التحقيق في مهزلة الرصيف الأمريكي العائم في غزة: الموقع الإشكالي وانعدام الثقة في الجيش الإسرائيلي وتحذيرات الخبراء
بعد نحو شهر من تفكيك الرصيف العائم، الذي كان من المخطط أن يساعد في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، يذكر التقرير أن الخطة لم تتناسب مع ارتفاع الأمواج في البحر الأبيض المتوسط؛ وتم اختيار موقع الرصيف خلافا للتوصيات الداخلية؛ وواجهت الإمدادات الغذائية عمليات نهب محلية، وصعوبات في النقل وعدم ثقة المنظمات الدولية في الجيش الإسرائيلي. وأفاد التقرير إن تكلفة المشروع على الجيش الأمريكي بلغت 230 مليون دولار.
تيجة التقرير اللاذعة: خلافا لنية توزيع المواد الغذائية لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر، عمل الرصيف العائم لمدة 20 يوما فقط، ووصل مساعدات توفر الغذاء لـ 450 ألف فلسطيني لشهر واحد فقط.
وكتب كاتبو التقرير “لقد فشلت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ولم تحقق هدفها المتمثل في توفير الغذاء لنصف مليون فلسطيني لمدة ثلاثة أشهر”، وأضافوا إن وزارة الدفاع قامت بتشغيل أرصفة مماثلة في الماضي في الكويت والصومال وكوريا الجنوبية – لكن المهمة فشلت هذه المرة.
وذكر التقرير أن “الطرق والممرات شديدة الازدحام والمناطق البرية التي يصعب عبورها شكلت تحديًا كبيرًا في توزيع البضائع من الأرصفة إلى مستودعات الأمم المتحدة – وكانت هناك عدة تقارير عن نهب الشاحنات”.
ويتناول التقرير أيضا مراحل الإعداد للمشروع. أعلن الرئيس جو بايدن عن هذه الخطوة في خطاب ألقاه للأمة في أوائل مارس 2024، بعد وصول تقارير الأمم المتحدة عن المجاعة الشديدة في قطاع غزة، وخاصة في الجزء الشمالي منه. وبدأت الولايات المتحدة في الوقت نفسه أيضا بإسقاط الطرود الغذائية من الطائرات وسط الشكاوى ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي بسبب تأخير دخول المساعدات عبر المعابر المختلفة حول غزة.
تم تصوير عملية إسقاط الطرود الغذائية، التي شاركت بها عدة دول، من زوايا عديدة، وشهدت حوادث مروعة بسحق السكان والموت. كما تم تداول صور الجماهير الجائعة تنقذ على شاحنات الغذاء، ودوس الناس حتى الموت، في جميع أنحاء العالم. وفي إحدى الحالات، أطلق جنود الجيش الإسرائيلي النار على سكان قطاع غزة نتيجة لاندلاع العنف عند نقطة توزيع للأغذية.
وذكر تقرير التدقيق الداخلي أنه في المحادثات التحضيرية بين برنامج الأغذية العالمي (وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة) والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، طلب مسؤولو الأمم المتحدة انشاء الرصيف العائم في منطقة شمالية من أجل تقليل حاجة الشاحنات للتنقل على الطرق وتوزيع الطعام في المنطقة المتضررة من الجوع، ولكن رفض الأمريكيون الطلب وأقاموا الرصيف في مكانه المعروف.
علاوة على ذلك، تجاهل الأميركيون التحذيرات بشأن ارتفاع الأمواج (مستوى سطح البحر) عند ساحل غزة. “منذ البداية، شكلت ظروف البحر والطقس تحديا كبيرا لنجاح نشاط الرصيف. وفقا لقواعد وزارة الدفاع فيما يتعلق بالأرصفة العائمة والمؤقتة، فإن التوصية هي تشغيل مشروع من هذا النوع في ظروف بحر من المستوى الثالث، أي في المناطق ذات الأمواج المنخفضة أو القصيرة. ولكن البحر الأبيض المتوسط يتميز بأمواج من المستوى الرابع ورياح (عندما يزيد ارتفاع الأمواج في منطقة معينة عن 60 سم تكون فرص نجاح الرصيف العائم منخفضة).
