الأقتصاد

مبالغ نقدية تختبئ بين أنقاض البنك المركزي العراقي فرع الموصل

كلّفت حرب تحرير الموصل من سيطرة تنظيم “داعش” خسارات لا توازيها الانتصارات المعلنة، فالمدينة أحيلت إلى ركام ولم تبق مؤسسة حكومية صامدة أمام الضربات الجوية التي ملأت سماء تلك المدينة. ركام تحته جثث تفسخت، وكان صعب انتشالها في ظل كثرة الألغام التي جعلت المنطقة تشكل خطراً حقيقاً لمن يحاول رفع الأنقاض.

المدينة التي انتقلت بفعل الضربات الجوية إلى جوف الأرض وفوقها ركام حرب طاحنة، بدأت تظهر خباياها التي كانت قبل عام 2014، عام دخول “داعش” الإرهابي، بعد بدء عمليات إعادة الإعمار ورفع الأنقاض.
فمع البدء بإعادة أعمار مبنى “البنك المركزي العراقي فرع الموصل” وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى والمتمثلة بإزالة الجزء المتضرر ورفع الأنقاض، وبعد تكليف قوة من قيادة عمليات نينوى بفحص المبنى للتأكد من خلوه من الألغام أو القنابل القابلة للانفجار، وصل العاملون إلى خزائن البنك المطمورة تحت الأنقاض ليتم العثور بالصدفة على عدد من الأوراق النقدية الغارقة في المياه الجوفية، بعد فتح خزينة واحدة من أصل ثلاث خزائن يضمها البنك، فما قصة هذه الأموال؟

أموال تحت الأرض

وأعلنت اللجنة المكلفة جرد المبالغ التي عثر عليها في خزائن البنك المركزي في الموصل انتهاء عملها بعد العثور على 217 كيساً تضم مبالغ صغيرة وتالفة، وأكثر من 40 رزمة صكوك.
وضمت هذه الأكياس تحديداً أوراقاً نقدية من الفئات الصغيرة وهي 250 دينار عراقي (0.17 دولار) و1000 دينار (0.69 دولار)، بينما لم يتم التعرف إلى المبلغ بالكامل بسبب تلف الأوراق النقدية الغارقة في المياه الجوفية.
وأوضح المدير العام للبنك المركزي فرع الموصل، حسين لازم الزيدي لـ “اندبندنت عربية”، أن “الأموال التي وجدت في خزانة البنك المركزي في بنايته في الجانب الأيمن من الموصل، هي أموال تالفة بسبب الاستخدام اليومي، بعضها مُبطل وبعضها الآخر في طريقه إلى الإبطال. الأموال التالفة بسبب الاستخدام والتي تم تخزينها في خزائن البنك تعرضت إلى تلف من نوع آخر، إذ غرقت في المياه الجوفية بعد تعرض بناية البنك للتدمير إثر الضربات الجوية”.
وأشار الزيدي إلى أن “هذه الأموال تالفة، ونظراً لعدم الاستفادة منها تم الاحتفاظ بها في خزائن البنك تمهيداً لتلفها نهائياً وتبديلها بعملات جديدة”، مضيفاً أنه “تم تشكيل لجنة للتعامل مع هذه الأموال وسيكون مصيرها التلف، لأنها بالأصل تالفة وتعرضت أيضاً لضرر أكبر بعد غرقها بالمياه الجوفية، فأصبح مستحيلاً الاستفادة منها”. 

ما مصير هذه الأموال؟

يعتقد بعضهم أن هذه الأموال لو كانت صالحة للاستعمال لكان صادرها تنظيم “داعش” بعد سيطرته على المدينة منذ العام 2014 وحتى الإعلان الرسمي من قبل رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في يوليو (تموز) 2017 الانتصار على “داعش”، مما يؤكد أن هذه الأموال لم تكن صالحة للتداول بسبب تضررها قبل أن تُتلف بشكل كامل بفعل المياه الجوفية.
وقال المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي محمد مظهر صالح  لـ “اندبندنت عربية”، إن “هذه الأموال التالفة ستبقى ضمن موجودات البنك المركزي وحيازته، وطالما أنها تالفة ولم تحظ بالتسجيل فستُسجل ضمن موجودات أو أصول البنك، حتى وإن كانت لم تُسجل وجاءت ضمن ما تصرف به داعش من تحركات مالية للإرهاب، لتحتسب ثانية وتضاف إلى سجلات خسائر الحرب”.

