جيادٌ تتسابق بالحنين على منبر بيت الشعر في الشارقة
الاحساء –
زهير بن جمعه الغزال
في إطار فعاليات منتدى الثلاثاء، أقام بيت الشعر بالشارقة أمسية شعرية، مساء الثلاثاء 20 أغسطس، شارك فيها ثلاثة شعراء، حلّقوا بنصوصهم في أجواء الفرح والحلم والجمال، وشارك في هذه الأمسية كل من الشاعر د. يوسف حطيني من فلسطين، والشاعر محمد محبوبي من موريتانيا، والشاعر د. عبدالرزاق الدرباس من سوريا، بحضور الشاعر محمد عبد الله البريكي، مدير بيت الشعر، وجمهور غفير من الشعراء والنقاد ومحبي الشعر، الذين كانوا في الموعد كعادتهم فاكتظ بهم المكان، وتفاعلوا بشكل كبير مع الشعراء والقصائد.
وبدأت الأمسية بتقديم الإعلامي محمد المنصوري، التي أشاد بجهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لجعله من إمارة الشارقة، وجهة الأدباء، وبوصلة الشعراء، كما أشاد بمتابعة دائرة الثقافة وبجهود بيت الشعر، وقال في تقديمه: “في هذه الأمسية الشعرية التي تتنفس عبق الكلمات، نتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى راعي الثقافة والأدب، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، الذي طالما كان داعماً للكلمة الحرة والفكر النير، وجعل من الشارقة منارةً للعلم والفنون.”
افتتح القراءات الشاعر الدكتور يوسف حطيني، الذي مارس السباحة في العيون، لسبر أغوار أسرار قد لا تبدو واضحة إلا لمغامر متمرس في الإبحار، ليكتشف الذي يشع من الأعماق، فيقول:
عينانِ تختزنانِ ضوءَهما
من ذا يعيرُ الشّمسَ ظلَّهما؟
عينانِ تشتعلانِ بوحَ أسىً
وأنا أسافرُ منهما لهما
تتصنّعانِ هدوءَ غافيةٍ
وحرارةُ البركانِ خلفَهما
والدّمعةُ المحبوسةُ التمعتْ
تحكي أنينَ القلبِ مضطرِما
ثم قرأ نصًّا ذاتيًّا لأبيه وأمه ووطنه، ثلاثتهم يكونون الوطن الأسمى والأغلى في روحه، حلق في هذا النص باللغة وسرد التفاصيل التي منحت النص دهشة وحضورا، ومنه:
إذ كان أبي في زمنِ القهوةِ/ حبّة هالٍ ذوّبها دفءُ فلسطينَ/ بفنجانٍ من عشقِ أُميّهْ/ توقظه ساعتُهُ في الفجرِ،/ يصلي للرّزّاق، يتمتمُ أدعيةً،/ يضطجعُ على وجعِ الأمسِ وبعضِ الأحلامْ/ توقظ أمّي (بابورَ الكازِ) النّائمَ في حضنِ الأيامْ/ تشعلُ صبحَ أبي بالدفءِ ليشربَ قهوتهُ/ ويدفّئ يده الخشناءَ على عجلٍ
من ثلجِ الشّامْ.
قرأ بعده الشاعر محمد محبوبي، الذي شغل فترة من الزمن مساعدًا لمدير بيت الشعر بنواكشوط في موريتانيا، والذي اتسمت قصائده بالعمق والتحليق في أخيلة بعيدة، حيث يبعث ببريد بوحه عبر نافذة السماء، فيقول:
أناْ واجِـمٌ في الريـحِ مثل دموعِكِ
الحرّى تؤوبُ مع الأصيل تَصبُّرا
وَطنانِ غـصّا بالأغاني الباكِياتِ..
وفي مَدى الغيبِ النضيرِ تَجــذّرا
ما أنت غير يمامة أثريّةٍ
الفجر غناها.. فغنت للثرى!
لكِ كاملُ التَّبجيـل.. يا موتًا تَـغـــــــ
شّاني، وعُـدتُ لكي أعيش مكررا
ليرسم بعد هذا التحليق من الضحة لوحة فنية مليئة بالتفاصيل الندية باللغة والصورة المتقدة، فيقول:
حـدِّثـي لَيـلَـنـا المُـنيفَ عـن الرّوح..
وتـوْقِ الفُيـوض للنـدمــاءِ
وانثري سحنة النجومِ على
أرجاء عُمْرٍ غصّت بنور الرجاءِ
طـالَ عهـدي بمُقلتــيـكِ! فهـيّا
نغسـل الحُـلْمَ فـي ضــفـاف الرُّواءِ
نحـن وشيُ الـرؤى.. وأغنـيـةُ الوُرْقِ..
ونجـوَى الصـبـــاح للأنــداءِ..
وصلاةُ المروج.. والأفُـقُ الغـافـي..
ونبضُ الشـذا.. ورُؤيا السـمـاءِ
واختتم القراءات الشاعر الدكتور عبدالرزاق الدرباس، الذي أطلق جياده في سباقٍ مع الحنين، متنقّلَا بحروفه بين الأمكنة التي تغص بالذكريات والتفاصيل، فيقول من قصيدة “جيادٌ في سباق الحنين”:
بَعـضُ الأماكِــنِ نَـبْـكـيهــا وتَبْكــيـنـا
تُـمــيــتُــنـا فـي هَـــواهـــا ثُــمَّ تُحْـيــيــنــا
نَـشـــيـدُهــا زَفَــراتٌ مِـنْ مَــواجِـعِــــنـا
وَحُـبُّــهـا يَجعَـلُ الأَشـــواكَ نسْـــرينـا
مِنْ طُهْــرِ تُربتِهـا صَـحَّ الـوضــوءُ لَــنـا
وَفي تَسابيحِـهـا صِرْنا المُـصَلّـِيـنا
مُـهَــجَّــرونَ، ولَا ذَنْـبٌ بِصَـفْـحَــتِـنـا
وَنـازِحـونَ، وَلا الأَرقــامُ تُحْـصـيــنـا
ثم قرأ نصًّا ذا ثقافة اتكأت على التناص في التراث والقرآن، وجال في الصحراء ليجد ابن الورد والشنفرى أمامه وهو يتجلى في “باب المحال” فيقول:
أنا عُروةُ بنُ الوَردِ صُعْـلوكَ الهوى
وَعلى الكُـتـوفِ حَقـائبُ الأَسْــفارِ
أغْـزو على اسْــــــمِ الحُـبِّ كلَّ قَبيْـلَـةٍ
فـَأَعــودُ بِالّـلاشَــيءِ أَحْـمـِـلُ عـاري
إنّي أنا المَجْـنـونُ لكِـنْ ليسَ لـي
لَـيلـى لِــنَـرعى البُـهْـمَ وُسْـــــعَ قِــفــــارِ
لَـيْـلايَ وَعْـدُ، لَـمْ تزلْ بانَـتْ سُــــعَـا …
دُ أَثـــيْــــــرَةً فـي العَــفْـــوِ وَالأَشْـــــــعــارِ
في ختام الأمسية كرّم الشاعر محمد البريكي الشعراء ومقدم الأمسية.