جزيرة جربة التونسية تستقبل آلاف الحجاج اليهود
مع بداية موسم الحج العالمي لليهود يتوقع منظمو الحج في كنيس الغريبة أن يتدفق آلاف الحجاج على الكنيس الواقع في الجزيرة السياحية الشهيرة جنوب تونس هذا العام.
ولدى الحجاج اليهود حوالي ثمانية أيام للمشاركة في هذه الاحتفالات الدينية بهذا الحجم الكبير، بعد إلغاء الحج أو السماح لعدد قليل جدا من الحجاج بالزيارة في عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا. ويتوقع قدوم حوالي 4-5 آلاف حاج من مختلف أنحاء العالم، حسب ما صرح به لـ DW بيريز طرابلسي، رئيس الجالية اليهودية في جزيرة جربة ورئيس اللجنة المنظمة للحج.
كنيس الغريبة يعتبر أحد أقدم الكنس في أفريقيا، وموقع حج يهودي موغل في القدم. وتقول الأسطورة إن هذا الكنيس قد بني على أجزاء من الهيكل الأول في القدس. ويعتقد أن هذه الأجزاء قد جلبها النازحون اليهود معهم إلى تونس بعد تدمير الهيكل عام 586 قبل الميلاد.
ويعيش اليوم حوالي ألف يهودي في جزيرة جربة، وهناك عدد قليل من اليهود في باقي أنحاء تونس، وبهذا تكون الجالية اليهودية في جربة هي الأكبر في تونس والثانية في العالم العربي، حيث فقط في الدار البيضاء والصويرة بالمغرب هناك جالية يهودية أكبر، ويقدر عدد أفرادها بما بين 1500 و2000 شخص.
“الوطن الأم الصعب”
بعد استقلال تونس عام 1956 غادر الكثير من اليهود التونسيين وطنهم، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب من جهة، وتزايد التوتر بينهم وبين المسلمين بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 والحروب التي تلت ذلك، من جهة أخرى. وبالتالي ازداد التمييز ضدهم بالإضافة الضغط عليهم للهجرة.
والموجة الكبيرة الثانية لهجرة اليهود من تونس كانت بعد حرب حزيران عام 1967. ونزاع الشرق الأوسط كان يؤثر دائما على حياة وأمن اليهود في تونس حتى أعمال الشغب ضد المجتمع التي توفي البعض خلالها. الحكومة التونسية تدين أعمال العنف لفظيا، لكنها لم تمنع الهجرة الجماعية، التي كانت لها عواقب ديمغرافية كبيرة. ففي خمسينات القرن الماضي كان يعيش حوالي 100 ألف يهودي في تونس، أي 100 ضعف العدد الحالي.
وفي عام 2002 كان كنيس الغريبة هدفا لهجوم إرهابي، بواسطة سيارة محملة بـ 5 آلاف ليتر من الغاز المسال. وقد أدى الانفجار الناتج عن الهجوم إلى مقتل 19 شخصا بينهم 14 سائحا من ألمانيا. وحينها تبنى تنظيم القاعدة الإرهابي العملية. وفي عام 2018 تعرضت مدرسة يهودية في جربة لحريق متعمد، نتجت عنه أضرار مادية بسيطة.
تقول الأسطورة إن كنيس الغربية في جربة قد بني على أجزاء من الهيكل الأول في القدم الذي تم تدميرها عام 786 قبل الميلاد
الرئيس مناهض لإسرائيل!
وحتى اليوم تتعرض العلاقة بين اليهود والمسلمين في تونس لاختبار الضغط. كما في الكثير من بلدان المنطقة، في تونس أيضا لا يفرق كل المواطنين دائما بين اليهود وإسرائيل.
وهكذا أعلن الرئيس التونسي الحالي قيس سعيد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 قبل انتخابه، أنه لن يسمح لأي شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي بدخول تونس، ولا حتى لزيارة كنيس الغريبة في جربة. معبرا بذلك عن احتجاجه على تطبيع بعض الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل ومن بينها المغرب. وقد تم هذا التقارب بشكل رسمي عبر اتفاقيات إبراهام، التي وصفها سعيد حينها “بالخيانة العظمى” حسب تقارير إعلامية. وهي عبارة استخدمها سعيّد أيضا في حملته الانتخابية كمرشح للإنتخابات الرئاسية سنة 2019.
وبالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، استبعدت وزارة الخارجية التونسية الصيف الماضي إقامة علاقات دبلوماسية معها، رغم التسامح مع زيارة إسرائيليين في بعض الحالات الاستثنائية إلى تونس.
لكن رغم ذلك، فإن الإسرائيليين غير مرحب بهم في تونس. وفي مايو/ أيار العام الماضي حين وقعت اشتباكات عنيفة بين حماس وإسرائيل، عبر الكثير من التونسيين عن تضامنهم مع الفلسطينيين خلال تجمعات احتجاجية. وفي ربيع هذا العام تم منع فيلم “موت على النيل” المقتبس من رواية لأجاثا كريستي، والسبب الواضح للمنع هو أن بطلة الفيلم غال غادوت، إسرائيلية.
تم إلغاء الحج إلى كنيس الغريبة في عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا
الثناء على التعايش
يحاول الكثير من اليهود في تونس النأي بأنفسهم عن السياسة. وهم على سبيل المثال يؤكدون على التعايش الاجتماعي الناجح بين المسلمين واليهود، وفي هذا السياق صرح كبير حاخامات تونس، حاييم بيتان، لـ DW بأن العلاقة بين اليهود والأكثرية المسلمة خالية من التوتر، وقال “دائما كان هناك تعايش. حيث يعيش المسلمون مع اليهود أو مع المسيحيين معا في نفس الحي من دون أن تكون هناك مشاكل بينهم”.
وأيضا رئيس الجالية اليهودية في جزيرة جربة، بيريز طرابلسي يؤكد على العلاقة الطيبة، ويشير إلى ذلك بالتحضير للحج، الذي ساهم فيه الكثير من التونسيين المسلمينأيضا، ويقول لـ DW “أنا نفسي أعيش بين المسلمين أكثر مما بين اليهود التونسيين” معبرا بذلك عن الوضع في المنطقة. مضيفا “أغلب الناس الذين أعمل معهم في الكنيس مسلمون”. وفي الاحتفالات اليهودية يشكل المسلمون حوالي ثلث المشاركين فيها، يقول طرابلسي، ويضيف “يأتون إلى هنا ليروا الاحتفالات ويشاركوا فيها. ولهذا يعتبر ذلك تجربة فريدة”.
هل يسمح للإسرائيليين بالحج إلى جربة؟
ومن غير الواضح حتى الآن، فيما إذا كانت التوترات على الساحة السياسية في الشرق الأوسط والتصريحات السابقة للرئيس سعيد، ستؤثر على حضور الحجاج الإسرائيليين إلى جربة هذا العام. إذا ليس من الواضح فيما إذا كان الحجاج من إسرائيل أيضا سيأتون إلى تونس، صرح طرابلسي لـ DW قبل عدة أيام من بدء الحج. حيث هناك الآن بعض التعقيدات المتعلقة بالفيزا “ليست لدينا معلومات من الحكومة بعد” وهناك الكثير من الأسئلة: “لكن نظرا لحساسية الموضوع، طبعا لن نتسبب في إحداث إرباك”. وفيما إذا كان إسرائيليون سيستطيعون المشاركة في الحج هذه المرة، ولم تستطع DW التأكد من ذلك حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
ويعيش اليهود ذوو الأصول التونسية اليوم في العديد من البلدان، بينها إسرائيل، يؤكد طرابلسي، ويقول “لجميعهم الحق في زيارة جربة والكنيس بغض النظر عن خلفياتهم السياسية. وليس من شأننا فيما إذا كان الزائر قادما من إسرائيل أو بلد آخر، فالأمر دائما يتعلق بالفرد”.