السياسة

بمجرد تنصيبه رئيسا للوزراء

آبيي أحمد يستأنف حرب الابادة ضد إقليم تيغراي

بمجرد تنصيبه كرئيس للوزراء ومن دون إعلان واضح، استأنف آبيي أحمد حربه ضد إقليم تيغراي، وأنهى وقفاً لإطلاق النار كان أعلنه في يونيو (حزيران) الماضي، في تطور ربما يكون متوقعاً إلى حد كبير، نظراً لطبيعة التطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها إثيوبيا خلال الآونة الأخيرة، فلماذا أقدم رئيس الوزراء الإثيوبي على خطوة الحرب الشاملة؟ وما هي نتائجها المتوقعة؟ وكيف يتعامل المجتمع الدولي مع هذه التفاعلات في إقليم القرن الأفريقي الملتهب أصلاً بسبب مسلسل لا يكاد ينتهي من الأزمات، خصوصاً تحت مظلة أزمة إنسانية قي إقليم تيغراي تحذر منها الأمم المتحدة؟

ربما تكون الأسباب الرئيسة لإقدام أديس أبابا على استئناف الحرب على إقليم تيغراي هي تلك التحالفات التي تبلورت ضد نظامه من قوميات إثيوبية متعددة اعتباراً من أغسطس (آب) الماضي في إطار قومية الأورمو وتجلياتها العسكرية، وهم الذين يشكلون نصف سكان البلاد تقريباً، حيث شهدت توسعات وامتدادات في الأقاليم الإثيوبية المختلفة، وذلك إلى حد الإعلان عن تحالف عسكري فيدرالي واسع بقيادة مشتركة ضد آبيي أحمد في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بين كل من جبهة الوحدة الديمقراطية الثورية عفار وحركة أجاو الديمقراطية وحركة التحرير الشعبية لبني شنقول وحركة العدالة والحق للشعب الكيماني العالمي وحزب كيمانت الديمقراطي وجبهة تحرير سيداما الوطنية ومقاومة الدولة الصومالية وحكومة إقليم تيغراي وجبهة تحرير شعب تيغراي.

في هذا السياق، يمكن ملاحظة أن حركة التحرير الشعبية لبني شنقول امتلكت تصنيفاً كونفيدرالياً في الاتفاق، وهو ما يجعلها قادرة على الانفصال عن إثيوبيا، أو على أقل تقدير، تملك قدرة على الحكم الذاتي، فضلاً عن الاعتراف بالاتفاق بين جبهة تحرير الأورومو وتحرير الأورومو الجيش وجبهة تحرير شعب تيغراي الذي أعلن في أغسطس الماضي، وهو ما يعني تنسيقاً عسكرياً بين الجبهتين.

وخاطب الاتفاق بين الأطراف الإثيوبية المجتمع الدولي حين أعلن احترامه لمواثيق حقوق الإنسان العالمية المتفق عليها تحت مظلة الأمم المتحدة بما فيها حقوق السكان الأصليين، كما أفرد اهتماماً بحقوق الإنسان، خصوصاً في حالة الحرب، ما يعني حقوق المدنيين وأسرى الحرب، كما قُدّمت التطمينات المطلوبة بشأن العناصر العسكرية الإريترية المتحالفة مع أديس أبابا في محاولة ربما لفك الارتباط بين الطرفين، والسعي لتشجيع الإريتريين على ممارسة عصيان ولو على نحو فردي وشبه جماعي ضد الجيش الفيدرالي الإثيوبي.

أما على المستوى السياسي، فتضمنت بنود الاتفاق ضد آبيي أحمد الإعلان عن إجراء حوار وطني شامل يهدف إلى وضع ترتيب انتقالي لحل الأزمة السياسية في البلاد.

ويمكن القول إن هذا الاتفاق والتحالف الواسع بين القوميات الإثيوبية، في ما عدا أمهرة، يُعدّ مهدداً سياسياً وعسكرياً لرئيس الوزراء وللمتحالفين معه، خصوصاً من قومية أمهرة، وهو الدافع الأساس لهذه الحرب الشاملة التي يخوضها آبيي أحمد حالياً، إذ وضع غطاء سياسياً لخطوته هذه عبر بيان صادر عن الحكومة الإثيوبية صدر قبل أسبوع يتهم جبهة تحرير تيغراي بالتدمير المتعمد للبنية الاقتصادية شمال البلاد، في شمال منطقة لو وجوندار، كما استُهدف مشروع السكك الحديدية في منطقة أواش، التي تقع شمال شرقي إثيوبيا، داعية المجتمع الدولي إلى النظر في حاجات السكان هناك، حيث تتعرض مقومات حياتهم الأساسية في الرعي والزراعة للتدمير من جانب جبهة تحرير تيغراي.

وأضاف البيان الحكومي الإثيوبي أيضاً أن “عمليات التدمير المتعمدة تجاوزت حياة الأفراد والمجتمعات ككل في كثير من الأماكن، بحيث لم تسلم دور الحضانة والمدارس والكليات والبنوك والمراكز الصحية والفنادق وغيرها من المؤسسات”.

في مقابل هذا الخطاب الحكومي الإثيوبي، فإن الكاتب والباحث الأميركي ألكس دي وال يرصد 200 موقع مذبحة ضد تيغراي، ويقول “إنه يتم استخدام سلاح التجويع عبر حصار الإقليم الذي يحتاج فيه أكثر من خمسة ملايين شخص إلى مساعدات طارئة، ما يقدر بنحو 4 آلاف طن في اليوم، التي من شأنها أن يتم تجهيز 100 شاحنة لنقلها. ومنذ أن استعاد سكان تيغراي السيطرة، تم السماح بدخول ما مجموعه 435 شاحنة فقط. وهذا متوسط ​​حصة يومية تبلغ حوالى 40 غراماً، أي أكثر بقليل من ثلث كوب من الدقيق لكل شخص”.

ومع هذه الأوضاع المرعبة إنسانياً التي تملك تداعيات سياسية بالتأكيد، تحاول أديس أبابا دوماً تحييد النطاق الإقليمي الأفريقي، من خلال إطلاعه على مجريات الصراع من وجهة نظرها، فيقود وزير الخارجية الإثيوبي جهوداً متواصلة على مدى عام تقريباً للتفاعل مع كل من أوغندا ورواندا وكينيا وهي الدول الثلاث خارج نطاق التحالف الإثيوبي العضوي مع كل من إريتريا وجيبوتي والصومال.

ولعل الدوافع الإثيوبية لهذا النشاط الإقليمي هي خفض مستوى مخاوف القادة الأفارقة من حالة فشل دولة في إثيوبيا، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تعميق عدم الاستقرار في جميع أنحاء القرن الأفريقي.

ويبدو أن الصراع العسكري الواسع في إثيوبيا، الذي من المرجح تطوره، يقف أمامه المجتمع الدولي شبه عاجز، إذ إن الآثار الإنسانية لهذا الصراع ستتسع تحت مظلة من الممانعة الإثيوبية الحكومية من التعاون مع الأمم المتحدة إلى حد وصل إلى طرد 7 مسؤولين أممين تحت مظلة اتهامهم بتقديم معونات غذائية وإنسانية إلى إقليم تيغراي بشكل منفصل.

هذا التطور أفضى إلى تدخل مجلس الأمن الدولي وعقده  جلسات عدة بهذا الشأن، على أن صدور قرار بشأنه تعطّله كل من الصين وروسيا كما دخلت على خط دعم الحكومة الإثيوبية الهند أيضاً.

هذا المشهد في مجلس الأمن يؤشر إلى أن مسألة الحرب الداخلية الإثيوبية في إقليم تيغراي أسهم في تحوّل البلاد تدريجاً إلى منصة للصراع  بين أطراف النظام الدولي في منطقة حساسة على المستوى العالمي، هي منطقة القرن الأفريقي التي تتمتع بموقع جيوبوليتيكي مؤثر في مصالح دولية استراتيجية واقتصادية.

 وغني عن البيان أن المغازلة الروسية لأديس أبابا وعرض الدعم العسكري لها مرتبط إلى حد كبير بالمشروع الاستراتيجي لموسكو بالتوسع في أفريقيا، وهو مشروع يملك أبعاداً عسكرية، خصوصاً مع حجم وطبيعة الحضور الأفريقي هذا العام للمنتدى العسكري التقني الدولي الروسي للجيش في بلدة كوبينكا الروسية في أغسطس الماضي، الذي ينظمه المجمع الصناعي العسكري الروسي سنوياً، إذ كانت لافتة في المنتدى الأخير زيارة ضباط من القوات المسلحة المالية والقوات المسلحة الغينية وشركة الصناعة العسكرية الروسية، كما وقّعت كل من زامبيا والكونغو اتفاقيات توريد أسلحة، بينما كان الحضور الإثيوبي لافتاً بسبب الحرب على تيغراي.

هذا النشاط الروسي لتسليح القارة الأفريقية توّج مجهودات سابقة لشركة “روس أوبورون إكسبورت”، التي عقدت اتفاقيات ثنائية مع دول أفريقية عدة، اعتباراً من عام 2014 منها أنغولا وغينيا الاستوائية ومالي ونيجيريا والسودان. وإلى جانب المعدات العسكرية، تتضمن الاتفاقيات أحكاماً لمكافحة الإرهاب والتدريب المشترك للقوات الأمنية والعسكرية، بحيث شكّل مجمل هذه الاتفاقيات 49 في المئة من الصادرات الروسية لأفريقيا في مجال التسليح، طبقاً لمؤشرات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام. يشار إلى أن التوسع التسليحي الروسي في أفريقيا كان محلاً لتحذير جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي عام 2018 الذي لفت إلى ضرورة الانتباه إليه.

أما على الصعيد الصيني، فإن تأسيس العلاقات الإثيوبية الصينية استجاب عام 1995 للحاجات الإثيوبية أكثر من الاعتبارات الصينية، إذ كان ملس زيناوي في حاجة إلى داعم اقتصادي لمشروعه التنموي، الذي أصبح عنوانه الكبير سد النهضة، بينما لم تكُن بكين اكتشفت بعد طريقها نحو أفريقيا بفاعلية، فلم يتجاوز التبادل التجاري بين الطرفين حاجز الـ10 مليارات دولار، وهو الرقم الذي يتعدّى حالياً الـ200 مليار دولار.

حالياً، تبدو أديس أبابا المنصة المناسبة لمناوءة بكين لواشنطن، فإثيوبيا دولة كبيرة في القرن الأفريقي ومؤثرة في تفاعلاته في حال قوتها، وهي دولة قريبة من البحر الأحمر بمسافة لا تتجاوز 60  كيلومتراً، لها امتدادات نفوذ على سواحله عبر إريتريا وجيبوتي، حيث يبدو البحر الأحمر هو الأهم لبكين حالياً بسبب مشروعها الحزام والطريق، وهو المشروع الذي تقرأه واشنطن على أنه مشروع هيمنة صينية على العالم.

وهكذا تبدو الحرب على إقليم تيغراي تُدار تحت مظلة مخاوف أفريقية وصراعات دولية مرشحة للتطور بأفق عدد من السيناريوهات: الأول هو استمرار الحرب بسبب تعنت كل من آبيي أحمد ودير صيبون، حاكم إقليم تيغراي المصمّمين على حسم الصراع عسكرياً، وهو أمر يبدو مستبعداً، وربما يفتح إثيوبيا على سيناريو فشل الدولة.

أما السيناريو الأخير، فهو دعم قوة عسكرية دولية بشكل مباشر أحد الطرفين، وهو ما يجعل هذه القوة تغرق في مستنقع شرق أفريقيا بكل مشكلاته، ويجعل هذا التدخل خصماً منها لا إضافة لها.

إجمالاً، نحن أمام صراع لا يبدو أن حسمه ممكن على المستوى القصير أو المتوسط، وهو صراع منذر ومؤثر في الدولة الإثيوبية وملف أزمة سد النهضة معاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى