وكالة “فيتش” ترفع التصنيف الائتماني لتونس.. هل يعني ذلك تحسن الأوضاع المالية في البلاد؟
راجعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف تونس من “-ccc” إلى “+ccc” ، في خطوة اعتبرها البعض مؤشرا لتحسن الأوضاع المالية للبلاد التي رفضت قبل عامين اتفاقا ماليا من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار.
وأرجعت فيتش، في التقرير الذي نشرته على موقعها الإلكتروني، هذا التصنيف إلى “ثقتها المتزايدة في قدرة الحكومة التونسية على تلبية احتياجاتها التمويلية، بفضل مخزوناتها من العملة الصعبة التي تسمح لها بالوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالدين الخارجي”.
ونقلت فيتش أيضا ثقتها في قدرة البنوك التونسية على المساعدة في تلبية احتياجات التمويل في تونس خاصة منها المملوكة للدولة على اعتبار الحذر الذي تبديه بعض البنوك الخاصة”.
فما الذي يعنيه قرار وكالة فيتش رفع التصنيف الائتماني لتونس؟
تونس في طريق التحسن
ويوضّح أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا قويعة أن تونس كانت في وضعية لا تحسد عليها بسبب التصنيف السابق (-ccc) الذي كان يضعها في دائرة مخاطر التمويل العالية وعدم الثقة في قدرتها على حشد التمويل الكافي لتلبية احتياجاتها المالية الكبيرة.
وتابع: “انتقال تونس إلى تقييم (+ccc) يكشف أن البلاد في طريق التحسن، وهذا التحسن يعود أساسا إلى استقرار رصيدها من العملة الصعبة الذي ساعدها على تحقيق تقدم في استرجاع قروض الدولة التونسية”.
وقال قويعة إن تونس قد تحظى بعد هذا التصنيف بمساندة مالية من السوق المالية العالمية، رغم أن السياسة العامة للسلطة حاليا ترفض التعويل على الاقتراض الخارجي وتدعم في المقابل التعويل على المواد الذاتية للبلاد والاقتراض الداخلي.
وتابع: “تونس لا تُبدي اهتماما بالذهاب إلى السوق المالية الدولية، بالنظر إلى كونها تقدم قروضا بشروط مكلفة لميزانية الدولة، خاصة وأن تونس تشكو نسبة تداين خارجي كبيرة جدا”.
ويرى قويعة أن خروج تونس من دائرة مخاطر التمويل العالية والمرور إلى المرحلة “بي” يستوجب القيام بالعديد من الإجراءات خاصة على مستوى الاستثمار وتطوير التحتية وتحسين الصادرات، مضيفا: “هذا الأمر يبقى رهين توفر الاستقرار السياسي والاجتماعي وعناصر أخرى قد تشهد تحسنا في الأشهر الأخيرة”.
بداية تحسن ولكن
وفي تعليق لـ “سبوتنيك”، قال الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن، إن التقرير الجديد لوكالة “فيتش” يعكس تحسنا في التصنيف الائتماني لتونس، ولكن البلاد لم تغادر دائرة المخاطر العالية.
هذا التصنيف سيمكّن تونس من الخروج مجددا إلى السوق المالية العالمية وتنفيذ إصدارات لتعبئة موارد مالية بشروط مقبولة إلى جانب تمويل الاستثمارات الكبرى.
ويشدد حسن على أن هذا التصنيف يعكس “بداية لتحسن الوضع”، لأن التقييم ارتكز على رؤية مفادها أن الحكومة التونسية قادرة على تعبئة موارد مالية لتمويل نفقات الموازنة ولسداد الديون الخارجية عن طريق رصيدها من العملة الصعبة الذي بقي مستقرا رغم الأزمة الاقتصادية العالمية ورغم الوضع الاقتصادي الداخلي بفضل تحويلات التونسيين بالخارج وتقلص العجز التجاري خاصة ارتفاع صادرات المواد الغذائية، وتحسن مؤشرات السياحة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن التقرير تضمن يقينا في استمرار حالة الاستقرار في رصيد تونس من العملة الصعبة وأنه لن يقلّ عن 90 يوم توريد إلى حدود سنة 2026، بمعنى أن تونس ستواصل الإيفاء بتعهداتها الخارجية، وهو أمر يصفه حسن بالجيد.
وأضاف: “في المقابل يعكس تقرير فيتش حالة اليقين والتأكد من رغبة البنوك التونسية في مواصلة تمويل ميزانية الدولة وقدرتها على القيام بهذا الدور”.
واستطرد: “يجب ألّا ننسى أن تحسن المالية العمومية كان بفضل الاعتماد على التداين الداخلي الذي هو إجراء طبيعي شريطة ألّا يتجاوز الخطوط الحمراء”.
ولفت حسن إلى أن نسبة القروض الموجهة إلى تمويل ميزانية الدولة تمثل 28.3 في المئة من مجموع قروض الاقتصاد الوطني بحسب إحصاءات يوليو/ تموز الماضي، واصفا هذه النسبة بـ”المهولة”.
ونبّه إلى أن مواصلة تمويل الميزانية من القروض المسداة من البنك المركزي ارتفع في يوليو الماضي بأكثر من 61 في المئة، و”هي مخاطرة كبيرة بالنظر إلى تأثيراتها السلبية على التضخم من ناحية وعلى قدرة البنوك على تمويل الاستثمار من ناحية ثانية”.
قراءة مبتورة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي ووزير المال الأسبق حسين الديماسي، أن التصنيف الائتماني الجديد لتونس يعكس تحسنا لا يكاد يذكر، حسب قوله.
وأضاف أن تونس انتقلت من ” – ccc” إلى “+ ccc”، لكنها لم تراوح الصنف المشكوك في مدى قدرته على الالتزام بسداد الديون الخارجية للبلاد.
وتابع: “لا يمكن تقييم هذا التصنيف بالاكتفاء بعبارة “الترفيع”، وإنما يجب النظر بعمق إلى المؤشرات التي اعتمدت عليها وكالة فيتش في تصنيفها، والتي من بينهما استقرار مخزون تونس من العملة الصعبة الذي هو في حدود 117 يوم توريد”.
وقال الديماسي إن استقرار أيام التوريد يعكس في الحقيقة أزمة الاقتصاد التونسي لأن مردّه هو التراجع الكبير في واردات المواد الأولية وشبه الأولية الذي أنتج تحسنا في الميزان التجاري وفي مخزون تونس من العملة الصعبة.
وأوضح: “القراءة الإيجابية لهذا التصنيف هي قراءة مبتورة ولا تعكس حقيقة الوضع المالي والاقتصادي في تونس”.
وشدد الديماسي على أن هذه المؤشرات تعبّر عن وضعية اقتصادية “سيئة “، معتبرا أن الهم الوحيد لخبراء وكالة “فيتش” الأمريكية هو بعث رسالة للمتعاملين الماليين والخواص الذين سلبوا تونس مفادها أن الوضع المالي مستقر وأن مخزون العملة الصعبة متوفر وقادر على خلاصهم.