الادب والثقافة

آمال معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ما زالت مهددة

المخاوف الكورونية جعلت عودته ناقصة فغاب ناشرون وكتاب والجمهور لم يملأ الأروقة

يختتم معرض فرانكفورت الدولي فعالياته لهذا العام باختلافات كبيرة عن العام الذي سبقه 2020، وعن الأعوام السابقة. فعلى الرغم من أن المخاوف والإغلاقات التي فرضها فيروس “كوفيد-19” لم تنتهِ نهائياً، وهذا ما تسبب بإلغاء هذا المعرض في العام الماضي، والاكتفاء به افتراضياً على طريقة الديجيتال، فإن إدارة المعرض كانت مصرة على إقامته هذا العام، من 20 حتى 24 أكتوبر (تشرين الأول)، ولو أن ذلك أوضح أكثر الآثار التي تركتها المخاوف من وباء كورونا في قطاع النشر.

وبمقارنة بسيطة بين آخر معرض جرى في عام 2019 والمعرض الحالي، تظهر الفروق بوضوح. ففي عام 2019 كان يزور المعرض يومياً أكثر من 300 ألف زائر، بينما الحد الأقصى لمعرض هذا العام هو 25 ألف شخص، وهو فرق هائل وكبير بين الرقمين. الفارق يتجلى كذلك بأن الزائر ملزم بإبراز تلقيه اللقاح الخاص بفيروس “كوفيد”، وإلا فعليه إجراء الفحص السريع لذلك ضمن طوابير طويلة. وعلى الزائر أن يلتزم بوضع الكمامة الطبية، واحترام مسافة التباعد عن الآخرين بمترين.

هذا العدد القليل في مساحة هائلة كمساحة معرض فرانكفورت الشهير، والتي تقدر بأكثر من 170 ألف متر مربع، جعلت ممرات المعرض شبه خاوية في هذا العام.  هذا الفارق في عدد زوار المعرض، وسلبيات هذا النقص، ظهر كذلك في عدد العارضين ودور النشر. ففي هذا العام شارك 1500 ناشر من 70 دولة. بينما في عام 2019 كان عدد الناشرين 7500 من أكثر من 100 دولة.

من معرض فرانكفورت للكتاب 3.jpg
نشاطات قليلة 

ولكن، من جهة أخرى، فإن إقامة هذا المعرض بعثت آمالاً كبيرة لدى دور النشر والكتاب، بخاصة أنه يأتي قبل فترة أعياد الميلاد، التي تمتد لأسبوعين حتى 24 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، والتي تشهد سنوياً في ألمانيا مبيعات هائلة، تشكل ما مقداره ربع مبيعات دور النشر خلال عام كامل. وعلى الرغم من هذه الآمال، فقد حذر مدير المعرض، يورغن بوس، “لم نصل بعد إلى مرحلة إقامة معرض للكتاب بصورته الطبيعية”. واستدرك بوس، خلال افتتاح المعرض، بقوله إن حدث هذا العام يشكل فرصة من أجل “إعادة التواصل” في قطاع النشر والكتاب بعد انقطاع 18 شهراً عن المعارض المهنية الكبرى في هذا المجال.

كندا ضيف شرف

كان من المقرر أن تكون كندا هي ضيف شرف معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في عام 2020، وهذا ما جعل دور نشر ألمانية عديدة تتواصل مع عدد كبير من الكتاب الكنديين، ووقعت معهم عقود شراء حقوق أعمالهم، في مختلف المجالات الأدبية والثقافية والسياسية والاجتماعية، وأجرت كذلك اتفاقات مع مترجمين مختلفين. وقامت تلك الدور بالفعل بنشر عشرات الأعمال لكتاب كنديين، قبل أن تأتيهم الصدمة بإلغاء معرض ذلك العام، لكن إدارة المعرض قررت أن تبقى كندا ضيف هذا العام أيضاً، ما مكّن الناشرين الألمان، ودور النشر الكندية، من إعادة طبع تلك الأعمال وعرضها في المعرض الحالي.

thumbnail_من معرض فرانكفورت للكتاب 4.jpg
جناح بولندا شبه فارغ

ولهذا السبب وُجد في المعرض الكاتبان ميشال جان ومايكل كرامي، إضافة إلى الروائي الهايتي الأصل داني لافيريير، بينما شاركت عبر الإنترنت الكاتبة مارغريت أتوود، إحدى أشهر الروائيات الكنديات، والمرشحة منذ أعوام لنيل جائزة نوبل في الأدب.

هذا العدد من الكتاب يبقى قليلاً جداً، ففي العادة يحضر عشرات الكاتبات والكتاب من الدولة الضيف، وتقام لهم عشرات الأمسيات والمقابلات والنقاشات مع الجمهور. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من أن ألمانيا تبدو أنها استطاعت السيطرة على تفشي الوباء، فإن المخاوف منعت الكثير من الكتاب ودور النشر، بخاصة من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وآسيا، من حضور معرض هذا العام.

تقليد إيجابي

في كل عام يكون هناك أدب بلد ما كضيف شرف لمعرض الكتاب في فرانكفورت، وهو تقليد إيجابي جداً، يشمل دور النشر والمكتبات والكتاب والنقاد والمترجمين والقراء، للتعرف بشكل تفصيلي على أدب دولة أخرى. وقبل أدب كندا، ضيف المعرض هذا العام، كان الأدب النرويجي (2019)، والأدب الجورجي (2018)، والأدب الفرنسي (2017)، والأدبان الهولندي والبلجيكي (2016)، بينما تم الاحتفاء بأدب العالم العربي، في شكل شامل، وليس بأدب كل دولة عربية منفردة، في عام 2004. وكانت فرصة كبيرة لترجمة الأدب العربي وترويجه في ألمانيا، وأوروبا. وكانت هناك حركة ترجمة جيدة في ذلك الوقت، وأغلبها كان لأسماء مكرسة وكلاسيكية، ولكنها سرعان ما خبت في السنوات اللاحقة.

وعند زيارة الأكشاك المخصصة لدور النشر العربية، ومعرض الكتاب في فرانكفورت هو لعقد الصفقات وليس لبيع الكتب مباشرة، يفاجأ المرء بأن غالبية تلك الدور رسمية لا تجد إقبالاً واسعاً من دور النشر الأجنبية، ولا من المكتبات. حتى إن كثيراً من الزائرين العرب، الذين يبحثون عن الكتب باللغة العربية في ألمانيا وأوروبا، والذين صاروا يشكلون جالية كبيرة هناك، يصابون بخيبة الأمل.   

جمهور قليل

وعن أحوال المعرض لهذا العام قالت الشاعرة السورية الكردية، وداد نبي، التي شاركت في أمسية من أمسيات المعرض لترويج كتابها الجديد “كسور غير مرئية”، الصادر بالألمانية عن دار سوجيت، إن أول شعور راودها، عندما وصلت من برلين إلى فرانكفورت، هو الشعور بالكآبة. مسيات المعرض لرويج كتابها الشعري الجديد “أمسيات المعرض لترويج مجموعتها الشعرية الجديدة “كسور غير أمسيات المغعرض وقالت لـ”اندبندنت عربية” إن “الكآبة هي أول ما شعرت به، حين تخطيت البوابة، بعد أن طلبت مني الموظفة بطاقة اللقاح والهوية وبطاقة الدخول، فيما كانت الموظفة الثانية تذكر الزائرين بضرورة المحافظة على المسافة ووضع الكمامة”.

thumbnail_من معرض فرانكفورت.jpg
الجناح المصري مع العلم فقط

وأشارت إلى أن تلك الكآبة كانت تمتد أكثر فأكثر وهي تسير في الممرات العريضة شبه الخاوية تقريباً… “لم تكن هناك طوابير انتظار، وكنت قادرة على السير دون الاصطدام بالزائرين كما كان الأمر يحدث في عامي 2016 و2019 حين كنت مدعوة إلى هناك. كانت ذاكرتي تجري مقارنة بسيطة بين هذا المعرض ومعارض الأعوام السابقة. عدد العارضين والزائرين أقل بكثير. قبل الوباء كانت فكرة زيارة المعرض مثل الذهاب إلى عيد، أو مهرجان احتفالي ضخم، لكن هذا العام ظل فيروس (كوفيد-19) يحوم حول المكان. كل شيء كان قليلاً بالمقارنة مع الماضي”.

ربما كان محقاً مدير معرض فرانكفورت يورغن بوس حين قال، “دعونا لا نخدع أنفسنا، العودة إلى العمل لا تعني العودة إلى الوضع الطبيعي”. وهو محق بالنسبة للناشرين، فوجودهم في المعرض، على الرغم من قلة الزائرين والأنشطة، يبقى أفضل بكثير من إلغاء المعرض.

أضخم سوق للكتب

thumbnail_معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2021.jpg
مشهد غير مألوف سابقاً

“ضد الوباء”، كان هذا عنواناً في العامين الماضيين، للحفاظ على سوق الكتب ودعم الكتاب الورقي، وكذلك دعم اللقاءات والأمسيات، في ألمانيا التي تعد أضخم سوق للكتاب في الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي توقف فيه عديد من دور النشر، الصغيرة والمتوسطة عن العمل، وارتباك حركة وصول الورق والكرتون، لأسباب مختلفة تتعلق بحركة السفن والموانئ وسائقي الشاحنات، فإن دور النشر والمكتبات الألمانية وجدت حلاً آخر لدعم الكتاب (الورقي والصوتي والإلكتروني) والقراءة، من خلال تطوير مواقعها الإلكترونية والبيع الرقمي، مما ساهم في ارتفاع مبيعاتها بنسبة 20 في المئة عن المبيعات السابقة، والتي تبلغ أكثر من ملياري يورو سنوياً، لكن حركة نقل الورق ومستلزمات الطباعة تثير منذ الآن مخاوف لدى دور النشر من أجل تزويد المكتبات والقراء بالكتب الجديدة، بخاصة بعد العقود الجديدة.

وفي ألمانيا، هناك معرض آخر لا يقل أهمية عن معرض فرانكفورت الذي يقام في خريف كل عام، وهو معرض لايبزغ للكتاب، الذي يقام في ربيع كل عام. وإذا كان معرض فرانكفورت قد تأسس في 18 سبتمبر (أيلول) من عام 1949، فإن معرض لايبزغ الدولي للكتاب معروف بنشاطه منذ 800 عام، وهذا ما يجعله من أقدم المعارض في العالم.

العودة إلى تنظيم معرض الكتاب في فرانكفورت لهذا العام تعد بداية ناجحة في تبديد المخاطر التي تحيط بقطاع اقتصادي كبير، وهو سوق صناعة الكتاب ونشره وبيعه، وترسخ استمرار الدعم الكبير للكتاب الورقي وعقد اللقاءات بين الكتاب والقراء. وهو، في كل الأحوال، أفضل بكثير من إلغائه كما حدث في العام الماضي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى