خلاف البرلمان والحكومة يهدد بإعادة الأزمة الليبية إلى المربع الأول
تجاهل مجلس النواب الليبي كل النداءات الموجهة إليه من أطراف داخلية ودولية للإبقاء على الحكومة الحالية حتى موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وشرع فعلياً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل حكومة جديدة لإدارة البلاد حتى نهاية المرحلة الانتقالية.
وأعلن البرلمان في ختام جلسته، الثلاثاء 25 يناير (كانون الثاني) الحالي، أنه سيفتح باب الترشح لرئاسة الحكومة، الأسبوع المقبل، مع ضرورة التزام المتقدمين لرئاستها بـ13 شرطاً توافق عليها النواب، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد الدبيبة، رفضه تسليم مهماته إلا لسلطة منتخَبة من الشعب.
ويتخوف طيف واسع في الشارع الليبي من نتائج قرار البرلمان إسقاط الحكومة، وشبه بعضهم التطورات الحالية بما جرى في عام 2014، حين انقسمت البلاد بين حكومتين في الشرق والغرب، ما خلف آثاراً سلبية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم.
وحسم مجلس النواب الليبي التكهنات حول مستقبل الحكومة الموحدة التي تدير شؤون البلاد منذ مارس (آذار) 2021، وشرع فعلياً في تحديد الإجراءات الخاصة باختيار حكومة بديلة بوضع13 شرطاً للترشح لمنصب رئيس “حكومة الاستقرار”، التي تقرر تشكيلها في غضون أسابيع.
وكانت أبرز الشروط التي حددها البرلمان، غير الشروط المتعارف عليها عادة في مثل هذه الحالات، أن يُقدم المرشح تعهداً مكتوباً بعدم ترشحه للانتخابات المقبلة، بعد الجدل التي تسبب فيه الدبيبة بترشحه للانتخابات الرئاسية التي تعثر إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ونصت الشروط البرلمانية على السماح لرئيس الوزراء الجديد بالترشح للانتخابات الرئاسية في حالة تقديم استقالته قبل الترشح.
وأوجب البرلمان في شروطه على المرشح أن يحصل على تزكية من 25 نائباً من أعضاء مجلس النواب، قبل قبول اسمه في قائمة المتنافسين على منصب رئيس الوزراء الجديد.
ضرورة التغيير
وأوضح المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب، فتحي المريمي، الأسباب التي دفعت البرلمان إلى المضي في طريق التغيير الحكومي، على الرغم من المحاذير الكثيرة التي يثيرها هذا القرار، قائلاً إن “لجنة خريطة الطريق تطرقت في تقريرها خلال جلسة مجلس النواب إلى وضع الحكومة الحالي، وبناءً على هذا التقرير ومناداة كثير من النواب بضرورة تغيير رئيس الحكومة، اتخذت رئاسة المجلس قرارها بتشكيل حكومة جديدة”. وأضاف “ستكون هناك حكومة جديدة قريباً، ولن نلتفت للضغوط الخارجية، فقرار تشكيل الحكومة وإقالتها شأن داخلي تُعنى به الأجسام السياسية الليبية، وعلى رأسها مجلس النواب المنتخب من الشعب”.
وأكد عضو لجنة خريطة الطريق البرلمانية، سليمان الفقيه، أن “اختيار حكومة جديدة بات ضرورة ملحة، ولن يقل عمرها عن عام كامل”.
واعتبر الفقيه أن “تشكيل حكومة جديدة شرط أساسي لرفع حالة القوة القاهرة التي أدت إلى تعطيل إجراء الانتخابات، التي كانت مقررة في 24 ديسمبر”.
وبيّن الفقيه أن “خريطة الطريق الجديدة للانتخابات ستكون جاهزة الأسبوع المقبل أو الذي يليه، بعد التواصل مع كافة الشركاء السياسيين”.
شروط بحكم التجربة
في السياق، قال المتحدث باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، إن “شرط عدم الترشح للانتخابات الرئاسية جاء نتيجة تجربتنا السابقة مع رئيس الحكومة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة”، مضيفاً أن “الشرط ليس خاصاً بالدبيبة أو أي شخصية أخرى”.
