تينوبو رئيسا لنيجيريا.. تهنئة أمريكية في وقت حرج
نار انتخابية تحت رماد فوز بولا تينوبو برئاسة نيجيريا حاولت معها الولايات المتحدة إخمادها مبكرا بتهنئة في وقت حرج.
وقبل ساعات، هنأت واشنطن مرشح الحزب الحاكم في نيجيريا بولا تينوبو على فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت السبت ودعت إلى الهدوء في أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان.
وساقت المعارضة النيجيرية اتهامات واسعة حول فوز مرشح الحزب الحاكم بالرئاسة بعد حصول عمليات تزوير، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، قال إن “الولايات المتحدة تهنئ شعب نيجيريا والرئيس المنتخب تينوبو وجميع القادة السياسيين” على واحدة من أكثر الانتخابات تنافسية في تاريخ الديمقراطية في الدولة الأفريقية.
وبحسب متحدث الخارجية الأمريكية فإن “هذه الانتخابات التنافسية تمثل عصراً جديداً للسياسة والديمقراطية في نيجيريا”.
وفجر الأربعاء أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في نيجيريا فوز بولا تينوبو مرشح حزب “مؤتمر كل التقدميين” الحاكم برئاسة البلاد بعد حصوله على 8.8 مليون صوت متقدماً على منافسيه الرئيسيين عتيق أبو بكر، مرشح حزب الشعب الديمقراطي (6.9 مليون صوت)، وبيتر أوبي مرشح حزب العمال (6.1 مليون صوت).
وإذ شدد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية على أن واشنطن “تتفهم أن العديد من النيجيريين عبروا عن إحباطهم” من سير الانتخابات، دعت “أي مرشح أو حزب يسعى للطعن في النتيجة إلى أن يفعل ذلك من خلال” الآليات القانونية المعتمدة.
برايس اختتم حديثه بقوله: “ندعو جميع الأطراف إلى التهدئة وتجنب أي تصريحات تحريضية في هذا الوقت الحرج”.
وبعد أيام من شد الأعصاب، وصلت نيجيريا إلى محطة انتخاب الرئيس، بعد تنافس بين 3 مرشحين، كان حظ الفوز فيه من نصيب بولا أحمد تينوبو.
وبحسب الانتخابات التي جرت السبت والأحد، وأعلنت نتائجها الأربعاء فاز بولا تينوبو “صانع الزعماء” رهان رئاسيات 2023، متوجا مسيرة سياسية طويلة إلى هرم السلطة.
تكتنف بدايات حياة تينوبو بعض المصاعب، خاصة بعد عودته من الولايات المتحدة في شبابه، بعد أن كان يدرس هناك، لكن عودته إلى نيجيريا في الثمانينيات وتميزه في العمل في مجال النفط، بوآه لاحقا مكانة كبيرة في بلاده، وخاصة مسقط رأسه لاغوس، حتى أصبح يعرف بـ”صانع الزعماء”.
ولد الرئيس المنتخب في مارس/آذار 1952 بلاغوس، في نيجيريا لأم ثرية هي أبياتو موغاجي، بينما يكتنف غموض آخر هوية والده، لكن وجود والدته لم يتركه لبراثن اليتم، فتوجه مبكرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك يرجح أنه أكمل تعليمه الثانوي والجامعي، وحصل على ماجستير في المحاسبة من جامعة شيكاغو عام 1979.
عمل تينوبو الشاب آنذاك هناك في المهجر موظفا في بعض الشركات الأمريكية، لكنه عاد إلى نيجيريا سنة 1983، بعد التجربة الأمريكية التي انتهت -حسب خصومه- بتحقيق حول زيادة دخل مريبة، وفي بلده الأصل التحق بشركة “موبيل نيجيريا”، النفطية، التي أصبح فيما مديرها التنفيذي ليفتح علاقات واسعة مع السياسيين، ويبرز على منصة الشهرة.