ووفقا لفريق الإعداد التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أعرب الخبراء عن قلقهم بشأن التحدي الهيكلي وقدرة الرصيف على العمل في ظل الظروف المذكورة أعلاه. منذ اللحظة الأولى لربط الرصيف في 16 مايو 2024، تم فصله أو إغلاقه أمام النشاط عدة مرات بسبب ظروف البحر. واحتاج الرصيف إلى إصلاحات، مما أدى إلى تحديد كمية البضائع الواردة من هناك. في النهاية، عمل الرصيف لمدة 20 يومًا فقط، وتم إغلاق المشروع في 17 يوليو.
ويتناول أحد فصول التقرير انعدام ثقة وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة – وعلى رأسها برنامج الأغذية العالمي – في الجيش الإسرائيلي. وجاء في التقرير “لقد أعربوا عن قلقهم بشأن الطبيعة العسكرية للرصيف وحقيقة أن السكان الفلسطينيين يعتقدون أن هذا مشروع غير محايد”.
وتتعلق إحدى الادعاءات التي عرضها التقرير بإنقاذ الرهائن الإسرائيليين الأربعة يوم 8 يونيو 2024 من مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، في عملية أسفرت عن مقتل العديد من الفلسطينيين. “أظهرت العديد من مقاطع الفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي عمليات الجيش الإسرائيلي على خلفية الرصيف الأمريكي العائم، مما دفع الفلسطينيين إلى الاستنتاج أن إسرائيل استخدمت الرصيف للقيام بعمل عسكري”.
“ذكر إعلان رسمي من القيادة المركزية للولايات المتحدة (سنتكوم) أن الجيش الإسرائيلي لم يستخدم مرافق الرصيف لأي غرض. لكن في اليوم التالي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه أوقف عملية توزيع البضائع من الرصيف لحين دراسة الأمر”.
وفي وقت لاحق، وضع منسق الأمم المتحدة المقيم في غزة مهند هادي في رسالة إلى الجيش الإسرائيلي شروطا لمواصلة توزيع المساعدات الأمريكية من الرصيف العائم. وطلب، من بين أمور أخرى، إنشاء ممر فعال ومستمر لنقل البضائع، وأنظمة اتصال بين الجيش الإسرائيلي والأمم المتحدة وحماية موظفي الأمم المتحدة.
وجاء في رسالته أن حياة موظفي الأمم المتحدة كانت معرضة لخطر أثناء عملية إنقاذ الرهائن في 8 يونيو. وتم تعليق نشاط الأمم المتحدة في توزيع البضائع بعد هذه الرسالة. “تم تكديس آلاف البضائع والمعدات التي تم تفريغها من الرصيف في المنطقة الساحلية بغزة”.
“قرر فريق موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع نقل أكبر عدد ممكن من البضائع إلى المنطقة الساحلية، سواء يقوم موظفو الأمم المتحدة بتوزيعها أم لا. وذكروا أن المنتجات صالحة للتخزين وليست أطعمة قد تفسد. لمدة ثلاثة أسابيع، لم تتخذ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأغذية العالمي أي خطوة بديلة لتوزيع البضائع”.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي شون سابت ردا على التقرير، بحسب صحيفة “واشنطن بوست” أن “الرصيف كان جزءا من استجابة حكومية شاملة للوضع الإنساني في غزة، بما في ذلك نقل المواد الغذائية عن طريق البر والجو والبحر”.
وأضاف “منذ اللحظة الأولى قلنا أن الأمر لن يكون سهلا وتصرفنا بشفافية ونزاهة فيما يتعلق بتحديات هذه الخطوة. خلاصة القول هي أن الإدارة اتخذت كل السبل الممكنة لإيصال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى غزة ولعبت دورا هاما من أجل تحقيق هذا الهدف”.
وقالت المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ إنهم على علم بالتقرير وأن هدف الرصيف العائم كان “توفير بضائع إضافية للبضائع التي نقلت إلى الداخل”. لكن في غضون ذلك، هناك انتقادات في واشنطن أيضا للتكلفة المالية والمخاطر في إدارة المشروع.
وقال السيناتور الجمهوري روجر ويكر (مسيسيبي)، عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، “المعجزة الوحيدة لهذا المشروع السيئ هو أنه لم يكلف أرواح الأمريكيين”.