وأشار إلى أن “الدبيبة له الحق في الترشح لرئاسة الحكومة كأي شخص آخر إذا انسحب من الانتخابات الرئاسية، وحكومته انتهت ولايتها، وإذا أراد رئاسة الحكومة المقبلة عليه الترشح من جديد”. وتابع، “المرشح للرئاسة يجب ألا يكون شاغلاً لأي منصب يؤثر على فرصه في الفوز”، معتبراً أن “الدبيبة كان يملك السلطة والميزانية، وكان بإمكانه وضع العراقيل من خلال سلطته على كل الوزارات”.
ويتوقع كثير من المراقبين في ليبيا أن قرار البرلمان بتشكيل حكومة جديدة لن يفتح باب الخلاف مع الحكومة الحالية فقط، بل يُرجَّح أن يكون مجلس الدولة في طرابلس طرفاً بارزاً فيه، خصوصاً بعد تصويت البرلمان برفض إشراك المجلس الذي يقوده خالد المشري في التصويت على اسم رئيس الحكومة الجديدة.
وصوّت مجلس النواب، بالأغلبية على عدم أحقية مجلس الدولة في تزكية رئيس الحكومة الجديدة.
وكان رئيس البرلمان عقيلة صالح اقترح حصول رئيس الحكومة على 40 تزكية، 25 من مجلس النواب و15 من المجلس الأعلى للدولة، لكنه عاد وأعلن نتيجة التصويت على هذه المسألة، قائلاً إن “30 نائباً رفضوا مشاركة مجلس الدولة الدولة في اختيار رئيس الحكومة الجديدة، فيما بلغ عدد المؤيدين 21 نائباً فقط”.
وكان رئيس مجلس الدولة خالد المشري، أعلن قبل يوم من صدور قرار البرلمان بتشكيل حكومة جديدة، رفضه لهذا التوجه، مشدداً على أن “أي تعديل على السلطة التنفيذية الحالية يجب أن يتم وفق الإعلان الدستوري وخريطة الطريق السياسية”.
استبعاد مجلس الدولة
وفي أول ردود الفعل من مجلس الدولة على قرار البرلمان تشكيل حكومة جديدة، وصف عضو المجلس، عبد الجليل الشاوش، ما حدث في جلسة البرلمان، بأن “مرشحاً رئاسياً، هو عقيلة صالح، رئيس البرلمان، يعاقب مرشحاً رئاسياً منافساً له، هو عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة”.
وعبّر الشاوش عن استغرابه “تصريحات عقيله صالح، وهو رجل قانون، بخصوص انتهاء ولاية الحكومة، على الرغم من أن ملتقى الحوار السياسي حدد نهاية ولايتها بانتهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة”. وأشار إلى أن “المادة الرابعة من الاتفاق السياسي تحدد آلية اختيار رئيس الحكومة، في حالة شغور المنصب، ولحد الآن ما من شغور في منصب رئيس الحكومة”.
وساند عضو مجلس الدولة، علي السويح، رأي زميله الشاوش، معتبراً أن “كلام رئيس مجلس النواب بشأن انتهاء ولاية الحكومة في 24 ديسمبر الماضي، غير قانوني وبمثابة خلط جديد للأوراق”.
وحذر السويح، من أن “هذه التصرفات تنسف التقاربات الأخيرة بين كل الأطراف، وتفتح الباب أمام انقسامات جديدة في الدولة”.
سياسات فاشلة
في المقابل، رأت عضو مجلس النواب، ابتسام الرباعي، أن “أزمة حكومة عبد الحميد الدبيبة نعجز عن وصفها ليس في الفساد بل بتأسيسها لأمور خاطئة. ولدى الدبيبة إشكاليات كبيرة، وجلّ مشاكل مفوضية الانتخابات سببها الحكومة الحالية”.
واتهمت الرباعي في كلمة أمام البرلمان، الدبيبة بـ”التسبب في فشل الدولة وقيادتها للانهيار الاقتصادي بسياسات فاشلة، ولن يستقيم حال الدولة ما لم تُشكَل حكومة قوية لإنقاذ البلاد”.
كذلك حمل الباحث والأكاديمي مرعي الهرام، رئيس الوزراء الحالي، المسؤولية عن الأزمة الحكومية، وتبعاتها المحتملة بعد قرار البرلمان تشكيل حكومة جديدة.
وقال الهرام، إن “إصرار الدبيبة على الترشح للمنصب الرئاسي ومخالفة القانون كان السبب المباشر للبحث عن بديل له من قبل البرلمان، نظراً إلى أن هذا الترشح يؤثر على نزاهة المنافسة، مع استغلال رئيس الحكومة لموارد الدولة في الدعاية الانتخابية لنفسه”.