سبع سنين في قطاع النفط كانت كافية للرجل الطموح ليصعد نجمه في سماء السياسة، بدءا من مسقط رأسه ولاية لاغوس، ويتعامل دعما أو معارضة مع الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاسة نيجيريا، فعارض الديكتاتورية العسكرية بقوة خلال التسعينيات، وإلى أن عادت الديمقراطية مجددا إلى البلد الأفريقي نهاية العقد نفسه.
دخول معترك السياسة
كانت أولى تجاربه السياسية قادما من مكاتب شركات النفط، عام 1992 حينما انضم إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SDP) بقيادة شيهو موسى يارادوا، ومن هذا الحزب دخل مجلس الشيوخ النيجيري، ممثلاً لدائرة غرب لاغوس، ودخلت البلاد العام الموالي نكسة للديمقراطية، بعد أن ألغى الجنرال إبراهيم بابانجيدا نتائج الانتخابات الرئاسية، التي خسر فيها أمام مسعود إبيولا الذي ناصره تينوبو بقوة.
وهنا تحول تينوبو إلى معارض شرس يسعى إلى استعادة الديمقراطية، فانضم إلى القوى المناهضة للجنرال بابانجيدا في الائتلاف الوطني الديمقراطي “نادكو” الذي كان هدفه الاعتراف بنتائج رئاسيات يونيو/ حزيران 1993 الملغية.
عاشت البلاد حوالي 5 سنوات من عدم الاستقرار، وشهدت انقلابات وانقلابات مضادة، واضطر تينوبو إلى مغادرة البلاد، واللجوء إلى المنفى القسري، إلى أن عاد الهدوء بزوال الحكم العسكري عام 1998، وانتًخب أولوسيغون أوباسانجو رئيسا للبلاد، عن حزب الشعب الديمقراطي.
في هذا الوقت أصبح تينوبو حاكما لولاية لاغوس القلب الاقتصادي لنيجيريا وعاصمتها التاريخية، وذلك لمدة ثماني سنوات (1999-2007)، وفيها طغى نفوذه حتى طال أبوجا، حيث أروقة السياسة، وحقق بشهادة خصومه ومناصريه الكثير لهذه الولاية، ونقلها من أسوأ مدينة للعيش إلى ولاية مزدهرة، وهو الشيء الذي لا يزال نقطة بيضاء في سجله الإداري والسياسي، وكان محور برنامجه السياسي في انتخابات 2023.
صانع الزعماء
من مكانته في لاغوس، وحتى بعد تركه منصب حاكم الولاية، ظل تينوبو ينظر إليه دائما على أنه الرجل الذي يقف وراء جميع التعيينات السياسية في مسقط رأسه، وعلى امتداد نيجيريا، وينسب لنفوذه انتخاب الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري عام 2015 لأول مرة، وبإعادة انتخابه عام 2019. ومن هنا أطلق عليه لقب “صانع الملوك”.
في الواقع لا ينكر السياسي النيجيري ذلك بل يتباهى به أحيانا، كما فعل في تصريح عام 2015 لوكالة “رويترز” حين سألته عن انتخابات محلية آنذاك في لاغوس، حيث ردّ بالقول وهو آنذاك في صف المعارضة: ” أنا صائد للمواهب. إنني أعتمد على المواهب في مناصبهم ، وأساعدهم”.
فاحش الثراء
وعلاوة على النفوذ السياسي، يعتبر الرئيس الجديد ثاني أغنى سياسي في نيجيريا، بثروة تقدر بنحو 4 مليارات دولار، لكن البلد الأفريقي الغني بالنفط، كما أنه بحاجة إلى خبرة وتجربة، يطمح شبابه إلى تبوؤ مكانة في المشهد السياسي والاقتصادي، خصوصا وهو يواجه حركات إرهابية شرسة، وهي تحدّيات ستكون مطروحة على طاولة الرئيس المنتخب.
هذا فضلا عن مخاوف من عدم اعتراف المعارضة بالنتائج، وحدوث أعمال عنف، يخشى أن تعرض المعارضة الحديثة في نيجيريا لانتكاسة.