د. حسام حجازي يميط اللثام عن الهيروغليفية البطلمية: رحلة إلى أعمق أسرار المعابد المصرية
كشف د. حسام حجازي، الباحث المتميز في علم المصريات، عن تفاصيل جديدة تتعلق بالهيروغليفية البطلمية، التي تمثل آخر مراحل تطور الكتابة الهيروغليفية المصرية. ويأتي ذلك في سياق جهود مستمرة لفهم هذه اللغة المعقدة، التي كانت تُستخدم في المعابد خلال العصرين اليوناني والروماني للحفاظ على الأسرار الروحانية والمعتقدات الخاصة بالكهنة. بحسب د. حجازي، تعد الهيروغليفية البطلمية كتابة فريدة ومميزة، حيث تختلف عن الأنماط السابقة من الهيروغليفية في كونها “لغة ميتة”،
لم تكن تُستخدم في الحياة اليومية، بل كانت حصرية للنصوص الدينية والنقوش المعمارية على جدران المعابد. وقد تم تقييد استخدامها في المناسبات الروحية والطقوس، وهو ما جعلها تكتب بشكل نادر للغاية على أوراق البردي، التي كانت أكثر شيوعًا في الكتابات الأخرى.
الأسلوب السري للطلاسم والألغاز أشار د. حجازي إلى أن الهيروغليفية البطلمية اكتسبت شهرتها بسبب غموضها وتنوع العلامات المستخدمة فيها. فقد كانت وسيلة لحفظ المعتقدات الدينية في طي السرية، مما جعلها مليئة بالطلاسم والألغاز، حيث كانت هذه الكتابة تُعتبر نوعًا من “الكتابة السحرية”.
ورأى الكهنة في هذه الرموز وسيلة لإخفاء المعاني العميقة عن عامة الناس، مما أضفى عليها طابعًا روحانيًا مميزًا. جهود العلماء في فك رموز الهيروغليفية البطلمية تحدث د. حجازي عن الجهود الكبيرة التي بذلها علماء المصريات على مر القرون لكشف غموض هذه الكتابة. فقد بدأ جان فرانسوا شامبليون، عالم المصريات الفرنسي الشهير، دراسته للهيروغليفية البطلمية وأطلق عليها “الكتابة الرديئة” نظرًا لتعقيدها. بينما وصفها العالم دي روجيه بـ”الكتابة الغامضة”، حيث أشار إلى أن الرموز المستخدمة فيها كانت تهدف إلى التلاعب بالقارئ، مما جعلها عسيرة على الفهم. من بين العلماء الذين ساهموا في فك رموز الهيروغليفية البطلمية،
العالم النمساوي هيرمان يونكر، الذي قدّم نظرية تشير إلى أن العلامات المتطابقة كانت تُستخدم للإشارة إلى الجمع. كما اقترح أن التركيب بين العلامات المتقابلة يشير إلى تكوين مفاهيم معقدة، مما أضاف بُعدًا جديدًا لفهم هذا النظام الكتابي الغامض. الاكتشافات المهمة لدريتون وفيرمان أما العالم الفرنسي جورج دريتون، فقد كشف عن نظرية “الأكروفونيا”، التي تشير إلى أن العلامات المقطعية تأخذ القيمة الصوتية للحرف الأول لكل علامة، مما وفّر فهمًا أعمق لكيفية تشفير المعاني في هذه الكتابة. من ناحية أخرى، قدم الباحث فيرمان مبدأ السواكن، وهو اكتشاف جوهري ساعد في تحديد القيم الصوتية للعلامات في ثلاثة سياقات رئيسية:
سقوط الحروف الضعيفة عند تلاقيها مع الحروف الساكنة القوية، واختفاء حرف العين عند مجاورته لحرف الحاء، ودمج الحروف الساكنة المتشابهة أو المتقاربة. الأساليب المستخدمة في كتابة الهيروغليفية البطلمية أضاف د. حجازي أن الكتابة البطلمية تميزت بالعديد من الأساليب الفريدة التي جعلت من فك رموزها تحديًا مستمرًا. كان من بين هذه الأساليب استخدام العلامات المعروفة بشكل جديد أو معدّل، والخلط بين العلامات لإضفاء معانٍ جديدة، وكذلك الابتكار في طريقة كتابتها، مثل استبدال الحروف أو إضافة تركيبات صوتية جديدة. كل هذا جعلها لغزًا مُحكمًا لم يتمكن من حله إلا بعد سنوات طويلة من البحث الدؤوب.