الجزائر”: مصالحة فلسطينية شكلية
شهدت العاصمة الجزائر على توقيع قادة الأحزاب والفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتهم حركتي فتح وحماس على اتفاق مصالحة جديد برعاية من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وسط أجواء تشي بالتفاؤل المعلن، وتخفي من المخاوف والمحاذير ما تخفي، خوفاً من الماضي، الذي كان شاهداً أيضاً على مصالحات أخرى برعاية من دول عربية مختلفة، لكن دون جدوى.
اجتماع الجزائر ليس سوى محطة جديدة من محطات اجترار مسألة إنهاء الانقسام بالبنود السابقة نفسها والنصوص المكررة إياهاوأطلق على الوثيقة التصالحية بين الأطراف الفلسطينية المتصارعة والمنقسمة منذ 2007،
ثقة وتفاؤل
وقال رئيس وفد حركة فتح عزام الأحمد عقب توقيع الاتفاق، “وقعنا على هذا الإعلان حتى نتخلص من هذا السرطان الخبيث الذي دخل الجسم الفلسطيني وهو الانقسام”. وأضاف: “نحن نشعر بالثقة والتفاؤل أن هذا الإعلان سينفذ ولن يبقى حبراً على ورق”. وتابع للتلفزيون الجزائري: “الفلسطينيون منقسمون منذ أكثر من 15 عاماً، وهذا أضعف قضيّتنا”.
ارتياح
أما زعيم حركة حماس إسماعيل هنية فأشاد بـ”يوم أفراح بداخل فلسطين والجزائر وكل الأمة العربية ومحبي الحرية”. ونقل موقع حماس عن زعيم الحركة إسماعيل هنية قوله: “نحن مرتاحون حيال لقاء الجزائر، والحوار بيننا خيّمت عليه أجواء من الإيجابية”.
نص الإعلان
ينص “إعلان الجزائر” على إجراء انتخابات بحلول أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لرئاسة السلطة وللمجلس التشريعي الفلسطيني الذي يعمل بمثابة برلمان للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح محمود عباس الذي تغيب عن توقيع الاتفاق، قد أرجأ عام 2021 إلى أجل غير مسمى الاقتراع الذي كان ليكون الأول منذ 15 عاماً، مبرراً ذلك بأن إجراءه ليس “مضموناً” في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل وضمتها. وقد انتقدت حماس القرار في حينه.
عراقيل
يقول الكاتب الفلسطيني عبدالمجيد سويلم معلقاً على وثيقة الجزائر في مقال بصحيفة الأيام، إن الوثيقة ورغم تأكيدها على إجراء الانتخابات بحلول أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلا أن نصها بقي مبهماً وغير ملزم. وفيما يتعلق بتنفيذ الانتخابات في القدس بقي الأمر مبهماً أيضاً.
ويتساءل سويلم، قائلاً، لماذا لم يتم الاتفاق على إجراء الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، رغماً عن موقف إسرائيل، وبكل السبل والوسائل التي تضمن إجراءها؟
أو لماذا لا يُقال في الصيغة، إن “الاحتلال إذا منع إجراء الانتخابات في المدينة فإن الفصائل وممثلي المجتمع الفلسطيني سيعتمدون الشكل والوسيلة المتاحة دون أن يتم رهن إجراء الانتخابات بموافقة الاحتلال عليها؟”.
وتساءل الكاتب أيضاً، عن غياب أو تغييب النص الذي يؤكد على وحدة الأرض الفلسطينية، ووحدة الولاية السياسية عليها، وخضوعها لسلطة واحدة، وعن الضمانة أن تتخلى حركة حماس عن سيطرتها على قطاع غزة، وفتح عن الضفة إذا جاءت نتائج الانتخابات مغايرة لرغبة الخصمين.
وقال سويلم، إن هذا كله ليس سوى أمثلة على أن اجتماع الجزائر ليس سوى محطة جديدة من محطات اجترار مسألة إنهاء الانقسام، بالبنود السابقة نفسها، والنصوص المكرّرة إياها.
ملهاة
من جهته، اعتبر الوزير السابق الفلسطيني، حسن عصفور، الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مساء الخميس في العاصمة الجزائرية، “جزء من مسلسل الأوراق التي تم توقيعها منذ عام 2005، كملهاة من طراز مختلف تم إعادة نسخها بمنتج ومخرج جديدين، مع تعديلات نصية وفقاً للزمن والمكان”.
وشدد على أن “ورقة أكتوبر في الجزائر، بما تضمنته وبعد مجمل التطورات في فلسطين، والصدام الجوهري حول طبيعة الصراع وما يجب أن يكون، يمكن اعتبارها أكثر الأوراق التصالحية رداءة لغة سياسية ومضمونا، وقصوراً حول ما يجب أن يكون وفقاً لما حدث، خاصة في داخل فلسطين، وما حولها”.
من جهة أخرى، يقول الكاتب ناجي صادق شراب في مقال تحليلي بموقع “خبر” الفلسطيني أمس، ما الذي استجد في عملية المصالحة لنذهب إلى التفاؤل أو التشاؤم؟ الجديد في عملية المصالحة الجزائر، وهنا الجزائر ليس كمجرد مكان تلتقي فيه وفود الفصائل؟ الجزائر هنا الدور والمكانة والعلاقة التاريخية مع كل الفصائل، فلا ننسى أن الجزائر فتحت أبوابها لفتح وغيرها ومن عاصمتها كانت اللقاءات والقرارات الفلسطينية، ومن عاصمتها تم الإعلان عن قرار قيام الدولة الفلسطينية.
في الوقت ذاته هناك ما يدعو للتشاؤم وعدم التفاؤل حتى لو تم الاتفاق على بيان ختامي، فما زالت الفجوة من عدم الثقة تتسع، والتنازع على الشرعية والتمثيل قائماً، وغياب اللقاءات الدورية على مستوى القيادات باستثناء لقاء القمة الوحيد الذى عقد بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الجزائر بحضور الرئيس الجزائري والمصافحة التي أخفت الكثير من عدم الثقة.
غياب الإرادة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، أن المطلوب لتنفيذ إعلان الجزائر قرار سياسي من السلطة الفلسطينية، ومن طرفي الانقسام حركتي “فتح” و”حماس”.
وتابع عوكل: “في مرات سابقة عددية وقعت اتفاقيات وذهبنا نحو التطبيق وفشلت، ما السبب؟، بكل تأكيد عدم وجود إرادة سياسية”.
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، أن “الإعلان ليس له أهمية، ويعود ذلك إلى أن حزب السلطة الفلسطينية الذي يقوده الرئيس محمود عباس (في إشارة إلى حركة فتح)، مستعد للتوقيع على أي اتفاق عام ليس له انعكاس على أرض الواقع كإصلاح منظمة التحرير مثلاً، أو عقد انتخابات”.
وتابع الشوبكي: “ماذا بعد التوقيع، هل يمكن عقد انتخابات؟، طبعاً لا فإسرائيل تمنع عقدها في القدس وبالتالي لن تجري”.