حمة الهمامي.. مناضل تونسي مخضرم يعود للدفاع عن الديمقراطية ويحذر من الدستور الجديد
يعي حمة الهمامي جيدا مدى الخطر الذي يواجه تونس إذا انزلقت مرة أخرى إلى أتون الحكم الاستبدادي في حال تم إقرار مسودة الدستور الذي يطرحه الرئيس قيس سعيد لاستفتاء يوم الاثنين.
تعرض الهمامي، وهو زعيم سياسي يساري يقود حزب العمال، للسجن والتعذيب مرارا من عام 1972 حتى ثورة 2011 التي جلبت الديمقراطية لتونس، وهي لحظة عايشها من داخل زنزانة في وزارة الداخلية وهو يسمع هدير الحشود تدوي في الخارج مطالبة بالحرية والكرامة.
بدأت الثورة عقدا من الحريات الجديدة التي يمكن للتونسيين أن يقولوا فيها بحرية ما يرضون وينتقدوا قادتهم ويجعلوا منهم مادة للنكات والسخرية أحيانا ويصوتوا في انتخابات ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها نزيهة.
وفي سياق حديثه لفريق رويترز في بيته عن مسيرة نضاله يسترجع الهمامي ذكريات أليمة تعرض خلالها للتعذيب والإهانة المعنوية والجسدية وأسابيع الحبس الانفرادي الطويلة والحروق التي عانى منها في غرف التعذيب التابعة للدولة.
يقول الهمامي، الذي عاش وعائلته بطش الشرطة والتهديدات المتتالية خلال عقود، إن قوة الأجهزة الأمنية تتزايد مرة أخرى وإن الدستور الجديد خطير.
وفي إشارة إلى الرئيس سعيد قال الهمامي “إنه أشبه بالسلطان وليس رئيسا”، مضيفا أنه بعد هدنة صغيرة دامت سنوات منذ الثورة سيعود “للنضال من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية من جديد”.
وحتى خلال فترة الهدنة لم يتوقف الهمامي طيلة العقد الماضي عن انتقاد الحكام الذين حكموا البلاد وتحديدا حزب النهضة الإسلامي. لكن الهمامي يقر بأنه رغم المشكلات والعلل واستشراء الفساد فإن الحريات كانت متاحة. ويضيف “ديمقراطية عليلة أو متعفنة يمكن إصلاحها وعلاجها خير من حكم استبدادي دون شك”.
وكان الهمامي يظهر في شاشة التلفزيون الرسمي باستمرار لتوجيه انتقادات للحكام من بينهم حزب النهضة أو حزب نداء تونس. وكان يتاح له الفضاء بحرية لكنه الآن يقول إنه منذ سيطرة سعيد على السلطة قبل عام لم يسمح له بالظهور ولو لمرة واحدة في أي برنامج بالتلفزيون الرسمي.
وهذا الشهر نظم حزب العمال الذي يتزعمه الهمامي مع أحزاب أخرى من بينها التيار الديمقراطي والتكتل والقطب الديمقراطي والجمهوري احتجاجا أمام التلفزيون الرسمي للمطالبة برفض التعليمات والحفاظ على أهم مكسب بعد الثورة وهو حرية التعبير والإعلام.
يقول قيس سعيد إن الإجراءات التي اتخذها منذ العام الماضي لغلق البرلمان والسيطرة على السلطة التنفيذية والحكم بمرسوم وإعادة كتابة الدستور، الذي يصفه منتقدوه بانقلاب، كانت ضرورية لإنقاذ تونس من سنوات من الركود.
وبينما تمتع التونسيون بالحقوق التي حصلوا عليها في عام 2011 ، فقد عانوا من التدهور الاقتصادي والفساد المستشري وبعض من نخبة سياسية تخدم مصالحها الذاتية ولا تعكس مشاحناتها احتياجات الشعب.
تعهد سعيد مرارا بعدم التحول إلى ديكتاتور وقال إنه سيدعم الحقوق والحريات التي حصل عليها في عام 2011.
ومع ذلك ، فإن مشروع دستوره يضع جميع السلطات تقريبا تحت سلطة الرئيس، ويزيل معظم الضوابط على سلطته. وبينما أبقى باب الحريات مضمونا فإنه تم تقييده بضوابط جديدة مثل الأمن العام مما قد يجعلها عرضة للانتهاك بشكل واسع.
ولم تكن هناك حملة قمع واسعة النطاق للمعارضة أو حظر الصحافة أو اعتقالات جماعية لخصوم سعيد، لكن جماعات حقوقية في الداخل والخارج ومعارضين أشاروا إلى سلسلة من الأحداث المثيرة للقلق من بينها محاكمات عسكرية لسياسيين واعتقال صحفيين ومنع سفر عدة شخصيات حزبية أو سياسية دون سند قانوني.
حذرت منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي مما وصفته “بالتراجع المقلق عن حقوق الإنسان”، مستشهدة بالتحقيق مع بعض المعارضين البارزين أو مقاضاتهم، وعزله لبعض القضاة، وحظر السفر “التعسفي”.
كما حذر مقرر الأمم المتحدة المعني باستقلال القضاء هذا الشهر من أن تحركات سعيد لوضع الهيئة المشرفة على القضاة تحت سيطرته أثارت مخاوف بشأن الحق في محاكمة عادلة.
- تعذيب
كان الهمامي )70 عاما( ناشطا سياسيا منذ أيام دراسته الجامعية عندما تم اعتقاله في عام 1972 في عهد الحبيب بورقيبة أول زعيم لتونس بعد الاستقلال، بسبب احتجاجه على سيطرة الدولة على المنظمات الجامعية.
تم اعتقاله بتهمة التآمر على أمن الدولة، ثم تعذيبه بشكل وحشي وتعليقه من قدميه ووضعه في شكل “دجاجة محمرة” بشكل متكرر وضربه على رأسه وجميع أنحاء جسمه بما في ذلك خصيته. قال الهمامي “لقد كان ذلك يستمر لساعات طويلة”.
وأضاف “التعذيب وصل الى حد مرعب لا يمكن تخيله .. لقد أخذوني إلى مكان وقالوا لي هذا قبرك قبل أن يلقوني فيه لدقائق ثم ألقوا التراب فوقي”.
بعد شهر من الحبس الانفرادي والتعذيب أطلق سراحه آنذاك.
يقول الهمامي إنه في تلك اللحظات اتخذ قرارا حاسما في حياته “لقد قررت بأن حياتي يجب أن تُمنح للنضال من أجل الكرامة والحرية”.
أثناء صعوده في الحركة اليسارية في تونس، سُجن مرة أخرى من عام 1974 إلى عام 1980 ، وتعرض مرة أخرى للتعذيب والحبس الانفرادي في مناسبات عديدة.
على الرغم من أن بورقيبة اعترف لاحقا علنا بتعرض الهمامي للتعذيب وأرسله للعلاج في مسشفى بفرنسا، إلا أن الاضطهاد استمر بعد أن استولى بن علي على السلطة في عام 1987 حيث قضى سنوات أخرى في السجن ثم مختبئا بعيدا عن أعين الشرطة وعاش سنوات من حياته في سرية واضطر إلى تغيير مظهره ومكانه باستمرار متذكرا أنه حرم حتى من حضور جنازة والدته تفاديا للاعتقال.
عندما انتفض التونسيون في ديسمبر كانون الأول 2010 ويناير كانون الثاني 2011 للمطالبة بالكرامة والحرية بعد قيام بائع متجول بحرق نفسه، اعتُقل الهمامي مرة أخرى واقتيد إلى زنازين وزارة الداخلية المألوفة لديه بعد أن دعا في فيديو الناس الى تصعيد الاحتجاجات حتى إسقاط الرئيس.
يقول الهمامي لرويترز “يوم 14 يناير سمعت هدير المحتجين مثل الأمواج في البحر .. أيقنت ان ساعة النصر اقتربت”.
لقد كانت زوجته راضية النصراوي وهي حقوقية وأيقونة للنضال في تونس تحظى بتقدير واسع من أغلب التونسيين على اختلاف تياراهم، أول من وصل يوم 14 يناير كانون الثاني أمام وزارة الداخلية للاحتجاج والمطالبة باطلاق سراح زوجها.
يقول الهمامي متذكرا ذلك اليوم “كنت استمع لهتاف المحتجين أمام وزارة الداخلية يدوي بقوة وهم يقولون (ارحل .. ارحل) بينما كنت مقيد الساقين في زنزانة وكنت أرى ارتباك وتوتر رجال الشرطة في الوزارة وهم يركضون”.
ويضيف، بينما ترقرقت عيناه بالدموع، وهو يسترجع تلك اللحظات “لقد كان ذلك اليوم أعظم انتصار ورسالة قوية بأن النضال سيؤتي نتيجة ولو طال الزمن”.
شكلت الثورة بداية مرحلة جديدة من حياته وحياة زوجته المحامية والحقوقية الشهيرة التي عانت من حالة صحية سيئة في الأسابيع الماضية والتي حظيت بتكريم دول ومنظمات أجنبية.
وعرضت على الهمامي مناصب وزارية أو المشاركة في ائتلافات ضمن الحكومات الديمقراطية الجديدة.
رفض الهمامي كل العروض معتبرا أن برامج الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لا ترتقي لمطالب الثورة اقتصاديا واجتماعيا وظل منتقدا صريحا للحكومات المتعاقبة، لا سيما حزب النهضة الإسلامي الذي يعد الآن أيضا عدوا رئيسيا لسعيد والدستور الجديد.
ومساء الجمعة، وبعد ساعات قليلة من تعهده في حديث لرويترز بأنه سيواصل النضال، انضم الهمامي إلى مظاهرة تضم منظمات المجتمع المدني وقيادات سياسية ضد الاستفتاء.
وهتف حمة الهمامي مع الآخرين “يا شعب ثور ثور على دستور الديكتاتور” و”يسقط قيس سعيد”.
أثناء سيرهم في شارع الحبيب بورقيبة، باتجاه وزارة الداخلية حيث كان الهمامي معتقلا في كثير من الأحيان استخدمت الشرطة العصي ورذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع في مواجهة الحشد، ونقلت بعض المتظاهرين بعيدا إلى مكان الاحتجاز، وهو تذكير قبيح آخر بالماضي.
يقول الهمامي “لن نسمح لسعيد بإعادة ذلك الماضي وسنتصدى له مهما كلفنا ذلك”.