الاتحاد الدولي للاتصالات على صفيح حرب باردة
مؤتمر، هو اسم فخم لحدث مشابه لجمعية الصحة العالمية، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما تجتمع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة معًا لانتخاب مجالس الإدارة أو تبني سياسات جديدة.
لكن هناك اختلافات. كبداية، يعد الاتحاد الدولي للاتصالات أقدم وكالة تابعة للأمم المتحدة، وهو في الواقع أقدم بكثير من الأمم المتحدة نفسها. تأسس الاتحاد في عام 1865، وكان دوره الأصلي هو توحيد نظام التلغراف الناشئ. كانت العديد من البلدان تطور ما كان آنذاك أحدث تكنولوجيات الاتصالات، لكنها كانت تتبع مسارات تقنية مختلفة، ولا تتواصل مع بعضها البعض حول التطورات الخاصة بها.
التحديات العابرة للحدود
سبب إنشاء هذا الاتحاد، كما أخبرني نائب الأمين العام للاتصالات مالكولم جونسون، هو “التحديات التي كانت مطروحة في تشغيل خدمة التلغراف عبر الحدود في أوروبا”. ويضيف: “في الواقع كان على المشغلين كتابة التلغراف على جانب واحد من الحدود، والانتقال للجانب الآخر من الحدود للبدء في التنصت للرسالة”.
هذا النوع من التطوّر التكنولوجي غير المتوافق كان يشكل خطرا على الأغراض المرجوة من صناعة الاتصالات الناشئة، وهكذا تم انشاء الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية. وحددت مهمّته في جمع البلدان معا للاتفاق على معايير موحّدة لخدمة التلغراف والهواتف، وتكنولوجيا المعلومات منذ ذلك الحين. وينسب جونسون اليوم الفضل في الاختراقات الحاصلة في مجال الاتصالات التي غيرت أسلوب حياتنا إلى وجود هذا الاتحاد.
“لو لا ذلك، ما كان ليتطوّر الهاتف، والبث الإذاعي والتلفزيوني، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، والأنترنت،”.
انضم مالكولم جونسون إلى أحدث إصدار لبودكاست “من داخل جنيف”، جنبا إلى جنب مع أخصائية الاتصالات منذ فترة طويلة فيونا ألكسندر، وسفير المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في جنيف، سايمون مانلي، لتسليط الضوء بشكل معمق على الإتحاد الدولي للاتصالات، ودوره في القرن الواحد والعشرين، وأجندة مؤتمر المندوبين القادم.
تقترح فيونا ألكسندر، التي تعمل الآن في مركز تحليل السياسات الأوروبية ومقره واشنطن، أنه لا يجب التقليل من شأن هذا الاتحاد، حتى وإن كان الكثير منا لم يسمع به من قبل: “إذا كنت مستفيدا من أي شبكة اتصالات حديثة، فقد استفدت بالتأكيد من من شيء قام به الاتحاد الدولي للاتصالات”.
عضوية مختلفة .. وصدام حرب باردة
يخبرنا السفير البريطاني مونلي أن هذه المنظمة التي تتمتع بهذا التفويض الواسع والتقني السامي تحتاج إلى متخصصين وإلى دبلوماسيين من الأمم المتحدة. لهذا السبب العضوية داخل الاتصاد الدولي للاتصالات مختلفة جداً عن العضوية في وكالات الأمم المتحدة الأخرى: إلى جانب البلدان الأعضاء الـ 193 في الأمم المتحدة، يضم الاتحاد ما يقرب عن 900 ممثل لصناعة تكنولوجيا المعلومات والأوساط الاكاديمية.
وبالعودة إلى مؤتمر المندوبين القادم، الذي من المزمع عقده في وقت لاحق من هذا الشهر في العاصمة الرومانية بوخاريست، سوف ينتخب المؤتمر أمينا عاما جديدا بالإضافة إلى مجلس يدير الاتحاد يتشكل من 48 عضوا. ومما يجعل الأنظار تلتفت إلى هذا الاتحاد حاليا، أكثر مما كان يحصل في الماضي، هو أن المنافسة على منصب الأمين العام هذه المرة تجعل وجها لوجه مسؤولة الاتحاد الدولي للاتصالات المخضرمة دورين بوجدان مارتن من الولايات المتحدة، والمتخصص في تكنولوجيا المعلومات رشيد اسماعيلوف، الذي بالصدفة هو أيضا نائب وزير الاتصالات في روسيا.
بعد الهجوم الذي شنته على أوكرانيا، أصبحت موسكو معزولة بشكل متزايد داخل الأمم المتحدة ؛ وقد أطيح بها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام، ووجهت الجمعية العامة اللوم إليها. الآن، في الظاهر على الأقل، هناك القليل من بين أعضاء الأمم المتحدة ممن يرغبون في السماح لروسيا بتولي رئاسة وكالة كبرى تابعة للأمم المتحدة مثل هذا الاتحاد.
يقول السفير البريطاني في مقر الأمم المتحدة بجنيف: «أعتقد أننا كنا واضحين على جميع مستويات منظومة الأمم المتحدة أن هذه ليست اللحظة المناسبة لرؤية الروس يُنتخبون لمناصب عليا عندما ينتهك نظام بوتين القانون الدولي وينتهك ميثاق (الأمم المتحدة)».
مستقبل الأنترنت
ولكن، ربما مثلي لأنهم لم يولوا قدرًا كبيرًا من الاهتمام للاتحاد الدولي للاتصالات حتى الآن، فإن بعض الصحفيين يروجون لكون النزال الانتخابي بين واشنطن وموسكو هو في جوهره معركة من أجل مستقبل الإنترنت. وتشير مقالات إلى أنها «معركة من أجل السيطرة الاستبدادية على الإنترنت»، و تتوقع أخرى أنه «إذا فازت روسيا في التصويت، فإن الإنترنت كما نعرفها لن تكون بعد الآن».
هل هذا ممكن؟ “لا،” يجيب جونسون، “هذا مفهوم خاطئ. ليس هناك شك في أن أي كيان بمفرده ليس بمقدوره ممارسة السيطرة على الاتحاد الدولي للاتصالات “. ويشير جونسون إلى حكم الإجماع الذي يميز إدارة هذه الوكالة. وبالإضافة إلى الأمين العام، هناك أربعة أعضاء آخرين في لجنة التنسيق التابعة للاتحاد الدولي للاتصالات؛ ويتم انتخابهم أيضا لمدة أربع سنوات. يقول جونسون إن اللجنة تتخذ جميع القرارات الرئيسية، ولا يمكنها التوصل إلى اتفاق إلا «بالإجماع».
ومع ذلك، كانت هناك بعض الخلافات الأيديولوجية في الاتحاد الدولي للاتصالات، ومن غير المرجح أن تختفي. فالأمين العام الحالي، هولين تشاو، من الصين. لقد تولى الأمانة العامة فترتين طول كل واحدة أربع سنوات، وفي عهده تمت مناقشة اقتراح في الاتحاد الدولي للاتصالات لتضمين حوكمة الإنترنت في اختصاص الوكالة. وتذكّر ألكسندر بأن ذلك المقترح قوبل بالرفض.
تشتبه ألكسندر في أن مقترحات مماثلة قد تظهر في المستقبل، لكنها تستبعد بعض التنبؤات الأكثر إثارة مثل السيطرة الاستبدادية على الإنترنت ومستخدميها ومحتواها. «كل دولة عضو لديها منظور مختلف لما هو مناسب عبر الإنترنت… فكرة أن الاتحاد الدولي للاتصالات سيتولى كل شيء. أعتقد أنه من ضرب الخيال».
الفجوة الرقمية
كما يشير السفير مانلي إلى أن هذه الانتخابات «لا تتعلق بالولايات المتحدة مقابل روسيا». بالنسبة له، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجه لاتحاد الدولي للاتصالات هو الوفاء بوعده بسد الفجوة الرقمية. لأنه في الوقت الذي يمثل فيه استخدام الإنترنت بالنسبة للكثيرين منا أمر روتيني مثل فنجان قهوة الصباح، فإن 40٪ من سكان العالم لا يزالون غير قادرين على الوصول إليها، والغالبية العظمى منهم يعيشون في العالم النامي.
كان كوفيد-19، وجميع جهودنا للعمل من المنزل، تذكيرًا صارخًا بمدى الحرمان الذي يمكن أن نشعر به إذا حرمنا من خدمات الأنترنت. وبالإمكان ان يشكل هذا الحرمان الفارق بين العمل والبطالة، أو بين التعليم، وعدم الحصول على التعليم إطلاقا.
بالنسبة لجونسون، يجب أن تكون معالجة عدم المساواة في الحصول على خدمة الانترنت على رأس أولويات الاتحاد الدولي للاتصالات على مدى السنوات الأربع المقبلة. ويرى أن التنمية التقنية أكثر أهمية لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة من أي وقت مضى، ويضيف “كل التقنيات الجديدة؛ الجيل الخامس والجيل السادس من الأنترنت، لديهما وعد هائل للبشرية ولكن يجب توزيع هذه الخدمات بشكل عادل”.