ورأى حسين لازم الزيدي أن “طبيعة عمل عمل البنوك المركزية في كل دول العالم في الحالات الطبيعية هو استبدال العملة التالفة بسبب الاستخدام اليومي وتعوضيها بعملة جديدة”.

التعويض هو خسارة لثروات العراق

وبالعودة لمحمد مظهر صالح، رأى الأخير أن “تلك الأموال نهبت من ثروات الناس الشخصية أو من ممتلكات الدولة، ويشكل التعويض كلفة أُخذت من ثروات العراق الأخرى، كانت ربما مخصصة لأعمال ونشاطات جرى إيقافها وأعيد تخصيصها للتعويض، أو ربما اقتراضات تولتها الدولة لسد كلف واجبة السداد في المناطق المحررة، بحسب موقع المسؤولية، مثل رفع الألغام وإعادة بناء المدارس وغيرها مما تعرض لخراب الإرهابيين”.
واعتبر مستشار الكاظمي أن هذه الخسائر هي كلفة مضافة على الاقتصاد العراقي، وقال إن “الحكومة عوضت خسائر الفروع المصرفية الأهلية التي كانت لديها سجلات سليمة حتى يوم الاحتلال ونهبها الإرهاب، لا سيما ودائع المواطنين ممن لديهم أموال أودعت قبل الاحتلال مثل زبائن المصارف، وهكذا تلزم الدولة بالتعويض عن كثير من تعاملات الأفراد الموثقة مع الجهات الرسمية قبل دخول داعش”.

مؤسسات حكومية سويت بالأرض

من جهة أخرى، أفاد الصحافي زياد السنجري بأن “عمليات القصف الجوي لمدينة الموصل سارت بشكل تدريجي، فكانت في بدايتها تركز على ضرب تجمعات “داعش” وبعض الشخصيات المهمة في التنظيم، لتتسع بعدها وتشمل مؤسسات حكومية من ضمنها بناية البنك المركزي فرع الموصل”.
وطالت عمليات القصف الجوي جامعة الموصل وجسور المدينة الخمسة و67 مستوصفاً صحياً وتسعة مستشفيات كبرى من أصل 10، إذ لا يزال الـ 10 قيد الإنجاز.

 كما تم تدمير مطار الموصل الوحيد إضافة إلى آلاف المحال التجارية و270 مصنعاً ومعملاً وورشة في المدينة، وأعيد بناء الورش الأهلية، أما الحكومية فلم تشملها إعادة البناء.

إعمار المدينة يسير ببطء

وبلغ عدد المنازل المدمرة في مدينة الموصل 15 ألفاً، ولم تعد الحكومة بناء منزل واحد منها، بينما تمت إعادة الإعمار بجهود الأهالي. واستطرد السنجري قائلاً إن “التعويضات المالية لغرض إعادة بناء مدينة الموصل متوقفة منذ سنوات، وبدأت الآن عملية الصرف وبنسب قليلة جداً لمبنى البلدية، فكثير من مرافق دولة من محاكم ومؤسسات أخرى لم يُعد بناؤها بعد”.
وأوضح السنجري أن “الموصل تعاني الإهمال الشديد من قبل حكومة المركز، وكذلك من الحكومات المحلية بسبب استشراء الفساد، وكل الإدارات المحلية التي تعاقبت على الموصل دأبت على سرقة مقدرات نينوى، فعلى الرغم من تخصيص تريليون دينار عراقي عبر خمس موازنات وصلت إلى الموصل بعد التحرير، إلا أن المدينة لم تشهد تحسناً بسبب الفساد المستشري من قبل الأحزاب المهيمنة”.
ويبدو أن أنقاض الموصل تخفي بين ركاهما أسراراً كثيرة، فهي تضم ضحايا كانوا شهوداً على مرحلة صعبة عاشتها المدينة، كما يضم الركام أموالاً لم تُدون أو تُسجل، إذ عثر سابقاً على أموال تحت مبنى جامعة الموصل بانتظار ما ستفشيه خزائن البنك الأخرى من أسرار جديدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى