“زواج” مثليين في اللاذقية يشغل السوريين والسلطات تتدخل
شغل “زواج” شابَين مثليَي الجنس في منطقة اللاذقية أخيراً، المجتمع السوري، وأعاد الحدث إلى الواجهة قضايا “مجتمع الميم”، المصطلح الذي يُطلق على أشخاص يميلون جنسياً إلى أفراد من جنسهم، ذكوراً أم إناثاً.
وعلى الرغم مما يكتنف المثلية من رفض مجتمعي وقانوني وشرعي في البلاد، لكن الإعلان عن إقامة حفل زفاف ضمن إحدى صالات الأفراح في اللاذقية، غرب سوريا، أمر عده متابعون تطوراً غير مسبوق، وسط استغراب ودهشة الناس، لاعتباره “فعلاً مشيناً أخلاقياً بحسب الأعراف والتقاليد”.
حفل غير مكتمل
ولكن “يا فرحة لم تتم”، وهي مقولة متداولة تعبر عن عدم اكتمال الفرح بشيء ما، وهذا ما حدث في صالة الأعراس حين أطبقت السلطات المختصة لتغلق المكان بعد “أنباء صادمة” وصلتها عن جنس “العروس”، كونه شاباً متحولاً جنسياً الأمر الذي يمنعه القانون، فانفض المدعوون إلى “حفل الزفاف” بعد اتخاذ كل الإجراءات كإغلاق المكان بالشمع الأحمر، وهي صالة مستثمرة تعود ملكيتها لنادي “حطين” الرياضي، واحتجاز عدد من الذين كانوا متواجدين هناك.
من جهته، سارع نادي “حطين” إلى إصدار بيان أخلى فيه مسؤوليته عن المكان الذي يقع في الطابق الثاني بمقر النادي، لكنه مستثمَر تجارياً منذ سنوات طويلة، ومسؤوليته تقع بالكامل على المستثمر و”لا علاقة نهائياً لكل المنسوبين والإداريين وكوادر النادي، ولا يمتون للصالة بصلة ولا المستثمر فيها”. وأضاف البيان أن “المستثمر مسؤول عن الصالة قانونياً بالكامل”، منوهاً بأن “الجهات الأمنية لم تتطرق لأي شخص أو جهة تخص النادي لا من قريب أو بعيد”.
لا مكان لهم
في غضون ذلك واجه الشارع السوري هذه الحادثة الصادمة بكثير من الامتعاض والاستنكار، بل عبر عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن آراء هاجمت مَن تعتريه هذه الميول، تارةً بالتوبيخ وتارةً أخرى من أناس تعمدوا إدراج نصوص دينية، لا سيما من القرآن الكريم، لاستنكار هذا الفعل الذي قالوا إنه “محرم في الدين والمجتمع”.
في المقابل، كان حضور جمهور “مجتمع الميم” ومؤيدو حقوق الإنسان وحرية اختياراتهم، شبه معدوم، في ما خلا المناكفات التي دارت على الشبكة العنكبوتية من أناس دافعوا عن مثليي الجنس من مبدأ أنهم “بشر ولديهم رغباتهم الخاصة التي لا بد من احترامها، ولهم الحرية في اتخاذ ما يرونه مناسباً من قرارات، ما دامت لا تؤثر سلباً على غيرهم من أفراد المجتمع”.
وعلى الرغم من السماح بإجراء جراحة إعادة تحديد الجنس في سوريا وفق معايير وضوابط طبية وقانونية، لكن المثلية الجنسية والزواج من هذا النوع ممنوع وفق قانون العقوبات السوري. ولفت المحامي في قضايا الأحوال الشخصية، رأفت محمد علي، إلى أنه “حتى التجمع والتظاهر للمطالبة بحقوق المثليين ممنوع وفق القانون السوري”.
وأفاد بأن “المثلية الجنسية جريمة يحاسب عليها القانون في سوريا بالحبس حتى ثلاث سنوات، فكل مجامعة على خلاف الطبيعية تنطبق عليها أحكام المادة 520 من قانون العقوبات السوري لعام 1949، التي تجرم المثلية بالطبع ولا تسمح بها بتاتاً”.
ورأى المحامي علي أنه “من الطبيعي أن يتشدد القانون السوري في أحكامه حيال هذا الفعل الجرمي لأسباب عدة، منها اجتماعية ودينية وكون القانون مستمَد من الفقه الإسلامي والشريعة هي مصدر رئيس للتشريع، وبالنتيجة لن تقبل القوانين أي فعل مخالف للطبيعة البشرية”.
مجتمع الميم وأوروبا
ومع كل هذا التضييق على المثليين في سوريا لا يوجد إحصاء دقيق عن أعدادهم لأسباب مردها عدم وجود أي أنشطة علنية لهم، فوجد كثيرون منهم أنفسهم أمام طريق واحد هو الهجرة والسفر. ولعل الصراع المسلح الدائر في سوريا وفتح باب اللجوء منذ عام 2015 إلى الدول الأوروبية، دفع بكثيرين منهم إلى الذهاب نحو بلاد أكثر انفتاحاً في التعاطي مع فكرهم وميولهم، فيما انحصرت آراء القلة الباقية بالتعبير عبر شبكات مواقع التواصل تحت أسماء مستعارة.
في المقابل، اتخذ ناشطون في هذا المجال، بعد إقبالهم على الهجرة القسرية أو الاختيارية، وسائل التواصل الاجتماعي كمنبر للدفاع عن معتقداتهم في الجنس الواحد والمثلية بشكل صريح وعلني، والحديث عن الانتهاكات التي تمارَس بحقهم، لا سيما منذ اندلاع الصراع الأهلي.
جاء ذلك مع سيطرة التنظيمات المتشددة ومنها “داعش” على مناطق شمال شرقي سوريا. وتلقى هؤلاء عنفاً شديداً، ووصل الأمر إلى إعدام ما لا يقل عن 30 شخصاً بـ”تهمة المثلية”، وفق شهادات فارين ولاجئين من الحرب في سوريا والعراق، استمع إليهم وقتها مجلس الأمن في أغسطس (آب) 2015، ضمن جلسة خُصصت لحقوق المثليين برعاية الولايات المتحدة وتشيلي.
حضور ضيق
ومع ذلك، يبقى حضور “مجتمع الميم” محصوراً وضيقاً في المجتمع السوري والمجتمعات العربية بشكل عام، بخلاف المجتمعات الغربية، حيث يتمتعون بحماية القانون الذي يتيح لهم الزواج. ولعل التشريع الأميركي الأخير بنيل أعضاء “مجتمع الميم” حقوقهم المدنية، شجع مثليين سوريين على طلب اللجوء لهذه الأسباب بعينها. وأطل بعضهم بمقاطع مصورة للحديث عن تجربتهم، مطالبين الناس باحترام ميولهم.
من جهة أخرى، صرحت المعالجة النفسية عبير بيطار أنه “لا يوجد علاج نهائي للتخلص من هذه الميول، لكن يوجد دعم معنوي يتمحور حول معرفة حياة المثلي التي تكون في أغلب حالاتها تتعلق بتعرضه لاعتداء جنسي في الصغر أو لتأثيرات بيئية أو سبب وراثي”.
ورأت بيطار أن “هذا الميول مرضي ويندرج ضمن الأمراض النفسية التي تتطلب العلاج، لكن بعد نداءات منظمات حقوق الإنسان بالتعاطي معهم على أنهم أشخاص طبيعيين، كان لا بد من متابعتهم”. إلا أنها تنصح الأهالي “بالانتباه إلى الأطفال واليافعين في فترة البلوغ والنضج والاهتمام بهم وبطريقة وأسلوب حياتهم وصداقاتهم واهتماماتهم الثقافية وغيرها”، لأن ذلك بحسب بيطار، “يحدد هويتهم النفسية والعاطفية وهي الفترة الأبرز في تحديد الهوية الجنسية للشخص الذي تسهل معالجته قبل أن تتطور حالته، ويصبح من الصعب أن تتغير ميوله واتجاهاته مع مرور الزمن”.