاحًا ملحوظًا”.

مؤكدًا بأنه “لن يكون هناك استقرار ما دامت المؤسسات المالية للدولة تحت سيطرة رجال الأعمال والتجار. بعد 2011، أصبحت الطبقة الرأسمالية تهيمن على ليبيا، على حساب المواطن، الذي تضرر بشدة من الأزمات الاقتصادية”.

واعتبر أن “الحاجة الملحة الآن هي وضع خطط حقيقية بمشاركة المصرف المركزي والجهات التنفيذية والتشريعية، تهدف إلى تخفيض قيمة الدولار مقابل الدينار الليبي وتعزيز التنمية المحلية، عندها فقط يمكن تحقيق الاستقرار المطلوب، وما عدا ذلك لن تكون هناك إصلاحات فعلية”.

سياسات طويلة الأجل

يرى الخبير في الشأن الاقتصادي علي المحمودي، أن “ليبيا ستشهد استقراراً نسبياً بعد ارتفاع قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار، هذا الاستقرار سيظهر بشكل ملحوظ في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، بالإضافة إلى تدفق السلع بشكل طبيعي، وذلك نتيجة للضمانات والإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي والتي تستهدف بشكل أساسي التجار والمواطنين. هذه الإجراءات من شأنها إضعاف موقف المضاربين في السوق السوداء، ما سيساهم في استقرار سعر الدينار”.

وأكد المحمودي، في تصريح خاص لـ”سبوتنيك“، أن “استمرار هذا الاستقرار مرهون بتواصل المصرف المركزي في تنفيذ سياساته المعلنة، وخاصة توفير العملات الصعبة للتجار عبر القنوات الرسمية مثل المصارف التجارية، إذا ما تم ذلك، فسيستمر انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية، مع تقليص الفارق بين السعرين الرسمي والموازي”.

إلا أن المحمودي، يشير إلى أن “نجاح هذه الإجراءات يعتمد على الخطوات المستقبلية للمصرف المركزي. فهل يتبع سياسات قصيرة المدى، أم سيضع خططًا إصلاحية شاملة تشمل الجوانب النقدية والاقتصادية والتجارية بهدف تعزيز الاقتصاد على المدى الطويل؟”.

في ظل تراجع الإيرادات، يتساءل عما إذا كان المصرف المركزي قادرًا على ضخ كميات كبيرة من العملات الصعبة في السوق، ويشير إلى أن هذا يتطلب دعمًا من الحكومة إلى جانب دور المصرف المركزي.

وحول موضوع الميزانية والاجتماعات في تونس، بين الحكومتين في الشرق والغرب، يؤكد المحمودي على “غياب المعلومات الدقيقة”، ويتساءل ما إذا كان المصرف المركزي سيستجيب لمطالب الحكومة أم يتصرف مثل الإدارة السابقة.

كما شدد على “أهمية ترشيد الإنفاق الحكومي ومتابعة المشاريع المنفذة في البلاد، التي تستفيد منها الشركات الأجنبية”.

وأشار إلى أن “الانقسام السياسي جعل المصرف المركزي جزءًا من العملية السياسية في ليبيا، ما أثّر على دوره كسلطة نقدية، مما أدى إلى إشكاليات في الترتيبات المالية”، ومع صلاحيات المحافظ الجديد، يرى المحمودي أنه “قد يلعب دوراً يشبه رئيس الدولة”.

ويختتم بتساؤلات حول “التزام المصرف المركزي بالإصلاحات ومدى التزامه بالشفافية في الفترة القادمة”، معربًا عن مخاوفه من أن تكون الإجراءات المتخذة “مجرد حلول مؤقتة قصيرة الأمد”، بحسب قوله.

كما يتوقع أن “يتجه المصرف لاستخدام الاحتياطي النقدي في ظل تراجع الإيرادات”، داعياً إلى “وضع خطة لاستثمار الاحتياطات بدلاً من الاعتماد المستمر على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، خصوصاً مع تراجع أسعاره وإنتاجه في ليبيا”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى