الفجور والتقوى – بقلم / محمود حسن
قضت حكمة الله عز وجل حينما خلق الإنسان أن يكون البشر على صنفين ( فاجر وتقي ) فقال تعالى ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ” وقد ألهمت النفس الفجور قبل التقوى ،ثم قال ” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ” وهذا يعني أن النفس الواحدة ملهمة بالإثنين معا ( الفجور والتقوى ) ، ولأن الإنسان مخير حر التصرف غير مجبر من خالقه على فعل شيئ فهو صاحب الإختيار ما بين تفعيل وتنشيط وتقوية أحد هاتين الصفتين او كلتاهما ، والإلهام هنا لا يعني فرضية التفعيل ، وإنما هي صفات فطرية كامنة وخاملة داخل النفس .
والإنسان بمحض ارادته الحرة هو من يقوم بتنشيط ما يهوى منهما ، وربما يوجد من ينشط الإثنتين معا حسبما يريد ، فتارة يكون فاجرا وأخرى يصبح تقيا ، وتعاونه في ذلك نوعية الأنفس كالأمارة بالسوء أو اللاهية أو اللوامة أو المطمئنة أو الراضية أو المرضية ،وحينما نتمعن في مفردات الآية الكريمة نجد انها تمتلك من الدقة المطلقة في إختيار الكلمات ما يذهل العقل ، ومن البلاغة ما يمتع الوجدان ، فقد إختار سبحانه وتعالى لفظ الفلاح مع التزكية مع التقوى ( زكاها أي طهرها ) ، وإختار لفظ الخيبة مع الدسيسة مع الفجور ، ذلك لأن نقاء وطهر النفس وصدقها يؤدي إلى الفلاح والنجاح ، أما خبث النفس وفجورها المصاحب للدسيسة والكذب والمكر لا يثمر إلا خيبة وفشل.
لذا قال عليه الصلاة والسلام ” إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور ليهدي إلى النار ، أما الصدق فيهدي إلى البر وإن البر ليهدي إلى الجنة ” فهناك من أمات صفة وأبقى على الأخرى فعاش إما فاجرا فقط أو تقيا دائما ، وقد حدث في بداية خلق الإتسان واقعتين شهيرتين إحداهما ما كان من عصيان آدم وأكله من الشجرة المحرمة ، والأخرى ما كان من قابيل في اول حادثة قتل عرفتها البشرية حينما قتل أخاه هابيل ، وبرغم فجاجة وبشاعة الحادثتين إلا أنهما كانتا فجورا مؤقتا تلته توبة وإستغفارا وندم ، أما من كان مصرا على الفجور فأصبح قلبه كالحجارة او أشد قسوة فقد ظلم نفسه وأهلكها في الدنيا والآخرة ، ” وكانوا يصرون على الحنث العظيم ” ومن تمكن من كبح جماح نفسه ودربها على التقوى وكلما جنحت قومها بالتوبة والإستغفار فقد فاز فوزا عظيما في الدنيا والآخرة ،وليس بالضرورة أن نكون ملائكة تمشي على الأرض ، وإنما نحن بشر والإنسان إبن الخطيئة ، فكل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، وإن لم تخطئوا فتستغفروا فيغفر الله لكم يذهب الله بكم ويأت بقوم آخرين يخطئون فيستغفرون فيغفر الله لهم ، صلاح أمرك للأخلاق مرجعه .. فقوم النفس بالأخلاق تستقم ،النفس كالطفل إن شب على حب الرضاعة وإن تفطمه ينفطم .