محمود حسن / يكتب / القبة الحديدية والعالم الإفتراضي
حينما كانت الحروب تقليدية عكفت الدول على إختراع حوائط للصد ‘ وتفننت في إيجاد مضادات للصواريخ والمدفعية والطيران إلى أن توصلوا إلى إختراع القبة الحديدية ‘ وهي غطاء بتقنية علمية وعسكرية معينة لصد أي هجوم صاروخي يحاول إختراق الحدود ‘
إلا أن السلاح الذي بين أيدينا الآن وهو ما يسمى ” السوشيال ميديا ” أو العالم الإفتراضي والذي أصبح عالما موازيا لعالم الواقع بل تفوق على الواقع وابتلعه وأمتزج فيه بشكل عجيب ‘ والذي لم ولن تتمكن اي دولة من صناعة قبة حديدية ولا فولاذية لصد هجومه او التصدي لعدوانه المارد ‘ لأنها حرب من نوع خبيث جدا لا يفطن إليها إلا أولو الألباب ‘
لقد تمكن هذا الفيروس من التفاعل والإندماج في الهواء فأصبح أحد مكوناته ‘ ونجح في استقطاب كافة المستويات من الناس ‘ فتحول مساره ‘ وخرج من دائرة النفع التي يجب أن يكون عليها ‘ وبات من النادر جدا من يستثمر هذا العلم المذهل بشكل إيجابي مفيد ‘ فلسنا ضد التقدم العلمي ‘ ولكن العلم يمسي قاتلا ومدمرا إذا ما وقع في أيدي الجهلاء الغير مؤهلين لتوجيه هذا العلم الرفيع نحو الطريق الصحيح ‘
لقد أسيء استخدام الانترنت بوسائل إتصاله وتواصله المختلفة بشكل مهلك ‘ ونجح من خططوا لإستغلاله – في تدمير مجتمعاتنا – نجاحا مبهرا ‘ وحققنا لهم من النتائج فوق ما كانوا يتوقعون ‘
فها هو التمزق الإجتماعي تحقق ‘ وهاهي العلاقات الافتراضية المشبوهة انتشرت ‘ وهاهي الأسرار تفشت ‘ وهاهي الفضائح عمت ‘ وهاهي الأسرة تفتتت وأصبح لكل فرد عالمه الآخر ‘ واصبح كل منهم بعيدا كل البعد عن أهله وأخوته ‘
أما عن الألعاب فحدث وأطل الحديث وأطربنا بل وا أسفاه وا حزناه على ما آل إليه حال الشباب جراء تلك الألعاب التي أدمنوها كأشد وأخطر أنواع المخدرات ‘ لقد تغيبت عقولهم ‘ واضمحلت ثقافتهم ‘ وراحوا في عزلة تامة عن الواقع ‘ باعوا من أجل تلك الألعاب أبويهم ومستقبلهم ووقتهم وراحة أجسامهم ‘ أهملوا التعليم والأكل والنوم وتجاهلوا كل من حولهم وظلوا عاكفين عليها أكثر من عشرة ساعات يوميا ‘
ومنهم من وصل إلى حالة العزلة او التوحد او الإكتئاب ومنهم من أنتحر او فكر في الإنتحار بسبب تلك الألعاب المسمومة ‘ لقد تمكنت تلك القوى العدوانية الخبيثة من إختراق هؤلاء الشباب والسيطرة عليهم تماما واقتيادهم وتحويلهم إلى هياكل هلامية ،
أما عن باقي الأشكال والأصناف والأنواع من العائلة الإفتراضية الخبيثة مثل ” التيك توك وانستجرام واليوتيوب والفيسبوك ” ومواقع المشاهدات المختلفة فقد خلفت جيلا جديدا ينشر بذاءات وحماقات وجهالات مقززة وحقيرة ‘ وأفرز مستويات مختلفة ومتخلفة من الجهلاء والسفلة ومنعدمي الضمير والأخلاق ‘ كل ما يعنيهم نسبة المشاهدات وما يدر عليهم من مال سحت ‘
وأصبح لهذا المجال نجومه وأكابره ‘ واختلقوا لأنفسهم مسميات ومناصب مثل ” يوتيوبر ‘ إنفلوينسر ‘ وبابليك فيجر ‘ وبلوجر ‘ وملك التريند ” وما هي إلا أسماء سميتموها ما أنزل الله بها من سلطان ‘ فتطالعنا فتاة شاذة تدعو للفاحشة ويتابعها الملايين ‘ وأخرى ضالة مضلة تنسج من وحي خيالها قصص لزنا المحارم وخلافه وتدعي أنها واقعية وحدثت بالفعل ويتابعها الملايين ‘ وأخرى تتفوه بأقذر الألفاظ الناجمة عن جهل منشأها وتلوث بيئتها ويتابعها الملايين ‘ وهذا شاب صفيق اللسان مغيب الفكر ممول الهدف ينفث سموم التطرف والإرهاب في عقول الشباب ويشعل الرغبة في التخريب والكراهية للأوطان ويتابعه الملايين ‘
لقد وقعنا في شباك إخطبوط له ملايين الأذرع التي طوقت عقولنا قبل رقابنا ‘
فالأمر يحتاج إلى قبة من نوع خاص وتدخل إستراتيجي سريع للغاية لإنقاذنا مما هو أخطر وأشد من الموت ‘
فهل من مغيث ؟؟