هوس شراء فرق الرياضة ينتشر عالمياً من أثمن الصفقات لأرخصها
لطالما تمنى مات أوغلا امتلاك نادٍ لكرة القدم. وأوغلا هو مشجع منذ فترة طويلة لفريق أرسنال الإنجليزي لكرة القدم الذي يلعب ضمن الدوري الإنجليزي الممتاز، ويبلغ من العمر 29 عاماً، وحاول بالفعل الخوض في بعض الصفقات التي باءت جميعاً بالفشل. لكن كل شيء تغير بعدما اقترح صديق عليه شراء فريق “يوفيل تاون” (Yeovil Town FC) لكرة القدم.
نادي “يوفيل”، الذي يقع مقره في سومرست، جنوب غرب إنجلترا، يلعب في دوري الدرجة الخامسة الإنجليزي، وهو الأدنى بين بطولات الدوري على مستوى البلاد. كما لا يحظى بشهرة واسعة. ومن المتوقع أن يحقق إيرادات إعلامية تبلغ 14539 جنيهاً إسترلينياً فقط (18115 دولاراً أميركياً) في الموسم الحالي، أي ما يعادل أكثر بقليل من نصف ميزانية الإمدادات الغذائية الخاصة بالفريق. لكن ورغم هذا فإن سعر الصفقة كان ملائماً تماماً لأوغلا، إذ وافق على شراء الفريق مقابل جنيه إسترليني واحد فقط في مارس الماضي.
صائدو الصفقات
بين ربوع رياضة كرة القدم المشهورة باستحواذات بمليارات الدولارات على امتيازات كبرى مثل أرسنال ومانشستر يونايتد، تظهر مجموعة جديدة من صائدي الصفقات الذين يستكشفون فرص الدوري الأدنى، ومنهم أوغلا. ويتمثل التحدي الذي يواجه الأندية التي تخسر الأموال غالباً في تحسين صورتهم إعلامياً، وتوليد مصادر جديدة للإيرادات، مما يمنح الفريق فرصة لجلب لاعبين أفضل والصعود إلى دوري أعلى. ومن أجل القيام بذلك يحتاج مُلاك تلك الأندية إلى الإبداع.
في 2021، اشترى الممثلان الأميركيان رايان رينولدز وروب ماكلهيني نادي “ريكسهام”، الذي يلعب ضمن أدنى دوري رتبة وهو الدوري الوطني، على غرار “يوفيل”. منذ ذلك الحين، أنتج “ريكسهام” فيلماً وثائقياً بالتعاون من “ديزني بلس”، وعزز انتشاره على وسائل التواصل الاجتماعي، وأبرم صفقة رعاية مع “تيك توك”. كما ارتفعت مبيعات تذاكره والمنتجات التي تحمل شعار الفريق. والآن ينافس “ريكسهام” للتأهل إلى دوري الدرجة الثانية الإنجليزي.
لكن على الجانب الآخر، يفتقر أوغلا بالطبع إلى شهرة هوليوود الواسعة التي يتمتع بها رينولدز وماكلهيني، لذلك يتبع استراتيجية مختلفة، إذ يهدف إلى تحديث البنية التحتية للنادي خارج الملعب، مما يجعل محيط استاد “هويش بارك” أكثر جاذبية للجماهير، وصالحاً بوصفه مكاناً للحفلات والأحداث الأخرى. وفي داخل الملعب يقول أوغلا إنه سيستخدم البيانات الضخمة لتحديد مواهب اللعب المخفاة، التي يمكن أن تساعد على جذب الجماهير.
نماذج ناجحة
يضرب أوغلا أمثلة على النجاح من “برينتفورد” و”برايتون أند هوف ألبيون”، وهما ناديان لكرة القدم صعدا إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في السنوات الأخيرة بعد تأخرهما في أدنى الدوريات. ويقول: “إنهما يفتشان عن لاعبين ماهرين، أو يستخدمان البيانات بطرق لم يلجأ إليها الآخرون”.
وَرِثَ أوغلا شغفه بالبيانات عن والده لانس أوغلا، المؤسس الكندي لشركة البيانات المالية “آي إتش إس ماركت” (IHS Markit)، التي باعها إلى “ستاندرد آند بورز غلوبال” مقابل 39 مليار دولار في 2020. ويشترك الأب والابن في حب كرة القدم وآرسنال، لكن “يوفيل” يقع تحت سيطرة أوغلا الابن فقط إلى حد كبير، إذ قال لانس إنه لا يقوم بدور إداري فيه، وكتب في رسالة بالبريد الإلكتروني: “دوري الوحيد هنا هو أنني والد مات”.
“أبل” تدرس تقديم عرض لشراء حقوق بث كرة القدم الإنجليزية
قد تكون إعادة بناء نادٍ لكرة القدم أمراً صعباً ومكلفاً حتى بالنسبة إلى كبار الأثرياء في صدارة اللعبة. على سبيل المثال، أنفق رجل الأعمال الأميركي تود بوهلي وشركة الأسهم الخاصة “كليرليك كابيتال” (Clearlake Capital) أكثر من نصف مليار دولار على نادي تشيلسي منذ استحواذهما على النادي الذي يلعب ضمن الدوري الإنجليزي الممتاز العام الماضي. لكن حتى الآن لم يحقق نجاحاً كبيراً، وأثار كثيراً من حنق المشجعين.
موارد مالية محدودة
أما بالنسبة إلى نادي “يوفيل”، فسيتعيَّن على أوغلا بناء النادي وإبقاء المشجعين سعداء بالأموال الزهيدة المتاحة له مقارنة بالمخصصات الهائلة لدى أندية الدوري الإنجليزي الممتاز. ويتوقع “يوفيل” تحقيق إيرادات تناهز 1.4 مليون جنيه إسترليني الموسم المقبل، مقارنة بنحو 600 مليون دولار حققها تشيلسي في 2021-22. وقد يزداد الوضع سوءاً، فاعتباراً من أوائل أبريل كان “يوفيل” معرضاً لخطر الهبوط إلى أحد الدوريات الإقليمية.
يقول أوغلا: “لقد اشترينا نادياً بلا أي إمكانيات. المُلاك السابقون لم يتركوا شيئاً فيه، ولا حتى معالجاً طبيعياً”.
رغم أن الدوري الوطني لديه عقد إعلامي مع شركة القنوات الإذاعية “بي تي سبورت”، فإن الأموال التي يدرها هذا العقد للفرق المدرجة على جدول الدوري لا تكفي حتى لتغطية أساسيات إدارة النادي، ناهيك بأجور اللاعبين.
يقول كيران ماغواير، المحاضر في علوم تمويل كرة القدم بجامعة ليفربول: “تتكبد فرق الدوري الوطني خسارة سنوية تناهز 700 ألف جنيه إسترليني. ولا تتمتع بصفقة بث تليفزيوني مربحة”.
“إستراتيجية طويلة الأجل للنجاح”
يشتري أوغلا نادي “يوفيل” بمساعدة “إس يو غلوفرز” (SU Glovers) القابضة، وهي الشركة التي تدرجه هو ووالدته، جوليا آن أوغلا، باعتبارهما مسؤولين كبيرين فيها. كما يدير العمليات اليومية للنادي مع بول ساكي، لاعب الرغبي الإنجليزي المتقاعد وصديق العائلة الذي اقترح عليه في البداية الاستثمار في “يوفيل”. وللحصول على المشورة، يلجأ أوغلا إلى أمثال مدرب كرة القدم السابق الشهير هاري ريدناب وتريب سميث، المستثمر في فريق الدوري الإنجليزي الممتاز وست هام يونايتد.
يقول بيتر مور، المدير المالي السابق في نادي ليفربول لكرة القدم الذي سبق أن قدم استشارات في صفقة “ريكسهام”: “يحتاج أوغلا إلى إحاطة نفسه ببعض المخضرمين في كرة القدم، كما تحتاج عائلته إلى بناء سمعتها في هذا المجتمع، مع تبني إستراتيجية طويلة الأجل للنجاح”.
العرض القطري لشراء “مانشستر يونايتد” قد يصطدم بعقبة
بعد فترة وجيزة من موافقته على شراء الفريق، عزم أوغلا نحو 200 مشجع متعصب في “يوفيل” على البيرة بالمدرجات في مباراة خارج ملعبهم. لكن كرة القدم مليئة بالقصص عن المُلاك السابقين -مثل ستيوارت دونالد في “سندرلاند إيه إف سي”، ومايك آشلي في “نيوكاسل يونايتد”- الذين بدأوا مسيرتهم بالشرب مع الجماهير، ثم أصبحوا في ما بعد أشراراً في نظر الجماهير عندما بدأت الأمور تسير على نحو خاطئ. كما عانى “يوفيل” من سلسلة هزائم في مارس وأبريل، مما قلل بعض التفاؤل المبكر الذي رافق الإعلان عن شرائه للنادي.
يقر أوغلا بأن مشجعي كرة القدم الآن يريدون النجاح على الفور، ويقول إنه لاحظ بالفعل عدم رضاهم عن عدم تغير الأمور بالسرعة الكافية. في سبيل ذلك، يسعى أوغلا للحصول على أغلى شيء يحتاج إليه وهو الوقت. ويختتم: “الهدف هو الصعود من هذا الدوري، لكن لا يمكننا المبالغة في الأحلام”.