يا ليتني كنت معهم .. غلاب الحطاب
كحقوقي وكواحد من الذين يمارسون العمل القانوني، وأشارك في مجال إرساء العدل وإقامة الموازين القسط في المحيط العربي، فقد وجدت نفسي أقول ” يا ليتني مت قبل هذا “، وقت أن رأيت المدافعين عن حقوق إخواني الفلسطينيين يأتون من أقصى جنوب قارة أفريقيا ومن تخوم رأس الرجاء الصالح على اختلاف ألوانهم يترافعون باللغة الإنجليزية أمام محكمة العدل الدولية في واحدة من أكبر المحاكمات الإنسانية في القرن الحالي.
وبقدر ما شعرت بالامتنان لهؤلاء الإخوة الأفارقة الذين أدوا أداءً رائعًا أعاد للوجه البشري إشراقة الذي حجبته هجمات هؤلاء البربر على العزل المدنيين في قطاع غزة، فقد شعرت بالألم والخجل أنني لم أكن هناك معهم ولو في مقاعد المشجعين وهو ما يشير إلى نقابة المحامين المصرية بأصابع الاستفهام عن نشاطها الحقوقي الدولي وهل عدمت نقابات المحامين العربية نشطاء دوليين في مجال حقوق الإنسان يمكن أن يتحدثوا باللغات الأجنبية ويقفون جنبًا إلى جنب مع هؤلاء عندما يدافعون عنا؟
إن كل ما قاله هؤلاء الأبطال من جنوب أفريقيا، واصفين ما تقوم به دولة الاعتداء الصهيوني على إخواننا في قطاع غزة موثق بالصوت والصورة تذيعه الفضائيات على الهواء مباشرة وعلى مدار أكثر من ثلاثة أشهر يراه الرؤساء والوزراء والخفراء والسوقة والدهماء، لهذا دعوني أتساءل عن قيمة ما يقوم به هؤلاء الأبطال الذي صدعوا بالحق في وجه السلطان اليهودي الجائر، وعندما أقول السلطان اليهودي الجائر لا أقصد بذلك إسرائيل أو بنيامين نتانياهو وإنما أقصد النظام العالمي الذي توجه بحاملات طائراته ظهر يوم السابع من أكتوبر إلى شواطئ فلسطين ليهدد بها اثنين ونصف المليون من الجوعى المحاصرين.
أعود هنا إلى التساؤل عن قيمة النظام القضائي الذي تمثله محكمة العدل الدولية إن كان مجلس الامن في النهاية يرى إنفاذ أحكامها أو تعطيلها وهو الجهاز الذي يمتلك فيه خمس دول من أنصار إسرائيل حق الاعتراض على كل ما تقرره محكمة العدل الدولية، وأن يقدم إلى ما عملت من عمل فيجعله هباءً منثورًا عندما يستخدم حق النقض “الفيتو” في كل مرة تسعى الدول إلى إنفاذ أحكامها، غير أن كل ذلك لا يقدح أبدا في روعة ما قام به الزملاء من جنوب أفريقيا، لقد استطاع هؤلاء النبلاء على اختلاف ألوانهم أن يبينوا للرأي العام العالمي وبلسان إنجليزي مفهوم ورصين أن إسرائيل قد محت عائلات فلسطينية بأكملها دون مراعاة أية اعتبارات إنسانية أو قانونية وأنها هجرت أكثر من 85 في المائة من سكان قطاع غزة دون أن يكون لهؤلاء مأوى أو ملجأ وأنها منعت دخول الوقود والمساعدات الإنسانية إلى القطاع وأنها تركت أكثر من نصف مليون فلسطيني الآن بلا أي مأوى، وأن ثمانين بالمائة من الفلسطينين في قطاع غزة يعانون الجوع والعطش وأن إسرائيل قد استخدمت أسلحة الدمار الشامل ضد الأشخاص وضد المنشآت الإنسانية وأن النظام السياسي الإسرائيلي يعتمد سياسة الفصل العنصري، وأن إسرائيل تسيطر سيطرة كاملة على قطاع الكهرباء والمياه وعلى تطوير البنية التحتية في القطاع المحاصر وأن إسرائيل ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية إخلالا بالمادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة الجماعية وأنها ألقت نحو ستة آلاف قنبلة على المدنيين في الأسابيع الثلاثة الأول من الحرب .
لقد كان ظهورًا مشرفًا لرجال ونساء شرفاء مثلوا المهنة القانونية تمثيلا لائقا وصدعوا بالحق وأحسنوا إلى كل من يضع الميزان شعارًا له، فتحية من القلب إلى نقابة المحامين في بريتوريا وجوهانسبرج وكيب تاون وبلومفونتين ودربن.
وإنني أدعو نقابة المحامين المصرية إلى فتح برنامج تعاون مع هؤلاء الأبطال في مجالي التدريب وتبادل الخبرات، وأخيرًا أقول: ” يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا”.